صحيفة فرنسية تحذر من دوامة عنف تهدد بإشعال لبنان

12

طباعة

مشاركة

دفع فقدان الليرة اللبنانية نحو 70 ٪ من قيمتها مقابل الدولار، آلاف الأشخاص الغاضبين إلى الشوارع في لبنان، لتتجدد الثورة التي انطلقت منذ أكتوبر/ تشرين أول 2019؛ احتجاجا على الوضع الاقتصادي المتدهور والفساد.

هذا ما رصده مراسلا صحيفة "لوموند" الفرنسية في لبنان بنجامان بارت ولور ستيفان حول الوضع هناك في ظل التظاهرات المستمرة بهذا البلد.

وقالت الصحيفة: "يوم الجمعة 12 يونيو/ حزيران، عند زاوية ساحة الشهداء، في وسط بيروت أضاءت ألسنة اللهب واجهة مسجد محمد الأمين، واحترقت علب القمامة، وتحطمت نوافذ العديد من المتاجر المحيطة، فيما ألقى بعض الشبان الذين غطوا وجوهم بقمصانهم، الحجارة على قوات الأمن التي كانت تتوافد على المكان".

وتابعت: "علي، مواطن عاطل عن العمل كان يعمل في السابق نادلا بمطعم، تنبأ بازدياد الغضب لأن العملة تنهار قيمتها مقابل الدولار ولا تستطيع الحكومة فعل شيء".

فيما تساءل حسن، متظاهر آخر "من يتلاعب بسعر العملة؟ هناك من يستفيد من الانهيار ونحن من يدفع الثمن، يجب على كل هؤلاء السياسيين غير القادرين على الحل العودة إلى ديارهم، أما بالنسبة للعنف، أنا لست مع ذلك، لكنه الطريقة الوحيدة التي تجعلهم ينصتون".

كما نوهت "لوموند" بأن المتظاهرين أطلقوا شعارات معادية للطائفية، داعين إلى الوحدة بين المسيحيين والمسلمين، وبين السنة والشيعة، على غرار تلك التي جرى ترديدها، في بداية الانتفاضة ضد السياسيين المتهمين بالإهمال والفساد.

ويقول جندي بملابس مدنية مرتديا قميصا ملونا جاء للتظاهر للمرة الأولى في حياته: "لم أعد أستطيع التحمل، راتبي اليوم يساوي 200 دولار".

حسابات حزبية

وبحسب "لوموند" فإن نشوة "ثورة" 17 أكتوبر / تشرين الأول، لم تكن قاتمة إلى هذا الحد، فالحراك الذي أدى إلى استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري تجاوز الأزمة النقدية ومناورات الطبقة الحاكمة. 

فالعملة الوطنية التي كانت لا يزال يتم تداولها في الخريف بسعر 3000 جنيه للدولار، أصبحت الآن قريبة من 5000 دولار، وهي بعيدة جدا عن السعر الرسمي البالغ 1500 جنيه للدولار.

وذكرت الصحيفة الفرنسية أنه تحت تأثير هذا الانخفاض، والتباطؤ الاقتصادي - الذي تفاقم بسبب الحظر الناتج عن فيروس كورونا- إضافة إلى التضخم المتفشي، اقترب معدل الفقر الآن من 50٪ بعد أن كان في العام 2019 35٪، وعقب الإجراءات التي اتخذت جراء أزمة كوفيد-19، بدأ التعبير عن الغضب في الشارع أكثر حدة من أي وقت مضى.

لكن الاحتجاج العفوي، الذي تخلله بضع رسائل رئيسية، مثل نهاية الطائفية السياسية، يفسح الآن المجال لتحريض فوضوي ضار، مرهونا بشكل متزايد بالحسابات الحزبية.

ففي يوم 6 يونيو/ حزيران، تشير لوموند، تحولت المسيرات، التي أطلقت شعلة الانتفاضة الأصلية، إلى مواجهات مجتمعية، من خلال عبارات كره انتشرت في الأيام السابقة على الشبكات الاجتماعية.

وكما عاد ظهور شعارات خلافية للغاية - مثل الدعوة إلى نزع سلاح حزب الله الحركة الشيعية اللبنانية - والاستفزازات الدينية المعادية للسنة التي أدت إلى وضع عدة أحياء ببيروت في مواجهة بعضها البعض. 

ولفتت "لوموند" إلى استخدام الأسلحة وإطلاق أعيرة نارية بعدة أحياء، ما أجبر الجيش على التدخل لتجنب إراقة الدماء، لا سيما بين منطقة بربور ذات الأغلبية الشيعية، وطريق الجديدة السني.

كما أوضحت "لوموند" أنه يوم 11 يونيو/ حزيران، تسببت شائعة لا أساس لها، في وصول سعر الدولار إلى 7000 ليرة؛ مما أدى إلى نزول الآلاف من الناس إلى شوارع بيروت، وكذلك في طرابلس، المدينة السنية الكبرى شمال لبنان. 

"لعبة سياسية"

ووفقا للصحيفة الفرنسية، لكل نظريته في هذا المؤامرة، كما يصفها البعض، فهناك من يرى أن وراء هذا التحرك يد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري بهدف إضعاف أو حتى إسقاط رئيس الوزراء الجديد حسان دياب.

ويتلقى دياب الدعم من حزب الله وشركائه، حزب أمل الشيعي والتيار الوطني الحر (اليمين المسيحي) التابع للرئيس ميشال عون.

ولفتت "لوموند" إلى أن خطة الإنقاذ المالي التي قدمها دياب، والتي تعد أساس المفاوضات للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، تشكل محاكمة ضمنية لإدارة الثنائي سلامة والحريري، في ظل مستوى قياسي من الخسائر للقطاع المصرفي يقدر بنحو 100 مليار دولار. 

وذكرت أن إحجام المحافظ عن الاعتراف بهذا العجز الكبير والخلافات حول كيفية سداد الديون تعيق المناقشات مع صندوق النقد الدولي.

ونقلت "لوموند" عن جورج شلهوب، المستشار المالي لحسان دياب القول: "سلامة وعدنا بأن ينخفض سعر الدولار مقابل العملة الوطنية إلى 3200، لكننا رأينا نتيجة معاكسة، الليرة وصلت إلى 5000 دولار".

وأضاف: " هل هناك لعبة سياسية وراء ذلك، تهدف إلى إحباط السكان وتحريضهم للنزول إلى الشوارع؟ أنا لست سياسيا، لكنني أتساءل".

وتقول الصحيفة: إن الشارع السني عرضة لمكائد بهاء الحريري، الأخ الأكبر لسعد، الصقر المناهض لحزب الله، مع وزير العدل السابق أشرف ريفي، قائد مدينة طرابلس، الذي يدعو إلى نزع سلاح الحزب.

فيما يرى آخرون العكس ويتهمون الحركة الشيعية، بتنظيم نقص مصطنع للدولار من خلال شبكة الصرافة التابعة لها لإجبار المصرف المركزي على إعادة ضخ الدولارات في السوق والتي سيسعى حزب الله إلى نقلها لسوريا لمساعدة حليفه بشار الأسد الذي يواجه أيضا أزمة نقدية غير مسبوقة. 

وفي هذا الإطار، يبدو أن حزب الله أصبح أكثر تعبئة، وفقا لمراقبين، فالولايات المتحدة لا تخفي رغبتها في استخدام قانون قيصر، حزمة العقوبات الجديدة ضد الأسد.

وجرى التصويت على القانون في ديسمبر/كانون الأول 2019 في الولايات المتحدة، ويفترض أن يدخل حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران، لمعاقبة كل من يدعم النظام السوري، وهذا يشمل رجال الأعمال اللبنانيين، وفق الصحيفة.

وتختتم لوموند تقريرها بحديث لدبلوماسي أجنبي أكد فيه أنه من الصعب أن نرى بوضوح كل نظريات المؤامرة هذه، لكنها تشير إلى شيء واحد هو أن المناخ السياسي المتدهور أصبح ساما بشكل متزايد.