نسخة "فلويد" المغربية.. هذه طريقة تعامل إسبانيا مع المهاجرين القصر

سبتة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

تفاعلا مع ما يحدث في أميركا من احتجاجات على الشرطة بسبب انتهاك حقوق الأقليات، استحضر حقوقيون حادثة مشابهة جرت أحداثها في مدينة ألميريا الإسبانية مطلع يوليو/ تموز 2019، بطلها الشاب المغربي إلياس الطاهري البالغ من العمر 18 سنة.

أطلقت وسائل إعلام إسبانية لقب "فلويد المغربي" على إلياس، وطالب مئات المغاربة والإسبان سلطات مدريد في عريضة إلكترونية بإعادة فتح التحقيق في مقتل الشاب المغربي، وهو ما استجاب له المدعي العام بمحكمة بورشينا بألميريا.

في 9 يونيو/ حزيران 2020، نشرت صحيفة "إلباييس" الإسبانية فيديو من 13 دقيقة يظهر الطريقة التي قتل بها القاصر المغربي أثناء تثبيته وتقييده على سرير من طرف 6 حراس أمن في مركز لإيواء المهاجرين غير النظاميين.

تقرير الصحيفة كان سببا في عودة قضية الشاب إلياس الطاهري إلى الواجهة بعد أن كادت تدفن في يناير/ كانون الثاني 2020، وأعاد إلى الواجهة أيضا وضعية آلاف القاصرين الأجانب الذين يعيشون في مختلف مراكز الإيواء بمختلف المدن الإسبانية، بينهم ما يزيد عن 7000 مغربي.

 

انتهاكات مراقبة

تحدثت "إلباييس" في تقريرها عن جمعية الإدارة الاجتماعية (جينسو) المسؤولة عن مركز الإيواء، وقالت: إنه أحد مراكز الاعتقال الأربعة التي تديرها هذه المنظمة المثيرة للجدل، والتي صدرت عنها الكثير من الشكاوى والحوادث وأكثر من حالة وفاة بعد تطبيق هذا النوع من الإجراءات. 

أفادت الصحيفة بأن مفوض حقوق الإنسان في إسبانيا، فرانسيسكو فرنانديز ماروغان، طلب من الإدارات زيادة اليقظة بشأن مراكز إيواء القاصرين بعد وفاة إلياس الطاهري.

وأنه عبّر عن شعورة "بقلق بالغ" بشأن هذه المسألة، وقال محذرا: "سوف نتصل بالإدارات قريبا لنخبرهم أننا بحاجة إلى تغيير اللوائح والإجراءات وتعزيز المراقبة على هذه المراكز".

لكن "إلباييس" أشارت إلى أن المسؤول الحكومي قام بزيارة إلى المركز في مارس/ آذار 2018، أي 15 شهرا قبل وفاة الشاب، وأنه لاحظ وجود مخالفات.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أدان ماروغان مفوض حقوق الإنسان في إسبانيا، ازدياد "الرسائل العنصرية" التي تبرر الهجمات على المهاجرين القاصرين.

ودعا إلى "مكافحة الرسائل التي تنم عن التعصب وكره الأجانب والتي تطال القاصرين الأجانب الذين لا يرافقهم البالغون".

وأضاف: "نشهد مستوى يزداد خطورة لهجمات غادرة ضد قاصرين أجانب بدون مرافقين بالغين ويخضعون لوصاية مراكز الإيواء".

جاء التصريح تعليقا على تعرض عدد من المهاجرين القاصرين  للضرب، فيما تحدثت جمعيات حماية القاصرين الأجانب أيضا عن هجوم وقع في العاصمة في نهاية سبتمبر/ أيلول 2019 على القاصرين.

وبعدها فتح القضاء تحقيقا بعد تعرض فتى في السابعة عشرة من عمره للضرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 في سرقسطة بشمال شرق إسبانيا.

 

معبر الهلاك

في تقرير صدر في 2018، سلط موقع "مهاجر نيوز" المعني بشؤون المهاجرين، الضوء على المعاناة الاجتماعية التي تعيشها هذه الفئة.

ونقل على لسان جوزيب بوديس فوستر، رئيس العلاقات المؤسسية في دائرة اللاجئين اليسوعية - وهي منظمة دينية - قوله: "الأطفال يواجهون مخاطر آثار الطقس على صحتهم، حيث ينامون في الشوارع، كذلك يعاني العديدون من الإدمان".

ويتعرض الأطفال المهاجرون بشكل غير نظامي، بحسب فوستر، لتعليقات تنم عن كراهية وتحريض على العنف من قبل السكان وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تصل إلى أعمال عدوانية في بعض الأحيان. 

كما أن هناك مخاطر ناتجة عن محاولات الهرب إلى خارج شبه الجزيرة، ويشير المصدر إلى أن "الاغتصاب والبغاء يمثلان مشاكل إضافية تهدد الأطفال".

إلياس ليس الوحيد، حيث قدرت جامعة إيكاي - إيكاد كوميلاس في تقرير أصدرته في مارس / آذار 2017، عدد المهاجرين الأطفال الذين ينامون في شوارع مليلية (المدينة المتنازع على سيادتها بين المغرب وإسبانيا) ما بين 50 و100 طفل ومراهق، ووصفت وضعهم بـ"المعقد".

وبالحديث عن الأسباب التي تزج بهذه الفئة إلى شوارع مليلية كمهاجرين غير نظاميين، أوضح المحامي المدافع عن حقوق الإنسان، خوسيه ألونسو، للموقع المتخصص أن "المشاكل الاقتصادية للأسر في المغرب تجبر الكثيرين على التخلي عن أطفالهم".

وتابع أن مليلية بالنسبة لهم هي الباب الأوروبي والحل لمشاكلهم، إلا أن نقطة العبور هذه تتحول لمكان يعلقون فيه للأبد".  

يدخل الأطفال إلى مليلية عبر المنافذ الحدودية الرسمية متسللين مع سيارات شحن البضائع والمواد الغذائية، وفي حال تم إلقاء القبض عليهم ولم يكونوا مع ذويهم، يتم نقلهم إلى مركز الشرطة الوطني، ويوضعون تحت إشراف إدارة الرعاية الاجتماعية بمراكز القاصرين.

 

مماطلة ممنهجة

الصحة والتعليم والوثائق الثبوتية هي المشاكل الرئيسية التي تواجه هؤلاء الأطفال، ويرى المتخصصون أن هناك نقصا في الإرادة السياسية لمنح هؤلاء الأطفال وثائق تجعل وضعهم قانونيا.

بل إن السلطات تنتظر بلوغهم 18 عاما لتعاملهم كبالغين، لكنها تتخوف في الوقت نفسه من قيام أطفال آخرين بالأمر نفسه، في حال نجح أحدهم بالهجرة غير النظامية، وتعريض أنفسهم للخطر.

مماطلة السلطات تسببت في هروب الكثيرين من مراكز القاصرين، لذلك وبعد شكاوى كثيرة من المنظمات غير الحكومية للمدعي العام ومفوض حقوق الإنسان، تقرر تجهيز الوثائق للأطفال.

المحامي خوسيه ألونسو يرى أن القرار صاحبته مجموعة من العوائق حتى لا يتمكن هؤلاء الأطفال من تسوية وضعيتهم القانونية لهذا السبب، لا يثق الأطفال بالسلطات الإسبانية، ما يدفعهم للهرب وتعريض حياتهم للخطر.

ويرى ألونسو أن جعل وضعهم قانونيا هي "المفتاح لإنهاء هذا الوضع" ويتابع: "إن حل مشكلة التوثيق، وإعطاءهم خروجا شرعيا ومعاملتهم بكرامة، أمر ضروري حتى لا ينتهي هؤلاء الأطفال إلى الشارع".

من جانبه عبّر رئيس "مرصد الشمال" لحقوق الإنسان، محمد بن عيسى، عن أسفه مما يحدث في مراكز إيواء القاصرين بإسبانيا، وأكد لصحيفة "الاستقلال" أن ما يخرج إلى العلن ما هو إلا قليل مما يجري.

وأوضح المتحدث أن قضية مقتل إلياس الطاهري تؤكد ذلك، "فلولا مقاطع الفيديو المسربة لما اطلعنا على حقيقة وفاته".

ذهب ابن عيسى إلى حد القول: بأن "التسيب داخل مراكز الإيواء يصل إلى الاعتداءات الجنسية بالإضافة إلى الجسدية والنفسية، ويتم التكتم عنها كلها".

بيّن الحقوقي المتخصص في الملف، أن خضوع تلك المراكز لتدبير شركات خاصة يعرض نزلاءها لانتهاكات يجري طيها بسبب الخوف من الإعادة إلى المغرب.

وختم رئيس "مرصد الشمال" حديثه لـ"الاستقلال" بالقول: "للأسف هناك ترويج لصورة وردية عن تلك المراكز الموجودة بمدينتي سبتة ومليلية، حتى أصبحنا نرى آباء وأمهات يضعن فلذات أكبادهم في معترك المجهول بدعوى ضمان مستقبل بالفردوس الأوروبي".

خطاب تحريضي

تصف أصوات عديدة خطاب الحزب اليميني القومي "الصوت" المعروف أيضا باسم "فوكس"، الذي يبني وجوده على معاداة حملة ضد المهاجرين (تصفه) بـ"التحريضي"

فيما يربط حزب "فوكس" أعمال العنف بوجود المهاجرين، كما يعتمد في حملاته الانتخابية على التأكيد أن تدفقهم هو السبب وراء ارتفاع معدل الجريمة. 

الحزب الذي فاز بـ 24 مقعدا، في أول انتخابات يخوضها في أبريل/ نيسان 2019، حقق أكثر من ضعف الرقم في الانتخابات البرلمانية في 10  نوفمبر/تشرين الثاني من السنة نفسها، على حساب الأحزاب الاشتراكية واليسارية الأخرى.

حصل الحزب على المقعد الوحيد في البرلمان عن مدينة سبتة الحدودية، وتعرف المناطق التي يرتكز بها المهاجرون حضورا كبيرا له، ما يُفسَّر بكون مشاكل الهجرة والاندماج والبطالة تبدو ملحوظة في هذه المناطق وفي مقدمتها جهة مورسية بجنوب شرق إسبانيا، التي عرفت موجة عداء غير مسبوقة على المغاربة في فبراير/شباط عام 2001.

لم يستبعد أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة، عبد الرحيم العلام، في حديث سابق لـ"الاستقلال"، أن ينتقل هذا الخطاب المعادي للمهاجرين من الشعارات إلى الواقع، موضحا أن كثيرا من السياسات المنتهجة اليوم، حتى بالنسبة للأحزاب السياسية - التي لا تعادي المهاجرين حتى لا تعطي مبررات لليمين المتطرف - بدأت تتخذ بعض الخطوات من شأنها حرمان المهاجرين من امتيازات معينة أو التضييق عليهم ودفعهم إلى مغادرة البلاد.

هناك سياسات بدأت تنتهجها الحكومات كأنها تدخل في منافسة مع هذا التوجه المتطرف المعادي للمهاجرين. صحيح أنها لا تملك نفس الأفكار ولكنها تؤثر بشكل أو بآخر على المهاجرين، وفق ما يقول.

أما على مستوى الواقع، يواصل المتحدث لـ"الاستقلال": "نشاهد مستوى العنف الذي أصبح يمارس ضد المهاجرين في مختلف الدول، نتيجة التحريض ضدهم، مثل إيهام العاطلين عن العمل في أوروبا أن هؤلاء هم سبب معاناتهم، وبالتالي فهذا العداء بدأ ينتقل من الشعارات إلى الأرض".