المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.. أداة السيسي لحبس أنفاس المصريين

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ وصوله لسدة الحكم بانقلاب عسكري دموي صيف 2013، والجنرال عبد الفتاح السيسي يحلم بدولة مثل دولة عبد الناصر في الستينيات، وصرح بذلك أكثر من مرة دون مواربة.

قرار السيسي بتأسيس وتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في أبريل/ نيسان 2016، لم يكن سوى خطوة على طريق ما يحلم به من إعادة دولة عبد الناصر القمعية، فعين مكرم محمد أحمد رجل كل العصور على رأس هذا المجلس.

لم يعد خافيا على أحد أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، بات مجرد أداة من أدوات نظام السيسي، لخنق صوت المؤسسات الصحفية والإعلامية، والحد من الحريات، وفرض دولة الرأي الواحد، والصوت الواحد.

صباح 16 يونيو/ حزيران 2020، أصدر المجلس بيانا حذر فيه جميع وسائل الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من تداول أي أخبار خارج إطار البيانات الرسمية فيما يخص عدة قضايا، على رأسها "تطورات ملف سد النهضة، وأزمة كورونا، والصراع في ليبيا، والوضع في سيناء".

المجلس برر قراره بأنه ينبع من "المنعطف الخطير الذي تمر به البلاد، والتحديات الجسام في هذه المرحلة الحساسة، والتي تتعلق بأمن البلاد القومي، وتتطلب تضافر جهود كل القوى الوطنية".

وتوعد المجلس بأن "نشر أو بث أي مادة أو أخبار تؤثر على وحدة وسلامة النسيج الوطني وترابط أبنائه، سيتخذ حيالها الإجراءات التي كفلها له القانون ضد المخالفين وضد أي محاولة للعبث بمقدرات الأمة بتوقيع أقصى العقوبات والإحالة للنائب العام". 

لماذا مكرم؟

لم يكن حديث الرئيس الراحل محمد مرسي، في 26 يونيو/ حزيران 2013، قبل وقوع الانقلاب بأيام، عن مكرم محمد أحمد، من فراغ، حيث أثبتت الأحداث فيما بعد الانقلاب أن مكرم كان له دور هدام ومرسوم، قام به خلال المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير، وحتى وقوع الانقلاب فبات من المقربين جدا لدائرة السيسي.

لم ينس الثوار وصف مكرم، لثورة 25 يناير بـ"الهبة" وبأنها صناعة أميركية لوقف تنمية مصر، تم بعدها طرده من على سلم نقابة الصحفيين في 7 فبراير/ شباط 2011، قبل إعلان خلع مبارك بأيام قليلة.

لن ينسى التاريخ موقف رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، من قضية بيع جزيرتي تيران وصنافير، والتي أعلن فيها تأييده لموقف السيسي في التنازل عن الأرض، وقال في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 خلال لقائه مع قناة "صدى البلد": "إسرائيل ستتسلم المهام الأمنية لتيران وصنافير من مصر".

وفي 22 سبتمبر/ أيلول 2016، قال مكرم: "الشعب في حاجة إلى تربية، السيسي مدلع الشعب وهناك ملاحظات على حكم السيسي، وأهمها هو أن نظامه لا يحاسب أو يعاقب أحدا ولا يتعامل بالحسم مع المخطئين".

وأضاف مكرم، في حواره ببرنامج "حقائق وأسرار" على قناة "صدى البلد": "ليس مهمة النظام هو أنه يدلع الشعب، مهمته أنه يوفر كل الظروف التي تمكنه من المنافسة والإنتاج ويدلع لما يستحق الدلع".

أدوات ردع

مكرم قال أيضا: "جزء من مهمة النظام هو أنه يربي الشعب، الشعوب تحتاج إلى تربية، هناك حالة تسيب ولامبالاة تسود الشارع المصري، وإزاي نوقفها طالما لم يكن هناك أدوات ردع تلزم المواطنين على احترام القانون للأسف محدش بيحترم القانون".

تلك الرؤية الاستبدادية، والداعمة للديكتاتورية، خرجت من رجل شغل منصب نقيب الصحفيين عدة مرات، ومن المفترض أن يعمل على خط حرية الصحافة والتعبير، لكنه على العكس، رسخ بصوته وقلمه لقمع الصحافة، والتضييق على الصحفيين، وتنفيذ رؤية السيسي الاستبدادية.

مع تشكيل المجلس تحددت مسودة اللائحة التي تأتي في 30 مادة، وشملت المخالفات التي تستوجب عقوبة مثل السب والقذف، وإهانة جهات أو أشخاص، ونشر وبث شائعات أو أخبار مجهولة المصدر، والتحريض على العنف أو الحض على الكراهية والتمييز.

كما تضمنت المخالفات أيضا ما أسمته المسودة "انتقاد سلوكيات المواطنين بشكل يجاوز حدود النقد المباح"، وإجراء مناقشات وحوارات على حالات فردية باعتبارها ظاهرة عامة، والتشكيك في الذمم المالية دون دليل، ومخالفة قواعد التغطية الصحفية والإعلامية للعمليات الحربية والأمنية والحوادث الإرهابية، بالإضافة إلى مشاهد العنف غير المبررة، وإهانة معتقدات وقيم المجتمع.

وتراوحت العقوبات بحسب اللائحة بين لفت النظر، والإنذار، والإحالة للتحقيق، ووقف البث، والمنع من الظهور أو الكتابة، والإلزام بالاعتذار أو التصحيح، وتصل إلى الحجب، وفرض غرامات مالية تتراوح ما بين 10 آلاف جنيه وحتى 500 ألف جنيه. 

كما حوت المسودة مضاعفة الجزاء في حال تكرار المخالفة أو الامتناع عن تنفيذ الجزاء. وتحدد اللائحة 10 أيام لتقديم تظلم أو التماس لرفع الجزاءات، وتمنع المسودة أي جهة أخرى من التحقيق في المخالفات الإعلامية دون إخطار المجلس.

احتكار الكلام

ويتشكل المجلس من 13 عضوا هم كل من: رئيس المجلس - نائب رئيس المجلس - رئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية - ممثل للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات - اثنان من الشخصيات العامة وذوي الخبرة - اثنان من الصحفيين - اثنان من الإعلاميين - اثنان من الشخصيات العامة وذوي الخبرة يرشحهما مجلس النواب - ممثل للمجلس الأعلى للجامعات.

في أبريل/ نيسان 2019، أصدر المرصد المصري للصحافة والإعلام، تقريرا أشار إلى أن "المجلس الأعلى للإعلام يمثل خطرا يهدد مهنية واستقلالية وسائل الإعلام، على عدد من المستويات، وقد خلقته السلطة التنفيذية لتستطيع من خلاله السيطرة على وسائل الإعلام".

ذكر التقرير، أنه "منذ إنشائه، أصدر المجلس الأعلى للإعلام 86 قرارا بعقوبات مختلفة على وسائل الإعلام والعاملين بها، ما يمثل مؤشرا يدق ناقوس خطر يستدعي من جميع الكيانات والمؤسسات التي تدافع عن حرية الرأي والتعبير".

كما طالب التقرير بـ"سرعة التصدي لسلوك المجلس، والضغط عليه بكافة الطرق القانونية والمشروعة لإلزامه بالدور الذي يكفله له الدستور، وهو حماية حرية الرأي والفكر والتعبير وضمان استقلال الإعلام، والبحث في مصادر تمويل تلك المؤسسات ومنع احتكارها".

معركة خاطئة

عضو اتحاد الكتاب المصريين سمير عبد المنعم، قال لـ"الاستقلال": "طريقة إدارة الإعلام المصري، وما يفعله المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، معركة خاطئة في الزمن الراهن، فالعالم أمام حالة من السيولة في كل شيء، وبالأخص المعلومات والإعلام.

مضيفا: "أصبحت مسألة الحيلولة بين المواطن والمعلومة أمر شبه مستحيل في عصر السماوات المفتوحة، والهواتف الذكية، وشبكات الجيل الخامس، وبالنظر إلى مصر أقدم الدول العربية والشرق أوسطية معرفة بفنون العمل الصحفي، والدولة الرائدة في مجال الفن والإعلام، وصاحبة المدارس الأدبية الممتدة، فإن فرض ووضع قيود على حقوق النشر، وتداول المعلومات وتحليلها أمر عبثي، ولا يليق بحجم ومكانة مصر". 

وتابع عبد المنعم: "المعلومة في صورتها البسيطة، وقول الحقيقة هما أقصر الطرق لمجتمع صحي وسليم، يستطيع تجاوز المشكلات والعقبات، والأمن القومي الحقيقي لمصر، هو تماسك ووحدة شعبها في وجه المخاطر، وأزمة سد النهضة خطر داهم، يهدد ملايين المصريين، وإخفاء المعلومات بشأنه معقد ومضر، لأن المواطن بطبيعة الحال سيشعر بالتبعات عاجلا أو آجلا، وكذلك لكون الأزمة دولية، ومحل اهتمام وسائل إعلام عالمية، فمتابعتها من أي مصدر أمر ليس بالصعوبة البالغة".

عبد المنعم حذر من تكرار نكسة 67 قائلا: "يجب أن نتعظ مما حدث في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما كان هناك إعلام الصوت الواحد، وصحافة القلم الواحد، وسياسة الرأي الواحد، التي انتهت بنكسة 1967، في غفلة من الجميع، والجميع دفع الثمن دون استثناء.

وختم عضو اتحاد الكتاب حديثه بالقول: "من أهم واجبات وسائل الإعلام توعية المواطن، وإحاطته بالمستجدات، ومن الأفضل للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أن يضع خطط توعوية، ويساعد في إتاحة القدر الأكبر من الحريات، ويقوم بحماية الصحفيين والمثقفين وأصحاب الرأي، لا أن يشارك في قمعهم، وقتل الوعي لدى الشعب المصري".