لوموند: معركة طرابلس الليبية لن تنتهي قريبا.. وهذه الأسباب

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن استعادة القوات الموالية لحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج السيطرة على كامل العاصمة الليبية لا يعني بأي حال من الأحوال العودة إلى ما كان الوضع عليه قبل أبريل/ نيسان 2019، وهو تاريخ إعلان الهجوم عليها. 

وأعلنت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، المدعومة من الأمم المتحدة، مؤخرا سيطرتها الكاملة على العاصمة طرابلس بعد استعادة مطار العاصمة الذي كانت تحاصره قوات المشير خليفة حفتر منذ أكثر من عام.

وفي مقال له بالصحيفة، كتب فريدريك بوبان عن نهاية المغامرة العسكرية لخليفة حفتر في ليبيا، التي قال: إنه غلفها في شكل حملة عسكرية ضد ما أسماه "الإرهاب" على العاصمة. 

وأضاف: "خسر رئيس الجيش الوطني الليبي (ANL)، المتمرد على سلطة حكومة طرابلس، الجمعة 5 يونيو/ حزيران 2020، آخر معقل له بالقرب من العاصمة، في ختام سلسلة من النكسات التي تعرض لها على مدار نحو شهر".

وأشار إلى أن القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني، بقيادة السراج، استعادت مرة أخرى السيطرة على ترهونة، المعقل المتبقي للمشير المنشق في غرب ليبيا، والواقعة على بعد 80 كم جنوب شرق طرابلس، وقبلها بيوم، اضطرت قواته إلى إخلاء آخر جيوبه (قصر بن غشير) في أعقاب فقدان المطار الدولي (المتوقف عن العمل).

وذكر الكاتب أن البلاد مرت بسلسلة من الاضطرابات بعد 2011، لكن أحدثها والذي استمر 14 شهرا على وجه التحديد، انتهى للتو. 

ولفت إلى أن الهجوم على طرابلس الذي أطلقه حفتر، المقرب السابق من معمر القذافي والذي أصبح معارضا منفيا في الولايات المتحدة فيما بعد قبل انضمامه إلى ثورة 2011 ببنغازي، بدأ في 4 أبريل/ نيسان 2019، هجوما حاول من خلاله استعادة النظام العسكري المعارض لمطالب موجة "الربيع العربي" التي شهدتها المنطقة.

وبين أنه بعد أن استخف البعض به بسبب مغامرته العنيفة، عرف حفتر كيف يلفت الأنظار إليه منذ اللحظة التي غزا فيها الهلال النفطي - محطات تصدير النفط الخام - في خريف عام 2016 وقيامه بتصفية المجموعات الثورية ببنغازي في نفس العام تحت طوفان من النيران.

ونوه بأن حفتر من خلال النفط و"مكافحة الإرهاب" جذب بشكل متزايد اهتمام العواصم الغربية - باريس في المقدمة – بينما شجعته الإمارات والسعودية ومصر من خلال الأسلحة أو التمويل على فك طوق عزلته ببرقة (شرقا) والشروع في غزو ليبيا بالكامل.

وأكد الكاتب أنه "في طرابلس، كان فايز السراج، الذي نصبته الأمم المتحدة ولكنه أصبح رهينة للمليشيات المفترسة – بالكاد لديه فرصة لفرض سلطته - وبسرعة كبيرة، واجه نسفا رسميا للعملية المؤسسية التي نظمها بسبب حفتر".

السيادة التركية- الروسية

ووفقا لفريدريك بوبان، فإنه بعد تظاهره بأهمية الدخول في حوار مع السراج تحت رعاية الفرنسيين (قمتا لاسيل سان كلو عام 2017 ثم الإليزيه في 2018، وأيضا قمة باليرمو في 2018)، أظهر حفتر نوايا حقيقية بمهاجمة طرابلس، تحت ذريعة زائفة وهي "تحرير العاصمة من المليشيات الإرهابية".

وتابع: "استمرت هذه المأساة العسكرية أكثر من عام بقليل، حيث توقع أنصاره أن يبتهج سكان طرابلس مرحبين به كمنقذ، لكن الغالبية تكاتفوا لوقف شخص لديه طموحات ديكتاتورية، وهو ما كان علامة على حدوث ثورة في هذا البلد عام 2011، وهي تفاصيل بدت بعض العواصم قد نسيتها".

لكن من وجهة نظر الكاتب، فإن نهاية "معركة طرابلس" لا تعني العودة إلى الوضع السابق، فالضرر الي أحدثه هجوم حفتر كبير، وسيكون من الصعب إصلاحه، مشيرا إلى أن النتيجة الرئيسية لمغامرة اللواء المتقاعد هي أن ليبيا تعيش اليوم فعليا تحت سيطرة السيادة المشتركة للروس والأتراك، وفقا لعملية تقاسم الغنائم التي أثارتها سوريا بشكل لا يقاوم.

وأوضح بوبان أن هذا التحول الكبير حدث في الخريف الماضي، خاصة بعد دخول المرتزقة الروس من مجموعة فاجنر (بين 800 و1200 مقاتل) إلى جانب حفتر في مناطق معينة من طرابلس – وهو تدخل كان فعالا بشكل كبير لدرجة أنه أدى لزعزعة استقرار دفاعات العاصمة - وردا على ذلك زاد الدعم التركي لقوات السراج.

وقال الكاتب: إن أنقرة أرسلت مستشارين عسكريين أتراكا ومقاتلين سوريين (اليوم حوالي 7000) وبشكل خاص الجيل الجديد من الطائرات بدون طيار من طراز "تي إيه أي أنكا" التي مكنت حكومة طرابلس من استعادة السيطرة على السماء ومهاجمة القوات الدفاعية لحفتر.

في المقابل، كان على السراج أن يوافق على المطالبات البحرية التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط، مما تسبب في اضطراب بقبرص واليونان وتأجيج غضب مصر، بحسب بوبان، بعد يأس طرابلس.

ويأتي ذلك في خضم الشلل الذي أصيب به المجتمع الدولي، بسبب المماطلة والانقسامات، والتي أثبتت أنه غير قادر على حماية هذه الحكومة نفسها التي نصبها عام 2016 في أعقاب اتفاقات الصخيرات (المغرب).

صحوة واشنطن

وأضاف الكاتب: "يعض الأوروبيون أصابعهم اليوم، لكن عليهم الآن أن يحسبوا حساب هذه السيادة التركية الروسية الجديدة في ليبيا"، مؤكدا أنه في المستقبل القريب، لا يمكن وقف إطلاق النار - ناهيك عن حل سياسي - بدون الضوء الأخضر المزدوج من أنقرة والكرملين، اللتين ستتبادلان التنافس والتعاون في ليبيا كما فعلا في سوريا. 

ومع ذلك، في الوضع الحالي، فإن محور طرابلس وأنقرة ليس لديه القليل من الاهتمام في ضبط النفس تجاه هجومه المضاد المنتصر، رغم أن هدفه المعلن هو تحييد حفتر في معاقله على حافة برقة، بدءا من سرت والهلال النفطي وربما حتى قاعدة الجفرة الجوية.

وتوقع الكاتب أن يتم ترحيل الحرب، التي كانت محصورة حتى الآن في طرابلس، إلى الشرق ولكن بالتأكيد أيضا إلى فزان (الجنوب). وبدون دعم موسكو، ولا سيما مقاتلاتها من طراز ميج وسوخوي التي تم نشرها بالفعل في الجفرة، لن يستمر جيش حفتر طويلا. 

وأكد أن الروس سيفعلون كل شيء للحفاظ على رسوهم الإستراتيجي الجديد في برقة، وهو انتقام رمزي بعد الإذلال الذي عانوا منه مع إطاحة الناتو (حلف شمال الأطلسي) بالقذافي عام 2011، لافتا إلى أنه إذا كان يجب عليهم التضحية بشخص حفتر لصالح شخصية بديلة داخل معسكره، فلن يترددوا في ذلك، فالشيء الرئيسي بالنسبة لهم هو استعادة موطئ قدم في ليبيا.

ومن هنا شكك بوبان في احتمالات التوصل إلى سلام على المدى القصير، منوها بأن السيناريو الأكثر ترجيحا أن تصبح ليبيا "صراعا مجمّدا".

ونقل عن الباحث ولفرام لاتشر قوله في مذكرة نشرت على الموقع الإلكتروني للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن ومقره برلين: "يمكن أن تنتهي حكومة موحدة بمحاولة إخراج أي وجود عسكري أجنبي. لذا فإن مصلحة الروس والأتراك هي تجميد الصراع بدلا من تسويته".

ولفت الكاتب الفرنسي كذلك إلى حقيقة جديدة، وهي صحوة الأميركيين في الأسابيع الأخيرة من خمولهم، أمام مشاهد الدور المتنامي الذي تلعبه موسكو على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، وخاصة احتمال وجود قاعدة روسية دائمة إلى جانب سرت أو الجفرة، على مفترق طرق برقة وطرابلس.

وتساءل بوبان: هل ستكون صحوة واشنطن هذه كافية لإصلاح الأضرار الجيوسياسية التي سببها هجوم حفتر؟، مجيبا لا شيء يبدوا مؤكدا، لأن الأمر يتعلق بفهم معين فيما يتعلق بلعبة أنقرة، والتي يتم تقديمها على أنها رد فعل بحت، على الرغم من أن العديد من الأوروبيين، وفي مقدمتهم اليونانيين والفرنسيين، يركزون بشكل أساسي على الخطر الذي يمثله الوجود التركي في طرابلس من وجهة نظرهم.