الخلاف سياسي فقط.. لهذه الأسباب لن تندلع حرب بين مصر وتركيا

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في منطقة أمينونو التاريخية المطلة على مضيق البسفور بمدينة إسطنبول، يقع واحد من أعرق الأسواق التقليدية في المدينة، وهو السوق المصري العتيق، الذي يعود إلى مئات السنين، ليشهد على عمق العلاقات بين الأمتين المصرية والتركية.

ورغم الخلافات العميقة بين نظامي الحكم في القاهرة وأنقرة منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي على رئيسه المدني المنتخب الراحل محمد مرسي صيف 2013، لكن جذور الترابط الاجتماعي، والديني، والثقافي، والاقتصادي بين البلدين تعود لمئات السنين، وممتدة الأثر، ولا يمكن محوها بسهولة خلال سنوات معدودة.

ومع أحاديث الحرب والصدام التي تروج على وقع الخلافات البينية بين النظامين في عدد من القضايا، آخرها الوضع في ليبيا، وقبلها حروب الغاز في المتوسط، لكن ثمة توضيح لطبيعة الملتقى الحضاري بين شعبين شرق أوسطيين، ينتميان إلى دين واحد، ومنطقة واحدة، فإن ما يجمعهما أكثر كثيرا مما يفرقهما.

معركة وهمية

ورغم استبعاد كثير من السياسيين، والخبراء العسكريين نشوب حرب بين مصر وتركيا، جراء تطورات الأوضاع في ليبيا خلال مطلع يونيو/ حزيران 2020، إلا أن أحاديث الحرب بين البلدين تملأ شاشات إعلام نظام السيسي.

مع توالي خسائر اللواء المتقاعد الانقلابي خليفة حفتر المدعوم من مصر للعديد من قواعده العسكرية والمناطق في ليبيا، لصالح قوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا والمعترف بها دوليا، بدأت آلة إعلام السيسي في القاهرة، تروج بتدخل مصري حاسم، ومعركة تلوح في الأفق مع الأتراك، رغم أن الطرف الآخر لا يتحدث عن شيء من هذا القبيل، أو يتطرق إليه.

وفي 10 يناير/ كانون الثاني 2020، عندما بدأت تركيا ترسل قوة عسكرية داعمة لحكومة الوفاق، استبعد ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن تدخل بلاده في حرب مع مصر أو أي دولة أخرى.

أقطاي صرح بأن "إعادة العلاقات بين مصر وتركيا أمر لا يقدر بثمن"، مشددا على "ضرورة إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ 2013 مع مصر مرة أخرى".

وفي 13 يناير/ كانون الثاني 2020، قال أقطاي في مقاله بموقع "يني شفق" التركي: "حينما كانت الحملة الإعلامية في مصر تتحدث عن أن تركيا قادمة إلى ليبيا من أجل محاربة مصر، قلنا وأوضحنا أن تركيا لا يمكنها أن تحارب أي دولة عربية أو مسلمة، بل على العكس من ذلك، هي تريد إيقاف تلك الحرب المشتعلة في ليبيا".

 

تقارب اقتصادي

ما أفسدته السياسة بين مصر وتركيا، لم يكن له صدى في الاقتصاد المتصاعد بين الدولتين، ففي نهاية عام 2019، جاءت تركيا في المرتبة الرابعة بقائمة الدول المستوردة من مصر، بقيمة مليار و273 مليون دولار، وفق إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر (هيئة حكومية). 

كما كشف تقرير للهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات في مصر (حكومي)، ارتفاع حجم الصادرات إلى تركيا، بنسبة 9.7% في 2018 لتصل إلى 2.2 مليار دولار، مقارنة بـ 1.9 مليار دولار خلال عام 2017.

وبالمقابل ارتفع حجم واردات مصر من تركيا بنسبة 29 في المئة في 2018 ليبلغ نحو ثلاثة مليارات دولار، مقارنة بـ2.3 مليار دولار في 2017.

وشهد الميزان التجاري بين البلدين نموا بنسبة 20% ليتجاوز 5.2 مليار دولار في 2018 مقارنة بـ 4.38 مليار خلال العام 2017.

وفي مارس/ آذار 2017، نظم الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية في القاهرة منتدى الأعمال (المصري _ التركي)، بمشاركة جمعية رجال الأعمال المصريين الأتراك و11 شركة تركية.

الغرف التجارية التركية والمصرية دعت إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، كما عقد المؤتمر الأول الاقتصادي المصري التركي المشترك، في الفترة من 26 نوفمبر/ تشرين الثاني، حتى مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2017 تحت عنوان "هيا نصنع معا"، وذكر على هامشه أن للمستثمرين الأتراك يقدر بـ 205 مصانع في مصر بحجم استثمارات تجاوز 2.5 مليار دولار.

وهناك اتفاقية للتجارة الحرة موقعة بين مصر وتركيا في ديسمبر/ كانون الأول 2005، ودخلت حيز التنفيذ في مارس/ آذار 2007، ومستمرة حتى الآن.

تلك التبادلات الاقتصادية الواسعة بين المصريين والأتراك، تدلل على أن جسور العلاقات مستمرة، ولم تتحول إلى الدرجة العدائية المتصورة، التي يصدرها إعلام النظام المصري.

معالم وثقافات

أواصر العلاقات بين الأمتين المصرية والتركية، لم تقتصد على التبادلات التجارية، بل هناك الجانب الأعمق المتمثل في التعاون الثقافي، والترابط الاجتماعي، ووجود معالم حضارية بين الجانبين.

حسب موقع وزارة الخارجية التركية، يوجد "قرابة 3500 مواطن تركي في مصر، إضافة إلى ذلك، يستمر المركز الثقافي التركي في القاهرة (يونس إمرة) بالعمل منذ عام 2010 على أساس اتفاقية ثنائية بين البلدين".

 ومركز يونس إمرة في القاهرة، هو منظمة حكومية تركية تهدف إلى نشر اللغة والثقافة التركية، وله فرع في أكثر من 40 دولة حول العالم، ويقبل الكثير من المصريين المهتمين بتعلم اللغة التركية، ومعرفة الثقافة التركية إلى التوجه نحو هذا المركز لاستقاء العلوم منه. 

كذلك في منطقة أمينونو التاريخية المطلة على مضيق البسفور بمدينة إسطنبول، يقع السوق المصري، وهو واحد من أعرق الأسواق التقليدية في المدينة، والذي يعود تأسيسه إلى مئات السنين، وتحديدا منذ عام 1597، خلال حقبة السلطان مراد الثالث، ليشهد على عمق العلاقات بين الأمتين.

خلافات سياسية

تلك المقاربة في العلاقات لم تخف قوة الخلاف بين أنظمة الحكم في الدولتين، والذي بدأ مع وقوع الانقلاب العسكري في مصر يوم 3 يوليو/ تموز 2013، وصعود السيسي (قائد الانقلاب) إلى سدة الحكم، وهو ما رفضه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفضا باتا، وقاطع أي لقاء مع السيسي أو حتى مصافحته، بل يكاد أردوغان لا يترك مناسبة إلا ويكيل للسيسي الانتقادات اللاذعة ويذكره  بـ"الانقلابي الظالم".

حاول نظام السيسي ينقل الخلاف السياسي إلى بوابة الخلافات الشعبية واستحضار المعارك التاريخية تحت مسميات "الغزو العثماني"، و"أحلام الخلافة".

وفي 29 يونيو/حزيران 2019، على هامش مشاركته في قمة العشرين، شدد الرئيس التركي على ضرورة عدم تغييب قضيتي مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، و"الوفاة المشبوهة" للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي عن الأجندة الدولية.

عشية موت مرسي، كان أردوغان يلقي كلمة خلال فاعلية بمدينة إسطنبول، وسط حشد جماهيري، وألقى عليهم النبأ المفجع، حيث قال: "التاريخ لن ينسى أبدا الظالمين الذين سجنوا مرسي، حتى استشهد اليوم".

وأكد الرئيس التركي: "عرضت علينا الكثير من العروض حتى نجلس مع هذا الظالم القاتل (السيسي)، الذي قام بقتل الشهيد مرسي، لكننا لم ولن نقبل أبدا مجرد الحديث معه".

وفي 18 يونيو/ حزيران 2019، بعد أداء صلاة الغائب على مرسي، في مسجد محمد الفاتح بإسطنبول، خاطب أردوغان الجموع قائلا: "الجبناء يخافون حتى من جثمان مرسي، دفنوه الساعة 5 صباحا لأنهم يخافون من جثمانه الطاهر، ولا أصدق أن وفاة مرسي طبيعية".

وفي اليوم التالي 21 يونيو/ حزيران 2019، في لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية في تركيا، في مكتبه بقصر "دولمة بهتشة" بإسطنبول، صرح أردوغان قائلا: "المدعو السيسي ظالم وليس ديمقراطيا، لم يصل إلى الحكم بالطرق الديمقراطية". 

وأردف: "لن نسكت إزاء وفاة رئيس انتخبه الشعب المصري بنسبة 52 في المئة من الأصوات، حتى وإن لزم الصمت أولئك الذين يعملون على تلقيننا دروسا في الحق والقانون والحرية"، في إشارة لأوروبا وأميركا.

علاقات متواصلة

محمد حامد الخبير المصري المتخصص في العلاقات الدولية، قال: "العلاقات بين الشعبين المصري والتركي متواصلة على المستوى الديني، والثقافي، والسياحي، والاقتصادي بشكل كبير، ولطالما كان هناك تبادل تجاري واسع بين البلدين، وهناك زيارات سياحية قائمة لا تنقطع، خاصة وأن البلدين يتمتعان بإرث ثقافي وحضاري قديم، فمصر من أقدم حضارات الأرض، بداية من الحضارة الفرعونية، والرومانية، إلى الدول الإسلامية مثل الفاطمية والأيوبية، وفي تركيا كذلك الحضارة البيزنطية والعثمانية وغيرها".

وأضاف حامد لـ"الاستقلال": "وكل منهما يهتم بالجانب الديني الإسلامي، وكثير من المواطنين الأتراك يأتون إلى القاهرة ويتعلمون العلوم الدينية واللغة العربية في الأزهر، وكذلك هناك مصريون يتعلمون اللغة التركية على نطاق واسع، فالتواصل الثقافي والتبادل التجاري بين الشعبين باق ولن يتوقف، هو قديم منذ سنوات طويلة، وكان معروفا خلال فترة السبعينيات والثمانينيات بأن من يسافر إلى تركيا فهو يتبضع ببضائع عالية الجودة، ثم يعود فيتاجر بها، وكان الناس في مصر يقبلون على شراء المنتجات التركية، وخاصة الملابس".

وذكر الخبير المصري: أنه "لا يمكن إغفال التواصل الفني المتمثل في الفنان المصري فريد شوقي، الذي ذهب إلى تركيا، وقام بتمثيل مجموعة أفلام للسينما التركية كبطل لهذه الأفلام، وحظي بشهرة واسعة داخل تركيا، وحصل على العديد من الجوائز، واعتبر من أبرز علامات التقارب بين البلدين في العصر الحديث، ولا نغفل الألحان الموسيقية الشرقية المتداولة بين الثقافتين، بحيث يتأثر كل منهما بالآخر".

وقال حامد: "العائلات التركية التي كانت موجودة في مصر، كانت مؤثرة بشكل قاطع في النسيج المجتمعي المصري، مثل العائلات اليونانية والقبرصية والإيطالية وغيرها، حيث كانت مصر مركزا هاما للوجود والاستقرار في الشرق الأوسط، وظل التواصل الحضاري حاضرا، خلال سائر الحقب، ودالا على متانة العلاقة بين الأمتين".