الإسلاميون والسلطة في السعودية: تعاون ثم قمع ثم شتات

12

طباعة

مشاركة

تبدو العلاقة بين التيار الإسلامي والسلطة السعودية، متأرجحة منذ بزوغ هذا التيار على أرض الجزيرة العربية في السبعينات واشتداد ساعد التيار في التسعينات.

لابد أن نقرّ أن التيار تم إستغلاله من السلطة لتمكين النظام، خاصة من إحكام سلطته على المجتمع، وأهم من ذلك تفعيله كذراع للسياسة الخارجية السعودية، خاصة تثبيت شرعيته في الخارج المسلم. وفر التيار خطاب الأممية الإسلامية ومحورية السعودية كبلاد الحرمين الشريفين وتبعات المسؤلية لخدمة مصالح المسلمين عامة.

ووافق هذا الاتجاه أطروحات الإسلاميين المعولمة، ووفرت كوادرهم جيشا من المنظرين والناشطين الذين وجوهوا خطابهم للداخل والخارج، مجيشين الكل للحفاظ على مسلمات جذرية، منها: التقوى، والعمل الإسلامي التطوعي، وبناء مؤسسات إسلامية اجتماعية تربوية واقتصادية، ويجب أن نشير إلى أن هذا العمل كان ممولا من السلطة أو من العمل التطوعي. 

استمرت العلاقة التعاونية حتى فترة بداية التسعينات، حيث سقطت المنظومة التكاملية بين السلطة والإسلاميين، واستبدلت بمرحلة القمع خاصة بعد التصادم الذي اشتد على خلفية حرب الخليج واجتياح الكويت. كان التيار الإسلامي حينها قد وصل إلى مرحلة متطورة من القوة المجتمعية، وانخرط في صفوفه الكثير من الشباب باتجاهاتهم ومواقعهم الاجتماعية كافة. ومع بدأ مرحلة القمع وخاصة إعتقالات رموز التيار، مثل: الشيخ سلمان العودة، وسفر الحوالي، وغيرهم الذين هاجروا إلى أماكن آمنة في الخارج، برزت قدرة التيار على تحريك الشارع السعودي، ومن أبرز مظاهر هذه القدرة، المظاهرة المعروفة بإنتفاضة بريدة، حيث خرج المئات من الشباب مناصرة للشيخ المعتقل، واحتجاجا على إعتقاله. ظل التيار ناشطا وتحول لرمز معارض للسلطة طيلة فترة الاعتقالات في التسعينات حتى خروج الشيخ من السجن. جاءت مرحلة القمع الثانية على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول التي استغلتها السلطة لتخلط الأوراق والمواقف لتبرير مرحلة القمع  الجديدة.

استغلت السلطة تيارين لتحجيم التيار الاسلامي، أولهما التيار السلفي التقليدي الرسمي الذي اعتبر كل التيارات الإسلامية دخيلة على ثقافة المملكة، خاصة تلك التي تؤمن بالحراك السياسي، وجرّم هذا التيار السلطوي مظاهر الحراك الإسلامي، أما الفئة الثانية فهي التيار "المتلبرل" السعودي، الذي اعتبر التطرف وعدم المساواة الجندرية والتضيق على الحريات الشخصية أيضا دخيلا على الثقافة المحلية ومرتبطا بالإسلاموية. واعتبر هذا التيار ضعف الوطنية السعودية، أو القومية كنتيجة حتمية للأممية الإسلامية المرتبطة بالخطاب الإسلامي. أدى ذلك الى نشوء جبهة متوحدة لكنها متناقضة بين السلفية التقليدية والاتجاه "المتلبرل" المرتبط هو أيضا بالسلطة.

أدى هذا الحلف إلى إضعاف التيار الإسلامي اجتماعيا، خاصة وأن التعاطف معه أصبح مرتبطا بالإرهاب، حسب التعريفات المطروحة. سهلت هذه الخلفية مرحلة القمع الحالية التي تعيشها المملكة منذ تولي ولي العهد محمد بن سلمان زمام الأمور. طالت حملة الاعتقالات مجموعات متنوعة فكريا ضمت الجيل القديم، الذي كان قد اعتقل، ولكن أيضا شريحة واسعة من الجيل الجديد.

جهزت السلطة التهم، وخاصة تهمة الإرهاب إضافة الى استغلال الوضع الخليجي المتوتر، خاصة بين السعودية وقطر، حيث وفّر هذا التوتر ذريعة للسلطة السعودية بتجهيز تهمة التعامل مع الخارج كتهمة لتبرير الاعتقال والمحاكمة.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل يقدر التيار الإسلامي، أن يحرك الشارع من جديد نصرة للمعتقلين، وخاصة رموزه المعروفة، أم أنه فقد قدرته على جذب الشارع، والذي تريده السلطة، أن يعيش قطيعة مع خلفيته الثقافية والدينية؟ هل يستطيع التيار الإسلامي أن يعيد صياغة ذاته وينمّي خطابه ليواجه السلطة من جديد؟

تجلت عدم قدرة التيار على مواجهة الاعتقالات الأخيرة خاصة الصمت الذي رافق اعتقال مشاهير التيار كالشيخين، سلمان وسفر، وغيرهم من الكوادر الشبابية الجديدة يدل على أمرين، أولا: مرحلة القمع الحالية ترافقت مع أحادية السلطة واحتكارها من أمير واحد، مما يجعل الأحلاف مع أمراء آخرين غير ممكنة لذلك أصبح التيار الاسلامي بالفعل بين فكي شخص واحد، ثانيا: تشتت التيار بعد ضربات قوية واعتقالات تعسفية جعله غير قادر على العمل الجماعي خاصة، وأن رموز الحراك السلمي والمجتمع المدني وحقوق الإنسان كلهم في السجن الآن.

قد تبدو الصورة دموية وقاتمة بالنسبة لمستقبل التيار الإسلامي السعودي تحت ظل القمع، لكن هل هذا ينبئ بأننا نستطيع كتابة "ورقة النعوة"، ونسدل الستار على مرحلة تأريخية تأرجحت بين القمع والتعاون وحتى المهادنة سابقا، لتدخل بشراسة مرحلة التصفيات التي تقودها القيادة الجديدة ضد التيار وخاصة المسالم منه، وباعتقادنا أن هذا الأخير يشكل خطرا أكبر من التيار العنيف، حيث إن خطابه لا يمكن تجاهله، خاصة أنه يجمع بين التمسك بالإسلام وتطوير مفاهيم حديثة تتعلق بالحراك السلمي والمجتمع المدني والتنظير لآلية التخلص من القمع في ظل دولة حديثة.

محاولة استشراف مستقبل التيار الإسلامي في السعودية لا تنبئ بأن نهايته حتمية لسبب واحد، وهو كون هذا التيار أصبح اليوم لغة للمطالبة بالحقوق ومعارضة السلطة المطلقة، وبغياب خطاب آخر سيبقى الخطاب الإسلامي كلغة مقاومة رغم أن إمكانيات التيار الحركية، قد تكون واهنة وغير قادرة على الحشد كما كانت في السابق.

اليوم يتحرك التيار من الخارج، بعد أن هاجر عدد كبير إلى عواصم عالمية طلبا للحماية من بطش النظام الحالي ورغم صعوبات العمل من الخارج، إلا أن محاولة تجميع الأصوات الإسلامية على اختلافاتها، قد تم بالفعل خاصة في العاصمة البريطانية حيث يتواجد المهاجر الإسلامي القديم مع الجديد، وقد يتوسع الشتات الإسلامي السعودي في المستقبل، خاصة مع استمرار حملات الاعتقال في الداخل، وقد يؤدي ذلك إلى أحلاف جديدة مع تيارات غير إسلامية تكون بذرة لنشوء جبهة وطنية غير متجانسة تتوحد مطالبها لتغيير سياسي جذري.