ثاني أسوأ تسرب نفطي في تاريخ روسيا.. لماذا تجددت مخاوف تشيرنوبل؟

محمود سامي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم إعلان السلطات الروسية، احتواء التسرب النفطي الأخير في القطب الشمالي ووقف توسعه، إلا أنه جدد مخاوف انفجار مفاعل "تشيرنوبل" النووي، الذي يعد أكبر الكوارث البيئية في التاريخ.

في 29 مايو/أيار 2020، حدث تسرب أكثر من 21 ألف طن من الديزل إلى نهر أمبارنايا، بعد انهيار خزان ديزل في محطة كهرباء خارج مدينة نوريلسك الصناعية في سيبيريا، وهي أقصى مدينة شمالية في روسيا والعالم (فوق الدائرة القطبية).

الجمعة 5 يونيو/حزيران 2020، أعلنت وزارة الطوارئ الروسية أنها استطاعت احتواء البقعة النفطية في القطب الشمالي ووقف توسعها، وذلك بعد إعلان حالة الطوارئ على المستوى الوطني.

الكارثة البيئية حولت نهر أمبارنايا إلى اللون الأحمر، بعد انهيار أحد مخازن شركة نوريلسك نيكل، أكبر منتج للبلاديوم في العالم وأحد أكبر منتجي النيكل والبلاتين والنحاس.

صدمة بوتين

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طالب لاحقا، الشركة بتحمل كافة تكاليف تنظيف ثاني أسوأ تسرب في تاريخ روسيا والعمل على إعادة النظام البيئي بالمنطقة إلى سابق عهده.

فيما قدَّر فلاديمير بوتانين رئيس شركة "نوريلسك نيكل" أن عمليات التنظيف ستكلف نحو 10 مليارات روبل (146 مليون دولار)، ما عدا الغرامات، مؤكدا قدرة الشركة على إعادة النظام البيئي إلى وضعه الطبيعي.

حاولت شركة المعادن العملاقة التي تملك الخزان من خلال شركة أخرى تابعة لها احتواء الأضرار بمفردها ليومين قبل أن تلجأ إلى خبراء من كل أنحاء روسيا، وقد أثار هذا التأخير غضب بوتين.

وفي حديثه عن كيفية ظهور أخبار التسرب في مؤتمر متلفز، أفادت تقارير صحفية أن بوتين صُدم وكان غاضبا، عندما اكتشف أن السلطات المحلية لم تعلم بالحادث إلا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بعد يومين من وقوعه.

وقال بوتين: "لماذا اكتشفت الوكالات الحكومية هذا الأمر بعد يومين فقط؟ هل سنتعلم حالات الطوارئ من وسائل التواصل الاجتماعي؟".

وأعلنت لجنة التحقيق الروسية، التي تتعامل مع الجرائم الكبرى، أنها بدأت 3 تحقيقات جنائية في الحادث واحتجزت موظفا في محطة توليد الكهرباء.

رد الشركة

الشركة قالت في بيان: إن "التسرب الشديد" نجم عن انهيار الدعامات تحت خزان وقود الديزل، مشيرة إلى أنها أبلغت السلطات بطريقة "مناسبة وفي الوقت المناسب".

لكن في المقابل اعترضت موسكو، على البيان، وقال وزير الدفاع المدني والطوارئ والإغاثة من الكوارث الطبيعية، يفغيني زينتشيف: إنه تم إبلاغه فقط بالتسريب في 31 مايو/ أيار 2020، فيما تعاملت الشركة مع عواقب التسرب من تلقاء نفسها، مشيرا إلى فتح تحقيق في الكارثة.

نهر الدم

تسبب التسرب في تلوث مساحة 350 كم²، وأدى إلى تحول لون نهر أمبارنايا إلى اللون الأحمر، كما هدد بإلحاق أضرار كبيرة ببيئة القطب الشمالي، وفق تقرير إعلامي حكومي.

وتسببت البقعة النفطية بتلويث 180 ألف متر مربع من الأرض قبل أن تصل إلى النهر، وفق النائب العام الإقليمي.

واعتبر خبراء بيئيون أن هذا التسرب النفطي هو "أسوأ" حادث من نوعه في منطقة القطب الشمالي، و"ثاني أسوأ تسرب" في تاريخ روسيا.

ونهر أمبارنايا الذي تأثر بالتسرب يغذي بحيرة بياسينو بالمياه، التي تعد مصدرا مائيا رئيسيا لنهر بياسينا الحيوي بالنسبة إلى منطقة شبه جزيرة تايمير.

وأثار الحادث تحذيرات من مجموعات البيئة، التي قالت: إنه نظرا لحجم التسرب وجغرافيا النهر "سيكون من الصعب تنظيفه".

وفي السياق ذاته، أشار أوليغ ميتفول، النائب السابق لرئيس الوكالة الروسية للرصد البيئي، إلى أنه "لم يسبق أن وقع مثل هذا الحادث في منطقة القطب الشمالي".

وقال: إن إزالة التسرب النفطي قد يكلف نحو 1.5 مليار دولار، وقد يستغرق ما بين 5 إلى 10 سنوات.

احتواء التسرب

أظهرت صور بالأقمار الاصطناعية لوكالة الفضاء الأوروبية ووكالة روسكوزموس الروسية بقعا كبيرة من الوقود يميل لونها إلى الإحمرار وقد تحركت نحو 20 كيلومترا باتجاه البحيرة والنهر حيث تنصب جهود التنظيف الرئيسية.

وتمكن أوائل المستجيبين لهذه الكارثة من احتواء انتشار التسرب عبر استخدام عوائق عائمة لمنع البقعة النفطية من الوصول إلى البحيرة، وهم يسحبون السوائل التي سيتم تخزينها في خزانات مغلقة إلى أن تتجمد الأرض في الشتاء، وفق وزير الطوارئ يفغيني زينيتشيف.

وفي 5 يونيو/حزيران 2020، قالت وزارة الطوارئ: إنها تمكنت من إزالة أكثر من 200 طن من الفيول، لكن وكالات صيد الأسماك الروسية وبعض البيئيين حذروا من أن العوائق غير قادرة على وقف التلوث.

عواقب وخيمة

يهدد التسرب النفطي بعواقب كارثية على البيئة والمحيطات والحيوانات والكائنات البحرية وحتى على المناخ نفسه على مستوى العالم، إذ إن التسرب وقع بنهر قطبي حيوي سببه في الأساس ذوبان جليدي أدى لانهيار أحد أعمدة الوقود.

وفي هذا الصدد، قالت نائبة وزير الموارد الوطنية والبيئة في روسيا إيلينا بانوفا، خلال مؤتمر صحفي على الإنترنت: إن الأمر سيستغرق 10 سنوات على الأقل حتى يتعافى النظام البيئي المحلي.

كما يخشى المسؤولون أن يكون السبيل الوحيد لإزالة التلوث هو إشعال النار فيه، الأمر الذي قد يتسبب في رعب بيئي، فيما قال وزير البيئة الروسي، ديمتري كوبيلكين: إنه يعتقد أن حرق الوقود، الذي يقترحه البعض، أمر محفوف بالمخاطر.

وأوضح أنه "وضع صعب للغاية، لا أتخيل حرق الكثير من الوقود في منطقة القطب الشمالي.. مثل هذه النيران الضخمة في منطقة كهذه ستكون مشكلة كبيرة".

وصارح المسؤولون الرئيس بوتين بأن نهر أمبارنايا الذي حمل العبء الأكبر من التسرب سيكون من الصعب تنظيفه، لأنه ضحل للغاية على استخدام المراكب، ويقع في منطقة بعيدة ليس بها طرق.

كوارث مشابهة

وتتعرض منطقة نوريلسك منذ عقود لتلوث ناجم عن إنتاج المعادن وأنشطة صناعية أخرى، وقال خبير الصندوق العالمي للحياة البرية أليكسي كنيجنيكوف: إن السكان المحليين، بمن فيهم مجموعات السكان الأصليين توقفوا منذ فترة طويلة عن الصيد في النهر.

وفي مناسبات عدة سابقة تحولت مياه الأنهار حول نوريلسك، وهي المدينة الأكثر تلوثا في روسيا، إلى اللون الأحمر بسبب مواد من مخلفات من المصنع الرئيسي لشركة نوريلسك نيكل.

ولشركة نوريلسك نيكل التي تعد أكبر منتج في العالم للبلاتين والنيكل، سوابق في الكوارث البيئية إذ كانت مسؤولة عن تسرب للنفايات الصناعية، في نهر أقصى شمال سيبيريا، عام 2016، في كارثة بيئية وصفت آنذاك بـ"النهر الدموي".

آنذاك تحول لون مياه النهر إلى اللون الأحمر الفاتح بسبب تسرب غاز أدى لأمطار حمضية دمرت جزءا كبيرا من البيئة وقتها.

الحادث الأخير أثار ذكريات عن حادث مشابه كبير في منطقة كومي في القطب الشمالي الروسي عام 1994، وفي ذلك الحادث، تمزق أنبوب وقود وسكب ما لا يقل عن مليوني برميل من الزيت الساخن في التربة.

كما قارنت منظمة السلام الأخضر، التسرب النفطي بكارثة إكسون فالديز عام 1989 في ولاية ألاسكا، وهي تسرب نفطي وقع بالمحيط بمضيق الأمير ويليام، ما أدى إلى تقليص عدد الكائنات البحرية. 

وجددت كارثة نهر أمبارنايا، التذكير بأكبر كارثة نووية شهدها العالم في التاريخ، والتي وقعت في مفاعل لمحطة تشيرنوبل للطاقة النووية، والذي يقع قرب مدينة بريبيات في شمال أوكرانيا التي كانت حينذاك واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.

وقدرت الأمم المتحدة عدد من قتلوا بسبب الحادث بـ 4 آلاف شخص، بينما قالت السلطات الأوكرانية: إن عدد الضحايا يبلغ  8 آلاف، بخلاف تسببه في تلوث أجزاء كبيرة من أوروبا، كما تمنع السلطات الإقامة ضمن نطاق 30 كيلومترا من المحطة.