كورونا والفساد يعمقان أزمات العراق الاقتصادية.. ما الحل؟

طارق الشال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يعاني الاقتصاد العراقي من تراجع إيرادات النفط فضلا عن انخفاض الطلب عليه، والذي تعتمد عليه البلاد بشكل شبه كلي كمصدر رئيس في دعم موازنتها السنوية كونه يمثل أكثر من 90 ٪ منها.

وبلغت موازنة الدولة 112 مليار دولار في 2019، مما يضع العراق على حافة كارثة مالية قد تدفعها إلى تدابير تقشفية، منها قطع رواتب موظفي الدولة.

ومطلع يونيو/حزيران 2020، بينت اللجنة المالية النيابية لثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، أن الإيرادات النفطية في ظل انهيار أسعار الذهب الأسود ستؤمن 20% من رواتب الموظفين فقط.

وقال عضو اللجنة حنين قدو، في تصريح صحفي: إن "الحكومة تواجه مشكلة في تأمين رواتب الموظفين للأشهر المقبلة، وأن قانون الاقتراض الخارجي ناقش عددا من النقاط يمكن الاستفادة منها في سد العجز المتوقع في الموازنة".

وقالت وزارة النفط، في بيانها: إنه بحسب الإحصائية الأولية الصادرة عن شركة تسويق النفط العراقي "سومو"، بلغت صادرات النفط الخام 99.5 مليون برميل خلال شهر مايو/أيار، بإيرادات بلغت 2.9 مليار دولار، بسعر 21 دولارا للبرميل الواحد". 

وفي أبريل/ نيسان 2020، انخفضت إيرادات العراق من النفط إلى 1.4 مليار دولار، أي أقل بخمسة أضعاف عما كانت عليه قبل عام لحجم الإنتاج نفسه، جراء تدهور أسعار الخام عالميا وسط تفشي جائحة كوفيد- 19. 

وفي بداية مايو/ أيار 2019، أعلنت بغداد تحقيق إيرادات بنحو سبعة مليارات دولار مقابل تصدير 104 ملايين برميل.

وبلغ مجموع الكميات المصدرة من النفط الخام لشهر مارس/ آذار 2020 نحو 105 ملايين برميل، بإيرادات 2.99 مليار دولار. وكان العراق حقق في فبراير/ شباط إيرادات بـ5.5 مليار دولار مقابل بيع 98 مليون برميل فقط.

وبين انخفاض أسعار الخام وتفشي وباء كوفيد-19، تتعقد إمكانية خروج البلاد من حافة الانهيار الاقتصادي في حال عدم تعافي أسعار النفط عالميا.

ولا يزال العراق يعتمد في مسودة موازنته لعام 2020 -لم يجر التصويت عليها بعد- على سعر متوقع للنفط قدره 56 دولارا للبرميل.

فساد الموازنة

منذ العام 2003، تحول النفط إلى مصدر وحيد لتمويل موازنة الدولة سنويا، فيما تذهب معظم النفقات لتغطية رواتب الموظفين الحكوميين الذين تزداد أعدادهم سنويا. وبسبب ريعية الاقتصاد العراقي، تعد رواتب الموظفين المحرك الرئيس للسوق في الداخل.

وبحسب الخبير الاقتصادي، أسامة التميمي، فإن الاقتصاد العراقي "ريعي" يعتمد بنحو 94% على إيرادات النفط مما أدى إلى انخفاض إيرادات الموازنة بشكل كبير مجرد انخفاض الأسعار، بالإضافة إلى أن 70 ٪ من الموازنة العراقية تذهب للرواتب. 

وأضاف لـ"الاستقلال" أن الحكومة أمام عجز كبير خاصة أن العراق حقق ما يقارب ملياري دولار من مبيعاته من البترول خلال شهر مايو/ أيار، في حين أنه بحاجة إلى ما بين 4 إلى 5 مليار دولار أي أن العجز يصل إلى نحو 50%. 

وأكد أن مشكلة العراق ليست فقط في إيرادات النفط وإنما أيضا هناك قصور في توزيع الموازنة بالإضافة إلى الفساد الإداري.

وأشار إلى أن الحكومة بدأت بالعمل على إلغاء الرواتب المزدوجة والكشف عن "الموظفين الفضائيين" وهو لقب يطلق على أشخاص مسجلين في دوائر رسمية حكومية، ويتلقون رواتب شهرية، من دون أن يظهروا أو يعملوا.

هذا بالإضافة إلى ضرورة الإشراف على إيرادات المنافذ الحدودية التي تدر مبالغ طائلة بالمليارات للبلاد ولكن لا يدخل من تلك الأموال في ميزانية الدولة إلا القليل. 

وتابع: "أزمة العراق تتمثل بسوء الإدارة أكثر من كونها مشكلة انخفاض أسعار النفط التي تكاد تصل إلى حدود 40 دولارا (للبرميل) وبغداد بحاجة إلى أن تبيعه بـ70 دولارا حتى يكون الأمر متوازنا مع مصروفاتها السابقة خلال الـ17 عاما".

ولكن السعر الحالي للبرميل أجبر الحكومة على إعادة ومراجعة أبواب الصرف الكثير والهدر الحاصل في أموال الموازنة، فإذا ما تمت المراجعة فإن الحكومة نوعا ما من الممكن أن تسير أمورها نسبيا حتى تنشط الفعاليات الاقتصادية وتعود المنافذ الحدودية لسيطرتها، وفق التميمي.

وتوقعت أوساط حكومية أن يرسل مجلس الوزراء الموازنة الاتحادية لعام 2020 إلى مجلس النواب خلال الفترة القادمة، وخمنت بأن يكون حجم الموازنة العامة في ظل ظروف وباء كورونا والأزمة الاقتصادية بين 90 إلى 100 تريليون دينار.

وما تزال الموازنة الاتحادية المقترحة للعام 2020 معلقة في البرلمان مع عدم وجود بوادر تشير إلى اقتراب الوصول إلى اتفاق يضمن تمريرها.

وهذا التأخر في إقرار الموازنة يعني إطالة أمد إنجاز المشاريع الاستثمارية الجديدة التي تشملها تخصيصات الموازنة العامة الاتحادية 2020، كما أنه سيعطي إشارة سلبية للمستثمرين في القطاع الخاص للشروع باستثماراتهم.

من جانبه أرجع مدير عام الموازنة سابقا بوزارة المالية، حازم هادي، التراجع الكبير في إيراداتها إلى اعتماد الموازنة في تمويل نفقاتها على النفط بنسبة تصل إلى 95%، مما أدى إلى انعكاسات سلبية كبيرة على تمويل النفقات العامة، وبالتالي لجأت الحكومة لجملة من الإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة هذه الضائقة المالية.

وأضاف لـ"الاستقلال" بأن هذه الضائقة المالية مؤقتة لأنه في حال القضاء على كورونا وعودة النشاط الاقتصادي العالمي إلى ما كان عليه، بالتأكيد سوف يؤدي إلى زيادة الطلب على الطاقة وبالتالي سترتفع أسعار النفط مجددا.

وأشار هادي إلى أن النقطة الأساسية الواجب العمل عليها هي سيادة القانون، مضيفا أن هناك كثيرا من الإيرادات الواجب استحصالها تذهب إلى جيوب الفاسدين ويجري الاستحواذ عليها من قبل أعداد كبيرة من الأحزاب السياسية.

وأكد على ضرورة العمل بجدية لإيجاد موارد جديدة لتمويل موازنة البلاد، كبيع المستهلكات الحكومية وغيرها، وإعادة النظر في الرواتب العليا للأشخاص الذين يتقاضون رواتب عالية جدا مع أن خدمتهم الوظيفية لا تتجاوز أشهر.  

وقال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 20 يونيو/حزيران خلال زيارته لمقر وزارة النفط: إن لدى الحكومة الحالية ورقة إصلاحات ما زال النقاش فيها مستمرا لمعالجة الأخطاء الاقتصادية والمالية السابقة.

وأضاف: "من المهم أن تتحول الإيرادات النفطية إلى مشاريع تنموية"، مشيرا إلى أن "الاعتماد الكلي وبنسبة 95% من الموازنة على الإيرادات النفطية دليل فشل السياسات السابقة، ونعمل على تعظيم الإيرادات الأخرى".

الاقتراض والحلول

ووافقت اللجنة المالية النيابية باجتماع مشترك مع وزير المالية وبحضور النائب الأول لرئيس مجلس النواب، على تضمين مشروع قانون الاقتراض الداخلي والخارجي نصا يبيح لوزارة المالية إطلاق رواتب المعينين الجدد، وفقا لوكالة أنباء العراق "واع".

ويأتي طلب الحكومة في إطار مشروع قرار بالموافقة على الاقتراض الخارجي بنحو 5 مليارات دولار والاقتراض الداخلي بنحو 20 تريليون دينار من المصارف المحلية والبنك المركزي، بشرط أن تقدم الحكومة ورقة جديدة لقانون الإصلاح المالي والاقتصادي بعد مضي 60 يوما، تتضمن تغييرا جذريا في بنود الموازنة العامة والإيرادات غير النفطية.

وأوضح التميمي، أن الاقتراض الداخلي أفضل بكثير من الخارجي، مشيرا إلى أن هناك مصادر تمويل داخلية عديدة مثل البنوك العراقية وقطاع الاتصالات.

ولفت إلى أن الاقتراض الخارجي في ظل الأزمات المتتابعة نتيجة كورونا لن يتناسب مع الاقتصاد العراقي في الوقت الحالي.

وفي هذا الإطار يرى مسؤولون ومشرعون عراقيون، أن البلاد ستضطر للتخلي عن معظم مشروعات التنمية والطاقة وتتجه نحو الاقتراض من الخارج لضمان قدرته على دفع رواتب الموظفين الحكوميين وتسديد قيمة واردات الغذاء.

ومن المرجح أن تثير مثل هذه الخطوة مزيدا من المعارضة، حيث يحتج العراقيون منذ شهور ضد نخبة حاكمة يتهمونها بحرمانهم من الخدمات الأساسية مثل إمدادات الطاقة أو المستشفيات اللائقة.

ويرى خبراء الاقتصاد أن الذهاب إلى الاقتراض الخارجي دليل عدم جدية الحكومة في العمل على القضاء على الفساد المتفشي في الدولة.

كما أن مسودة مشروع قانون الاقتراض الخارجي غير واضحة المعالم فلا يوجد أي فكرة قانون تعطي صكا أبيض لوزير المالية والحكومة الاتحادية في الاقتراض كيفما شاءت.

فيما يرى هادي، أن الاقتراض الخارجي أمر ضروري نظرا لأن الموارد القادمة بالعملة الأجنبية قليلة جدا، وبالتالي هناك ضرورة لهذا الاقتراض من أجل تغطية عملية الاستيراد والالتزامات من السلع والخدمات.

وبلغ الدين الأجنبي للعراق -وفقا لصندوق النقد الدولي- 85.3 مليار دولار، ويضم مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في قطاع الطاقة وشراء الكهرباء والغاز من إيران، في حين يبلغ الدين الداخلي أربعين مليار دولار، أغلبه للبنك المركزي والمصارف الحكومية الثلاثة: الرافدين والرشيد والعراقي للتجارة، وهيئة التقاعد الوطنية.

واليوم، العراق مدين لدول الخليج بمبلغ يقارب 41 مليار دولار، اقترضها النظام السياسي السابق بزعامة صدام حسين، بالإضافة إلى ديون دول نادي باريس البالغة تسعة مليارات دولار. واقتربت الديون العراقية من مستوى الخط الأحمر لبلوغها 55% من الناتج المحلي الإجمالي.

 ومن أجل الخروج من الأزمة، يؤكد خبراء اقتصاديون على أهمية القضاء على الفساد وإجراء إصلاحات حقيقية لكل الأزمات السابقة كونها أهم الأسباب المؤدية للأزمة الحالية، وتوجيه بوصلة المستثمرين الأجانب إلى القطاع الخاص العراقي في هذه المرحلة الحرجة وترك مشاريع القطاع العام وتأجيلها إلى مراحل لاحقة لحين تحسن الظروف وتعافي الاقتصاد.  

وطالب التميمي، الحكومة بإجراء مراجعة شاملة لكافة القرارات التي أصبحت عبئا على الموازنة العراقية، وتنشيط الاقتصادي الداخلي من خلال القطاع الزراعي والصناعي، وفتح باب الاستثمار.

ويفتقر اقتصاد العراق على نحو استثنائي لأساس إنتاجي زراعي وصناعي، لأن 91.66% من الناتج غير النفطي هو من قطاعات البناء والتشييد والكهرباء والماء والأنشطة غير السلعية.
ويلاحظ تقلص نسبي سريع في الزراعة والصناعة التحويلية إذ كان ناتج القطاعين يعادل 27.8% من ناتج الخدمات بالتعريف الواسع عام 2005 لكنه أصبح 9.3% عام 2018. 

وتستحوذ الخدمات على حوالي 60% من القوى العاملة عام 2019، و18% في الزراعة و22% في بقية القطاعات وهي: التعدين والاستخراج، بما في ذلك النفط والغاز، والصناعة التحويلية والتشييد والبناء والكهرباء والماء.

ويرى الهادي أنه مستقبلا، "على الإدارة المالية ومسؤولي الخطط المالية البحث والتقصي عن إيرادات جديدة مع العمل على توفير قاعدة معلومات وإحصاءات للمخطط المالي حول المتعلقات المالية والنفقات من أجل المساهمة في تصحيح الاقتصاد وتقليل الإهدار العام وتحجيم الفساد واتخاذ قرارات واقعية وسليمة.