محمد علي كلاي.. ملاكم أميركي حارب العنصرية ورفض المشاركة بحرب فيتنام

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تأتي الذكرى 41 لاعتزال الملاكم الأسطورة محمد علي كلاي، الذي ملأ الدنيا ضجيجا، وكان حديث العامة والخاصة، في كل لقاء وكل محفل.

في 26 يونيو/حزيران 1979، قرر الملاكم العالمي الاعتزال، بعد مسيرة حافلة بالنجاحات، التي انتزعها انتزاعا من بين أيدي الخصوم، وحازها باستحقاق وجدارة.

ولد كلاي في مدينة لويفيل بولاية كنتاكي الأميركية لأسرة مسيحية فقيرة، في 17 يناير/كانون الثاني 1942، وتوفي في 3 يونيو/حزيران 2016، عن عمر 74 عاما، بعد صراع طويل مع مرض الشلل الرعاشي (باركنسون) في أحد مستشفيات ولاية أريزونا جنوب غربي الولايات المتحدة.

3 بطولات عالمية للوزن الثقيل، و3 ألقاب تاريخية حصل عليها الملاكم الأميركي، وصيت بلغ الآفاق، في مسيرته الرياضية التي استمرت نحو 19 عاما، كان فيها الرياضي الأشهر والنجم الأبرز والشخصية الأكثر إثارة للجدل داخل وخارج أميركا.

بالنسبة لكثيرين، فإن كلاي لم يكن ملاكما فحسب، بل كان صاحب رسالة، وقد ساعدته شهرته على إيصال الرسالة بشكل واضح.

لم يكن المجتمع الأميركي يعجب ببراعته في الملاكمة فحسب، بل بشخصيته الفذة، وموقفه الصارم، ومنطقه القوي، تجاه القضايا المدنية التي كانت محل جدل داخل المجتمع الأميركي، أبرزها قضية التمييز ضد السود، وحملات الكراهية ضد الإسلام، والسياسة الخارجية الأميركية.

ضرب اللص

كانت البدايات لمحمد علي كلاي في عالم الملاكمة وليدة الصدفة، حيث حفزه للملاكمة شرطي يدعى جو مارتن، كان يعمل مدربا للملاكمة في أحد النوادي المحلية.

في عام 1954 وعندما كان عمر كلاي 12 عاما، سرقت دراجته، فطلب من الشرطي أن يسمح له بضرب اللص، فقال له الشرطي: "عليك أن تتعلم كيف تقاتل قبل أن تتحدى العالم"، فكانت هنا البداية لكلاي حيث التحق بالنادي الذي يعمل فيه مارتن، وسرعان ما حصل على جائزة القفاز الذهبي للوزن الخفيف بعد سنتين من التحاقه.

وبعد مرور 4 سنوات فقط، تمكن كلاي من الانضمام إلى الفريق الأولمبي الأميركي للملاكمة ليحقق معه فوزا ساحقا في الأولمبياد، ويحصل على الميدالية الذهبية الأولى للوزن الخفيف في روما عام 1960.

في 1960، وعقب فوزه بأولمبياد روما، قرر كلاي الاحتراف وهو في سن الـ18، وكان قرارا جريئا، لكن كلاي كان يدرك الأرض التي يطؤها والمخاطر التي تصاحب هذا القرار، ففاز عقب ذلك بـ18 مباراة على التوالي.

خاض محمد علي 61 نزالا خلال مسيرته التي استمرت لنحو 20 عاما، كان أول نزال عام 1960، وعمره نحو 18 عاما، وآخر نزال كان عمره 39 عاما، وبينهما مسيرة زاخرة بالعطاء والإنجاز التاريخي غير المسبوق.

إنجاز تاريخي

حقق كلاي الفوز في 56 نزالا، منها 37 مرة بالضربة القاضية و19 مرة بقرار الحكام، في حين تعرض للخسارة 5 مرات، مرة واحدة كانت بالضربة القاضية أثناء مقابلته جو فريزر في مارس/آذار 1979، و4 مرات كانت بقرار الحكام.

حصد كلاي 3 ألقاب بطل العالم للوزن الثقيل، وهو الإنجاز التاريخي غير المسبوق، كان الأول بعمر 22 عاما في عام 1964، عندما فاز على بطل العالم للوزن الثقيل سوني ليستون، وأزاحه عن عرش الملاكمة.

أما اللقب الثاني ففي عام 1974 ، حيث خاض كلاي أحد أقوى المباريات في تاريخ الملاكمة، تمكن من خلالها من الفوز على الملاكم الأسطوري جورج فورمان، في زائير، في لقاء سمي "لقاء الغابة" نسبة لغابة زائير التي استضافت المباراة.

أما اللقب الثالث فكان في عام 1978، وذلك عندما واجه كلاي الملاكم  الأبرز ليون سبينكس في نيو أورليانز الأميركية، وفاز بقرار الحكام بالإجماع.

حسب مدربيه، كان كلاي يلعب ليفوز، ففي إحدى أشهر مبارياته في لندن عام 1963، قابل البريطاني هنري كوبر، وقبيل المباراة قال كلاي: سأهزمه بالضربة القاضية في الجولة الخامسة، وهو الأمر الذي تحقق بالفعل.

كان كلاي يعتمد على سرعته ومهارته في الحركة والخفة، والقدرة على إرباك الخصم، وتسديد الضربات في نفس الوقت، وهي القدرات التي عبر عنها كلاي بقوله: "أحوم كالفراشة وألسع كالنحلة" عندما سئل: كيف يمكنك أن تفوز في كل مرة؟.

بعد اعتزاله في 1979، واجه الملاكم لاري هولمس لكنه خسر المباراة التي تم إيقافها بناء على طلب مدرب كلاي بعد الجولة العاشرة.

معركة المصير

في 6 مارس/آذار 1964، أعلن كلاي "كاسيوس كلاي" إسلامه، وغير اسمه إلى "محمد علي"، متأثرا بقائد حركة "أمة الإسلام" الشيخ "إلايجا محمد"، وهو ذات الشخص الذي تأثر به "مالكوم إكس"، و"لويس فرخان محمد"، وأسلموا جميعا على يديه.

التمييز الذي كان يلقاه كلاي من مجتمعه وتتجاهله الكنيسة، دفعه للبحث عن دين آخر لا يفرق في تعاليمه بين لون ولون وعرق وعرق.

في أحد لقاءاته قال كلاي: "أسلمت لأخوض معركة أخرى مع الباطل، أسلمت لأن الإسلام كان أمرا طبيعيا، يتفق مع نداء الفطرة التي خلق الله الناس عليها، واستغرق إسلامي سنوات من التفكير والتمعن".

يضيف كلاي: "أحسست بنداء الحقيقة ينبعث في داخلي، وأنا أستمع شرحا عن الإسلام، وسمعت نداء يدفعني إلى تتبع الحقيقة والبحث عنها".

أما رحلته للإسلام فرواها بنفسه، في عدة لقاءات متلفزة، قال في أحدها: "كانت رحلتي إلى الإسلام شاقة، فالمجتمع من حولي يختلط فيه الحق والباطل، والدعاية الكنسية تصور الإسلام كدين همجية، وترجع أسباب تخلف المسلمين إلى الإسلام".

يتابع كلاي: "هداني الله ونور بصيرتي فتمكنت من التمييز بين واقع المسلمين اليوم وحقيقة الإسلام، فوجدت في الإسلام دينا يحقق السعادة للبشر جميعا، ولا يميز بين الألوان والأعراق والأجناس، فالكل متساوون عند الله، وأفضلهم عند الله أتقاهم".

يضيف كلاي: "قارنت بين تثليث المسيحية وتوحيد الإسلام، فأدركت أن الإسلام هو الأقرب للمنطق، فلا يعقل أن يدير الكون 3 آلهة".

حكم البراءة

لم تكن مواقف كلاي محصورة في الملاكمة وما يتعلق بها، بل كان لها أدوار في الحياة السياسية الأميركية، سواء الداخلية التي تمثلت بالنشاط المدني ودعم حركات السود والمسلمين، أو في انتقاد السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

في 1967، دفع كلاي ضريبة باهظة، ثمنا لموقفه برفض الالتحاق بالخدمة العسكرية أثناء حرب فيتنام عام 1966، اعتراضا منه على الحرب التي قال إنها حرب غير أخلاقية لا ينبغي للولايات المتحدة شنها، ولا يحق لأي جندي خوضها، ولن يرضى بالمشاركة فيها أو يكون أحد أدواتها.

أحدث موقفه هذا ضجة في الأوساط الأميركية، وتسبب بانزعاج السلطات، التي رأت أن موقفه هذا سيؤثر على سياساتها وقراراتها في اتخاذ قرار الحرب من قبل المواطنين الأميركيين، كما أن الحكومة ربطت بين موقفه من الحرب واعتناقه الإسلام، ما جعل القضية تأخذ منحى آخر بالنسبة للحكومة الأميركية.

عقب ذلك الانزعاج، أحيل كلاي إلى المحكمة، فأدانته بالتهرب من الخدمة، في محاكمة شهيرة انتهت بالحكم عليه بالسجن 5 سنوات، ودفع غرامة مالية كبيرة، وسحب رخصة ممارسة الملاكمة في البطولات، ومنعه من خوض أية مباريات محلية أو دولية يمثل من خلالها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى سحب لقب "بطل العالم" منه.

كلاي استأنف الحكم، ورفعت القضية للمحكمة العليا، واستمرت المرافعات لأكثر من 3 سنوات، ومع أنه لم يسجن إلا أن هذه القضية كانت كفيلة بإغراقه بالديون والتسبب بإفلاسه.

بعد مضي نحو 4 سنوات، صدر حكم المحكمة الأميركية العليا، بتبرئة كلاي، وإعادة حقوقه المدنية إليه، ورفع العقوبات عنه، منها سحب اللقب، والمنع من خوض البطولات، في انتصار تاريخي، جعل من كلاي رمزا وطنيا وأيقونة ثورية لدى ملايين الأميركيين.

لقاء صدام

وفي أثناء الحرب العراقية وغزو العراق للكويت عام 1990، قام كلاي بزيارة لبغداد قابل فيها الرئيس الراحل صدام حسين، وطلب الرئيس العراقي الإفراج عن معتقلين أميركيين كانت العراق قد اعتقلتهم إبان الحرب.

وبالفعل وافق صدام على طلب كلاي، قائلا: "لن نجعل الحاج محمد علي يعود إلى أميركا بيدين فارغتين ودون أن يرافقه عدد من الأميركيين الموجودين لدينا"، وتم الإفراج عنهم وعادوا إلى أميركا بمعية كلاي في طائرة واحدة.