أبو غزالة.. وزير دفاع مصري توعد إثيوبيا ورفض الانقلاب على الحكم

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع تصاعد أزمة سد النهضة الإثيوبي وعجز القاهرة عن حل المشكلة التي تمثل أخطر تهديد على الأمن القومي المصري في التاريخ الحديث، تصدر مواقع التواصل مقطع فيديو قديم، لكلمة ألقاها وزير الدفاع المصري الأسبق، المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، عن المشروعات التي تتم على حوض النيل، وتمس الأمن المائي للمصريين. 

وقال المشير في إحدى محاضراته في الثمانينيات: "يجب تقليص أي نفوذ أجنبي، معاد لمصر، والقضاء عليه في دول حوض نهر النيل، لأن هذه المياه تمثل هدفا إستراتيجيا قوميا، لا بد أن نسعى من خلال الممارسات السياسية، والاقتصادية، والأيديولوجية، بل والعسكرية إلى تحقيقه، لأن ده أمننا".

والمشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، كان صاحب مواقف صارمة في الأزمات والشدائد، وهو الرجل الذي كان بإمكانه الانقلاب على حكم محمد حسني مبارك، خلال تمرد الأمن المركزي الشهير عام 1986 احتجاجا على سوء أوضاعهم.

القائد العسكري الذي رفض أن يقر في مصر سياسة الانقلابات العسكرية، وأن يدخلها في بوتقة المؤامرات والصراعات الداخلية، كما فعل من جاء بعده، كانت له كذلك رؤى فارقة في ملفات مفصلية متعلقة بالأمن القومي المصري، وعلى رأسها مشروعات بناء السدود على النيل، وتهديد أمن القاهرة المائي.

وتوعد أبو غزالة من يقدمون على تلك الأفعال، وهددهم بالقوة الشاملة، في وقت كانت مصر ما زالت تمتلك ثقلا دبلوماسيا في إفريقيا والشرق الأوسط، يحول بين إقدام الدول والأنظمة المعادية على التعرض لها.

وقال وزير الدفاع المصري آنذاك عن هذا الملف: إن "العمل في هذه المناطق (سدود النيل) لا يجب أن يكون موجها ضد القاهرة، وإذا كان موجها ضدها لا بد أن نتصدى له، ويجب أن نسعى لاستخدام كافة القوى الشاملة، لمنع تنفيذ المشروعات، في بعض دول حوض نهر النيل (إثيوبيا)، التي تهدف إلى تخفيض نصيبنا من المياه".

وخلال هذه المحاضرة أيضا تحدث المشير أبو غزالة أنه من أهم أهدافه كقائد للقوات المسلحة تقليص النفوذ الإسرائيلي فى دول حوض النيل والقضاء عليه "لأن هذا أمن مصر".

ملامح الشخصية

ولد المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة في 15 يناير/ كانون الثاني 1930، بقرية قبور الأمراء في مركز الدلنجات بمحافظة البحيرة، والتي أصبح اسمها الآن قرية "زهور الأمراء" وترجع أصول عائلته إلى قبائل "أولاد علي" صاحبة التقاليد والمبادئ العربية الأصيلة. 

أظهر نبوغا مبكرا في سنوات دراسته، حيث كان يمتاز بالتفوق والذكاء في مراحل التعليم الأولى، وحصل على الثانوية العامة من مدرسة "عمر مكرم" في دمنهور عام 1946، وجاء ترتيبه الـ13 على مستوى الجمهورية.

بعد دراسته الثانوية التحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1949 وكان الأول على دفعته التي ضمت الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، ثم التحق بسلاح المدفعية بعد تخرجه. 

وفي عام 1951 كان نقيبا في سلاح المدفعية متمركزا في سيناء، وفي زيارة له إلى القاهرة جرى تجنيده في تنظيم الضباط الأحرار، وشارك في ثورة 23 يوليو/ تموز 1952. 

كذلك سافر أبو غزالة إلى الاتحاد السوفيتي في الفترة من 1957 حتى 1961، والتحق بمعهد المدفعية والهندسة في مدينة پنزا لمدة 18 شهرا، ثم انتقل إلى موسكو حيث التحق بأكاديمية ستالين، التي حصل منها على إجازة القادة، وتعني دكتوراة العلوم لتشكيلات المدفعية عام 1961.

وعقب عودته من روسيا عمل في فرع التعليم بمدرسة المدفعية بالقوات المسلحة المصرية.

قائد فذ

في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، عين قائدا لمدفعية الجيش الثاني ثم عين بعد الحرب رئيسا لأركان المدفعية.

واختير في عام 1978 ملحقا عسكريا في الولايات المتحدة، وحصل على دبلوم الشرف من كلية الحرب الأميركية (كارلايل) عام 1979، كأول شخص غير أميركي يحصل على هذا الدبلوم.

وفي 27 يونيو/ حزيران 1979 اختير مديرا للمخابرات الحربية. وفي 15 مايو/ آيار 1980 عين رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة ورقي إلى رتبة فريق. 

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1981، عين وزيرا للدفاع والإنتاج الحربي في الوزارة المصرية التي تشكلت برئاسة حسني مبارك.

وأصدر مبارك قرار ترقية الفريق أبو غزالة إلى رتبة مشير في أبريل/ نيسان 1982. وفي 1 سبتمبر/ أيلول 1982 صدر قرار تعيينه نائبا لرئيس الوزراء، ووزيرا للدفاع والإنتاج الحربي.

وأشرف أبو غزالة على التصنيع الحربي، وبالإضافة للمصانع الحربية والهيئة العربية للتصنيع فقد أنشأ مصانع وزارة الدفاع، ومنها مصنع 200 الخاص بتجميع الدبابة أبرامز أ1، ومصنع 99 المتقدم. 

ومع اندلاع الغزو السوفيتي لأفغانستان واندلاع الحرب العراقية الإيرانية، ازدهر الإنتاج الحربي لمصر في عهد أبو غزالة لتتعدى صادراتها العسكرية بليون دولار عام 1984.

وفي أبريل/ نيسان 1989، أصدر حسني مبارك قراره، بإقالة أبو غزالة من وزارة الدفاع وتعيينه مساعدا لرئيس الجمهورية. 

وقد أرجع البعض أن أبرز العوامل التي تسببت في هذا القرار ارتفاع شعبية المشير داخل صفوف القوات المسلحة، ولجماهيريته الكبيرة بين سائر أفراد الشعب المصري، ما أقلق مبارك، وأصابه بالريبة.

ومنذ ذلك الوقت انزوى أبو غزالة عن الحياة العامة، حتى وفاته متأثرا بسرطان الحنجرة في 6 سبتمبر/ أيلول 2008، عن عمر ناهز 78 عاما.

خلصنا منه 

من أبرز الوقائع التاريخية للمشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، ما حدث في 25 فبراير/ شباط 1986، خلال السنوات الأولى من حكم مبارك، عندما وقعت أحداث الأمن المركزي والتي سماها البعض بـ "انتفاضة الأمن المركزي"، وهي واحدة من أكثر الأحداث المؤثرة في فترة حكم مبارك.

وتظاهر أكثر من 20 ألف جندي أمن مركزي في معسكر محافظة الجيزة احتجاجا علي سوء أوضاعهم وتسرب شائعات عن وجود قرار سري بمد سنوات الخدمة من ثلاث إلى خمس، وقد خرج الجنود إلى الشوارع وحرقوا المحال التجارية والفنادق في شارع الهرم، وهو ما تسبب في خسائر فادحة قدرت بعشرات الملايين من الجنيهات.

وسرعان ما نزل الجيش الذي كان تحت إمرة أبو غزالة، وأعلن حظر التجوال، وانتشرت قوات الجيش في شوارع القاهرة، وتم اعتقال الآلاف من قوات الأمن المركزي، وضربت طائرات الهليكوبتر معسكراتهم بالصواريخ.

وبعد انتهاء هذه الأحداث واستتباب الأمن، رفع حظر التجوال وأعلن عن إقالة اللواء أحمد رشدي وزير الداخلية آنذاك وعزل العديد من القيادات الأمنية.

وفي مذكراته التي كانت بعنوان "طريقي.. سنوات الحلم والصدام والعزلة.. من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء)، كشف كمال الجنزوري، رئيس وزراء مصر الأسبق، كواليس تلك الأحداث، والدور المفصلي الذي لعبه أبو غزالة في إنقاذ الموقف وحفظ الأمن. 

وكان أخطر ما أورده الجنزوري، تفاصيل اجتماع غير رسمي جمعه بأبو غزالة، قائلا: "في يوم 27 فبراير/شباط 1986، كانت الأمور قد استقرت في الشارع والقوات سيطرت تماما على الموقف، وكنا مجموعة قليلة مع المشير في مقر القيادة رغم أنني لست عسكريا، ولكن قربي منه سمح لي زيارته في ذلك اليوم".

وتابع: "في هذا اللقاء – غير الرسمي - قال أحد القادة العسكريين: كفاية كده يا سيادة المشير، خلّصنا من مبارك حتى يستقر البلد. فرد عليه أبو غزالة على الفور، وبكل حزم وبالحرف الواحد: لا يمكن لي أن أفعل ذلك وإن أخطأت وفعلت فسيُفعل معي فيما بعد، وانتهى الأمر، واستقرت الأمور، وعاد الجيش إلى ثكناته".

تلك الشهادة عضدها الصحفي المصري محمد حسنين هيكل، في كتابه "مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان"، عندما قال عن انتفاضة الأمن المركزي: "النتائج والتداعيات التي ترتبت على واقعة تمرد الأمن المركزي أحدثت شرخا أكبر من مجرد تمرد قوات نظامية على سلطة الدولة، كما أنها في آثارها أبعد من أن تنتهي بنزول القوات المسلحة إلى الشوارع".

وروى هيكل تفاصيل لقائه أبو غزالة، بعد انتهاء الأحداث، والذي قال له: "إذا كانت الرئاسة ضمن مطالبي أصلا، وهي لم تكن كذلك، فخلال تمرد الأمن المركزي كانت دباباتي موجودة في كل مكان في العاصمة".

وتابع: "لو كان الاستيلاء على السلطة مطروحا بالنسبة لي لما احتاج الأمر مني إلى أكثر من ضابط (وحتى برتبة ملازم) يذهب إلى أستوديوهات الإذاعة والتليفزيون ويلقي بيانا باسمي، وتنتهي القصة في خمس دقائق، وساعتها كان الشعب مستعدا لأن يرحب، وأيضا كان العالم مستعدا لأن يقبل، ولكنني لم أفعل".