صحيفة تركية: هذا ما فعلته ليبيا لتجنب مصير مصر بعد انقلاب السيسي

12

طباعة

مشاركة

لا يمكن اعتبار مصر تماما في نفس الجهة التي تقف بها كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فقد كانت مصر مركزا ثقافيا مهما خلال الفترة العثمانية، في العالمين التركي والإسلامي.

كل من مدينة جازان (جنوب غربي السعودية) وإسطنبول والقاهرة، كانت مدنا مهمة لأنها كانت الأماكن الأولى التي تأسست فيها حركة الطباعة، أيضا لا يمكن إنكار أهمية هذه المدن الثلاث في حركة التجديد وفي تاريخنا الحديث.

مرسي والإخوان

وحسب مقال للكاتب سلجوق ترك يلماز، نشرته صحيفة يني شفق التركية، فقد احتلت مصر على وجه الخصوص مكانة مهمة في تاريخ النضال ضد الإمبريالية الأوروبية، فحدثت حركة مقاومة جادة في مصر ضد قيام حكم استعماري، ورغم أن الكثير من الكلام قيل ويقال بحق جماعة الإخوان المسلمين لكن كان لرجالاتها وكوادرها الدور ضد هذا الاستعمار.

واستدرك الكاتب: "ومع ذلك، لم يتم تسليط الضوء على الدور العظيم بالشكل الكافي، ولذات الأسباب (كثير منها طي الكتمان)، حدث التدخل العنيف أيام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي (2012 ـ 2013)".

وبما أن مصر واحدة من أهم المراكز في العالم العربي والإسلامي، فإن آثار نهج الإدارة الجديد (فترة الراحل مرسي) الذي لا يمكن السيطرة عليه من قبل القوى الأجنبية لن يقتصر على مصر.

من الواضح أن التركيز على مصر في القضية الليبية مهم من وجهات نظر مختلفة، فلو كان مرسي موجودا ونظام حكمه ما زال قائما، كان من السهل التوقع بأن موقف مصر الراهن فيما يتعلق بالقضية الليبية لن يكون كذلك، أي إلى جانب الإمارات والسعودية.

روابط تاريخية

وأوضح يلماز أن أبوظبي والرياض تشعران بالوحدة في العالم الإسلامي لأنهما يتبعان سياسة ضد تركيا، ولأنهما يتصرفان نيابة عن القوى الأجنبية، وهما بذلك يبتعدان عن الجغرافيا.

في مصر، يمكننا الحديث عن وضع مختلف تماما. كان الراحل مرسي وأصدقاؤه قادرين على تعبئة الجماهير من خلال الاتكاء على تقاليد النضال المصرية التي امتدت على مدى قرن.

ورغم أن الإخوان وأنصارهم لم يتمكنوا من إفشال انقلاب السيسي، إلا أنهم أظهروا أن لديهم القدرة على تعبئة جميع مدن مصر في نفس الوقت.

هذا لا يمكن تفسيره وحصره فقط بقوة الإخوان المسلمين كتنظيم، لكن ثمة روابط تاريخية وإرث ماض عريق يربط مصر والمصريين بقضايا الأمة، لذا من الضروري أن نعي أسباب وقوف مصر (النظام) ضد تركيا، وما هي الصعوبات التي يمكن أن تسببها القاهرة لأنقرة وكذلك النتائج المترتبة على ذلك.

وتابع المقال: ينبغي أن نذكر أيضا تراثا ثقافيا مشابها في الجزائر. نجحت الهياكل الثقافية المنظمة في ضواحي باريس في نقل معاداة الغرب بين الأجيال، لكن في الوقت نفسه، كما هو الحال في تونس، اكتسبت العناصر التابعة التي شكلتها سياسة الاستيعاب لفرنسا ديمومة. الجزائر هي أيضا مركز ثقافي مهم لا يمكن مقارنته بالإمارات العربية المتحدة.

كما هو معروف، احتلت فرنسا لأول مرة مصر. ثم وقعت لاحقا رهينة الانتداب البريطاني. وفي الجزائر كانت هناك حركة معارضة قوية ضد الاحتلال الفرنسي سواء أيام الأمير عبد القادر الجزائري أو بعده. وبالتالي تشترك كل من الجزائر ومصر في ميراث تاريخي مشترك في مقاومة الاستعمار والغزو الثقافي.

فترة أردوغان

ولفت الكاتب إلى أنه يمكن تقسيم علاقات تركيا مع العالم العربي إلى فترات مختلفة. ونبدأ من فترة أردوغان التي بات فيها التماس مع الدول العربية فعالا إلى حد بعيد في مشهد لا يوجد له مثيل في التاريخ التركي الحديث.

أردوغان هو الزعيم الوحيد بلا منازع الذي يمكنه تعبئة الجماهير في العديد من العواصم، من شرق إفريقيا إلى غرب إفريقيا وهنا نتحدث عن ليبيا وهي البلد المركزي في هذه الجغرافيا الواسعة.

ورغم أن ليبيا تأتي في مرتبة ثانية من حيث الأهمية الثقافية مقارنة ببلدان مثل مصر والجزائر، إلا أن القيمة الجغرافية لليبيا مرتفعة للغاية. لا نريد أن نقول إن ليبيا ليست ذات أهمية ثقافية إذ يمكن أن تتحول الخصائص الاجتماعية للبنية العشائرية إلى عامل من عوامل القوة، حسب المقال.

كان يمكن لليبيا أن تتعرض للخضوع تحت السيطرة والهيمنة الخارجية كما حدث في مصر منذ صيف 2013، فمع التدخلات الخارجية، أصبح منهج نظام الحكم الجديد قائما على قمع صوت الشارع الدائم.

لكن ليبيا طلبت الدعم من تركيا بحيث لا تعود للوراء مرة أخرى، ولم يكن صدور القرار بالإجابة على طب المساعدة سهلا، ومن الواضح أن مساعدة تركيا لليبيا لن تكون فقط على منع خضوع الأخيرة للهيمنة والتدخل الإمبريالي، لأنه لو حدث فستكون النتائج طويلة الأمد تماما كما حدث في مصر والجزائر.

بالتالي التغيير في ليبيا ستكون له عواقب كبيرة، وليس من السهل التكهن بعواقبه السياسية، لكن يمكننا القول بأن التأثير القائم على القوة للإمارات والسعودية في الجغرافيا العربية سوف يتقلص.

في كامل الجغرافيا الإسلامية، اهتزت الهياكل التي ظهرت بعد الحربين العالميتين، وأصبحت المنطقة تعيش تغييرا كبيرا، وكان لتركيا الدور الكبير في هذه التغيرات، كما كان لها نصيب منها.