مراكز المناصحة.. سيف أبوظبي المسلط على رقاب المعارضين المعتقلين

سلطان العنزي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

“أخشى أن لا يخرج والدي بعد أن يُنهي محكوميته، لأن مراكز المناصحة التي أوردها قانون مكافحة الإرهاب في 2014، تعطي الصلاحية باحتجاز السجناء بعد انتهاء محكوميتهم، دون مدة محددة”.

بهذه الكلمات، عبّرت المواطنة الإماراتية، آلاء، ابنة معتقل الرأي في سجون أبوظبي، محمد عبد الرزاق الصديق، عن مخاوف عائلتها من أن لا يتم الإفراج عن والدها بعد أن ينهي محكوميته، كما حصل مع معتقلين آخرين، بسبب “مراكز المناصحة”.

وتعرض الصديق وهو أستاذ في الشريعة للإخفاء القسري وحكم عليه بعدها بالسجن 10 سنوات بتهمة إنشاء تنظيم سري في الإمارات.

وكشفت ابنته، في فيديو نشرته عبر حسابها بتويتر، في 12 يونيو/حزيران 2020، عن تعرض والدها للتعذيب منذ اعتقاله في أبريل/نيسان 2012، لافتة إلى أن الحكومة الإماراتية عرضت عليه التخلي عن جنسيته أو الاعتقال، فاختار السجن حبا في وطنه وشعبه، على حد وصفها.

واشتكت “آلاء” من أنها لم تتمكن من التواصل مع والدها منذ ثمانية أعوام، فيما أكدت تعرض عائلتها لعقوبات جماعية، من بينها المنع من العمل والسفر، ومصادرة الأملاك، والتحريض الإعلامي المسيء، فضلا عن تجاهل دعوى قانونية رفعتها العائلة للمطالبة بحقوقها.

ذريعة المناصحة

وتستمر السلطات الإماراتية، في ممارسة انتهاكات جسيمة، بحق معتقلي الرأي، فهي لم تكتف باعتقالهم وإخفائهم قسريا، ثم تقديمهم لمحاكمات جائرة، وإصدار أحكام قاسية بحقهم، بل تتعنت بالإفراج عنهم، رغم انقضاء فترة أحكامهم كاملة.

ولم تقدم السلطات سندا قانونيا واضحا ومُعتَبَرا لتمديد حبس هؤلاء المعتقلين الذين انتهت محكوميتهم، لكنها وبهدف التغطية على استمرار تغييبهم تعسفيا، لجأت إلى إيداعهم فيما تعرف بـ”مراكز المناصحة”.

ففي العام 2014، أصدر رئيس الإمارات، خليفة بن زايد آل نهيان، قانون مكافحة الجرائم الإرهابية، وفي 2019، أصدر مرسوما لإنشاء “مركز المناصحة”، بذريعة "هداية وإصلاح المحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية، أو من توافرت فيهم الخطورة الإرهابية".

ويسمح المرسوم الرئاسي للأجهزة الأمنية، بالإبقاء على المعتقلين داخل سجونها بعد انتهاء فترة محكومياتهم، أطول فترة ممكنة، ودون تهمة محددة، بحجة أن خروجهم قد يشكل خطرا على الأمن القومي.

وتزعم الحكومة الإماراتية أن المعتقل الذي يتم تحويله إلى “مركز المناصحة” تُعقد له جلسات نفسية واجتماعية ودينية، تضم أطباء نفسيين وأخصائيين اجتماعيين ووعّاظا، وتخضع هذه الجلسات لرقابة لجان مشكلة من النيابة العامة، ومن جهات أمنية.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعتبر انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان لافتين إلى أن السلطات تتناسى أن معتقلي الرأي في سجونها، محتجزون على خلفية نشاطهم الحقوقي، وممارستهم لحرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وليس لارتكابهم أعمالا إرهابية.

منظمة “الحملة الدولية من أجل الحرية” اتهمت السلطات الإماراتية باحتجاز 11 معتقلا سياسيا في عدة سجون، من بينها سجن “الرزين” سيء الصيت، المعروف باسم “غوانتانامو الإمارات”، والذي يوجد في صحراء إمارة أبوظبي، وذلك رغم انتهاء محكومياتهم.

وجاء في بيان المنظمة الحقوقية، في أبريل/نيسان 2020، أن السجناء كانوا قد أودعوا السجن بعد محاكمة جماعية مثيرة للجدل، وكان ينبغي إطلاق سراحهم في وقت سابق.

وحذر بيان المنظمة الحقوقية، من أن استمرار اعتقال الناشطين، خصوصا في ظل تفشي وباء كوفيد-19، هو تعريض غير مبرر لحياتهم للخطر، داعيا السلطات الإماراتية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عنهم.

وكانت الحكومة الإماراتية قد أجرت محاكمة جماعية عام 2013، عُرفت إعلاميا بقضية “الإمارات 94”، والتي خضع لها 94 إماراتيا، من بينهم ناشطون ومحامون وأكاديميون، ووجهت لهم تهمة “التآمر ضد نظام الحكم”، وذلك على خلفية مطالبتهم بإجراء إصلاحات سياسية في بلدهم.

وأدان القضاء الإماراتي 69 شخصا، 8 منهم تمت محاكمتهم غيابيا، وصدرت بحقهم أحكام تعسفية بالسجن، يصل بعضها إلى 15 عاما. 

وأكدت العديد من المنظمات الحقوقية المعنية بحقوق الإنسان، أن هذه المحاكمات لم تف بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، لافتة إلى أنها ”صورية وجائرة، وتفتقر لأبسط مقومات العدالة”.

استخفاف خطير

بدوره اعتبر مجلس جنيف للحقوق والحريات (GCRL) أن سلطات الإمارات تظهر استخفافا خطيرا بسيادة القانون بمواصلتها احتجاز معتقلي الرأي على الرغم من انتهاء فترة محكومياتهم.

وأكد المجلس في بيان نشره في 23 مايو/أيار 2020، وجود شبهات خطيرة بانتهاك الإجراءات القانونية وضمانات المحاكمة العادلة في الإمارات، خاصة في القضايا المتعلقة بأمن الدولة، والتعبير عن الرأي، بما يشمل الاعتقالات والاحتجازات التعسفية، وممارسة التعذيب.

وشدد مجلس “جنيف” على أن حرمان المعتقلين من الحرية لسنوات طويلة بعد انتهاء أحكامهم يُظهر ازدراء صارخا لسيادة القانون، ويتناقض مع قانون العقوبات الإماراتي، فضلا عن القانون الدولي لحقوق الإنسان.

ونشر المجلس الحقوقي قائمة بأسماء معتقلي الرأي الإماراتيين الذين أتموا أحكامهم لكنهم بقوا في السجن:

  • أحمد محمد الملا: اعتُقل في 01 مايو/أيار 2014 وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وانتهت مدة محكوميته بتاريخ 1 مايو/أيار 2017.
  • فيصل علي الشحي: اعتُقل في 01 مايو/أيار 2014، وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وانتهت مدة محكوميته بتاريخ 1 مايو/أيار 2017.
  • عبدالله إبراهيم الحلو: اعتُقل في 22 أبريل/نيسان 2014، وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وانتهت مدة محكوميته بتاريخ 22 نيسان/أبريل 2017.
  • سعيد عبد الله البريمي: اعتُقل في 26 مارس/آذار 2013، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات، وانتهت مدة محكوميته بتاريخ 26 مارس/آذار 2018.
  • عبد الواحد حسن الشحي: اعتُقل في 26 مارس/آذار 2013، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات، وانتهت مدة محكوميته بتاريخ 26 مارس/آذار 2018.
  • خليفة ربيعة: اعتُقل في 23 يوليو/تموز 2013، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات، وانتهت مدة محكوميته بتاريخ 23 يوليو/تموز 2018.
  • عبد الله عبد القادر الهاجري: اعتُقل في 16 يوليو/تموز 2012، وحُكم عليه بالسجن سبع سنوات، وانتهت مدة محكوميته بتاريخ 16 يوليو/ تموز2019.
  • عمران علي الحارثي: اعتُقل في 16 يوليو/تموز 2012، وحُكم عليه بالسجن سبع سنوات، وانتهت مدة محكوميته بتاريخ 16 يوليو/تموز 2019.
  • فهد عبد القادر الهاجري: اعتُقل في 02 مارس/آذار 2013، وحُكم عليه بالسجن سبع سنوات، وانتهت مدة محكوميته بتاريخ 02 مارس/آذار 2020.
  • محمود حسن الحوسني: اعتُقل في 16 يوليو/تموز 2012، وحُكم عليه بالسجن سبع سنوات، وانتهت مدة محكوميته بتاريخ 16 يوليو/تموز 2019.
  • منصور حسن الأحمدي: اعتُقل في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2012، وحُكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، وانتهت مدة محكوميته بتاريخ 12 أكتوبر/تشرين الأول 2019.

مخاوف وانتقادات

من جانبه، كشف مركز الإمارات للدراسات والإعلام “إيماسك” عن تحول سجن “الوثبة” سيء السمعة في أبوظبي إلى مكان موبوء بفيروس كورونا، لافتا إلى تسجيل أكثر من 30 إصابة بين المعتقلين، من بينهم عُماني وأردني.

وقال المركز في بيان نشره في 7 يونيو/حزيران 2020: “إن الإفراج عن معتقلي الرأي في الإمارات، يمثل واجبا وطنيا وإنسانيا، في ظل تصاعد مخاطر تفشي فيروس كورونا المستجد”. 

وحث “إيماسك” السلطات على العمل لإيجاد المعالجات التي تبدأ بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وتعزيز حماية السجون، وطرق التواصل بين السجانين والمعتقلين.

وشدد المركز الإماراتي على أن تجاهل الحكومة لمناشدات إطلاق سراح المعتقلين يعتبر “جريمة إنسانية وأخلاقية تطارد جهاز الأمن وحكومة الإمارات”.

وفي تقريرها السنوي الذي صدر بعنوان “الإمارات العربية المتحدة 2019”، في 19 فبراير/شباط 2020، قالت منظمة العفو الدولية "أمنستي" : إنها وثقت العديد من الحالات التي أهدرت فيها حقوق المعتقلين بالإمارات.

وبحسب التقرير، فإن جهاز أمن الدولة هو المسؤول عن معظم هذه الانتهاكات، حيث ألقي القبض على الأشخاص بدون أمر قضائي، واحتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي لمدة أسابيع أو شهور، وتعرضوا للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة. وفي بعض الحالات، كابد المحتجزون ظروفا مهينة في الحجز. 

بدورها، أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش، في 9 يوليو/تموز 2019، إلى أن “حرمان المعتقلين من الحرية لسنوات طويلة بعد انتهاء أحكامهم يُظهر ازدراء صارخا لسيادة القانون”. 

وأوضحت المنظمة أن “لهؤلاء الرجال جميعهم حياة وعائلات ينتظرون العودة إليها، وينبغي ألا يواجهوا الاحتجاز إلى أجل غير مسمى، وهو أمر قاس وغير قانوني”.

 وسبق أن وثقت “رايتس ووتش” مزاعم خطيرة بانتهاك الإجراءات القانونية وضمانات المحاكمة العادلة في الإمارات، وخاصة في القضايا المتعلقة بأمن الدولة.

يشمل ذلك الاعتقالات والاحتجازات التعسفية، وكذلك مزاعم التعذيب وسوء المعاملة في مراكز أمن الدولة.

وأكدت المنظمة الدولية، أن الاعترافات انتُزعت من معتقلي الرأي بالقوة، مبينة أن عددا منهم أدلى بشهادات أمام القاضي في أولى جلسات المحكمة، حول تعرضهم لأصناف من التعذيب الشديد لنزع الاعترافات منهم.