تخفيف قيود كورونا في المغرب.. لماذا استثنى القرار فتح المساجد؟

مهدي القاسمي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أعلنت الحكومة المغربية في 9 يونيو/ حزيران 2020، تخفيف قيود حجر كورونا في بعض المناطق دون أخرى داخل البلاد، مع تمديد حالة الطوارئ الصحية المفروضة منذ مارس/ آذار 2020.

تخفيف القيود في المغرب لم يشمل المساجد، مثلما حدث في جارتها تونس التي فرضت حكومتها بروتوكولا وقائيا يلزم المصلين الالتزام به للحد من انتشار فيروس كورونا.

استمرار غلق المساجد في المغرب أثار تساؤلات المواطنين التي وصل صداها إلى قبة البرلمان فأجاب عنها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ثم المجلس العلمي الأعلى (الهيئة الدينية الرسمية بالمملكة).

6 أسباب لاستمرار الإغلاق، ساقها المجلس العلمي في بيانه الصادر في 10 يونيو/ حزيران 2020، أولها أن صلاة الجماعة في المذهب المالكي تكون "بإقامة الصف دون تباعد ولكن بلا تشدد ولا تكلف"، وهو ما لا يمكن تحقيقه في الفترة الراهنة.

أمير المؤمنين

المجلس أكد في بيانه أن إعادة فتح المساجد ستتم، في الوقت المناسب، بتنسيق كامل مع وزارة الصحة والسلطات المختصة، مع أخذ تطور الحالة الوبائية بالبلد بعين الاعتبار.

واستندت فتوى المجلس على أن أحد شروط الصلاة الطمأنينة العامة وعدم التخوف من وقوع ضرر بسبب الاجتماع لها، وأن الصلاة مبنية على اليقين ولا يجوز أن يصاحبها أي نوع من أنواع الشك، استشهادا بالحديث الصحيح: "دع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك".

المؤسسة الرسمية المعنية بالشأن الديني في البلاد رأت أن تدخل السلطات العمومية في الأماكن العامة لمراقبة إجراءات الاحتراز من الوباء، يصعب تطبيقه على المساجد التي يزيد عددها عن 50 ألفا.

وعبّر المجلس العلمي عن تخوفه من انتقال العدوى بين المصلين، مشددا على أن إقامة الصلاة في المنازل للضرورة لا يحرم المصلين من أجر إقامتها بالمساجد، "لأن الأرض كلها مسجد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وجُعلت لي الأرض مسجدا)".

إثر صدور البيان خرج رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في اليوم نفسه، وخلال جلسة عمومية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) جوابا على أحد الأسئلة الشفهية التي وجهت له بخصوص الموضوع، ليقول: "إنه اختصاص أمير المؤمنين (الملك وهو السلطة الدينية الأعلى في البلاد) هو من يصدر القرارات في هذا الشأن ويعطي الإذن بالفتح، وليس رئيس الحكومة".

الموقف الذي عبّر عنه بيان المجلس العلمي ثم شدد عليه العثماني، أفصح عنه من قبل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية محمد التوفيق، في 28 من مايو/ أيار 2020، عندما رفض إعادة فتح المساجد، وفق اشتراطات خاصة.

وقال التوفيق، أمام أعضاء لجنة الخارجية في مجلس النواب: "إما أن تُفتح المساجد أو لا تُفتح. لا يمكن أن نتصور إعادة فتح المساجد بكيفية خاصة.. حين يكون بإمكاننا الصلاة في المساجد، كما كان من قبل، ودون اشتراطات، سنفتحها بقرار للمصالح الصحية والإدارية".

وأضاف: "لن نستعمل مقياس درجة الحرارة في أبواب المساجد، ولا تباعد اجتماعي خلال الصلاة، والتعقيم عقب كل صلاة لا يكفي. عدد المساجد تجاوز 57 ألف مسجد، وتم استثمار فترة إغلاقها، لأزيد من شهرين، من أجل تنظيفها".

 

مذهب واحد

رغم أنها تتبع أيضا المذهب المالكي، اختارت تونس فتح المساجد في 4 يونيو/ حزيران 2020. وأعلن وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم، في مؤتمر صحفي  أنه تقرر فتح المساجد في هذا التاريخ حتى لا يتم إغلاقها مجددا، كما حصل في دول أخرى (حين تزايدت الإصابات)".

وأضاف أن الوضع الصحي حال دون فتح المساجد أيام عيد الفطر، وأجاز ديوان الإفتاء في تونس، أداء صلاة عيد الفطر في المنازل، للحد من تفشي كورونا. وأفاد ببدء حملات تنظيف وتعقيم للمساجد، لحفظ صحة التونسيين عند عودة الصلاة فيها.

الوزارة الوصية عممت على المواطنين بروتوكولا وقائيا لحفظ سلامة المصلين، وطلبت من المصلين الالتزام به، إذ منعت دخول المساجد دون كمامات ورسمت إشارات للأماكن المخصصة للمصلين مع الحرص على حفظ مسافة الأمان، كما أغلقت أماكن الوضوء وإلزام المصلين بإحضار سجاداتهم الخاصة.

دليل شروط حفظ الصحّة للتوقّي من الإصابة بفيروس «كوفيد 19» بالمعالم الدّينيّة.

Posted by ‎وزارة الشّؤون الدّينيّة تونس.‎ on Tuesday, June 2, 2020

"الشرعية الكبرى"

وفي دراسة له تحدث دكتور العلوم السياسية عبد الرحمن الشعیري منظور، عن حظ الشأن الدیني بالمغرب من التداعیات الطارئة للجائحة، وكیف تفاعلت المؤسسة الدینیة الرسمیة مع هذه الأزمة.

وقف منظور على أهم ملامح التحول التي مست آلیات اشتغال المؤسسات الرئیسة في الإسلام الرسمي: إمارة المؤمنین ومؤسسة العلماء ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

وأدى إعلان المدیر العام لمنظمة الصحة العالمیة في 11 مارس/ آذار 2020 تحول فیروس كورونا المستجد إلى وباء عالمي إلى اتخاذ الحكومات قرار منع التجمعات الكبرى، ومنها التجمعات الدینیة في مختلف دور العبادة، وعملت معظم الدول الإسلامیة على إغلاق المساجد.

وفي المغرب، تقول الدراسة التي نشرها المركز المغربي للأبحاث وتحلیل السیاسات: "تطلب اتخاذ قرار مثل إغلاق المساجد لجوء الملك بصفته الدینیة إلى التقنیة التاریخیة في استفتاء العلماء عند حدوث النوازل، الشرعیة الكبرى ذات الارتباط بالاستقرار السیاسي والاجتماعي للبلاد".

لذا، كان التوسل بفتوى العلماء في هذه الظرفیة الحساسة أمرا ضروریا لتجنب أي معارضة فقهیة وسیاسیة تطعن في المشروعیة الإسلامیة للقرار، وفي هذا السیاق أعلِنت فتوى للمجلس العلمي الأعلى بإغلاق المساجد مؤقتا، وحملت في مضمونها قرارا دینیا: سیادیا مستعجل النفاذ.

وحققت هذه الفتوى العامة غایتها في التأصیل الشرعي لقرار عمومي كان لا بد من اتخاذه للوقایة من التداعیات الخطیرة للجائحة على سلامة المصلین وعامة المواطنین.

وجرى تقبل القرار من لدن معظم فئات الشعب المغربي والفاعلین في الحقل الدیني بالنظر إلى غنى القواعد الصحیة في الإسلام، وثراء فقهه في التعامل مع الأوبئة، وبالأخص مع شیوع قاعدة لدى الفقهاء تؤسس على أن "صحة الأبدان مقدمة على صحة الأدیان".

عصيان دستوري

وسجل منظور في دراسته أنه "لم یشذ عن هذا القبول الشعبي للفتوى إلا القلیل من بعض أتباع التیار السلفي، كان من أبرزهم الشیخ السلفي المثیر للجدل عبد الحمید أبو النعیم.

أبو النعيم روج في مقطع مصور أن "البلد الذي تغلق فیه المساجد ولا تصلى فیه الصلوات الخمس، هذا بلد ارتد عن دینه، وكفر بعد إیمانه وأصبح دار حرب ولیس دار إسلام".

وأفاد المتخصص في الدراسات السياسية بأن هذا التصریح لا یندرج ضمن حریة التعبیر والنقد لفتوى فقهیة عامة، بل حمل في طیاته عصیانا لقرار دستوري یروم ضمان سلامة السكان كما هو منصوص علیه في الفصل 21 من دستور 2011.

وفي حين تم اعتقال صاحب المقطع المصور، يرى منظور أنه كان ينبغي مواجهة تصریح أبي النعیم بالحجج الرصینة من لدن مؤسسة العلماء وإعطاء نموذج تعليمي راشد في التعامل مع مثل هذه الأفكار الشاذة عن فقه المقاصد.

في المحصلة، كان للفتوى العامة بإغلاق المساجد مؤقتا على إثر جائحة كوفيد-19 تأثير كبير في تجنب سيناريو فظيع لانتشار العدوى بين المواطنين المغاربة في حال تحول المساجد إلى بؤر المرض، وخاصة، إذا ما استحضرنا أن عدد رواد المساجد أثناء صلاة الجمعة يصل في المغرب إلى حوالي 11 مليون مصل، وفق ما تفيد الدراسة.

واستشهدت الدراسة بالمخاطر التي نتجت عن تنظيم تجمعين دينيين لليهود المغاربة في 7 و10 مارس/ آذار 2020 بالدار البيضاء احتفاء بعيد "البوريم" من إصابة 16 حالة بالفيروس، وإخضاع 300 مغربي من الأقلية اليهودية لاختبارات الكشف عن الفيروس.

كما عرف الحقل الديني الرسمي في زمن كورونا إلغاء فعاليات الدروس الحسنية في شهر رمضان، وتحولت الممارسة الدينية للملك من طابعها المراسيمي إلى ممارسة شعائرية احترازية، فأحيا الملك ليلة القدر وصلى صلاة عيد الفطر دون أي نقل تلفزيوني مباشر، وفي غياب لكبار مسؤولي الدولة باستثناء وزير الأوقاف وولي العهد وخاصة أقارب الملك من نخبة "الشرفا" داخل القصر الملكي.

وحوت كل هذه التطورات - بحسب الدراسة - التي رافقت تدين المغاربة في ظل الحجر الصحي ومنعتهم من ارتياد المساجد وصلاة التراويح وإحياء التقاليد الرمضانية الجماعية، في جانبها المشرق إعادة الاعتبار للسلوك الروحي الفردي في حياة الإنسان المسلم، الذي يحتاج إليه لتحقيق كماله الإنساني في معترك "الحياة السائلة" بتعبير المفكر "زيجمونت باومان".