لم يحسم الجدل.. ماذا حقق العراقيون من الحوار الإستراتيجي مع واشنطن؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أنهى العراق والولايات المتحدة، الجولة الأولى من الحوار الإستراتيجي في 12 يونيو/ حزيران 2020، والتي تناولت المباحثات مجالات الأمن، ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد، والطاقة، والقضايا السياسية، والعلاقات الثقافية، بسحب البيان الختامي المشترك.

خلافا للتوقعات، فإن جولة المحادثات لم تتطرق إلى إنهاء الهيمنة الإيرانية عبر المليشيات الموالية لها وحصر السلاح بيد الدولة. وفي المقابل فإنها لم تخرج بانسحاب كامل للقوات الأميركية وغلق جميع قواعدها العسكرية بالعراق، مثلما طالبت قوى سياسية.

تساؤلات كثيرة ثارت عن المكاسب التي تحققت للعراق في الجولة الأولى من الحوار، والذي من المقرر أن تجري جولة ثانية في العاصمة الأميركية واشنطن (لم يعلن عن موعدها) للبحث في تفاصيل ما جرى الاتفاق عليه، وذلك كله ضمن اتفاقية "الإطار الإستراتيجي" التي وقعت بين البلدين عام 2008.

تفعيل الالتزامات

على صعيد الإضافات الجديدة للاتفاقيات، فإن محللين أشاروا إلى أن الحوار لم يضف شيئا جديدا بين الولايات المتحدة والعراق، إلا أنه ذهب إلى الحديث عن ضرورة تفعيل ما اتفق عليه عام 2008.

الخبير السياسي والقانوني طارق حرب، قال لـ"الاستقلال": "الحوار مبني على اتفاقية الإطار الإستراتيجي الموقعة بين الجانبين عام 2008، والذي لا يزال نافذا، والاتفاقية ألزمت واشنطن بواجبات كثيرة تجاه العراق، في: الطاقة، الزراعة، الثقافة والأمن، ولم تنفذ منها سوى الالتزام الأمني".

ورأى حرب أن "الحوار تأكيد لتلك الالتزامات، وقد تعهدت واشنطن بتنفيذها، وأكدت أن مساعدتها للعراق سوف لن تقتصر على الجانب الأمني والعسكري فقط، وإنما تتعدى إلى أكثر فإذا احتاجت الحكومة العراقية - وهي تمر حاليا بظرف مالي عصيب - مستشارين اقتصاديين أميركيين لزودتها".

من جهته، قال الكاتب قاسم الغراوي خلال مقال نشره بموقع "براثا" في 14 يونيو/ حزيران 2020: إن البيان المشترك تناول نقطتين مهمتين، الأولى: تزويد العراق بمستشارين اقتصاديين للتغلب على التحديات الاقتصادية الكبيرة.

وأشار إلى أن التحدي الاقتصادي في العراق ليس نتيجة لنقص الخبرة الاقتصادية  بقدر ما هو نتيجة حتمية لعدم تطبيق الحكومات المتعاقبة للسياسات الاقتصادية المقترحة من الخبراء والمختصين، وبالتالي لا يحتاج العراق حاليا لخبراء أميركيين أو مؤسسات دولية لصنع سياسته الاقتصادية، بل يحتاج لحكومة وطنية نزيهة تأخذ بنصائح وإرشادات خبرائه الاقتصاديين".

والنقطة الأخرى: "تفعيل المشاريع الاستثمارية في مجال الطاقة والمجالات الأخرى"، وهنا يرى الغراوي أن الاستثمار الأميركي ينبغي أن يعامل بالمثل مع كافة "التدفقات الاستثمارية الأجنبية الأخرى"، ودون تميز نظرا لضعف المفاوض العراقي والفساد المستشري في العقود الاستثمارية، مما قد يقود مستقبلا إلى سيطرة الشركات الأميركية على إمكانات البلد الاقتصادية، خصوصا إذا ما تغلغل الاستثمار الأجنبي بقطاع النفط. 

ودعا الغراوي إلى الاستفادة من توجيه الاستثمار الأميركي إلى قطاعات "الزراعة والصناعة والبنية التحتية" بدلا من تركيزه على النفط فقط.

الانسحاب الأميركي

أما موضوع الانسحاب الأميركي من العراق، فأخذ قسطا كبيرا من النقاشات والتحليلات بعد الحوار، إذ أفاد البيان المشترك بأن الولايات المتحدة ستواصل خلال الأشهر المقبلة "تقليص" قواتها في العراق، لكن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي قال: إن القوات الأميركية ستنسحب وتغلق جميع قواعدها وفق جدول زمني محدد.

وانقسمت القوى والفصائل الشيعية حول موضوع الانسحاب، إذ أبدت كتلة "الفتح" في البرلمان- التي تمثل فصائل الحشد الشعبي- ارتياحها عن الحوار والنتائج وقالت: إنه خطوة في الاتجاه الصحيح، بيد أن فصائل مقربة من إيران وعلى رأسها "كتائب حزب الله" و"كتائب سيد الشهداء" هددتا بمواجهة الأميركيين إذا ماطلوا ولم ينسحبوا.

وفي السياق ذاته، أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة باقية في العراق حتى الخلاص من خطر تنظيم الدولة، وقالت المتحدثة باسم الوزارة مورغان أورتاغوس في تصريحات لقناة الحرة:: "سنبقى في العراق ضيوفا وسنبقى على التزامنا حتى هزيمة تنظيم الدولة بشكل نهائي، هذا الالتزام أساسي لضمان أمن العراق والولايات المتحدة".

وأوضحت: "رأينا في الحوار الإستراتيجي خطوة مهمة للأمام في علاقتنا مع رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي وحكومته، هنالك الكثير من القضايا العالقة، ويجب أن نتذكر أننا حققنا شيئا سوية بجهود الحكومة العراقية والأكراد وجميع شركائنا في التحالف الدولي وهو هزيمة تنظيم الدولة إقليميا، ونعرف أن التنظيم لا يزال يشكل تهديدا وسنبقى ملتزمين بهزيمته وهذا ما نخطط له الآن".

ولفتت مورغان أورتاغوس إلى أن "الهدف من الحوار هو أن نستمر بدفع العلاقة بين بغداد وواشنطن إلى الأمام، لازلنا نعمل وفق الاتفاقية الموقعة في عامي 2008- 2009 والتي تنص على أننا لا نسعى لوجود دائم في العراق ونعتقد أن هذا الشيء مهم للعراقيين والأميركيين".

"العصا والجزرة"

وفي هذا الموضوع، قال الخبير الأمني العراقي ضياء الوكيل: "الولايات المتحدة تعيد صياغة التوازنات الإستراتيجية، والخطوط الحمراء.. في الفضائين الإقليمي والدولي، وبأبعادها الثلاثة (السياسية، الاقتصادية، العسكرية)، عبر تكتيك الاتفاقات الثنائية، وتفكيك وتجزئة المسرح الإستراتيجي الدولي، وبما يضمن مصالحها الحيوية، واحتفاظها بقواعد ثابتة".

وأضاف الوكيل عبر مقال نشره موقع "صوت كردستان" في 15 يونيو/ حزيران: أن "هذا التكتيك يتيح لها فائضا من القوة العسكرية، تعيد انتشاره لمواجهة (أنماط جديدة من الصراع) على الساحة الدولية، وبدأت باتفاق الدوحة مع طالبان، وحاليا تسعى إلى اتفاق ثنائي مع العراق، والحوار مع طهران ضمن هذا السياق، لكن الظروف السياسية لم تنضج بعد للمباشرة فيه".

وأوضح أن "الأسلوب الذي تتبعه واشنطن هو (سياسة العصا والجزرة)، وعلى النحو الآتي: (سلاح الاقتصاد، الردع العسكري، التلويح بالمساعدات لتشجيع التعاون)، وهذا التكتيك لا يشمل البؤر المتوترة فقط إنما المستقرة والحليفة أيضا، والدليل هو خطط البنتاجون لسحب جزء من القوات الأميركية من ألمانيا واليابان، وليس بعيدا عن هذه الإجراءات ما يجري في شمالي إفريقيا الذي يعد الجبهة الجنوبية لحلف الناتو أو سقف المتوسط حيث يرابط الأسطول السادس الأميركي وقيادته في نابولي الإيطالية".

وخلص الوكيل إلى أن "أميركا تعيد انتشار قواتها استعدادا لمرحلة جديدة من الصراع، وليس بالضرورة أن يكون عسكريا، لكنه غير مستبعد، والقوة العسكرية هنا تمنح التحركات والمشاريع السياسية غطاء وفاعلية لمواجهة ما تصفه واشنطن (محاولات للانقلاب على توازنات القوى الدولية)".

وفي الشأن ذاته، قال كاتو سعد الله خبير العلاقات الأميركية العراقية: إن "حكومة العراق في وضع حرج بعد انتهاء الحوار الإستراتيجي، وخصوصا الضربات الصاروخية التي استهدفت مواقع وجود القوات الأميركية في 13 يونيو/ حزيران 2020 في معسكر التاجي، وهذه إشارات ستؤدي إلى نتائج غير إيجابية، لأن هذه الفصائل تحرج الحكومة العراقية".

وأضاف سعد الله في مقابلة تلفزيونية: "أما إذا كانت هذه الفصائل تسعى إلى إخراج القوات الأميركية، فوجود هذه القوات جاء بطلب من بغداد بعد اجتياح تنظيم الدولة للعراق عام 2014، لكن هذه الفصائل تخلط الأوراق، ولا نعلم ماذا تريد بالضبط، فإذا كانوا لا يريدون العلاقة مع واشنطن أو لديهم نوايا أخرى فليفصحوا عنها".

ورأى المحلل المقيم في واشنطن أنه "إذا انسحبت القوات الأميركية من العراق حاليا، فالمتضرر الوحيد هم العراقيون، والانسحاب لا يتم إلا بشروط أميركية ومن بعض دول المنطقة، ومن هذه الشروط أن يكون العراق بلدا ذا سيادة بدون تدخلات وتأثيرات إقليمية".

ونوه سعد الله إلى أنه "إذا رأت الولايات المتحدة أن هؤلاء استمروا في الهجمات، فإن أمامها خيارين: الأول، الانسحاب الكامل من العراق- وهذا مستبعد -. الأمر الثاني، قد تذهب قواتها باتجاه إقليم كردستان وفي محافظات غرب البلاد، والخياران فيهما ضرر على العراق لأن تنظيم الدولة لا يزال يمثل تهديدا".

وأكد الخبير في العلاقات الدولية أن "اتفاقية الإطار الإستراتيجي ليس لها علاقة ببقاء القوات الأميركية في العراق من عدمه، فثمة اتفاقية أخرى والتي جرت بعدما قدم العراق طلبا إلى مجلس الأمن عام 2014 لتدخل القوات الأميركية، وهذه الاتفاقية عندما يطلب أحد الطرفين إلغاءها فالتنفيذ يكون بعد عام كامل".

 

الهيمنة الإيرانية

من أبرز الملفات التي كانت توقعات المحللين السياسيين تشير إليها، هو التدخل الإيراني في العراق والهيمنة على قراراته عبر المليشيات الموالية له، لكن الحوار الإستراتيجي لم يتطرق إليها بالمرة، ما أثار علامات استفهام عدة، ولا سيما أن واشنطن معنية بحماية التجربة الديمقراطية بعد عام 2003.

الخبير السياسي والقانوني طارق حرب رأى في حديثه لـ"الاستقلال" أن "عدم تطرق الحوار الإستراتيجي إلى مسألة إنهاء المليشيات القريبة من إيران، لأنها مسألة داخلية ويجب أن تقوم بها الحكومة العراقية، ولا سيما أن الولايات المتحدة لا تعمل داخل العراق باسمها، وإنما باسم التحالف الدولي حسب ما ورد بالبيان".

ولفت إلى أن "الولايات المتحدة على يقين أن حكومة الكاظمي ستنهي المليشيات، لأنه باستطاعة المتظاهرين الدخول على مقرات هذه المليشيات ويغلقونها وحتى يحرقونها، والدليل أن إحدى المليشيات (عصائب أهل الحق) أعلنت غلق جميع مقراتها".

وتابع: "لذلك لم يكن موضوع المليشيات محل نقاش ومحاورة في الحوار الإستراتيجي، لأن المتظاهرين باستطاعتهم أن يكفون العراقيين شرها".

وبخصوص تعهد العراق بحماية الوجود الأميركي ضمن الحوار، وما جرى بعده من قصف لقواعد عسكرية تضم أميركيين، قال حرب: "هذه الهجمات توفر القاعدة والسبب للقضاء على المليشيات، ولم ينتبه أحد من السياسيين أن الكاظمي عندما زار الحشد الشعبي كان يصطحب معه رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، وذلك دليل على أن من يسيء فسينال العقاب".

وأعرب الخبير القانوني طارق حرب أن "الكاظمي سيصل إلى المليشيات ويقضي عليها إن لم يكن اليوم فبعد أيام، فأنا أتوقع أن يكون ذلك قريبا وعاجلا".