بعد تغريدة لدبلوماسية فرنسية.. لهذا اتهم مغاربة سفيرهم بإفشاء الأسرار

مهدي القاسمي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 5 يونيو/ حزيران 2020، نشرت سفيرة فرنسا بالمغرب هلين لو جال، تغريدة على "تويتر" شكرت فيها سفير المغرب لدى فرنسا، شكيب بنموسى، الذي أطلعها على تقرير مرحلي عن عمل لجنته الخاصة بإعداد نموذج تنموي في المغرب.

تغريدة السفيرة الفرنسية، أثارت جدلا واسعا، لما اعتبره بعض السياسيين "مسا فادحا بالسيادة الوطنية" و"تكريسا لتبعية المغرب لفرنسا".

بنموسى، عينه الملك محمد السادس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 على رأس اللجنة الخاصة بإعداد نموذج تنموي بعد التشاور مع الأحزاب السياسية ومختلف مكونات المجتمع المغربي، والتي تهدف إلى تقديم "نموذج تطوير جديد" لإصلاح التعليم والصحة والزراعة والاستثمار والضرائب.

وقبل يوم واحد فقط من تغريدة السفيرة، كان الديوان الملكي قد أصدر بيانا يفيد بأن العاهل المغربي الملك محمد السادس وافق على تمديد المهلة الممنوحة لأعضاء اللجنة لرفع تقريرها له.

قبل قرار الديوان الملكي بالتمديد، كان يتعين على اللجنة رفع تقريرها الأولي بداية يونيو/حزيران 2020، على أن يرفع التقرير النهائي في أجل أقصاه بداية  يناير/ كانون الثاني 2021.

استفزاز مقصود

أثارت تغريدة "لو جال"، غضب الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين اعتبروا أن إطلاع السفيرة على ما وصلت إليه اللجنة قبل أن يصادق الملك على تقريرها النهائي وقبل أن يطلع عليه المغاربة، هي "فضيحة مدوية" ما كان المغاربة ليطلعوا عليها لولا أن السفيرة كشفت عما دار بينها وبين شكيب بنموسى.

هيلين لو جال - خريجة معهد الدراسات السياسية بباريس - خلفها خبرة دبلوماسية كبيرة اكتسبتها من العمل في عدة سفارات وقنصليات بلدها في العديد من قارات العالم.

لو جال (53 سنة) هي أول سفيرة فرنسية امرأة تعين بإسرائيل وشاركت في العديد من المبادرات ذات العلاقة بالصراع العربي الإسرائيلي.

حضَرت الدبلوماسية الفرنسية لحادث تصفية الرئيس الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين بطلق ناري سنة 1995 من طرف المتطرف الإسرائيلي إيجال عامير.

هيلين، التي تتحرك حاليا برتبة وزيرة مفوضة، مرت أيضا من دول إفريقية كثيرة واشتغلت على العديد من الملفات والنزاعات ذات الصلة بالقارة السمراء مثل قضية "دارفور" وكل نزاعات دول القرن الإفريقي.

بحكم هذا الاهتمام الكبير لهيلين لو جال بشؤون إفريقيا، أطلق عليها الفرنسيون "مدام إفريقيا"، بل إن الرئيس السابق لفرنسا فرانسوا هولاند عينها مستشارة له في كل ما له علاقة بقارة إفريقيا.

الصحفي المغربي، مصطفى الفن، قال في مقالته: إن هذه الخبرة الدبلوماسية الطويلة التي تجرها لو جال خلفها، "تفرض عليها أن تكون لبقة ودبلوماسية لا أن تكون رعناء ومستفزة في الحديث عن بلد له سيادة، لا ينبغي أن تنتهك".

وتابع قائلا: "إلا إذا كانت السيدة هيلين لازالت تعتبر المغرب مستعمرة من مستعمرات أجدادها السابقين وأن شكيب بنموسى المعين من طرف ملك البلاد على رأس لجنة النموذج التنموي ليس سوى مواطن فرنسي يحمل نفس الجواز الذي تحمله هي أيضا".

واعتبر الصحفي أن "الغطرسة التي تحدثت بها السفيرة الفرنسية بالرباط عن المغرب هي ليست حدثا جديدا يقع لأول مرة. بل كل ما في الأمر أن هذا الذي حدث اليوم هو امتداد لخط ثابت في السلوك الدبلوماسي لفرنسا في التعامل مع مستعمراتها القديمة".

قدم السفير المغربي بفرنسا شكيب بنموسى تقريرا مرحليا حول عمل لجنة النموذج التنموي ليس الى الملك محمد السادس الذي عينه على...

Posted by Mustafa Elfanne on Friday, June 5, 2020

دعوات للاستقالة

المفكر والمؤرخ المغربي، حسن أوريد، قال في تعليقه على ضجة تقديم شكيب بنموسى لـ"تقرير مرحلي" عن النموذج التنموي للسفيرة الفرنسية بالمغرب: "لا أعرف لماذا قامت السفيرة بتسريب ذلك، هل اعتبرته فرنسيا؟. من حق المغاربة أن يغضبوا". 

أوريد قال: "لا أفهم أن يتم تعيين شخص ويحتفظ بمنصبه سفيرا. لا يمكن لشخص يمثل بلادا، ولديه جنسية البلاد التي هو مبعوث دبلوماسي فيها".

وشدد على أن الخطب الرسمية أشارت أكثر من مرة إلى أن المغرب ليس محمية لفرنسا، بل هو دولة لها سيادة وأدت ثمنا غاليا من أجل استقلالها.

شبيبة حزب "الاستقلال" خرجت ببيان صريح واضح دعت فيه بنموسى إلى تقديم استقالته من رئاسة اللجنة. واعتبرت تصرفه "خطأ جسيما يمس بسيادة الدولة المغربية".

وأفادت بأن استقالة بنموسى فيها "حفظ لكرامة وعمل أعضاء اللجنة الملكية، نظرا للإحراج الكبير الذي سببه للمغرب".

وأوضحت الشبيبة الاستقلالية أن النموذج التنموي الجديد هو "شأن خاص، وحكر على المغاربة"، فقط مؤكدة في الوقت نفسه على أي تدخل أو توجيه أو لقاء من هذا القبيل هو "بمثابة استفزاز سيجعل كل القوى الحية تثور ضد مخرجات اللجنة وتقاريرها".

وإذا كانت الشبيبة الحزبية طالبت بنموسى بالاستقالة فإن هاشتاج على "تويتر" تداوله المغرد على نطاق واسع نادى بإقالته من منصبه.

وزير السياحة السابق، لحسن حداد، عبر في تغريدة على "تويتر" عن استغرابه من طلب الدعم من فرنسا في قضية لا تخص سوى المغاربة. وزاد قائلا: "فرنسا هي بلد صديق، بلا شك، لكن التشاور معها في شأن داخلي أمر غير مفهوم".

موقف السلطة

شبيبة حزب الاستقلال المعارض، ومجموعة من السياسيين، لم يكونوا الوحيدين الذين عبروا عن امتعاضهم من فعل بنموسى، بل إن تقريرا لموقع "مغرب انتلجنس" - المقرب من السلطة - جاء ليعبر عن وجه النظر نفسها لدى دوائر الحكم.

التقرير الذي جاء بعنوان "هل بايع بنموسى إيمانويل ماكرون؟" اعتبر أن "ما قام به بنموسى خطأ فادح لا يغتفر".

وشدد على أن رئيس اللجنة الرفيعة المستوى هو مسؤول من حيث المبدأ أمام السلطة التي عينته على رأس هذه اللجنة - أي الملك - وبالتالي أمام الأمة المغربية.

وذهب الموقع إلى حد التساؤل عما إذا كان "خطأ بنموسى هو خطأ شاب مبتدئ، في الوقت الذي كان عليه أن يكون ذا دراية بتقاليد الإمبراطورية السابقة الشريفة خاصة أن الرجل كان وزيرا للداخلية المغربية".

وتوقف التقرير عند قضية اعتبرها هي أيضا خطيرة، حيث تساءل مستغربا "كيف أن السفيرة الفرنسية أعلنت هذا النبأ المتعلق باستقبال شكيب بنموسى دون أن يصدر أي رد فعل عن لجنة النموذج التنموي ومسؤوليها في التواصل من أصحاب الأجور العالية".

من جهتهم استغرب متابعون الصمت الذي التزمه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في قضية ذات حساسية ولها صلة بسيادة المغرب، خصوصا وأن شكيب بنموسى لم يتحدث إلى السفيرة الفرنسية بالرباط بصفته رئيسا للجنة ملكية مهمتها إعداد نموذج تنموي خاص بالمغرب والمغاربة، بل تحدث إليها بصفته سفيرا مغربيا بباريس.

دفاع بنموسى

تداولت منابر صحفية خبر حيازة بنموسى للجنسية الفرنسية، وهو ما جعله يتحدث في تصريح صحفي بالأدب اللازم عن هيلين لو جال ووصفها بـ"السيدة" في حين لم تفعل هي في تغريدتها، ولم يستطع  السفير أن ينفي تصريحات نظيرته.

فيما أوردت مصادر أخرى أن بنموسى وجه طلبا لسفيرة فرنسا بالرباط هيلين لو جال، لحذف تغريدتها، إلا أنها رفضت. ونفت مصادر صحفية أخرى، نقلا عن مقربين من بنموسى، خبر حيازته للجنسية الفرنسية.

وخرج رئيس لجنة النموذج التنموي في تصريح صحفي أفاد من خلاله بأن اللقاء الذي جرى مع السفيرة الفرنسية جرت قبله جلسات عديدة مع ممثلي دول أخرى أثناء فترة الحجر الصحي، موضحا أنه "يندرج ضمن المجاملة وفي إطار العمل الدبلوماسي العادي".

وقال لموقع "هسبريس" المغربي: إن الموضوع الرئيسي للقاء تناول العلاقات بين فرنسا والمغرب، وإفريقيا وأوروبا، بعد زوال الجائحة، موردا أن المملكة منفتحة على جوارها، ومن الطبيعي أن تعقد هذه اللقاءات.

وأشار رئيس اللجنة الملكية لإعداد النموذج التنموي الجديد إلى أن تصريحات عدة يتابعها المغاربة تصدر عن الجانب الأوروبي والفرنسي تتعلق باقتصاد ما بعد كورونا، وأضاف: "نحن معنيون بها، وبالتالي نتداول فيها لأخذها بعين الاعتبار في التصور المقبل".

ونفى بنموسى أن يكون قد قدم عرضا للسفيرة الفرنسية حول النموذج التنموي، مؤكدا أن "اللقاءات تستعرض طريقة العمل بالدرجة الأولى. أما النتائج فهي غير موجودة، وقد جرى طلب التمديد بناء على الواقع الجديد الذي يعيشه العالم".

وسجل المتحدث أن السياق الحالي يفرض الكثير من المتغيرات لخلقه لظروف وأولويات جديدة، مشددا على أن "النموذج يتجه نحو المدى المتوسط والبعيد، ولا بد أن يستحضر ما يجري على مستوى العالم من خلال الدراسة والتحليل".

وبخصوص الانتقادات، قال بنموسى: "نحن نشتغل للصالح العام والمغاربة"، مسجلا أن "لكل طرف الحرية في التعبير، لكن على الأقل أن ينتظر إلى غاية صدور النموذج، ومن المتوقع أن يثير جدلا"، معتبرا ذلك شيئا عاديا.

وزاد رئيس لجنة النموذج التنموي بخصوص التمديد للجنة لستة أشهر أخرى، قائلا: "هناك ظروف جديدة خلقت، وبالتالي لا بد من التعامل معها"، مثمنا "اللقاءات التي عقدتها اللجنة فيما سبق، وبالتالي يلزم العودة إليها لاستقاء وجهات النظر المتعددة".