حفتر صديق الموساد.. لماذا انزعجت إسرائيل من انتصارات الوفاق بليبيا؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شكلت الانتصارات الأخيرة التي حققتها حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، في ليبيا، انزعاجا بالغا لدى عدد من الأنظمة العربية والإقليمية، كان من أبرزها دولة إسرائيل.

مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أشار في تقرير له إلى أن الانتصارات التي حققتها حكومة الوفاق في ليبيا (على مليشيات اللواء الانقلابي خليفة حفتر)، قد تشكل تهديدا مباشرا للمصالح الإسرائيلية.

وحذر المركز من استمرار تلك الانتصارات، قائلا: إنها "سوف تعزز مكانة حكومة الوفاق الوطني، بنفس القدر الذي تعزز المكانة المركزية لتركيا في المنطقة، في مقابل ضعف المعسكر الآخر الذي يضم إسرائيل، مصر، اليونان، وقبرص (الرومية)".

مركز الأبحاث دعا صناع القرار في إسرائيل إلى متابعة الأوضاع في ليبيا، مشيرا إلى أن الصمت الإسرائيلي الرسمي تجاه التطورات في ليبيا يعكس أزمات الخيارات التي تواجه تل أبيب.

ولفت المركز إلى تولد إحباط كبير لدى القاهرة وأبوظبي وموسكو، إزاء تلك الانتصارات، التي أتت كنتيجة للدعم العسكري التركي في تمكين حكومة الوفاق ضد قوات حفتر.


 
الوسيط الإماراتي

كانت إسرائيل تدرك أن مصالحها سوف تكون عرضة للتهديد، بتقدم قوات الوفاق، لذلك عملت منذ وقت مبكر على دعم حفتر والتنسيق معه استخباراتيا وعسكريا.

سبق هذا الدعم تواصل وتنسيق غير معلن بين الجانبين، منذ وقت مبكر، وهو ما كشف عنه معلق الشؤون الاستخباراتية بصحيفة معاريف الإسرائيلية يوسي ميلمان عبر تغريدة في 7 أغسطس/آب 2019، قال فيها: إن "حفتر على علاقة بالموساد".

تقارير إعلامية نقلت عن مصادر مقربة من حفتر، أنه عقد لقاء مطولا مع ضابط استخبارات إسرائيلي في يونيو/حزيران 2018، بالعاصمة الأردنية عمان، وبحثا في اللقاء مسألة "تعميق التنسيق الأمني بين حفتر وإسرائيل".

وقدمت إسرائيل دعما استخباراتيا وعسكريا، عدة مرات، خلال السنوات الماضية، كما اعتمد حفتر على بعض العناصر الاستخباراتية والسياسية الإسرائيلية، كقنوات تواصل بتل أبيب.

من بين هذه القنوات تواصله مع المستشار الأمني (الإسرائيلي ـ الكندي) آري بن مناشي، وكذلك السياسي في حزب الليكود أورين حزان، ذي الأصول الليبية، وكذلك ضابط في جهاز الأمن الإسرائيلي يدعى موشيه، بوساطة رجل الأعمال الليبي حسونة تاتاناكي.

المدير التنفيذي لمعهد جولف ستايت أناليتكس، جورجيو كافيرو، كتب مقالا في يوليو/تموز 2019، سلط فيه الضوء على دعم إسرائيل إلى جانب بعض القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط لخليفة حفتر.

وفي المقال الذي نشره موقع "كونستورتيوم نيوز" الأميركي قال كافيرو: إن التعاون بين حفتر وإسرائيل تم عبر الإمارات، وبدأ في عام 2015، وأنه خلال هذا العام والعام الذي يليه، التقى حفتر بعملاء من "الموساد"، بشكل سري في الأردن، وذلك مع بدء تزويد إسرائيل لقوات حفتر ببنادق قنص ومعدات للرؤية الليلية.

وأضاف الكاتب أن كلا من إسرائيل ومصر والإمارات، ترى في حفتر البديل الوحيد للإخوان المسلمين، وغيرهم من الجماعات الإسلامية الفاعلة في الحرب بليبيا.

"بقرة حلوب"

تعتقد إسرائيل أن ليبيا يمكن أن تكون "بقرة حلوبا" أو دجاجة تبيض ذهبا، لهذا فهي تحاول أن تستفيد منها لآخر قطرة، من الناحية الاقتصادية، وكذلك من الناحيتين الإستراتيجية والأمنية.

فإلى جانب مصالحها في مد أنبوب الغاز من محيط المتوسط إلى أوروبا، تسعى إسرائيل للسيطرة على آبار النفط الليبية، في مهمة يسعى للقيام بها عميل المخابرات الإسرائيلي، آي بن ميناشي، المقيم في كندا، الذي وضع قدما لإسرائيل في النفط الليبي منذ عام 2013، مقابل التسويق الإعلامي والسياسي لحفتر، بحسب صحيفة الجارديان البريطانية.

وسبق لمركز الأبحاث القومي الإسرائيلي نشر ورقة بحثية في أغسطس/آب 2019، قال فيها: إن أحد أسباب اهتمام إسرائيل بليبيا ودعم حفتر، هو الموارد الطبيعية التي تزخر بها البلاد،  لهذا فإن إسرائيل تتوقع أن دعمها لحفتر قد يؤمن لها النفاذ إلى ثروة البلاد النفطية.

يضيف المركز، أن إسرائيل كأكبر تاجر سلاح في المنطقة، تستفيد اقتصاديا، من دعمها لحفتر، فهي تجني مليارات الدولارات، من خلال بيع الأسلحة لحفتر، وتأجير المستشارين العسكريين الإسرائيليين.

ووفق المركز، فإن تل أبيب تعتقد أن ليبيا يمكن أن تكون مصدرا لتهريب الأسلحة إلى حركات المقاومة في قطاع غزة، وأن الأراضي الليبية يمكن أن تتحول إلى ملجأ للجماعات المسلحة، التي يمكن أن تعمل على استهداف المصالح الإسرائيلية.

بوابة إسرائيل

وبالقدر الذي تحرص فيه إسرائيل على مد علاقتها بحفتر، فإن خليفة حفتر أيضا مهتم بتحسين علاقته بإسرائيل.

وحسب صحيفة الجارديان البريطانية، فإن حفتر حريص على تحسين علاقته بإسرائيل، لأنه يبحث عن دعم دولي وإقليمي للاعتراف به، على حساب حكومة الوفاق، وهو يعتقد أن إسرائيل هي البوابة للحصول على ذلك الاعتراف، والوصول لذلك الهدف، وتثبيت أركانه مع الحلفاء الغربيين.

تضيف الصحيفة أن حفتر يسعى لإقناع المجتمع الغربي بأنه يواجه الإرهاب في ليبيا، وأنه يقوم بذات الدور الذي يقوم به عبد الفتاح السيسي في مصر، ويسعى أثناء ترويجه لتلك الحكاية للحصول على دعم عسكري واستخباراتي، من إسرائيل والدول الغربية، يساعده في تحقيق أهدافه.

صحيفة ميدل إيست آي البريطانية، ذكرت في تقرير لها أن حفتر يعتمد على إسرائيل في الحصول على السلاح، بشكل غير مباشر، وأن الوسيط في هذه الصفقات هو السيسي، الذي يقدم حفتر، باعتباره شريكا في النضال ضد ما يسميه "الإرهاب الإسلامي".

ووفق مراقبين، فإن الإمارات هي الوسيط الذي ربط بين حفتر وإسرائيل، وهي من أقنعت حفتر بأن إسرائيل هي بوابة كل شيء، وأن عليه تحسين علاقته بإسرائيل، إن أراد الوصول لأهدافه، وهي ذات الوصية التي أقنع بها محمد بن زايد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتحسين علاقته بإسرائيل، إن أراد الوصول لأهدافه وتثبيت حكمه.

العُقدة التركية

كان مدار الانزعاج في تقرير مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي من الدور التركي الذي مكن حكومة الوفاق من التقدم والانتصار، ومكن أنقرة، في ذات الوقت من تعزيز مكانتها الإقليمية ولعب دور مركزي مؤثر في المنطقة والإقليم.

ضاعف ذلك الانزعاج أن التدخل العسكري التركي كان مشروعا وعلنيا، وجاء بطلب من الحكومة المعترف بها دوليا في ليبيا، بالإضافة إلى أنه أتى بعد تصويت وموافقة البرلمان التركي عليه.

أما عن المصالح الإسرائيلية التي ستتعرض لتهديدات محتملة، فهي بحسب المركز، متمثلة بإقدام تركيا على إحباط مشروع أنبوب "EastMed" الإسرائيلي، الذي يفترض أن ينقل الغاز الإسرائيلي المستخرج من حوض المتوسط إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، وذلك في حال شرع البلدان (تركيا وليبيا)، بتطبيق اتفاقية ترسيم الحدود المائية الموقعة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

وأشار المركز إلى أن اتفاقية ترسيم الحدود المائية بين البلدين، كان قد لقي رفضا شديدا من قبل حفتر، بالإضافة إلى اليونان وقبرص ومصر وفرنسا وإسرائيل، وأن قوات حفتر إذا تمكنت من الانتصار في طرابلس، فإن هذا سيشكل انتصارا لجميع الدول التي تعارض اتفاقية ترسيم الحدود المائية.

وبجانب المكانة التي سوف تحتلها تركيا، والتي شكلت انزعاجا وعقدة لدى المعسكر المناهض لها في المنطقة، فإن أنقرة سوف تجني مكاسب اقتصادية هائلة، في حال تمكنت حكومة الوفاق من السيطرة على موارد النفط في البلاد، بالإضافة إلى حصول شركات تركية على امتياز عقود إعادة الإعمار في ليبيا، بحسب المركز الإسرائيلي.

تلك الامتيازات، ستتعدى الجانب الاقتصادي إلى الجانب الإستراتيجي، حيث ستمكن تلك الانتصارات تركيا من استمرار وجودها في قاعدة "الوطية" الجوية الليبية ذات الموقع المتميز.