"سرت والجفرة خط أحمر".. هل ينفذ السيسي تهديده باقتحام ليبيا؟

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحف تركية عدة الضوء على تهديدات رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، بالتدخل في ليبيا عسكريا في حال لم يجر وقف إطلاق النار عند نقطة الاشتباك الحالية على حدود مدينة سرت وقاعدة الجفرة الحصينة، بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا.

وفي مقالة نشرتها صحيفة "يني شفق" التركية للكاتب ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال فيه: إن "حفتر وعقيلة صالح (رئيس برلمان طبرق) ومن ورائه الدول العربية التي تدعمه تنكر كل ما يحدث من تقدم على الأرض في ليبيا، وتواصل شن سيل من التحذيرات، منادين بوقف إطلاق النار في خطوة تأخرت أكثر مما ينبغي".

أزمات متراكمة

وأضاف أقطاي: "من الطبيعي أن العملية السياسية ستكون في نهاية المطاف، لكنها ستأتي وسيكون اليوم الذي يتحكم فيه الليببيون بمصيرهم، ولكن قطعا لن يكون هذا اليوم وبين أظهر الليبيين حفتر وصالح، ولا أشباههم من الداعمين مثل السيسي وغيره".

ورأى أن "جرائم الحرب لا تقف على التي يرتكبها حفتر، ولكن كل يوم تكتشف مقابر جديدة، وكل يوم يعلن عن تنفيذ عمليات عسكرية جديدة يتم من خلالها مهاجمة المدنيين ومؤخرا تم العثور على 8 مقابر جماعية في ترهونة بعد تخليصها من يد حفتر. ليس هذا فحسب بل الغالبية العظمى من القتلة هم من الأطفال والنساء، وهناك أدلة على أنهم دفنوا أحياء. فبأي وجه يأتي مجرم يفاوض، ولصالح من مثلا؟".

وتابع أقطاي: "على أية حال قوات حكومة الوفاق مستمرة في تطهير الأراضي من حفتر ومرتزقته وهي حاليا على أبواب مدينة سرت وهي الخطوة التي أثارت قلق السيسي ومن خلفه وقد هدد بأن يقتحم الأراضي الليبية بالفعل".

وكان السيسي قد دعا خلال تفقده للمنطقة الغربية العسكرية في 20 يونيو/ حزيران 2020، إلى وقف إطلاق النار في ليبيا عند نقطة الاشتبالك الحالية على حدود مدينة سرت (منتصف الساحل الليبي) وقاعدة الجفرة الحصينة، بين قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وقوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا.

وأوضح السيسي: "لنتوقف عند الخط الذي وصل إليه طرفا المنطقة الغربية والشرقية ونبدأ وقف إطلاق النار.. خط سرت والجفرة، وهذا خط أحمر بالنسبة لمصر وأمنها القومي"، مؤكدا أن "أي تدخل مباشر من جانب مصر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية".

وبحسب أقطاي، فإن موقف مصر هذا يأتي في وقت تدعم فيه أنقرة الطرف الشرعي والمدعوم دوليا السيسي يقر في قرارة نفسه وبشكل علني أن تدخله في ليبيا غير شرعي ويدعم فيه الطرف الخطأ.

ولفت إلى أن السيسي يحاول شرعنة هذه الخطوة متطرقا في حديثه عن حدود مصر مع ليبيا والوضع الناتج عن عدم الاستقرار الذي تعيشه ليبيا،  ومع ذلك، فإن الحدود المشتركة مع ليبيا لا تشكل بالضرورة خطرا أمنيا على مصر من هناك والذي يحدث هو العكس مصر هي من تهدد الحدود الليبية".

وأردف: "لا يوجد حاليا تهديد مسجل أو هجوم أو تسلل إرهابي من ليبيا إلى مصر والذي يحدث هو العكس تماما؛ حيث عملت مصر بقيادة السيسي على دعم حفتر ومرتزقته ودربتهم على الأسلحة التي تلقوها؛  لذلك، قد يكون لليبيا الحق في التدخل بمصر في الوقت الحالي لأنها تشكل تهديدا أمنيا لها وليس العكس".

وزاد أقطاي قائلا: "لدى مصر أعداء ومشاكل حقيقية أكثر تهديدا الآن من حدودها، ومنها مثلا الاستمرار في بناء سد النهضة حيث سيعمل على إعاقة وصول مياه نهر النيل لمصر وهي التي تمثل 93 بالمئة من موارد مصر المائية وهذا تحت سمع وبصر السيسي ومراقبته". 

واستطرد: "بما أنها لم تستطع التغلب على المشاكل الأمنية الخطيرة في سيناء، فقد تم قبولها كمشكلة الآن. علاوة على أنه وعلى مر التاريخ كانت المشكلة الأمنية لمصر هي إسرائيل، وفجأة تحولت البوصلة لتغدو ليبيا هي المهدد الأول لمصر".

واختتم حديثه قائلا: "من الواضح أن السيسي يرى في كل هذه الأزمات والمشاكل الهجوم على تركيا والتهديد بخصم بعيد المنال ليس أكثر  من جهة وصلت الأزمة التي استمرت لسنوات عديدة مع إثيوبيا إلى ذروتها مع الاحتفاظ بالمياه لسد النهضة ولا يوجد نهج للحل يمكن أن يقدمه السيسي وبالتالي تنتظر مصر أياما عصيبة فيما يتعلق بوفرة المياه".

السيسي مسيّر

من جانبه، قال الكاتب إبراهيم كاراغول في مقال نشرته "يني شفق": إن "وليي العهد السعودي محمد بن سلمان والإماراتي محمد بن زايد هما وليا نعمة السيسي الذي يقول ما يمليانه عليه وهو مجبر على ذلك، لأن السعودية والإمارات هما اللتان نفذتا الانقلاب في مصر".

لكن المشكلة- بحسب الكاتب- ليست هنا فقط، بل إن الرياض وأبوظبي تتلقى التعليمات من إسرائيل والغرب وهذا يعد في الحقيقة فرض وصاية من جديد على كل دول المنطقة. وبرأيه لن "يقف الأمر عند ليبيا بل سينحسب على تونس والجزائر والمغرب بعد تدمير العراق واليمن وانقلاب في السودان وقبل ذلك كله انقلاب اختتم بمجزرة في مصر".

وشدد الكاتب على أن "السيسي لا يستطيع فعل أي شيء؛ فقد فشل في حل أزمة سد النهضة مع إثيوبيا وحكم على شعبه بالفقر وقدم مصادر الغاز الطبيعي على طبق من ذهب لإسرائيل التي سمح لها بأن تبسط نفوذها سريعا في سيناء. ولهذا فإن ما يقوله ليس إلا من قبيل الكلام الذي لا يأتي من بعده أي تحرك".

ورأى كاراغول أن "هذا الحراك في الحقيقة سيكون بداية النهاية للأنظمة العربية القائمة اليوم، فالعجز عن رؤية تغير موازين القوى العالمية والميول الجديدة هو انتحار سينتهي بنهايتهم وسيسجل التاريخ أن ابن سلمان وابن زايد أسهما في تدمير العالم العربي".

وتساءل الكاتب، قائلا: "لماذا في الوقت الذي تنهار فيه الدول العربية باستثناء قلة قليلة منها نجد الدول الإسلامية غير العربية تزداد قوة؟ ولعل الإجابة عن هذا السؤال فقط تكون كافية لتوضيح كل ما يحدث في المنطقة اليوم".

وتابع: "كان من باب أولى أن تصب هذه الدول جام غضبها على فرنسا التي دمرت ليبيا أو على أقل تقدير استنكار الوجود الروسي، ولكن وحتى لو جاءت كل دول الغرب ستبقى هاتان العاصمتان صامتتان تماما، وما الصمت عن خطط الضم التي تقوم بها إسرائيل عنا ببعيد وقد يكون الأمر ليس مجرد الصمت فحسب، بل قد تكون  محاولة لتشتيت ذهن الرأي العام العربي والإسلامي بعدما قاموا بمساومات سرية بالطريقة ذاتها من أجل إعلان القدس عاصمة لإسرائيل".

ولفت الكاتب إلى أن "السعودية والإمارات والسيسي يظنون أن بإمكانهم استهداف تركيا على عدة جبهات. ولهذا يفتحون جبهتين في شمال العراق وسوريا بالتزامن مع جبهة ليبيا، فينفذون بعض المساومات مع حزب العمال الكردستاني وبعض الجماعات الكردية. ولا تقف أميركا وفرنسا وحسب خلف التوافق بين مسعود البارزاني (رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني بالعراق) وحزب العمال الكردستاني، بل هناك كذلك السعودية والإمارات".

وأكد كاراغول  أن ولي عهد الإمارات ابن زايد يحارب تركيا بشتى الطرق في كل شبر من أرض المنطقة مستغلا التنظيمات الإرهابية. ولهذا فقد أصبح لزاما على تركيا إعادة صياغة علاقتها مع الإمارات وفق "قانون الحرب". فلا يكفي أن يقال "كفى" لما تثيره الإمارات من فتن في ليبيا وسوريا وشمال العراق، بل يجب فعل شيء يحرق قلب ابن زايد.

حقيقة التهديدات

وفي السياق ذاته، وصف الكاتب إسماعيل ياشا في مقالة بصحيفة "ديرليش بوستاسي" السيسي بأنه كاد أن ينفجر أثناء إلقاء خطابه والتي وصف فيها مدينة سرت والجفرة الليبية بأنها خطر أحمر بالنسبة لبلاده.

ياشا قال في مقاله: إن "أولئك الذين يقولون إن التهديدات التي يشكلها عبد الفتاح السيسي لا يجب أن تؤخذ على محمل الجد، والذين يعتقدون أن الجيش المصري لا يمكنه التدخل في ليبيا كثيرون. في الحقيقة نعم القاهرة تعاني من أزمات عديدة من هذه المشاكل أزمة سد النهضة وأزمة سيناء فضلا عن الأزمات الاقتصادية وعدم إضافة أي جديد في هذا الشأن، وكل ما في الأمر أن السيسي يناور علّه يحقق أي مكاسب في القضية الليبية".

من جانب آخر- يضيف الكاتب-: هناك من يرى أن "القرار في الأساس ليس بيده ولكن بيد الرياض وأبوظبي وهي التي تمول نظام السيسي وتدعمه وعليه  تريد الإمارات والسعودية دخول الجيش المصري إلى ليبيا أكثر من المصريين، وكان واضحا من ذلك أن كلا الدولتين لم تتاخرا في دعم تصريحات السيسي هذه خاصة الإمارات الدولة الماهرة في استخدام دول عديدة خدمة لمصالحها وبالتالي من الطبيعي أن نأخذ هذا الأمر في الاحتمال، وأن دخول الجيش المصري في ليبيا كرما لأبوظبي وارد للغاية".

أما عن ردة فعل الجيش المصري فهي واحدة من اثنتين- بحسب الكاتب- إما أن يلبي نداء السيسي أو يرفضه وبالتالي ينفذ انقلابا آخر. من هذه النقطة، فإن المناقشات ستكون "ما هي العواقب إذا حاولت مصر احتلال ليبيا؟" لكن الحقيقة الثابتة من هذا كله أن أحفاد عمر المختار لن يقابلوا جيش مصر بالورود الحمراء وإن بؤس الجيش المصري، الذي أرسل عشرات الآلاف من الجنود إلى اليمن في الستينيات في عهد جمال عبد الناصر، لم ينس بعد.