شيرين غيث.. مخرجة مصرية هاجمت ابن سلمان وانتصرت للإنسان

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"كم من عزيز فقدته، ونحن لم نلتق ولم نتحدث لمدة، سواء لتجنب الخلاف، أو لأنه يراني خائنة مندسة عميلة وإخوان". صاحبة هذه الكلمات مخرجة مصرية رحلت عن عالمنا يوم 8 يونيو/ حزيران 2020.

شيرين غيث، عبرت عن حزنها لألم الفقد، والفرقة التي دبت بين صفوف الشعب، وقطعت أواصر المحبة واللحمة الوطنية، ولم تكن تعلم غيث أنها سترحل دون أن تتجاوز مصر محنتها بعد. دونت شيرين كلمات عبرت بها عن منهج حياتها حتى الموت، قائلة على صفحتها على فيسبوك: "يهمني الإنسان ولو مالوش عنوان".

كلمات شيرين هذه ظهرت بوضوح في تضامنها ودعمها الكامل للمظلومين في كل مكان، بداية من المعتقلين في مصر، إلى مسلمي الإيغور، والقضية الفلسطينية، التي انحازت لها بوضوح في زمن التطبيع.

ملامح الشخصية 

تخرجت شيرين غيث من المعهد العالي للسينما عام 1996، وعملت كمخرجة سينمائية ومنتجة مستقلة، كما عملت كمحاضر مساعد في المعهد العالي للسينما بالقاهرة.

أكملت دبلوم الدراسات العليا، وأنهت درجة الماجستير في 2011 بتقدير امتياز، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في "علم الموسيقى التصويرية للأفلام الوثائقية".

بدأت حياتها المهنية عندما تم إطلاق قنوات النيل المتخصصة، حيث تم تعيين شيرين كمخرج سينمائي في قناة النيل للدراما عام 1996، ومع إنشاء قناة النيل نيوز في عام 1998، تم اختيار شيرين كمخرج فيلم وثائقي، وهو المنصب الذي شغلته لمدة 10 سنوات.

في عام 2007، تم توظيف شيرين غيث كمحاضر مساعد في المعهد العالي للسينما المصرية، وهي وظيفة ظلت تشغلها إلى آخر حياتها.

بجانب حياتها الأكاديمية، عملت شيرين كمخرجة أفلام مستقلة، ثم بدأت العمل كمنتج ومخرج للأفلام الوثائقية في قناة الجزيرة.

فازت شيرين بالعديد من الجوائز عبر فيلمها التسجيلي "همس النخيل"، الذي أنتجه قطاع النيل للقنوات المتخصصة، عام 2006، والحائز على 8 جوائز من مهرجانات دولية وقومية.

في عام 2009، حصل فيلمها الثاني "عروستي خلج" أو "My Rag Doll"، على جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير من المهرجان الدولى للسينما العربية الأوروبية "آمال"، والذى أقيم فى سانتياغو.

شيرين قالت حينها، إنها "تتمنى أن تكون الجائزة مناسبة للتحرك من أجل الاهتمام بالأطفال المهمشين فى العالم العربى.

تناول "عروستى خلج" قصة طفلة من الأقصر بجنوب مصر، تصنع العرائس والدمى من القطن والقماش لتبيعها إلى السياح، وككل البنات فى سنها، تريد أن تكون لها عروس تزينها بطريقتها وتحافظ عليها وكأنها صورة لشخصيتها أو قطعة منها.

تناول طرح المخرجة المصرية، التي انتصرت في عملها لحقوق الأطفال، صراع مستمر للطفلة بطلة الفيلم، بين موقفين جارفين يتجاذبان وجدانها الصغير الحالم.

الموقف الأول هو حبها لعروسها، وتمنياتها بأن لا تباع كى تظل بين أحضانها، والموقف الثاني هو موقف الخبز اليومى الذى يعصف بأحلام الطفولة ويفصل الدمية عن صاحبتها.

لم يتوقف نشاط شيرين الداعم لحقوق الأطفال والفئات المطحونة على أعمالها الفنية فقط، بل امتد إلى حياتها العامة والإنسانية.

مناصرة ودعم 

في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وعبر صفحتها بفيسبوك، أعلنت شيرين تضامنها مع قضية مسلمي الإيجور المضطهدين في الصين، وهاجمت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عندما صرح بأنه من حق الصين أن تضع "الإيغور في معسكرات الاعتقال"، وقتها كتبت أيضا "الصين بلد إرهابي.. يقتل مسلمي الإيغور".

كذلك ناصرت شيرين القضية الفلسطينية، وكان لها موقف رافض من إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ووضعت الصورة الرئيسية لحسابها على موقع "فيسبوك" أن القدس عاصمة فلسطين. 

ورفعت في تدوينة لها العلم الفلسطيني، مطالبة بإنهاء الاحتلال، وكتبت "الحرية لفلسطين".

كما ناصرت بشدة قضية زميلها الصحفي المصري محمود حسين، المعتقل داخل سجون نظام السيسي بسبب عمله في قناة الجزيرة، ودونت في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2019، قائلة: "أنا حلمت إن محمود حسين، طلع وإن أول ما الناس استقبلته أنا قعدت أزغرت رغم إن ما بعرفش أزغرت أصلا.. طيب والله لأزغرت يا محمود يوم إطلاق سراحك بجد". 

وتضامنت مع محمود حسين يوم وفاة والده، وطالبت النظام بإخراجه لحضور الجنازة ودفن أبيه، قائلة: "قلبي عندك يا محمود.. خرجوا محمود حسين يدفن أبوه".

سياقات الموت 

كانت شيرين غيث متأثرة بشدة في أيامها الأخيرة، بوفاة أشخاص من المقربين إليها، حيث دونت في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2019، عن وفاة أستاذها الدكتور سمير سيف.

شيرين قالت: "عارفة إن محدش بيحب الفراق، بس أنا بقيت ضعيفة جدا إتجاه تقبله والتعامل معاه كأمر واقع ولا مفر منه خاصة الفراق الناتج عن الوفاة.. بقيت عايشة مرعوبة الدور على مين، خايفة أبعد أي بعد عن اللي بحبهم لتكون دي آخر فرصة نكون فيها مع بعض.. بس بردة الموت يفاجئنا كل مرة بأنه يخطف منا عزيز ما كناش نتخيل فراقه بالسرعة دي.. وفاة أستاذي دكتور سمير سيف حركت مشاعر الخوف اللي هي أصلا مسيطرة عليا".

بعد أيام قلائل، وفي 16 ديسمبر/ كانون الأول 2019، فجعت شيرين بوفاة زميلها ياسر زايد، وكتبت: "ياسر من أنبل الناس اللي تعاملت معاهم في حياتي.. ولم يبعدنا عن بعض سوى الفتنة التي صنعوها بيننا كمصريين.. كم من عزيز فقدته ونحن لم نلتقي ولم نتحدث لمدة سواء لتجنب الخلاف، أو لأنه يراني خائنة مندسة عميلة وإخوان.. حسبي الله ونعم الوكيل في اللي حرمني منكم وأن أكون جنبكم لآخر لاحظة.. الله يرحمك يا ياسر وحافضل أدعي لك طول عمري".

 

ألم الرحيل

في 8 يونيو/ حزيران 2020، كانت محطة شيرين قد وصلت في قطار الموت، وحطت المخرجة الرائعة رحالها، وتوفيت بعد معاناة مع المرض، وأحدث خبر وفاتها صدمة لأصدقائها وزملائها، الذين سارعوا إلى نعيها، وذكر مواقفها الوطنية المشرفة، وتضامنها الدائم مع الحقوق والحريات، والانتصار للمظلومين.

ورحلت شيرين بعد رحلة صراع طويلة مع المرض حيث كانت تعاني من مشاكل صحية مزمنة في الصدر ما أدى إلى ابتعادها عن مقابلة أصدقائها أو الخروج.

نعاها الكثير من زملائها في المهنة، فكتب أحمد محفوظ مدير عام قناة الجزيرة الوثائقية، على حسابه بفيسبوك، رثاء لشيرين قائلا: "برضا بقضاء الله وقدره أنعي زميلتي ودفعتي المخرجة والصديقة العزيزة شيرين غيث بعد رحلة مع المرض. أسأل الله أن يغفر لها ويرحمها ويتقبلها في الصالحين ويجعل مرضها في ميزان حسناتها". 

كذلك قدم زميلها الصحفي المصري داود حسن، عن حياتها ومآثرها من خلال نعي كتبه على صفحته بفيسبوك، قال فيه: "رحم الله الزميلة شيرين غيث المخرجة والأستاذة بمعهد السينما بالقاهرة، وتقبلها في الصالحين، دافعت عن مواقفها وقناعاتها السياسية، وتحملت المرض، اللهم بحق ما عانته من آلام، اغفر لها وارحمها. خالص العزاء لأسرتها وزملاء المهنة".