لا بديل.. ما عواقب انهيار الدولار الأميركي على الساحة الدولية؟

12

طباعة

مشاركة

أدت تدابير إدارة الأزمة المرتبطة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، إلى إضعاف العملة الأميركية بشكل رهيب، فهل يمكن للوضع الاقتصادي هناك أن يتسبب في خسارة الدولار لأفضليته؟ وما هي عواقب انهياره على الساحة الدولية؟

أسئلة طرحها موقع "أتلانتيكو" الفرنسي على الخبير الاقتصادي ميشيل رويمي، أستاذ مساعد في الكلية العليا للتجارة في باريس (ESCP).

في البداية أشار رويمي إلى دور الدولار الهائل في السوق، قائلا: إنه ليس عملة كباقي العملات النقدية، بل له وضع مزدوج، فهو عملة وطنية ودولية، أي أنه يستخدم في تعاقدات وتسويات التجارة الدولية.

ففي حين يتم استخدام بعض العملات العالمية الأخرى (كاليورو والين وما إلى ذلك)، يظل الدولار الأميركي هو الأكثر استخداما.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن هذا الوضع يعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، خلال مؤتمر بريتون وودز، حيث تم الاتفاق على تثبيت الدولار باعتباره "العملة العالمية"، منهية نظام التبادل النقدي السابق بالذهب، وتم ربط جميع العملات به.

ومؤتمر بريتون وودز، هو الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي الذي انعقد من 1 إلى 22 يوليو/تموز 1944 بغابات بريتون في نيوهامبشر بالولايات المتحدة، وقد حضره ممثلون لأربع وأربعين دولة، بهدف تأسيس استقرار مالي دولي بمنع تبادل العملات بين البلدان، والحد من المضاربة في العملات.

وحول اختيار الدولار بالذات وليس عملة أخرى ليكون له هذا الوضع، يبين رويمي، أن الاقتصاد الأميركي كان الأقوى في العالم والدولارات كانت وفيرة.

فبعد الحرب، كان للولايات المتحدة معظم رأس المال العالمي وسيطرت على الإنتاج والتصدير، إذ كانت تنتج نصف الفحم، وثلثي النفط، وأكثر من نصف الكهرباء على المستوى العالمي، بالإضافة إلى أن ثلثي احتياطيات العالم من الذهب كان يحتفظ بها الأميركيون.

قرار نيكسون

ومع ذلك، يؤكد الخبير الفرنسي أنه بعد بضع سنوات، وبالتحديد في الستينيات، بدأت بعض البلدان في طلب الذهب مقابل الدولارات التي كانت تحتفظ بها لمكافحة التضخم المحلي، وخوفا من استنفاد جميع احتياطياتهم من الذهب، قرر الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلغاء تغطية الدولار بالذهب (1971).

وعلى الرغم من هذا القرار، أصبح الدولار العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم، وهذا يعني أن معظم البلدان تقبل به كوسيلة للدفع، وحتى بدلا من عملتها.

فما يقرب من 50 ٪ من جميع التجارة الدولية ومعظم عقود النفط مقومة بالدولار، وهذا الوضع يمنح الولايات المتحدة سلطة استثنائية على أي كيان تقريبا يستورد أو يصدر أي شيء، بغض النظر عن مكانه.

وبحسب رويمي، لطالما أثارت هذه القوة غضب الخصوم والشركاء التجاريين للولايات المتحدة لأن هذه الهيمنة تجعلهم عرضة للعقوبات التجارية الأميركية.

وعن إمكانية تسبب الوضع الاقتصادي الأميركي في خسارة الدولار لفوائده، أكد الخبير الفرنسي أن الوضع الاقتصادي، الذي يتدهور حاليا، في الولايات المتحدة لا يبشر بنهاية تفوق الدولار، لا سيما أنه لم تكن هناك هجمات مضاربة على العملة. 

وتابع: "قلة من الدول تقدم نفس المستوى الأمني الذي توفره الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عظمى، مع مراكز مالية ديناميكية، مستقرة سياسيا، وكل ذلك يسمح لها بسهولة بدعم مؤسساتها المالية".

ونوه بأن البعض يعتقد أن الدولار لن يفقد هيمنته، وهناك مقولة معروفة غالبا ما يتم ترديدها: "لا تقاتلوا الاحتياطي الفيدرالي"، ففي الواقع، يبدو أن هيمنة النظام المصرفي الأميركي وسيولة الدولار، بدعم من البنك المركزي، تقدم له، لفترة غير محددة، تفوقا بلا منازع في النظام النقدي والمالي العالمي.

ولا يمكن استبدال الدولار لأنه لا يوجد بديل له موثوق به، بحسب ميشيل رويمي.

حقوق السحب الخاصة

ولفت إلى أنه في الفترة الأخيرة تم تقديم حل آخر، وهو إحياء "عملة" صندوق النقد الدولي (حقوق السحب الخاصة)، وهي سلة تتكون من عدة عملات (الدولار الأميركي، اليورو، اليوان، الجنيه الإسترليني، الين)، ولكن من الذي سيقبل في الولايات المتحدة والصين أو أوروبا استبدال عملتهم الوطنية؟.

وفي إجابته على سؤال ماذا يعني انهيار الدولار على الساحة الدولية؟ قال الأستاذ في ESCP: "تحرص الصين وروسيا بشكل خاص على تحرير أنفسهما من سيطرة الولايات المتحدة على النظام النقدي الدولي، فهم يريدون التجارة مع الرنمينبي يوان (RMB) والروبل بدلا من الدولار في المعاملات التجارية".

وأشار إلى أن الصين تحرز بالفعل تقدما، كما هو مبين في مبادرتها لإنشاء عملة رقمية ذات سيادة، ومن خلال ذلك يستطيع "الرنمينبي الإلكتروني" أن يستفيد من المبادرة الصينية لـ "طرق الحرير الجديدة"، إذا يمكن اعتبار استخدامه كبديل جذاب للدول والشركات الراغبة في التجارة مع بعضها البعض، دون الحاجة إلى الدولار الأميركي.

كما أوضح أن هناك إستراتيجية أخرى هي شراء الذهب، إذ تظهر الإحصاءات أن الصين وروسيا كانتا من المشترين الرئيسيين لعدة أشهر، وهدفهم هو استخدام المعدن النفيس كغطاء لتقليل اعتمادهم على الدولار.

ووفقا له، كان من الممكن أن يكون اليورو، الذي يمثل حوالي 20٪ من الاحتياطيات النقدية في العالم، بديلا جادا لمواجهة الهيمنة العالمية للعملة الأميركية، غير أن عدم اليقين السياسي للاتحاد الأوروبي لا يقدم ضمانات كافية في الوقت الحالي.

ما بعد الدولار 

وتابع رويمي: "هناك حدث آخر يمكن أن يعدل البطاقات على مستوى العالم، إنه ضعف العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، إذ يعد تحديد سعر النفط بالدولار أحد الأسباب الرئيسية وراء رغبة معظم البنوك المركزية والمستثمرين العالميين في إعطاء الأولوية للدولار".

وأكد أنه إذا لم تخطط الولايات المتحدة لتغيير إستراتيجيتها للطاقة في المستقبل، فسيتعين على السعودية إيجاد مشتر مفضل جديد لنفطها.

ونظرا لاحتياجاتها الكبيرة من الطاقة، يمكن أن تصبح الصين هذا العميل المميز، لذلك من المؤكد أنه سيتطلب تثبيت سعر النفط بالرنمينبي، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض الطلب العالمي على الدولارات.

ورأى الخبير الفرنسي أنه بالتالي "عالم ما بعد الدولار يتشكل، وظهور عالم ثنائي القطب تتصادم فيه الولايات المتحدة والصين يمكن أن يضعف مكانة الدولار كعملة احتياطية"،

بيد أن الطبيعة تمقت الفراغ، ولهذا يجب أن يظهر بديل، ويعتبر اليورو والذهب وحتى الرنمينبي الإلكتروني من البدائل المحتملة، لكن مع ذلك، هذه الحلول المختلفة تعاني من عيوب كبيرة.

وتظل الحقيقة أن الآليات الجديدة لن تغير هيمنة الدولار في التجارة العالمية، لكنها ستقلل من قوة الولايات المتحدة لفرض سياساتها، بما في ذلك العقوبات بأي مكان في العالم، يخلص رويمي.