حينما لا يتحمل المستبد الفيلم السينمائي: "خلاويص" نموذجا

محمد ثابت | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

نكهة الفيلم المصري السياسية التي عرفتها سينما الكنانة في تاريخها الحديث والمعاصر، تكاد تُزهق وتفيض روحها إلى بارئها في عهد الديكتاتور المستبد "عبد الفتاح السيسي"، فالأخير لا يعترف بحرية لمصري في اتخاذ قرار يخالف ما يراه، بل إنه يرى الموت واجبا على المخالفين له في الرأي، من هنا يكاد مناخ الحرية في مصر يتلاشى، ومن ذلك الفيلم المفترض أنه سياسي "خلاويص" للمخرج خالد الخلفاوي، إنتاج 2018.

بطل الفيلم أحمد عيد، قدم عبر تاريخه السينمائي عددًا من الأفلام ذات البعد السياسي، ولو بدرجات مختلفة، من "فيلم ثقافي" الذي أُنتج عام 2000 للمخرج محمد أمين، لـ "ليلة سقوط بغداد" في 2005 إخراج محمد أمين أيضا، 2007 "أنا مش معاهم" إخراج أحمد البدري ، 2008 "رامي الاعتصامي" للمخرج سامي رافع، و"ياباني أصلي" للمخرج محمود كريم في 2017.

وفي طريق تدرجه للصعود للشهرة، حاول عيد تقديم مضمون يجذب الجماهير، ويلامس الواقع السياسي، لكن يبقى فيلم "خلاويص" من أضعف ما قدمه إلى السينما، فالتيمة والنموذج السياسي الذي قدمه الفيلم تمادى في الأخطاء والخطايا الفنية سواء في الشكل أو المضمون حتى صرنا أمام نموذج للفيلم المشوه.

ورغم القصة الحقيقية المستند إليها الفيلم، وقد جرت وقائعها في فبراير/شباط 2016 بالفعل، من إدانة القضاء المصري في حكم غيابي للطفل منصور قرني أحمد علي، البالغ من العمر نحو 4 سنوات، لاتهامه بالاشتراك في مظاهرة رافضة للنظام بمحافظة الفيوم، جنوب غربي القاهرة، إلا أن مؤلفا الفيلم لؤي السيد وفيصل عبد الصمد عمدا إلى تجهيل الفترة التي دارت فيها أحداث الفيلم والإشارة الواضحة لذلك في بدايته، ثم نسبتها إلى فساد باق من فترة حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك بتعمد تصوير مبنى الحزب الوطني الرئيسي المحترق، قبل هدمه في ميدان عبد المنعم رياض أثناء الفيلم.

ورغم الاضطراب والتفكك الزمني في أحداث الفيلم، والمبالغة في الكوميديا على حساب المضمون، إلا أن نظام السيسي نفسه لم يتحمل ما في الفيلم من نقد سياسي، وأطلق عليه رصاصة الرحمة، بحجبه من دور السينما بعد نحو 3 أشهر فقط من عرضه.

الفيلم السياسي

نكهة الفيلم السياسي عرفها الفن السينمائي في مصر بشكل خاص بعد يوليو/تموز 1952م، حيث ظهرت سلسلة أفلام تعيب الملكية، وتنسب إليها جميع أسباب تأخر وتخلف مصر، من فيلم "شروق وغروب" للمخرج كمال الشيخ عام 1970، وقبله بـ"رد قلبي" للمخرج عز الدين ذو الفقار 1957، و"ألمظ وعبده الحامولي" إخراج حلمي رفلة عام 1962، حتى "في بيتنا رجل" للمخرج بركات عام 1967، وهلم جرًا.

لاحقًا عرفتْ مصر مثل النوع الواضح الصريح في مواجهة نظم سياسية انتهت بوفاة الحاكم، كما في "الكرنك" للمخرج علي بدرخان عام 1975، "إحنا بتوع الأتوبيس"  للمخرج حسين كمال عام 1979، وجاء الفيلمان عقب رحيل الرئيس جمال عبد الناصر ونظامه الشرس ضد المعارضين. واستمر النهج نفسه مع مجيء مبارك ضد سلفه السادات، وعقب ثورة 25 يناير ضد مبارك وهكذا.

لكن هذه الأفلام المباشرة في المضمون الواضحة في الشكل عبر التعبير عن العصر السابق بأدواته الظاهرية من ملابس ومناخ سائد، كانت تواكبها أفلام سياسية أخرى تعمد إلى نقد النظام في أوج وعز جبروته مستخدمة الرمز الدال، كما في فيلمي "الزوجة الثانية" للمخرج صلاح أبو سيف في عام 1967، و"شيء من الخوف" إخراج حسين كمال عام 1969، وقد تم إنتاجهما في عهد عبد الناصر ليدينا نظامه وتم عرضهما في عصره، وقيل إنه شاهد الفيلم الأخير وأجازه بنفسه بعد أن قال: "إحنا لو كنا كده نبقى نستاهل الحرق فعلا".

لاحقا وفي عام 1986 ثارت مشكلة كبرى حول فيلم المخرج عاطف الطيب "البريء"، الذي أشار فيه إلى أن الأحداث تعود لعام 1967، فيما رأت الرقابة أن أجواء الفيلم الشكلية من ملابس ومناخ عام تعود بالفعل إلى عصر مبارك، أو وقت إنتاج الفيلم، ولولا تدخل شخصية عسكرية بمشاهدة الفيلم وإقراره وتغيير خاتمته لتم منعه فعليًا.

رصاصة الرحمة

في 6 أبريل/ نيسان الماضي ضاق النظام المصري بمساحة الحرية التي منحها لفيلم "خلاويص"، ولم يتحمل نقده لأجهزته الأمنية وسياسات الحكومة، ففي أسبوع عرض الفيلم الحادي عشر تقرر رفعه من جميع دور العرض، وكانت الحجة أنه لم يتعد حاجز المليون و125 ألف جنيه.

مع بداية الفيلم غاب أحمد عيد لدقائق، تعرفنا فيها على توفيق (الممثل أحمد فؤاد سليم) الذي يعمل رئيسا في جهاز المخابرات (غالبا العامة بحسب ملابسه)، ورغم الأداء المميز وإيجابية توفيق في بداية الفيلم، برفضه رفع الأسعار التي تثقل كاهل المواطن العادي، واستنكاره صمت الشعب تجاه ذلك، لكن تعيينه طارق (الممثل حمادة بركات) ابن أخته كمساعد له في الجهاز أظهر فساده (الواسطة)، وهو الأمر الذي يذكرنا الفيلم به طوال الوقت بمناداة طارق لتوفيق بـ"خالي".

لكن وقفزًا فوق منطقية الأمور التي تعمدها الفيلم، جاء في تغيير درامي شبه إغريقي مشهد إبلاغ طارق عن خاله بتهمة الفساد، رغم كونه (طارق) أحد مظاهر هذا الفساد، بقبوله لمنصب قيادي لمجرد أن المسئول شقيق والدته.

ومع توالي قصة الفيلم تظهر بوضوح حيرة كاتبيه، فكل مظهر من مظاهر الاعتراض على النظام يتم الانقلاب عليه بعد قليل، بل إدانته وتبريره، وهو ما قتل الفيلم في النهاية، قبل سحبه لاحقًا من دور العرض.

قصة الفيلم

تدور قصة "خلاويص" حول حسن (أحمد عيد) سائق التاكسي الذي يعيش مع والديه في بيت آيل للسقوط بعد وفاة زوجته رافضا الزواج من جديد، مكتفيا بتربية نجله عليِّ (آدم وهدان)، بداية الفيلم تدور في الإطار الأسري الذي يحرص عيد عليه، وبالتالي يجتذب جميع أفراد العائلة المصرية، مما يحقق أكبر قدر ممكن من المشاهدة لأفلامه، وهو ما لم يتحقق لـ "خلاويص" المسحوب سريعا من دور العرض.

عندما يحب المدير المخابراتي (توفيق)، تنفيذ أوامر رئيسه (صوت فقط عبر التليفون) بافتعال قضية رأي عام تلهي الشعب عن قرار السلطة رفع أسعار البنزين، يركب توفيق التاكسي مع حسن وبجواره ابنه علي، فيسأله توفيق عن رأيه في الحكومة فيرفع حسن صوت الكاسيت ويرقص مع علي، في إشارة إلى عزوف حسن المطلق عن الحديث في السياسية.

لكن حسن الذي "يمشي جنب الحائط"، يفاجئ بالقبض على ابنه عليّ (5 سنوات) لتنفيذ حكم غيابي صدر ضده بالسجن 15 عاما بتهمة المشاركة في مظاهرة ضد النظام وتكدير الأمن العام، والطبيعي أن تعاد محاكمة علي كون الحكم الصادر كان غيابيا وهو ما تجاوزه الفيلم بشكل غير مفهوم.

ومع سجن علي يبدأ فصل جديد في حياة حسن الذي لم يجد بجواره إلا محامية شابة (الفنانة آيتن عامر) تحاول مساعدته، فيتفق معها على حيلة يدخل بسببها السجن ليلازم طفله، وفق قاعدة قانونية تسمح بجمع شمل الأقارب المسجونين، في إشارة على ما يبدو إلى واقعة سجن علاء وجمال مبارك ووالدهما في مكان واحد.

وفي السجن يتعاطف المأمور مع حسن وابنه، ويحول السجن لهما إلى ما يشبه الفندق خمس نجوم، فالجميع يهتم بهما حتى أن أحد المساجين يعلم صغيره القراءة والكتابة.

وتنجح المحامية الشابة في الإفراج عن حسن (تنازلت عن قضية السرقة بالإكراه) وابنه علي الذي يعرض لأول مرة على قاضي محكمة ويتأكد أنه ليس المتهم الحقيقي فيحكم ببراءته، لكن القيادي المخابراتي وبدلا من البحث عن المتهم الحقيقي (لتقفيل القضية) يقنع حسن بالاعتراف بالتهمة مقابل إغراءات مادية ووعد بحكم مخفف، ولأن القضاء، وفق الفيلم، لا يتلقى أوامر من النظام، يتم الحكم على البطل بخمسة عشر عاما.

ويستغل حسن فرصة جاءته دون تخطيط منه للهروب من السجن ويقرر بعدها الهجرة لإيطاليا مع نجله على سطح مركب متهالك عبر البحر المتوسط قبل أن يستوقفه طارق ضابط المخابرات، الذي فاق ضميره بصورة أسطورية، وقرر الإبلاغ عن خاله.

وقفات سريعة

  • حركة الكاميرا تعمدت أن تمر بكل ما هو جيد في مصر، حتى في السجن أغلب ملابس المساجين دائما مكواة نظيفة، وكذلك الشوارع في أفضل حالاتها.
  • افتقد الفيلم ترابطه الزمني.
  • ظهر التناقض الواضح في شخصية توفيق (أحمد فؤاد سليم)، بين براءته المهنية في بداية الفيلم، البراءة التي تخدم النظام، وتحوله في نهاية الفيلم لشرير بحثا عن رضا رئيسه والحفاظ على منصبه.
  • الطفل آدم وهدان في دور علي كان ينقصه الكثير من التدريب، أما آيتين عامر فحرصت على إظهار جمالها أكثر من حرصها على تقمص دور المحامية.
  • ديكور الفيلم جاء مقبولا بخاصة في سياق إظهار الجانب الناصع من الحياة في مصر، وكذلك الإضاءة، أما الموسيقى التصويرية فمالت للعلو حينا أو الخفوت المبالغ فيه آخر.

لكن يبقى في النهاية فيلم "خلاويص" تجربة نادرة لإنتاج فيلم سياسي في زمن طاغية وحاكم مستبد يكمم أفواه الجميع حتى الفنانين.