هل تنجح قرارات البشير الأخيرة في نزع فتيل الاحتجاجات الشعبية؟

محمد العربي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد أسابيع من الاحتجاجات المتواصلة في الخرطوم وباقي المدن والولايات السودانية، عادت الأوضاع للهدوء مرة أخرى، وبشكل لم يكن متوقعا، في ظل ما كان موجودا من ارتفاع سقف المطالبات السياسية والجماهيرية، برحيل الرئيس السوداني عمر حسن البشير، والبدء في مرحلة جديدة بالسودان تنهي حكم الإنقاذ الذي استمر لما يقرب من الثلاثين عاما.

البشير الذي اتخذ عدة إجراءات مؤخرا، عول على اصطفاف الجيش في صالحه، ليبدو المشهد وكأنه اتفاق جرى بين الرئيس وقيادات الجيش، مدعوما بترحيب ودعم دولي وإقليمي؛ ما جعل خيارات الجماهير والأحزاب السياسية شبه محدودة، حتى لو كانت مطالبهم الاحتجاجية لم تبرح مكانها.

فهل نجح البشير إذن في نزع فتيل الأزمة الأخيرة، وتمكن من تفكيك مفعول القنبلة الشعبية التي كان يمكن أن تطيح به؟ أم أن التوتر الجماهيري مازال كامنا وسوف يعود لسخونته مرة أخرى، بعد انتهاء مفعول المسكنات التي تم تقديمها للجماهير، باعتبار أن أساس الداء مازال موجودا، وهو استمرار الأزمة الاقتصادية والسياسية بالبلاد؟

أبرز الخطوات

اتخذ الرئيس السوداني خلال الأيام الماضية إجراءات عدة، أعادت الهدوء للشارع السوداني مرة أخرى، ولكنه هدوء مصحوب بالتساؤلات، خاصة وأن الإجراءات تنوعت بين السياسية والعسكرية والأمنية والتحركات الخارجية، ولكنها لم تصل لعلاج المشكلات الداخلية والحياتية، فما الذي قام به البشير لإنهاء التوتر؟

البداية كانت بعدة تغييرات على الحكومة السودانية، انتهت بإقالة رئيسها معتز موسي الذي تم تعيينه في سبتمبر/ أيلول الماضي، ليحل مكانه أحد أبرز الشخصيات المقربة من البشير وهو محمد طاهر إيلا، والذي قام بدوره بتغيير حكومي شامل، كان سببا في هدوء الأوضاع الميدانية بشكل نسبي.

وحسب المتابعين، فإن إيلا الذي طرح نفسه قبل ذلك، بديلا للبشير في الرئاسة، عندما أعلن الأخير في 2017، أنه لن يترشح في انتخابات 2020، فهو يحظى بدعم ومباركة من المؤسسة العسكرية، إضافة للقبول الذي يحظى به على الصعيد الشعبي، حيث ظل وزيرا في الحكومة الاتحادية لمدة 10 سنوات كاملة، متنقلا بين وزارات عدة خدمية ومالية.

وقد استبق البشير خطوة تشكيل الحكومة الأخيرة، بإجراء ربما كان مفصليا في تهدئة الأجواء الساخنة، عندما قرر تعيين وزير الدفاع عوض محمد بن عوف نائبا أول لرئيس الجمهورية، وهو القرار الذي وصفه البعض بأنه قضى على آمال المعارضة باستبدال منظومة الحكم العسكرية، بأخرى مدنية، وقد سبق ذلك كله إعلان حالة الطوارئ في البلاد، بما يمكنه من مواجهة المعارضة المسلحة من خلال الاعتماد على قوة وإمكانيات الجيش.

الوصفة السحرية

ووفق رؤية البعض فإن المجتمع الدولي والإقليمي، وخاصة الولايات المتحدة قدمت للبشير والأطراف السودانية، ما يمكن تسميته بالوصفة السحرية، لإنهاء حالة الجمود والتصادم السياسي، الذي شهدته السودان طوال الأشهر الماضية، وتشير هذه التقديرات إلى أن أمريكا أرسلت للخرطوم موفدها "سيريل سارتر" مساعد جون بولتون، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي، ومعه هذه الوصفة السحرية، بعد أن أصبحت الخيارات صفرية لكل الأطراف.

وتتمثل وصفة "سارتر" بتخلي البشير عن الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، مع تشكيل حكومة انتقالية، مقابل خروج آمن من السلطة وتجميد قرار المحكمة الجنائية الدولية الصادر في حقه بسبب الجرائم التي تم ارتكابها في دارفور، ورغم أن الأطراف السودانية لم تعلق على المبادرة في وقتها، إلا أن الخطوات التي جرت على أرض الواقع، تؤكد قبول جميع أطراف الأزمة بالحل الأمريكي.

فالرئيس البشير من جانبه تخلى عن خطواته لتعديل الدستور، بما يضمن عدم ترشحه للانتخابات المقبلة، مع ترتيب الأوضاع، لتسلم القوات المسلحة زمام الحكم، بتعيين وزير دفاعه المقرب، عوض محمد بن عوف، نائبا أول لرئيس الجمهورية، في إعلان صريح بأنه سيكون خليفته القادم في قصر الخرطوم.

ويمثل إصرار البشير بأن يكون تكليف رئيس الحكومة محمد طاهر إيلا، بالتزامن مع قرار تعيين بن عوف نائبا للرئيس، على دلالة واضحة بأن الاتفاق جرى مع القوات المسلحة السودانية، من جانب، وبقايا المتحكمين في ثورة الإنقاذ من جانب آخر، والحركة الإسلامية من جانب ثالث، والأطراف الإقليمية والدولية من جانب رابع، بأن يتم نقل السلطة للقوات المسلحة، مع تولي المدنيين لشؤون الحكومة، وفقا للتوافق الذي سارت عليه السودان منذ عام 1989.

وتعد الوصفة السابقة هي نفسها الخطة الأمريكية التي تزامنت مع أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني، بنقل الرئيس المصري حسني مبارك سلطاته للمجلس العسكري، على ألا يخرج منصب الرئيس عن المؤسسة العسكرية، وهي الخطة التي عرقلها نجاح الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي في الانتخابات التي جرت في يونيو/ حزيران 2012، ولكن الخطة عادت لمسارها المرسوم مرة أخرى بعد عام واحد من فوز مرسي، بالانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المدني، وجاء بالمؤسسة العسكرية على رأس السلطة بمصر مرة أخرى، ممثلة في رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

حلحلة الأزمة

وتشير تحركات البشير التي أعقبت خطوتي تعيين وزير الدفاع نائبا أول له، وتشكيل الحكومة الجديدة، إلى أنه عاد ليمارس هوايته القديمة التي يتقنها بشدة، وهي فن تطفئة الحرائق، وما يدعم ذلك ما أعلنه حسن إسماعيل وزير الإعلام والاتصالات السوداني في الحكومة الجديدة، أن البشير، سيدعو لحوار مفتوح مع القوى السياسية الممانعة والحركات المسلحة الرافضة للحوار من أجل إنهاء الأزمة سياسيا، خلال الأسابيع المقبلة.

وحسب تصريحات الوزير السوداني، فإن "البشير سيدعو الجمعية العمومية للحوار الوطني للانعقاد خلال الأسابيع المقبلة من أجل تقييم مقررات الحوار الوطني، وفتح الباب من جديد للقوى الممانعة والرافضة للحوار".

ورغم أن مبادرة الحوار الوطني قديمة، وسبق للبشير أن أطلقها بعد أزمة مماثلة في 2014، إلا أن جديدها هذه المرة هو ما أكده وزير الإعلام بأنه تم بالفعل التواصل مع الحركات المسلحة الرافضة للحوار في دارفور، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان، والتنظيمات الممانعة، من أجل الوصول إلى تفاهمات تحقق الاستقرار والسلام، دون أن يقدم الوزير أية تفاصيل حول شكل هذا التواصل.

هل ينجح البشير؟

الإجابة على السؤال السابق، وهو مدى نجاح الوصفة الأمريكية، التي بدأت تظهر ملامح تأثيرها على أرض الواقع، تحددها العديد من الحسابات الداخلية المتعلقة بمنظومة الحكم، والأخرى المرتبطة بالأحزاب والقوى المعارضة، وكذلك القبول الدولي والإقليمي.

وفيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، فإن البشير استطاع الاستفادة من الأوضاع التي شهدتها الجزائر مؤخرا، في وقف أية تحركات كان يمكن أن تطيح به، حيث استطاع الاستفادة من رغبة كل الأطراف المعنية بالشأن السوداني، بألا يتحول هذا البلد الهام، لبؤرة صراع لا يمكن للإقليم العربي أن يتحمل نتائجه، ومن هنا فقد حصل على دعم القاهرة، التي تتعامل مع نظام البشير باعتباره "الدواء المر" التي يجب عليها تناوله، حتى لا تمتد الاضطرابات من الجنوب نحو الجارة الشمالية، وهي أكثر من يخاف منه السيسي في مصر، والذي استطاع مؤخرا إيجاد نقاط مصالح مشتركة بينه وبين البشير في قضايا عدة، منها سد النهضة ومواجهة معارضي النظامين في البلدين.

وهو نفس الاتجاه الذي سار عليه البشير نحو الخليج العربي، حيث استطاع الاستفادة من الجميع رغم خلافاتهم الداخلية، في أن يقدموا له الدعم المادي الذي مكنه من تجاوز بعض آثار الأزمة، وليس أسبابها، ولعل تراجع سعر صرف الدولار مؤخرا أمام الجنيه السوداني، دليل على أن أموال الخليج بدأت تنعش الجنيه السوداني بشكل مفاجئ.

وعلى المستويين الإقليمي والدولي استثمر البشير، رغبة القوى الدولية في استقرار أنظمة الحكم بالمنطقة، وعدم السماح بتكرار تجربة ثورات الربيع العربي مرة أخرى، في أن يحظى بدعم أمريكي وغربي، تمثل في الخطة التي طرحها مساعد مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، خاصة وأن السودان بات يمثل محطة مهمة لمختلف الأطراف في منطقة البحر الأحمر التي تشهد توترا بين الحين والآخر؛ نتيجة الخلافات الأمريكية العربية من جانب، والإيرانية من جانب آخر على النفوذ في البحر الأحمر وخليج عدن.

وليس بعيدا عما سبق أن البشير استفاد من تجارب الرؤساء العرب السابقين الذين تركوا مناصبهم نتيجة الضغوط الشعبية، فتحولوا بين مطارد أو مقتول أو مسجون، كما استفاد كذلك من التجربة السورية، التي يبدو أن الرئيس السوري سوف يدفع في المستقبل ضريبة الدعم الذي حصل عليه من إيران وروسيا، وبالتالي بحث البشير عن خطة خروج آمن مدعومة دوليا، في إطار ما يمكن تسميته بالانقلاب الأبيض الطوعي، بأن يظل الحكم في يد القوات المسلحة مع الحفاظ على مكاسب مكونات ثورة الإنقاذ المتمثلة في المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية.

تحديات المعارضة

المعارضة السودانية من جانبها أصبحت في موقف لا تحسد عليه، ولكنها تتحمل جزءا كبيرا في خروجها من الحسابات الإقليمية، والدولية المعنية بحل الأزمة، وهو ما يرجع لعدة أمور، أبرزها أن المعارضة لم تكن جزءا من بداية الحراك الشعبي الذي شهدته أرجاء السودان منذ عدة أشهر، وبالتالي لم تكن جزءا من الحل عندما بحث الجميع عن حل.

ويضاف لذلك أن الخلافات الأيدلوجية ومحاولة تلوين الحراك الشعبي بألوان سياسية، جعل الشقاق يدب مبكرا في الجبهات المعارضة التي تم تشكيلها، ويسبق كل ذلك تراجع تأثير المعارضة سياسيا وشعبيا منذ عدة سنوات، ما جعل مطالبها برحيل نظام الإنقاذ ككل، وليس البشير فقط، أحد أسباب ضعف تأثيرها.

ورغم ما سبق إلا أن هناك من أطراف المعارضة السودانية من يرى أن الكرة مازالت في الملعب، وأن رحيل البشير سيمثل في حد ذاته مكسبا كبيرا، سوف يؤدي إلي إنهاء حكم ثورة الإنقاذ ككل.

وأمامنا في هذا الإطار رؤيتين مختلفتين للمعارضة السودانية الأولى، لنائب رئيس الوزراء السوداني السابق، ونائب رئيس حزب الأمة المعارض مبارك الفاضل المهدي، والذي أكد أن الإجراءات الأخيرة للبشير لن تحل الأزمة، خاصة وأن الحكومة الأخيرة، معظم أفرادها من أحزاب تحت التأسيس، وليس لها ثقل في الشارع السوداني، مشيرا إلى أن البشير يخادع نفسه بهذه التعديلات الوزارية؛ لأن الأزمة سياسية وتحتاج لحل النظام الشمولي الحالي وتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي يحقق السلام، ويعيد علاقات السودان مع العالم والإقليم وبناء الوطن والاقتصاد.

وحسب رؤية القيادي المعارض، فإن التغيرات التي أجرها البشير مؤخرا في المؤسسة العسكرية، تترجم صراع البشير مع الحركة الإسلامية، خاصة وأن الضباط المستبعدين ينتمون للتيار الإسلامي، ويشتبه البشير في رفضهم لوجوده، ولذلك يحاول الرئيس السوداني إحكام السيطرة على الجيش.

ويعول نائب رئيس الحكومة السودانية السابق على تحرك الجيش لصالح مطالب الشعب، مبررا ذلك بأن الجيش منذ اندلاع المظاهرات لم يتعرض للمتظاهرين بل في بعض المواقع كان يشكل حاجزا بين المتظاهرين وبين قوات الأمن، متوقعا أن تنتهي الأزمة بصراع دموي داخل مؤسسة الحكم، نتيجة الخلافات الداخلية بين مكونات الحكم.

أما الرؤية الثانية فقد طرحها القيادي في المؤتمر الشعبي السوداني المعارض، بشير آدم رحمة، والذي اعتبر الإجراءات الأخيرة للبشير، مكاسب حققتها حركة المعارضة وليس الضغط الجماهيري فقط.

وحسب رؤية رحمة، فإن البشير هو العنصر الرئيسي في أي حل، وهو القادر على حقن الدماء ونقل المعركة للبناء بدلا من الصراع الدموي، موضحا أنه يواجه أطرافا عديدة منها المعارضة السلمية والأخري المسلحة، إضافة إلى تضارب المصالح الدولية والإقليمية، بما يعني في النهاية أن أي دعم سيتم تقديمه للبشير لن يكون نهائيا، إذا لم يعلن هو تخليه عن فكرة الترشيح للانتخابات القادمة، وأن يوجه دعوة حقيقية، للقوى السودانية، للاتفاق على فترة انتقالية لها توقيت وزمن محدد، وألا يكون لديه سقف في الحوار سوى سقف وحدة السودان.