طبقت المنهج الإيراني.. كيف سخّرت "الحوثي" إعلام اليمن لخدمة أجندتها؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أدركت جماعة الحوثي منذ الأشهر الأولى لانقلابها على الحكومة الشرعية في اليمن، دور الإعلام في خدمة مشروعها السياسي والطائفي والعسكري، فعملت على إطلاق قنوات تلفزيونية، ومحطات إذاعية، فضلا عن عدد من المنصات على مواقع التواصل الاجتماعي.

قنوات المسيرة، المسيرة مباشر، الساحات، قناة اللحظة، الهوية، اليمن الرسمية، اليمن التعليمية، قناة سبأ، قناة عدن، قناة الإيمان، كلها قنوات رسمية كانت تابعة للدولة وسيطر عليها الحوثيون، بجانب قنوات خاصة تم تطويعها، وقنوات جديدة تم تأسيسها.

تعمل تلك القنوات لخدمة المشروع الحوثي بشكل مباشر، أو غير مباشر، وتوزع الأدوار فيما بينها، بين البرامج السياسية والاجتماعية، والمواد التي تهدف للتحشيد الطائفي والتجنيد العسكري في صفوف الجماعة.

مقابل ذلك تقوم تلك القنوات بدورها في شيطنة شباب الثورة ووصم مكوناتها الحزبية بالإرهاب، وتقديم الجماعة كمحارب للإرهاب ومدافع عن القيم الوطنية.

في واقع الأمر، فإن الجماعة، بالنظر إلى الظروف التي عاشتها، كانت قدراتها متواضعة ورؤاها قاصرة عن استيعاب دور الإعلام في خلق وعي معين لصالح الجماعة، غير أن الدور الإيراني وأدواته في لبنان هو من دفع الجماعة لإنشاء مثل تلك القنوات والإذاعات المحلية وتسخيرها لخدمة أجندة الجماعة، وقد تبنت هذا الدور، وقامت به بشكل فعال ومؤثر

الجدير بالذكر أن عددا من القنوات التي تم تأسيسها لخدمة المشروع الحوثي تبث من الضاحية الجنوبية في لبنان، كقناة الساحات، وقناة المسيرة الناطقة باسم الجماعة.

انتقام مبكر

المسيرة، هي القناة الأولى التي عملت في خدمة المشروع الحوثي، وهي رسمية تابعة للجماعة وناطقة باسمها منذ تأسيسها في مارس/آذار 2012، أي قبل انقلاب الجماعة بأكثر من عامين ونصف.

ومع أن القناة تأسست على أسس طائفية منذ بداية انطلاقها، بالمخالفة للقانون اليمني، إلا أن نظام علي عبد الله صالح أراد أن ينتقم من الشباب الذين طالبوا برحيله، فمكن لجماعة الحوثي وأذرعها الإعلامية، قبل أن يعلن في 3 ديسمبر/كانون الأول 2017، فض التحالف مع الجماعة، ويقضي حتفه بعدها بيوم واحد على يد عناصر الحوثيين.

القناة لعبت دورا واضحا ومباشرا في خدمة المشروع الحوثي، بصفتها جزءا منه، وقامت، علاوة على ذلك، بالهجوم على المعسكر الثوري لشباب فبراير، في تخادم واضح مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

تطبيع وتجنيد

مع أن التوجه الطائفي لجماعة الحوثي، يفرض قيودا على الإعلام، ويخفض من سقف العمل الإعلامي إلى حد كبير إلا أنه سمح بإنشاء عدد من القنوات الاجتماعية، وعشرات من الإذاعات المحلية.

ظهرت تلك القنوات، كما لو كانت اجتماعية، تقدم برامج متنوعة، ومسلسلات كوميدية موسمية، لكنها تقوم بدور مهم في التطبيع للجماعة وتلميع صورتها، وخلق حاضنة شعبية أوسع للجماعة، بهدف استيعابها في الوعي الجمعي لليمنيين.

على رأس تلك القنوات جاءت "اللحظة"، التي يرأس إدارتها الصحفي عابد المهذري، وقناة "الهوية"، التي يرأس مجلس إدارتها محمد العماد، وهما عنصران خدما الجماعة، من خلال تدويناتهما المكتوبة والمرئية، وقاما بأدوار سابقة ومبكرة في خدمة المشروع الحوثي.

تقوم القناتان في سياق برامجها الاجتماعية، بامتداح رموز جماعة الحوثي، وامتداح الحرس الثوري الإيراني وقيادات حزب الله، كما تقوم بتدشين حملة تبرعات لحزب الله، وتؤكد على أن تلك التبرعات من أجل إمداد المقاتلين والمجاهدين ضد إسرائيل والكيان الصهيوني.

وفي مقابل ذلك المدح والتطبيع مع الجماعة ورموزها، يأتي في المقابل، هجوم على معسكر ثورات الربيع العربي بشكل عام، والثوار اليمنيين على وجه الخصوص.

علاوة على ذلك، تقوم الجماعة بدورها في التحشيد والتجنيد للقتال في المعارك، ومن خلال الأعمال الدرامية التي تعرضها تلك القنوات، يتم الدفع بعدد من الأطفال لتلك المعارك، في سبيل إطالة أمد المعركة لصالح الجماعة، وتحقيق مكاسب سياسية.

تحول البوصلة

بعد معارك جماعة الحوثي مع الحليف السابق حزب المؤتمر الشعبي العام جناح صالح، وقتلها لصالح في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017، سيطرت الجماعة على قناة "اليمن اليوم" التابعة لصالح، وقامت بتطويع القناة بعد ذلك لخدمة أجندتها ومشاريعها، مع الإبقاء على اسم القناة.

ومع أن القناة عملت في الفترات الأخيرة ضد جماعة الحوثي، وهاجمتها بشكل حاد، إلا أن عددا كبيرا من طاقم القناة قرر البدء بالعمل لصالح الجماعة، بعد السيطرة عليها، في تحول كبير لبوصلة الطاقم، بين عشية وضحاها.

كان الإعلامي أحمد منصور، هو الأشهر، حيث قدم مئات الحلقات يمتدح فيها صالح و يهاجم فيها الحوثيين، قبل أن يقرر بعد ذلك العمل لصالح الحوثيين ويمتدحهم ويهاجم أعداءهم التقليديين في معسكر الربيع العربي.

عدد من موظفي القناة تمكنوا من مغادرة اليمن باتجاه مصر، وهناك أسسوا قناة بديلة، تحمل نفس الاسم" اليمن اليوم"، لكنها لم تستفد من الدرس في التحالف مع الحوثي، فقامت بدورها بالهجوم على شباب فبراير، ووضعت نفسها تحت تصرف أنظمة الثورات المضادة.

قد لا يبدو مستغربا أن يتحول الخط التحريري للقنوات الرسمية لخدمة الجماعة، حيث أن القنوات الرسمية سقطت بيد الجماعة كباقي المؤسسات الرسمية، لكن ما يبدو مثيرا للاستفهام أن يقرر عدد من الإعلاميين في تلك القنوات التحول من الهجوم على الحوثي إلى العمل لصالحه.

إلى جانب تلك القنوات الفضائية، تعمل الجماعة من خلال الإذاعات المحلية التي سطت عليها أو قامت بتأسيسها على تمرير أدبياتها في المسابقات الإذاعية، وترسيخ أجندتها في المسلسلات الدرامية، فضلا عن عشرات المنصات الإلكترونية والقنوات على يوتيوب، والتي تعمل بشكل مكثف لخدمة الجماعة وأجندتها.

النهج الإيراني

في حديث للاستقلال قال الكاتب والصحفي فهد سلطان: "الحوثيون يسيرون على النهج الإيراني الذي يعطي الإعلام أهمية قصوى في المعارك التي يخوضونها صوب أهدافهم، وهذا الاهتمام مع الأسف الشديد يفوق ما عند الطرف المقابل والمناوئ لهم بل الأطراف مجتمعة".

يضيف الكاتب اليمني: "الإعلام لدى الحوثي هو أحد الأسلحة الهامة في المواجهة، ولهذا فهو يعطيه مساحة واسعة من العمل والتحرك، ومن يعمل مع المشروع الحوثي يجد الرعاية والدعم والاهتمام، بل والتغاضي عن الأخطاء إذا كان الهدف العام واضحا وضمن المشروع، وهنا سنجد أنه ومع انقلاب 2014، كان الحوثيون يملكون جيشا إلكترونيا ويملكون قناة فضائية وإذاعة في صعدة وصحفا ودوريات.

يتابع سلطان: "بعد الانقلاب تضاعف ذلك إلى 3 أضعاف، فاشتغلوا على خطين، خط الإذاعات التي بسطوا أيديهم عليها ابتداء من إذاعة صنعاء، و5 إذاعات محلية أخرى، بالإضافة إلى إذاعات أخرى تم افتتاحها ووصل العدد الإجمالي إلى 14 إذاعة، إلى جانب السطو على قنوات وصحف أحزاب وإبقائها ضمن الطاقم".

ويضيف سلطان:" تعطلت الحياة المدنية في صنعاء باستثناء العمل الإعلامي فقد استمر، ولكنه تابع لهم بنسبة 100%، ولم يتوقف الأمر عند هذه النقطة، فقد تم دعم وفتح قنوات اجتماعية جديدة وخاصة تشترك مع الحوثيين في الهدف العام، ولها مساحة عالية وتتحرك ضمن خطة مدروسة".

ويختم سلطان: "ذلك، بالطبع بشكل عام، أما بشكل خاص فسنجد أن الحوثيين يتفوقون على إعلام الشرعية من حيث التحشيد والحرية وسرعة التحرك، صحيح أن الشائعات والأكاذيب وغياب المهنية بارزة في إعلام الحوثيين، ولكن المؤكد أنهم يقدمون إعلاما للعالم وهذا يعتمد على الاحتراف والدقة، وبعدد من اللغات، كما يقدمون إعلاما محليا وهذا يحاكي الوضع الداخلي تماما، وعند سقف ووعي اليمني، وهذا كان ولا يزال له تأثير كبير جدا على مجريات الأحداث".