أحمد ديدات.. بائع ملح تحول إلى أشهر عالم في الأديان المقارنة

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

تحول الشاب الهندي أحمد ديدات الذي كان يعمل في محل لبيع الملح في جنوب إفريقيا، إلى أبرز علماء الأديان المقارنة في العالم، في سيرة لا يغيب تناقلها عن الأذهان بالتزامن مع الذكرى الـ102 لولادته.

كان يتلون من الغيظ عندما يسمع الآخرين يهاجمون الإسلام ويسخرون من تعاليمه، لكن لم يكن بيده فعل شيء غير الأسى والصمت، فهو يعلم دوافعهم في السخرية من الإسلام، لكن لم يكن لديه الحصيلة العلمية التي تؤهله للرد عليهم.

وقع بين يدي الشاب العشريني كتاب "إظهار الحق" ، فكان اللبنة الأولى في تأسيس البنية الفكرية لديه.

كان الكتاب الذي ألفه الشيخ رحمة الله الهندي الكيرواني يرد على مزاعم النصارى وشبهاتهم ضد الإسلام، وهي شبهات تطابقت في باكستان وجنوب إفريقيا، المكانين اللذين أقام فيهما ديدات.

أصبح الشاب العشريني سائقا في معمل للأثاث في ديربان، ولأنه كان مخلصا في عمله، فقد تدرج في مهمته الوظيفية وترقى حتى أصبح مديرا للمعمل، وهناك استطاع أن يجد مساحة أوسع للقراءة والمطالعة.

غير أن الشاب ديدات ظل يقرأ، مكتفيا بتحصين نفسه بالمعرفة، ولم يكن ينتوي التخصص بمقارنة الأديان، حتى زارته بعثة تبشيرية في متجره في جنوب إفريقيا، ووجهت له عددا من الأسئلة عجز عن الرد عنها، حتى قرر بداية مشواره الذي امتد لنحو 50 عاما قادمة.

معاناة مبكرة

ولد أحمد ديدات في 1 يوليو/تموز 1918، في تادكهار فار التابعة لولاية كوجرات الهندية، لأسرة مسلمة تعمل في الزراعة.

في عام 1927، سافر والده إلى جنوب إفريقيا، عندما كان في التاسعة من عمره، غير أن والدته فاطمة سرعان ما توفيت، بعد سفر والده بأشهر، فلحق بوالده الذي كان يعمل خياطا.  

في الهند، لم يتمكن أحمد من الدراسة رغم بلوغه سن التاسعة، وذلك للظروف المالية التي كانت تمر بها أسرته.

ومع هذا فإن ذلك لم يمنعه من التعلم، فتعلم اللغة الإنجليزية في ستة أشهر، ثم التحق في سن متأخرة بالمركز الإسلامي في ديربان، فتعلم علوم القرآن، وفي مطلع الثلاثينيات التحق بالمدرسة الابتدائية.

غير أن دراسته لم تدم، فقد عجز الأب مرة أخرى عن دفع مصاريف الدراسة، واضطر والده لإخراجه من المدرسة في المرحلة المتوسطة، ليذهب بعدها للعمل في إحدى المناطق الريفية.

كان ديدات نبيها ولبيبا وسريع البديهة وحاضر الذهن، وهو الأمر الذي تجلى في مناظراته، لهذا فقد كان يتفوق على أقرانه في المدرسة والمركز الإسلامي.

لكن الظروف المعيشية التي عاشها والده، لم تمكنه من تلقي التعليم النظامي، فاضطر لتعليم نفسه بشكل ذاتي، بعد أن كان قد تلقى بعضا من العلوم الأساسية في المدرسة.

وبموازاة القراءة الذاتية عمل ديدات في مساعدة والده، ثم التحق بدورات تدريبية لصيانة الراديو والهندسة الكهربائية، فتمكن بعدها من العمل وتجميع قدر من المال، مكنه من العودة إلى باكستان عام 1949، وتأسيس معمل خاص بالغزل والنسيج، وهناك تزوج، إلا أنه سرعان ما عاد إلى جنوب إفريقيا بعد 3 سنوات، كي لا يفقد حقه في الحصول على الجنسية.

كان ديدات قد تنبه باكرا لحملات التنصير التي كانت تتبناها بريطانيا في الهند، فقال: البريطانيون إبان احتلالهم للهند، توجسوا خيفة من غضب المسلمين، وحاولوا نشر عقيدة «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر»، لئلا يواجهوا غضب المسلمين.

وأوضح أن حملات التنصير المنظمة التي تعرض لها المسلمون في الهند، دفعته إلى تأليف الكتب، ومن ثم إلى إجراء المناظرات، الأمر الذي قلب الطاولة ضد حملات التنصير في الهند.


 
قرار حاسم 

كان كتاب "إظهار الحق" لرحمة الله الكيرواني قد حدد ميول الشاب في وقت مبكر، حيث كان الكتاب متخصصا في الأديان المقارنة، وخصوصا بين الإسلام والمسيحية، وكان الكتاب قد قدم إجابات عديدة لديدات عن بعض الشبهات التي يلقيها المسيحيون له، فضلا عن سخريتهم من تعاليم الإسلام ومن زواج النبي بتسع نساء.

في الخمسينيات أسس ديدات معهدا للدعوة الإسلامية وتخريج الدعاة في مدينة ديربان بجنوب إفريقيا.

وفي تلك الفترة، أصدر ديدات أول مؤلفاته وهو كتيب يتناول النبي محمد في الكتاب المقدس، وسماه "ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد؟"، توالت بعدها الكتب والمؤلفات حتى وصلت إلى 24 مؤلفا، كان يطبع ملايين النسخ منها ويوزعها بالمجان.

كان كتاب "الاختيار بين الإسلام والمسيحية" من أهم الكتب التي أثرى بها المكتبة الإسلامية، وكذلك كتاب "هل الكتاب المقدس كلام الله"، وكتاب "القرآن معجزة المعجزات"، وكتاب "ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد"، بالإضافة إلى كتاب "صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء".

في عام 1959، اتخذ ديدات قرارا حاسما، بترك الأعمال التجارية التي كان يمارسها، والتفرغ التام للدعوة والتخصص في رد الشبهات، وموجات التنصير والتبشير التي كانت تتم حينها.

حس مسؤول

كان ديدات يدرك أهمية أن يكون ضليعا في مقارنة الأديان، وخطورة أن يناظر في مواضيع بهذه الأهمية وظروف بهذه الحساسية وهو ما يزال ضعيفا.

لهذا فلم يخض أول مناظرة علنية له إلا بعد نحو 30 عاما من التفرغ التام للكتابة والتأليف، حيث أجرى أول مناظرة علمية في عام 1977 بقاعة ألبرت هول في لندن.

بعد ذلك أجرى ديدات مناظراته والتي كانت تشهد تفاعلا كبيرا وزخما هائلا، حيث بلغ عدد بعض الحضور نحو 40 ألف حاضر، وطارت سمعته في الآفاق، بالرغم من عدم وجود وسائل إعلامية، كما هو عليه الحال اليوم.

كانت عدد المناظرات والمحاضرات الشهيرة التي أجراها ديدات تناهز 124 محاضرة، خلال مسيرته الدعوية، غير أن أشهرها كانت المناظرة الكبرى مع القس الأميركي جيمي سوجارات، عن "الكتاب المقدس هو كلمة الله"، ومناظرة العصر مع القس أنيس شروش، وموضوعها هل عيسى إله؟

أما أخطر المناظرات فكانت مع البروفيسور فلويد كلارك وموضوعها (هل مات المسيح على الصليب؟) وكذلك مناظرة ستوكهولم مع القس استانلي شوبيرج وموضوعها هل الإنجيل كلام الله، وهي المناظرات التي منح عليها جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986.

وقد نجحت مناظراته التي حضرت فيها الحجة وقوة المنطق وبراعة الاستدلال في إدخال آلاف المسيحيين للإسلام، وفي إعادة المئات ممن كانوا قد تركوا الإسلام واعتنقوا أديانا أخرى.

عقود من الدعوة

تتلمذ على يدي ديدات الكثير، وتمكن من التأثير في العديد كان من أشهرهم الطبيب الجراح الهندي ذاكر نايك، الذي قرر ترك مهنة الطب واتجه لهذا المجال قائلا: "تركنا طب الأبدان وتوجهنا لطب الأرواح".

استمر نشاط ديدات حتى عام 1996، عندما تعرض لجلطة مفاجئة بعد عودته من أستراليا، وكان قد بلغ 78 عاما، الأمر الذي أفقده القدرة على الحركة والنطق لفترة دامت نحو 9 سنوات.

وبعد 9 سنوات، وفي تاريخ 8 أغسطس/آب 2005، توفي ديدات، في مدينة ديربان بجنوب إفريقيا، بعد نحو 9 عقود أفنى معظمها في خدمة الإسلام والدفاع عنه، وكشف شبهات الإنجيليين ضد التعاليم الإسلامية، ومقارعة الحجة بالحجة.

كان ديدات أول من أسس لمناظرات الأديان المقارنة في العصر الحديث، وبالرغم من أنه حقق شهرة واسعة، فإنه ظل محتفظا بنمط حياته المتواضع، وبساطته المعهودة، ابتداء من ملبسه، وحتى سيارته.