منذ نحو عامين ونظام السيسي لم يجب عن السؤال.. أين مصطفى النجار؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يزال اختفاء طبيب الأسنان والناشط السياسي المصري مصطفى النجار، منذ 27 سبتمبر/أيلول 2018، يمثل لغزا كبيرا، وأحد أبرز ملامح جريمة الإخفاء القسري للمعارضين في مصر.

أحاديث كثيرة ترددت عن قتله على الحدود السودانية أو اعتقاله واحتجازه قسريا في مكان مجهول، لكن حتى الآن يرفض نظام عبد الفتاح السيسي الإفصاح عن مصيره، وإظهار الحقيقة للعالم، والإجابة عن السؤال المطروح منذ نحو عامين، أين مصطفى النجار؟.

مصير مجهول

كان النجار نائبا بمجلس الشعب (البرلمان) بعد ثورة 25 يناير، خلال الفترة بين عامي 2011 و2012، وهو أحد مؤسسي حزب العدل، ومن أبرز الرموز الشبابية لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ونشط في مجال الحقوق والحريات.

عادت قضية اختفاء النجار للظهور مرة أخرى، عندما أعلنت لجنة بالاتحاد البرلماني الدولي، في 12 يونيو/ حزيران 2020، متابعتها قضية النجار، وتتمثل آليات المتابعة في إرسال بعثات دولية، والعمل مع السلطات المصرية لحين الكشف عن مصيره المجهول.

كانت لجنة حقوق الإنسان للبرلمانيين التابعة للاتحاد البرلماني الدولي، قد أعلنت قبول بلاغ قدمته مؤسسة "بلادي.. جزيرة الإنسانية"، وهي منظمة مجتمع مدني مستقلة، يتعلق باختفاء "النجار"، منذ 27 سبتمبر/أيلول 2018، أثناء وجوده في محافظة أسوان جنوبي مصر، بالقرب من الحدود السودانية.

وحسب بيان أصدرته، مؤسسة "بلادي"، توجهت اللجنة الحقوقية بخطاب رسمي إلى رئاسة البرلمان المصري، مطالبة إياه بالكشف عن مصير النجار، وشرح ظروف اختفائه، دون الحصول على رد رسمي حتى تاريخه.

وأعلن أعضاء الهيئة المكونة من برلمانيين حاليين من مختلف دول العالم، عن رغبتهم في الحصول على ملاحظات القاهرة بشأن وضع البرلماني السابق في إطار مساعيهم للكشف عن مصيره.

وفي 20 يناير/ كانون الثاني 2020، قررت محكمة القضاء الإداري إلزام وزارة الداخلية بالكشف عن مكان احتجاز النجار. 

وقضت دائرة الحقوق والحريات بمجلس الدولة بـ"وقف تنفيذ القرار السلبي وإلزام وزير الداخلية بالكشف عن مكان احتجازه".

وفي 28 يوليو/ تموز 2019، الموافق اليوم 300 لاختفاء النجار نشرت زوجته شيماء علي، وهي معلمة لمادة الرياضيات، مقطعا مصورا لطفله سهيل يتساءل عن سبب غياب والده، وعلقت "النهاردة 300 يوم على اختفاء مصطفى، من حق سهيل يعرف باباه فين!، من حقي أعرف زوجي فين!، مصطفي النجار فين؟!".

وفي 19 مارس/ آذار 2019، طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية المعنية بحقوق الإنسان، السلطات المصرية ببذل جهود حقيقية، للكشف عن مكان النجار، حيث نفت الحكومة بشكل قاطع احتجازه.

وقالت المنظمة في بيان: "يجب بذل الجهود للعثور على مصطفى النجار والكشف عن مكانه، القاهرة تنفي توقيف أجهزتها الأمنية للنجار وتصف الكلام عن اختفائه قسريا بالشائعات".

وغردت المنظمة الحقوقية الدولية على موقعها العربي بـ"تويتر" تتهم فيه رئيس النظام عبد الفتاح السيسي بعدم المساعدة في الكشف عن مصير البرلماني السابق".

الاتصال الأخير

كان آخر ظهور واتصال من النجار، في سبتمبر/ أيلول 2018، وذلك حسب شهادة زوجته، عندما تلقت مكالمة من زوجها يبلغها بأنه في محافظة أسوان، وذلك قبل أيام من جلسة محاكمته مع آخرين بتهمة إهانة القضاء.

بعدها بأيام استقبلت زوجته مكالمة هاتفية من شخص غامض على هاتف المنزل يفيد بأن النجار قد ألقي القبض عليه، ومنذ ذلك الحين، اكتنف الغموض والشائعات مصير النجار، وهناك أحاديث كثيرة متداولة حول اختفائه، لكنها لا تستند إلى أي أدلة دامغة سواء حول وفاته مقتولا على الحدود مع السودان، أو احتجازه لدى قوات الأمن، التي تنفي باستمرار إخفاءه قسريا، أو القبض عليه من الأساس.

الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، (جهاز إعلامي تابع للمخابرات)، أصدرت بيانا، في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، بعد أيام من اختفاء النجار، قالت فيه: إنه للرد على ما "أثارته بعض وسائل الإعلام الأجنبية حول الدكتور مصطفى النجار طبيب الأسنان والبرلماني السابق وأحد مؤسسي حزب العدل، ونشر بعضها أخبارا بإلقاء القبض عليه، وإشاعة البعض الآخر بأنه مختف قسريا".

وقالت الهيئة: إن "الجهات المختصة في مصر تنفي نفيا قاطعا أن مصطفى النجار قد ألقي القبض عليه من الأجهزة الأمنية أو أنه قد سلم نفسه إليها".

وأضافت: "لا صحة مطلقا لأي إشاعات حول ما يسمى باختفائه قسريا، وأنه لا يزال هاربا بكامل إرادته من تنفيذ الحكم القضائي الصادر عليه". 

أصبحت غابة

الباحث السياسي المصري مصطفى عز الدين فؤاد قال "للاستقلال": إن "قضية مصطفى النجار لا تتعلق بسياسي مصري بارز، وعضو برلماني سابق اختفى في ظروف غامضة فحسب، ولكن مصطفى رمز من الرموز الوطنية لثورة 25 يناير".

مضيفا: "النجار ناشط حقوقي وسياسي في سنوات ما قبل الثورة، ونشط في التدوين، وتم اعتقاله زمن مبارك، ومع بداية الثورة كان من أوائل المشاركين فيها الذين دخلوا إلى ميدان التحرير، واعتصموا فيه بشكل سلمي حتى سقوط النظام".

وتابع عز الدين: "التغيير والإصلاح، وأحلام الديمقراطية والحرية كانوا الشعار الأساسي للطريق الذي سلكه مصطفى النجار، وصرح بذلك أثناء خطاباته الميدانية في التحرير، وفي لقاءاته الإعلامية، وعندما أسس حزب العدل وأصبح عضوا برلمانيا في برلمان الثورة، ومن أقطاب الشباب الطموحين، الذين يعول عليهم لمستقبل منشود للبلاد، لم تتغير أهدافه ومبادئه".

وأكد الباحث السياسي: "بسبب طريقه وما اختاره لنفسه، تعرض للكثير من المصاعب والتحديات التي انتهت بإدانته في قضية إهانة القضاء ضمن مجموعة من السياسيين والنشطاء، وبدلا من أن يمثل أمام النيابة، تعرض للإخفاء القسري، ولم يعرف مصيره إلى الآن كأبسط حقوقه الأدبية والطبيعية".

وطالب عز الدين بـ"تصعيد قضية مصطفى النجار على جميع المستويات الدولية، وأن تكشف الحكومة عن مصيره بصراحة أيا كان الأمر، والذين صمتوا وتقاعسوا عن حق مصطفى، معرضون كذلك لنفس المصير، لأنه بهذا المنطق تتحول الدول إلى غابة لا حق فيها ولا سلطان ولا قانون".

خطوة جيدة ولكن!

الحقوقي المصري علاء عبد المنصف، مدير منظمة السلام لحقوق الإنسان، قال لـ"الاستقلال": "الحديث عن إرسال بعثات دولية للتحقيق في مصير النجار، خطوة جيدة من قبل الاتحاد البرلماني الدولي، لكن في نهاية المطاف هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بموافقة مصر على قبول اللجنة، وإجراء التحقيقات والتحريات التي تعمل عليها".

وأضاف عبد المنصف: أن "السلطات المصرية في هذه القضية، ومثلها في كافة قضايا الاختفاء القسري، وخصوصا المقترن بعدم تحديد أو إجلاء المصير حتى الآن، فهناك أكثر من 26 شخصا تعرضوا للاختفاء القسري، ولم يعرف مصيرهم ولم يعرضوا على النيابة حتى الآن، غير آلاف ذاقوا مرارة الإخفاء".

الحقوقي المصري أوضح أن "مصر من الدول المتصدرة في هذه الجريمة، وبلا شك أن حالة مصطفى النجار هي الأشهر، بصفته السياسية والإعلامية والبرلمانية، ومن الذين صدرت بحقهم أحكام تتعلق بإهانة القضاء، وبالتالي نموذج مؤثر، والسلطات المصرية لا ولن تتعامل بالجدية المطلوبة، لأن تلك القضية تمثل إدانة للنظام".

وأكد عبد المنصف: "ما آل إليه مصير النجار، لا يمكن التكهن أو التصريح به، سواء الأنباء المترددة أنه في أحد السجون العسكرية، أو الحديث عن تعرضه لاغتيال في مكان ما، فكل هذه الأمور هي تخمين، إذا كانت الدولة نفسها لم تفصح وتعلن عن مصيره، وبالتالي لا يستطيع أحد من المتابعين لهذا الشأن سواء أكان إعلاميا أو قانونيا أو حقوقيا، الجزم بما انتهى إليه مصير مصطفى، ونحن نتمنى أن يظهر ولا يمسه سوء، ويعرض أمام الهيئات القضائية المختصة، دون المساس بآدميته وكرامته".

وقال عبد المنصف: "بسبب النجار وغيره من الضحايا، أصبحت مسألة إدانة نظام السيسي لدى الجهات المعنية، وبالأخص الأمم المتحدة، واللجنة المعنية بالاختفاء القسري، طبيعية ودارجة، لأنها ممنهجة لدى السلطات المصرية، حيث قدمت لها آلاف الحالات في صيغة شكاوى، ولم تجب عليها، وبالتالي الإدانة متوفرة، لكن منظومة المصالح العالمية هي المتحكمة، في اتخاذ خطوات فعالة لما بعد الإدانة".