محاط بالأزمات.. هل تضع "السويداء" نهاية لمستقبل الأسد؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على غرار ما جرى في عام 2011، صدحت حناجر السوريين من جديد بهتافات تطالب برحيل رئيس النظام بشار الأسد، لكن هذه المرة كانت شرارتها من محافظة السويداء في مشهد ربما يعيد الأحداث إلى بدايات الثورة.

وعلى مدار أربعة أيام بدءا من 6 يونيو/ حزيران 2020، شهدت مدينة السويداء جنوب سوريا -التي ينتمي معظم سكانها لطائفة الدروز- احتجاجات طالبت برحيل الأسد، تبعتها مظاهرتان في ضاحية دمّر بريف دمشق، والحي العسكري في مدينة حلب الشرقية.

وبخروج المظاهرات برزت تساؤلات ملحة: هل تتسع الاحتجاجات في ظل التدهور الاقتصادي، وهل يقوى النظام على مواجهتها في حال استمرت واتسعت رقعتها، وماذا عن الدول الحليفة للأسد، هل تبقى داعمة له بعد اشتعال المناطق التي تمثل حاضنة النظام الشعبية؟

اتساع محتمل

المظاهرات الحالية خرجت جراء تردي الواقع الاقتصادي، والتدهور الكبير في قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، إضافة إلى أنها جاءت في ظل تصدع الجبهة الداخلية للنظام، والتي أظهرتها الصراعات مع ابن خاله رامي مخلوف للسيطرة على اقتصاد البلد.

وتوقع المحلل السياسي السوري محمد النجار، اتساع رقعة المظاهرات في سوريا بسبب الأزمة الاقتصادية، حتى لو كلفه ذلك حياته على أن لا يموت جوعا في "بلد تديره مجموعة من الفاسدين الذين يهمهم فقط البقاء في كرسي الحكم".

وقال النجار لـ"الاستقلال": إن "الشعب السوري لم يعد لديه شيء يخسره، فربما الموت بالرصاص بسبب الخروج للتظاهر أرحم من الموت جوعا، وبدأنا نسمع بحالات كثيرة بالانتحار والبعض ضحى بأولاده أو بيع أعضاء من جسمه مقابل توفير قوت يومه".

وأضاف: أن "الفاسدين في سوريا الذين لم يكن لهم هم سوى البقاء في مناصبهم هم من كانوا وراء التدهور الاقتصادي وانهياره بهذا الشكل، وفي الوقت الحالي يعيش النظام مشاكل كثيرة ولا سيما في الاقتصاد".

وفي محاولة من النظام للتغطية على المظاهرات في السويداء، أخرج مسيرة مؤيدة له من طلبة الكليات تحت التهديد كشفتها تسريبات صوتية صادرة عن وفاء عفلق رئيسة فرع السويداء لـ"الاتحاد الوطني لطلبة سوريا" التابع للنظام، والتي هددت من لم يخرج بمظاهرة تؤيد الأسد.

وقالت وفاء عفلق في التسريب الصوتي مع صديقة لها: "مش بكيفنا بالصرماي بدنا نجي، مش مبسوطين بالوقفة، بس بدنا نجي واللي ما يجي ينفصل". وأضافت: "عم قلكن غصب عنكن بدكن تروحوا نحنا خبرناكن، والي ما بدوا يجي رح ينفصل، نحنا مش حابين نجي ونوقف، لا عكيفي ولا عكيفك، بدنا نجي بالصرماي".

"قمع جديد"

لم يكتف النظام السوري بالتغطية على المظاهرات التي خرجت ضده في السويداء بإخراج أخرى مؤيدة له، وإنما اعتقل عددا من رموز المظاهرة وعلى رأسهم حمود عقيل وناصر بندق ورائد الخطيب، إضافة إلى إطلاق النار من مجهولين على مظاهرة طالبت بالإفراج عن هؤلاء المعتقلين.

ولعل ذلك يكشف عن نية نظام الأسد العودة إلى مواجهة المظاهرات بالقمع من جديد، إذ يقول السياسي السوري المعارض، يحيى العريضي: إنه من غير المستبعد أن يتعامل النظام السوري بالعقلية الأمنية ذاتها، التي تعامل فيها مع التظاهرات السلمية التي خرجت في العام 2011، بداية الثورة السورية.

وأضاف العريضي وهو عضو "اللجنة الدستورية السورية" في تصريحات صحفية بتاريخ 8 يونيو/ حزيران 2020: أن "النظام نتيجة الأزمة الاقتصادية والسياسية، يبدو وكأنه محشور في الزاوية القاتلة، وكل الخيارات أمامه قاتلة".

واستدرك بقوله: الواضح أن استخدام العقلية الأمنية ذاتها، ليس بالأمر السهل، لأن الوجع يسيطر على كل مفاصل الجسد السوري، إلى جانب أن السياق الدولي لا يهيئ الظرف لإعادة الممارسات الأمنية ذاتها في قمع التظاهرات.

وفي السياق ذاته، أكدت مواقع للمعارضة السورية أن الفروع الأمنية للنظام في السويداء عززت من قواتها، وجلبت مزيدا من العناصر إلى مراكز حفظ النظام وقيادة الشرطة، ووضعت العديد من الحواجز في محيط المراكز الأمنية، إضافة إلى نشر الآليات العسكرية المحملة بأسلحة رشاشة.

ووصلت الاحتجاجات إلى الشارع المقابل لمبنى محافظة السويداء، وسط هتافات "يلا ارحل يا بشار.. سوريا لينا وما هي لبيت الأسد" وذلك بالتزامن مع وصول ضباط ومسؤولين إلى المبنى بهدف بحث الأزمة.

ماذا عن الحلفاء؟

وعلى صعيد حلفاء للأسد، فإن التظاهرات الحالية جاءت وسط تذمر روسي من رأس النظام السوري، والذي ظهر مؤخرا عبر وسائل إعلام روسية انتقدت الفساد المستشري بالنظام، وفيما يخص إيران فإن الضربات الإسرائيلية التي تستهدفها زادت وتيرتها مؤخرا في محاولة لتحجيم وجودها بسوريا.

المحلل السياسي السوري محمد النجار قال لـ"الاستقلال": إن "روسيا الآن في مأزق في سوريا سواء تخلصت من الأسد أو لا، لأن التبعات السياسية والاقتصادية ستكون أكبر من التي سيحصل عليها، إضافة إلى الضغط الدولي على روسيا، والأخيرة لا تريد الخروج من سوريا خاسرة، وهي تريد أن يقدم الأسد تنازلات".

وبخصوص موقف روسيا وإيران في حال اتسعت المظاهرات، قال النجار: إن "موسكو وطهران ليس لديهما خيار إلا في دعم الأسد، لأنه الورقة الوحيدة التي تضمن لهم البقاء في سوريا".

وأضاف: أن "المجتمع الدولي لن يكون راضيا على بقاء روسيا وإيران في سوريا إذا رحل بشار الأسد، والكثير من التسريبات تشير إلى أن الأخير لن يتمكن من البقاء بالسلطة إلى عام 2021، وهو التاريخ الذي تضغط روسيا لإجراء انتخابات فيه بسوريا، والمجيء ببشار الأسد مرة أخرى للسلطة عن طريقها".

وأكد النجار أن "الشعب السوري سيتمكن من التخلص من النظام وداعميه لكن الأمر يحتاج إلى وقت حتى يستعيد الشعب زمام المبادرة وخوض حرب التحرير للتخلص من الاستعمار الذي قوض الحياة في سوريا ودمر البنى التحتية وإعادة البلاد إلى مرحلة متأخرة من الزمن".

تدهور أكثر

ومع أوضاع النظام الداخلية وعلى مستوى الداعمين، فإن مراقبين يرون أن المظاهرات الحالية التي خرجت ضد نظام الأسد بسبب تدهور الاقتصاد وانهيار الليرة، ربما تكون البداية لوضع أسوأ بعد تطبيق قانون "قيصر" الأميركي.

وتوقع المراقبون أن يزيد قانون "قيصر" الوضع الاقتصادي سوءا في سوريا، إذ من المقرر أن يطبق فعليا في 17 يونيو/ حزيران 2020، ويستهدف نظام بشار الأسد وجميع داعميه، ولاسيما روسيا وإيران وحزب الله اللبناني.

وخصصت عقوبات "قيصر" ضد الأسد والأفراد والشركات التي تمول النظام سواء كانوا سوريين أو أجانب، كما يسمح بتجميد أصولهم ومنعهم من الدخول إلى الولايات المتحدة.

وتعود تسمية القانون إلى مصور عسكري سابق في الشرطة العسكرية السورية يُعرف باسم مستعار هو "قيصر"، استطاع الهرب من سوريا صيف عام 2013 حاملا معه 55 ألف صورة مروعة تظهر جثثا تحمل آثار تعذيب.

وفي أول تصريح للولايات المتحدة على انعكاس انهيار أزمة الليرة السورية على نظام الأسد، قال المبعوث الأميركي لسوريا جيمس جيفري، في تصريحات صحفية 7 حزيران/يونيو 2020: إن بلاده قدمت إلى الأسد، طريقة للخروج من أزمة الليرة، وإنه إذا كان مهتما بشعبه فسيقبل العرض.

وأشار جيفري إلى أن واشنطن، ترغب في رؤية عملية سياسية، وليس مهما أن تقود إلى تغيير النظام، لكنها تطالبه بتغيير سلوكه، وعدم منح إيران قاعدة لبسط هيمنتها على المنطقة.

وأرجع المسؤول الأميركي انهيار الليرة السورية، إلى قيود فرضتها واشنطن، منعت النظام من تبييض أمواله، في مصارف لبنان، وكذلك إلى الرد الأميركي المفترض، في حال أقدمت أي دول أوربية أو الصين على تقويض "قانون قيصر".