أزمة مركبة.. لهذا يقلق المغرب من انقلاب قيس سعيد في تونس

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة لوبوان الفرنسية أن "الانقلاب الدستوري" الذي نفذه الرئيس التونسي قيس سعيد يزعج المغاربة أكثر مما يمكن  للمرء تخيله.

التجربة التونسية غير عادية من حيث إنها ترمز إلى حقيقة أن القفزة الديمقراطية التي مرت بها، والتي نجت من (ما بعد) الربيع العربي، تجلب الأمل للعديد من السكان الرافضين للأنظمة الاستبدادية في منطقتهم، من المغرب العربي إلى المشرق، وذلك أمر لا مفر منه.

هذا هو السبب في أن الشوارع العربية شأن الجزائر ومصر والسودان وأيضا المغرب، من بين دول أخرى، تراقب بعناية ما يجري حاليا في تونس عقب "الانقلاب الدستوري" الذي خطه قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021.

في ذلك اليوم، منح الرئيس التونسي نفسه كل صلاحيات السلطة التنفيذية وجمد عمل البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب وحل الحكومة التي كان يرأسها هشام المشيشي.

واستنادا إلى المادة 80 من الدستور، اعتبر رئيس الجمهورية وهو أستاذ قانون دستوري متقاعد، أن "الخطر داهمنا" بدرجة كافية كما ورد في المادة المذكورة لاتخاذ قراره الهادف إلى "إنقاذ تونس والدولة والشعب التونسي".

وتوضح الصحيفة: "يجب القول: إن الوضع خطير والأزمة في تونس مركبة على كافة الأصعدة، الصحي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإن البلاد في حالة توتر، على غرار ضغط محيطها الجغرافي الذي عادة ما يكون فيه الخطر الإرهابي قريبا".

هذا هو الوضع المتداخل الذي لم يرغب قيس سعيد في تفجيره تحت ضغط الركود المؤسسي الذي استمر منذ انتخابه في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

ولعل أبرز مثال على الوضع القائم هو الفشل في تركيز المحكمة الدستورية وهي هيئة أساسية في الديمقراطية البرلمانية. وهذا الوضع بالمناسبة يوفر أرضية للأفراد الذين تتقاطع اهتماماتهم مع مواطني البلدان المجاورة، بما في ذلك المغاربة.

قلق مغربي

ومن بين هؤلاء، المغربي سامي (28 عاما) المقيم في تونس العاصمة، والذي يقول: "أشعر أنني تونسي وما يحدث في هذا البلد يمسني في الصميم، أصبحت الحياة عاما بعد عام منذ الثورة أكثر تكلفة، وقد احتل الفساد مساحة أكبر".

بالنسبة له فإن "قرار الرئيس سعيد كان حتميا وضروريا لإيقاف كل هذه الأعمال المشينة بما ذلك الفساد المستشري".

وبين أن هذا الوضع "يندد به العديد من التونسيين بعيدا عن العائلات الريفية التي لن يتغير حالها بغض النظر عن الوضع الذي تجد البلاد نفسها فيه".

بالتأكيد على ذلك، فإنه في أحدث تقرير لمنظمة الشفافية الدولية الصادر في يناير/كانون الثاني 2021 وحسب ترتيب البلدان لعام 2020 وفقا لمؤشر إدراك الفساد، فقد حصلت تونس على خمس مراتب.

وتظل الحقيقة أنه وبسبب المركز 69 من أصل 180 في السياق التونسي متعدد الأزمات، فإن أدنى انحراف عن المسار الديمقراطي سيضخم التفاوتات التي ابتليت بها البلاد بجميع أنواعها.

في الواقع، يأمل سامي "أن يتم تقديم أولئك الذين تسببوا في الكثير من الأذى لهذا البلد إلى العدالة" على الرغم من أنه يخشى أن "هذا التغيير سيؤثر على المكاسب في حرية التعبير".

وهذا يدفعه إلى التمني بأن تكون "هذه الإجراءات (التي اتخذها الرئيس قيس سعيد) مؤقتة مع أجندة واضحة ودقيقة للأشهر القادمة".

كريم، شاب مغربي آخر من الرباط، يلقي نظرة مستبشرة على مبادرة الرئيس سعيد. ويعتقد أن هذا التغيير يمكن أن يعيد الثقة والنظام فيما يتعلق بإدارة شؤون البلاد. 

وهو رأي تشترك فيه لبنى، الناشطة المغربية الشابة التي تعتقد أن "هذا التغيير كان ضروريا".

وقالت مرددة الآمال: "أصدقائي التونسيون يبدون ارتياحا معينا ويحيون شجاعة الرئيس، لكنني آمل أن تكون هناك خريطة طريق لهذه المرحلة". وأضافت: "أتمنى أن يتعافى الوضع السياسي للبلاد بأسرع ما يمكن".

وهذه وجهة نظر متداولة في الأوساط الرسمية بالمغرب، حيث تتابع السلطات من مصادر دبلوماسية مقربة باهتمام كبير تطورات الوضع في تونس.

هل يجب أن نتفاجأ؟ ليس كثيرا، خاصة عندما نعرف مبادرة المملكة في تعزيز التعاون بين البلدان المغاربية.

 ولا سيما من خلال اتحاد المغرب العربي، الذي تثقله للأسف التوترات المتعددة بين المغرب والجزائر، تقول الصحيفة.

بلد مركزي

لذلك تقول لوبوان: "علينا أن نستمع إلى كلمات الملك محمد السادس في خطابه مساء 31 يوليو/ تموز بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لتوليه العرش؛ على رأس المملكة".

وأوضح محمد السادس أنه "بالتوازي مع المبادرات التنموية التي يتم تنفيذها على المستوى الداخلي وبتصميم متساو، يلتزم المغرب بمواصلة جهوده المخلصة لترسيخ الأمن والاستقرار في بيئته الإفريقية والأورومتوسطية، ولا سيما في جواره المغاربي". 

وأعلن العاهل المغربي تجديد "دعوته الصادقة لإخوانه في الجزائر للعمل معا وبدون شروط لإقامة علاقات ثنائية مبنية على الثقة والحوار وحسن الجوار".

 وتابع الملك مخاطبا الجزائريين: "لن تخافوا أبدا من خبث المغرب، أمن واستقرار الجزائر وطمأنينة شعبها مرتبطان عضويا بأمن واستقرار المملكة".

بعبارة أخرى، مع إعطاء مثل هذه الأولوية لمسألة السلام والتفاهم الجيد بين جيران المغرب العربي، فإن مسألة الوضع في تونس، البلد الرمزي للربيع العربي، لا يمكن أن تكون غائبة عن الأجندة السياسية.

وتجدر الإشارة إلى أن مقر الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي (AMU) هو تونس العاصمة.

دليل آخر على اهتمام المغرب بما يحدث في تونس هو زيارة وزير خارجية المملكة ناصر بوريطة إلى الرئيس قيس سعيد في قصر قرطاج يوم 27 يوليو/تموز 2021.

وبحسب وكالة المغرب العربي للأنباء، فقد كان مجرد "حامل لرسالة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس بشأن علاقات الأخوة والتضامن بين البلدين الشقيقين المغاربيين".

 وهي صياغة عامة للغاية لا تكشف مع ذلك أن الجانب المغربي الرسمي يتابع عن كثب ما يحدث في تونس اليوم.

وتقول لوبوان: "كان على سعيد الذي انتخب رئيسا في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بنسبة 72.7 بالمئة من الأصوات، وهو الذي أشاد الجمهور التونسي به بعد ساعات قليلة من إعلان قراره بتفعيل المادة 80، أن يقدر تماما مثل هذا الاعتبار الذي جاء من جانب المملكة".

في النهاية، يطرح سؤال: ما الذي ستقدمه هذه الحلقة الخاصة من الحياة السياسية والمؤسسية للبلد الوحيد الذي دخل غمار الديمقراطية في نهاية الربيع العربي؟

لا يمكن لأحد أن يعطي إجابة مقنعة حقا اليوم، فهناك العديد من العوامل المتضمنة لكن هناك شيء وحيد مؤكد، وهو أنه "سواء كانوا يقيمون في المغرب أو خارج حدود المملكة، فإن رعايا الملك محمد السادس ينتظرون النتيجة باهتمام كبير"، تقول الصحيفة.