"يثير الفتنة".. لهذا يدافع إعلام السيسي عن الكنيسة ويشيطن الأزهر

محمود سامي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثار التعاطي السريع والصارم من السلطات المصرية مع مجلة رسمية، نشرت صورة اعتبرتها الكنيسة الأرثوذكسية "مسيئة"، جدلا بشأن ما اعتبره مراقبون "تمييزا سلبيا" بحق الرموز الإسلامية ومشيخة الأزهر في السنوات الأخيرة.

ودأب الإعلام المصري، منذ تولي عبد الفتاح السيسي الحكم صيف 2014 على توجيه انتقادات لاذعة لمشيخة الأزهر والرموز الإسلامية، دون تحرك يذكر من قبل السلطات على غرار واقعة المجلة والكنيسة.

وفي 12 يونيو/حزيران 2020، ظهر الأنبا رافائيل، أسقف عام كنائس وسط القاهرة، في صورة بصدر مجلة "روز اليوسف" وقد كُتبت عليها عبارة "الجهل المقدس.. القتل باسم الرب.. أساقفة يتحالفون مع كوفيد-19 ضد البابا".

ورضخت روز اليوسف لتغيير تقريرها حول الكنيسة، على إثر انتقادات وتحركات رسمية من قبل هيئة الصحافة والإعلام التي أوقفت محرر الشؤون القبطية بالمجلة وحولت رئيس تحريرها إلى التحقيق.

سطوة وتمييز

لم يقف التأييد الرسمي مع الكنيسة عند إيقاف صحفيي المجلة وإحالتهما إلى التحقيق عند هذا الحد فحسب، إذ ألقت الشرطة، في 15 يونيو/حزيران القبض على الصحفي محمد منير من منزله، قبل أن تقرر النيابة حبسه 15 يوما على ذمة التحقيق معه في اتهامات تخص النشر والإعلام.

وقالت أسرة منير في بيان عقب القبض عليه: إن ما حدث جاء بعد مشاركته في مداخلة على قناة الجزيرة، تحدث فيه عن أزمة الكنيسة ومجلة روز اليوسف، مؤكدة أنه "مجرد تعبير عن الرأي لم يسئ فيه للوطن".

وكان منير قد حذر في مداخلته، من أن هذا الموضوع مخطط له؛ بهدف إحداث الفتنة وإلهاء المواطنين عن الكوارث التي تحدث في مصر، ومجاراة للتيار السياسي.

وأشار منير إلى أن نفس المجلة أساءت إلى الكنيسة والبابا السابق شنودة عام 2009 حين كان يرأسها كرم جبر (الرئيس الحالي لهيئة الصحافة التي حققت في الواقعة الأخيرة).

بدوره، قال الناشط القبطي أكرم بقطر: إن الكنيسة تربطها علاقات قوية بالنظام الحالي، الذي يقدم لها بدوره قوة وسطوة.

وأضاف أن للكنيسة تفاهمات وخدمات متبادلة مع الجهات الأمنية المصرية، محذرا  من أن أي تدخل للكنيسة في السياسة يضر بها كثيرا ويعد لعبا بالنار.

كما استنكر الصحفي المصري، خالد الأصور، تمييز السلطات الكنيسة، مقابل السكوت عن التطاول بحق الرموز الإسلامية التاريخية والمعاصرة.

وقال الأصور، عبر صفحته بـ"فيسبوك": إن هذه الضجة الكبرى على مجرد وصف رجل دين مسيحي بالجهل المقدس، تحدث رغم أن نفس المجلة وعبر تاريخها، تناولت بالنقد والهجوم السافر الذي وصل حد التطاول لقامات إسلامية، على رأسها الشيخ متولي الشعراوي، وشيخ الأزهر أحمد الطيب.

واعتبر أن قرارات هيئة الصحافة تأتي "اتقاء لغضب الكنيسة غير المبرر"، مضيفا أنها "في ضوء هذه المقارنات، تثير الفتنة وتستدعي تلك المقارنات التي لم تتحرك فيها، وهذا ما يثير حفيظة 94 ٪ من غالبية الشعب التي تشعر بأنها مغلوبة على أمرها في مثل تلك المواقف التي لا تحتمل التأويل والتبرير".

وظل الهجوم على الأزهر وقيادته أمرا نادرا في مصر، إلا من أصوات مفكرين قليلين يجاهرون بانتقادات لنهجه، لكن مع صعود السيسي إلى الحكم، لوحظ زيادة حدة الانتقادات الموجهة للأزهر، بخلاف النبش في منهجه وتحميله مسؤولية الفكر المتطرف.

ويأتي الهجوم الإعلامي المتكرر على الرموز والمؤسسات الإسلامية بالتوازي مع غض الطرف رسميا وإعلاميا عن الكنيسة إضافة إلى ملاحقة كل من يقترب منها أو يسيء إليها، وفق تقارير صحفية.

البداية 2014 

بدأ الهجوم اللاذع دون رقيب بحق الأزهر، مع نهاية 2014، حين نال إعلاميون من الطيب بعد تبرؤ المشيخة من فتوى بـ"تكفير" تنظيم الدولة، باعتبار أنه "لا تكفير لمسلم".

حينها نال الرجل هجوما من الإعلامية إيمان عز الدين، عقب إعدام التنظيم الطيار الأردني معاذ كساسبة "حرقا"، في واقعة مفجعة عزاها الإعلامي يوسف الحسيني آنذاك إلى "المناهج التي يتم تدرسيها في الأزهر"، وفق قوله.

ووقتها قال الحسيني: إن "تنظيم الدولة طبق في هذه الواقعة ما هو موجود بالكتب التي يتم تدريسها للطلاب بالأزهر". فيما اتهم الإعلامي إبراهيم عيسى، المعروف بمواقفه المعادية للرموز الإسلامية، الطيب، بأنه يؤمن بنفس الأفكار التي يؤمن بها التنظيم.

ومنذ عام 2015 لا يترك السيسي مناسبة إلا ويدعو فيها إلى ضرورة "تجديد الخطاب الديني"، محملا مشيخة الأزهر مسؤولية الاستجابة لدعوته التي صرح بها في مطلع ذلك العام.

وفي فبراير/ شباط، 2015 طالب الإعلامي عمرو أديب، الطيب، بالتنحي عن منصبه، قائلا: "لا قداسة لشيخ الأزهر؛ لأنه موظف عام قد يخطئ، وقد يصيب، وطالما أنه لا يمكن عزله، فيجب عليه أن يتنحى من نفسه".

وفي التوقيت ذاته، جدد إبراهيم عيسى هجومه على مؤسسة الأزهر، زاعما أنه "يوفر البيئة الحاضنة للإرهاب".

وفي أبريل/ نيسان من العام نفسه، دخل الإعلام المصري مرحلة متقدمة في الهجوم على الطيب، إذ قال يوسف الحسيني: إن الأزهر متهم بـ"تخريج قيادات الجماعات الإرهابية".

كما شجع الهجوم الإعلامي المتناغم وقتها على الرموز الإسلامي، الكاتب المصري شريف شوباشي إلى الدعوة لـ"مليونية لخلع الحجاب" في ميدان التحرير (وسط القاهرة)، وهي الدعوة التي قابلها رفض شعبي مقابل صمت رسمي وجدال إعلامي. 

إمام بلا منبر

ورغم إطلاق الطيب صيف 2016، "إستراتيجية الأزهر" في الإصلاح والتجديد، لكنه لطالما اشتكى من إغلاق القنوات التلفزيونية والصحف أبوابها أمام الأزهر ومشايخه.

ووقتها أشار الطيب إلى وجود "حملة على الأزهر الشريف"، وحذر من كونها تصب في مصلحة تنظيم الدولة.

ومطلع عام 2016، أصَّل الكاتب المصري سيد القمنى، عداءه لمؤسسة الأزهر والتراث الإسلامى، زاعما أن الحجاب ليس فرضا وأن الفتح الإسلامى فى عهد عمرو بن العاص "احتلال"، متوعدا بـ"قلب الدنيا عاليها واطيها" حال مثوله للمحاكمة.

وطالب القمني في تصريحات إعلامية وقتها بإدراج الأزهر كمؤسسة إرهابية، كما أعرب عن "استيائه" من مشهد الفتيات المحجبات فى ميادين مصر خلال مشاركتهن بالثورة (2011).

وآنذاك خرجت تصريحات مماثلة أيضا من وزير الثقافة السابق حلمي النمنم ضد الأزهر، عندما قال: إن المناهج الأزهرية تحث على العنف وأنه "لا بد من إعادة النظر بها".

وعلى خلفية جدال حول جواز "الطلاق الشفهي" من عدمه بين السيسي والطيب أوائل 2017، استغلت الأذرع الإعلامية المحسوبة على الأول الأزمة في الهجوم على الأزهر، دون رادع.

وتحت عنوان "لماذا لا يستقيل شيخ الأزهر"، طالب محمد الباز، الطيب بالاستقالة، متوعدا إياه آنذاك بقوله: "افعلها قبل أن تضيق عليك الأرض بما رحبت".

وفي أبريل/ نيسان من العام ذاته شرع البرلماني المؤيد للنظام، محمد أبو حامد، في التقدم بمشروع قانون إلى مجلس النواب مدعوما بتأييد العشرات، طالب فيه بتعديلات جوهرية على قانون الأزهر، تشمل حق الإطاحة بمنصب الإمام الكبير المحصن من العزل.

وجددت تفجيرات كنيستي مارجرجس بمدينة طنطا ومارمرقس بمحافظة الإسكندرية (شمالا)، في الشهر ذاته، الهجوم الإعلامي على الأزهر والطيب مرة أخرى، إذ اتهم إعلاميو الأزهر بأنه "مفرخة لتخريج الإرهابيين"، وفق تعبيرهم.

وآنذاك نشرت صحيفة الوطن (خاصة/ محسوبة على النظام)، سلسلة مقالات تحت عنوان "فساد الأزهر"، زعمت فيها وجود فساد داخل المشيخة وجامعة الأزهر، وكشفت ما أسمته "تجاوزات أخلاقية وإدارية ومالية".

"الفقيه الذي عذبنا"

أواخر 2018 هاجمت روز اليوسف الطيب دون سابق إنذار، إذ تصدرت صورته المجلة تحت عنوان "الفقيه الذي عذبنا.. وهذه معاركك الحقيقية يا فضيلة الإمام".

وفي 2019، أثار إعادة تداول مقطع فيديو قديم، لشيخ الأزهر الجدل حيث تحدث فيه عن احتمال وجود حملة ضد المؤسسة الدينية.

واعتبر مراقبون، ذلك التصعيد آنذاك، أنه صنيعة لأزمة جديدة بين النظام لأسباب مرتبطة بأن شيخ الأزهر لا يروق دوره لكثيرين.

وبحسب مقطع الفيديو، اشتكى الطيب قائلا: "لو أردنا أن نرد بمقال على مقال يشتم الأزهر لا يسمح لهذا المقال بالنشر، إلا بعد عناء شديد وإذا أردنا أن يخرج واحد ثاني في القناة ليتحدث، فبصعوبة شديدة وكثيرا ما يرفض".

وأضاف: "كأن هناك حملة على الأزهر الشريف وهذه الحملة لا تصب والله إلا في فلسفة ونظام وحرب تنظيم الدولة". وعقب تداول مقطع الفيديو على نطاق واسع، انتقد محمد الباز، بشدة شيخ الأزهر.

وقال: "لا أستطيع تكذيب شيخ الأزهر، ولكنني أشكك في صدق ما قاله، وأعتقد أن هذا لم يحدث، ويبدو أن القنوات التي يحصل منها شيخ الأزهر على المعلومات غير دقيقة وغير أمينة في نقل الحقيقة".

وفي يناير/ كانون الثاني 2020، تعرض الطيب إلى هجوم إعلامي من منصات تابعة للأجهزة الأمنية المصرية، بعد دفاعه عن التراث، خلال مؤتمر حول "التجديد والحداثة في الدين".

وآنذاك هاجم الباز، شيخ الأزهر، وقال: إن الأخير "يتعامل بعداء وتعال مع من يخالفه الرأي".

كما دافع الإعلاميان أحمد موسى وخالد أبو بكر فى هجومهما على شيخ الأزهر، عن رئيس جامعة القاهرة محمد الخشت الذي دخل في سجال مع الطيب. 

وتعد الكنيسة المصرية، الداعم الرئيسي لنظام السيسي الذي لا يفوت فرصة للظهور إلى جوار بابا الأقباط تواضروس الثاني، منذ وصوله إلى الحكم.