في زمن كورونا.. هكذا انتعشت ظاهرة بيع بلازما الدم بالعراق

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 6 يونيو/حزيران 2020، انطلقت حملة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "#بلازما_دمك_تنقذ_غيرك" تحث المتعافين من الإصابة بفيروس كورونا على التبرع ببلازما الدم لإنقاذ المرضى الراقدين في المستشفيات.

هذه الحملة جاءت إثر تفشي ظاهرة بيع بلازما الدم بمبالغ كبيرة التي بدأت تأخذ طريقها إلى الاتساع في العراق، بعدما حققت "نتائج مبشرة" في تجارب سريرية استخدمت لعلاج مصابين بفيروس كورنا، إذ أصبحت هذه المادة خلال أسابيع قليلة ضمن قائمة تجارة السلع باهظة الثمن في وقت الأزمات.

ويُعتقد ـ حسب التجارب الأولية التي أجريت في العديد من دول العالم ـ بأن المتعافي من الإصابة بفيروس كورونا يحمل في جسمه علاجا للوباء القاتل، فبلازما دمه تحتوي على مضادات للفيروس يمكن لها إنقاذ حياة كثيرين، لكن في العراق ليس من السهل العثور على متبرع.

نتائج مشجعة

رغم وصف نتائج التجارب على مصل بلازما الدم بأنها "مشجعة" في علاج مرضى فيروس كورونا في العديد البلدان، لكن الأمر ما يزال بحاجة إلى تطوير وتجارب أكثر.

العراق يُعد أحد البلدان التي لجأت فيه المؤسسات الصحية لاختبار استعمال بلازما دم متعافين من كورونا لعلاج مصابين حالاتهم صعبة، والتي أثبتت فاعليتها في كثير من الأحيان، الأمر الذي رفع من "أسهم" البلازما في السوق العراقية مع مرور الأيام.

الطبيبة الزهراء ناظم، تعمل في إحدى مستشفيات بغداد، تؤكد لـ"الاستقلال" أن "أغلب الحالات المرضية بسبب فيروس كورونا، والتي تصل إلى مرحلة حرجة ينفع معها جرعات بلازما الدم، وتتحسن حالتهم".

وأوضحت أن "المؤسسات الصحية بدأت بالتعامل مع الحالات الحرجة بإعطائهم بلازما الدم كآخر محاولة، وأثبتت بالفعل فاعليتها مع الكثير من المرضى، إلا أن الكثير من المتعافين يرفضون المجيء للمستشفيات والتبرع بالبلازما".

وأشارت الطبيبة العراقية إلى أن "ذلك لا يعني أنه علاج لجميع الحالات، فالفيروس حتى الآن لم يجد له أحد علاجا، وحتى الدراسات بعضها يتحدث عن تعافي مرضى بعد إعطائهم بلازما دم لآخرين كانوا مصابين وتعافوا". 

في 8 أيار/ مايو 2020، أفصحت منظمة الصحة العالمية في العراق عن البدء بإجراء تجارب سريرية لعينات محدودة لعلاج المصابين بفيروس كورونا، مشيرة إلى أن نتائج إيجابية تحققت على المرضى المصابين.

وقال ممثل المنظمة في العراق أدهم إسماعيل في تصريح لصحيفة "الصباح"  (حكومية): "وزارة الصحة باشرت إجراء تجارب سريرية وعلى نطاق بسيط لعينات محدودة في مدينة الطب ببغداد والبصرة من خلال أخذ عينات من البلازما لمصابين بـ كوفيد 19، تماثلوا للشفاء ونقلها إلى مصابين آخرين بالفيروس".

وأوضح إسماعيل أن "نتائج تلك الاختبارات على مدة التعافي كانت مبشرة، وتظهر على المريض خلال مدة 72 ساعة"، واصفا نتائج تلك الاختبارات بأنها "أولية ولا يمكن التنبؤ بثبوت فاعليتها بشكل أكبر إلا في حال زيادة عدد التجارب والاختبارات على عينات أكبر للتأكد بشكل تام من فاعليتها وأهميتها في علاج المصابين بالفيروس".

وأكد ممثل منظمة الصحة العالمية، أن هذه التجارب تشكل "الاختبار الأولي ويمكن الانتقال إلى المرحلة المتوسطة، بناء على النتائج المتحققة من تلك المرحلة التي جرت على تلك العينات المحدودة، في سياق البحث عن علاج ضد مرض كوفيد 19".

"تجارة البلازما"

وعلى ضوء النتائج التي أظهرتها حالات المعالجة بالبلازما، بدأت ظاهرة التكسب من هذه المادة في ظل رفض نسبة كبيرة من المتعافين من الإصابة بفيروس كورونا بالتبرع بها وإنقاذ الحالات الحرجة، لأسباب عدة ومنها طلبه مبلغا ماليا كبيرا لقاء ما يعطيه.

ووصل سعر الكيس الواحد لبلازما الدم في العراق إلى نحو 2000 دولار، بعدما أصبحت هذه المادة شحيحة في المستشفيات ويصعب الحصول عليها، وربما يدفع بعض ذوي المرضى مبلغا أكبر للحصول على كيس بلازما يمكن أن ينقذ حياة مريض من الموت.   

الطبيبة العراقية الزهراء ناظم، أكدت لـ"الاستقلال" أن "امتناع المتعافين عن الحضور إلى المستشفيات والتبرع ببلازما الدم، له أسباب عدة، منها الخوف من التعرض للإصابة مرة ثانية، وآخرون يريدون مبلغا من المال لقاء ذلك، وفي المقابل هناك من يأتي ويتبرع مجانا".

وأشارت إلى أن "نسبة من المرضى المتعافين في الصين قد تصل إلى 14 بالمئة أصيبوا مرة أخرى بالفيروس بعد شفائهم منه، وربما مثل هذه الأخبار تثير الخوف لدى المتعافين من القدوم إلى المستشفيات والتبرع ببلازما الدم".

وفي منشور على حسابه بموقع "فيسبوك" قال الطبيب محمود الخالد في مستشفى البصرة: "من مجموع 630 مريضا متعافيا من كورونا بالبصرة، جاء أقل من 50 شخصا فقط منهم للتبرع بالبلازما حتى ينقذون مرضى غيرهم".

أما الطبيب أنور الحسني في مستشفى ابن سينا ببغداد، فكتب هو الآخر منشورا على حسابه في "فيسبوك" تحدث فيه بمرارة عن معاناة المؤسسات الصحية بسبب امتناع المتعافين من التبرع ببلازما الدم، وطلب مبالغ كبيرة مقابل ذلك.

وقال الحسني: "المؤسسات الصحية الحكومية توفر كل شيء في خدمة المريض مجانا، من بداية الفحص وحتى شفائهم وتوصيله إلى البيت وكل ذلك يكلف مبالغ طائلة، حيث يكلف علاج كل مريض نحو 5 ملايين دينار (4 آلاف دولار) فضلا عن العناية والاهتمام خلال مدة رقوده بالمستشفى.

وأضاف: "بعد شفاء المريض تماما من فيروس كورونا، يتصل به الأطباء ويطلبون منه يتبرع ببلازما الدم للمرضى الآخرين، لكنه يرفض تقديم ذلك بدون مقابل ويفاوض على المبلغ، حتى وصل آخر سعر 2000 دولار للكيس".

"أنقذ غيرك"

الناشط عثمان علي كتب قائلا: "مثلما كنت تعيش أياما صعبة وأنت مصاب بفيروس كورونا القاتل لا تنس أن الله أنعم عليك بالشفاء، والآن دورك تساعد غيرك من المصابين عن طريق تبرعك ببلازما دمك حتى يشفى غيرك".

وغرّد الناشط سيف العطية، قائلا: "كن صاحب مسؤولية  البلد محتاجك مثل ما وگفلك العراق أو گفله. أنت مو تهوس وتكول (تقول) بالروح بالدم نفديك ياعراق. العراق هسة (الآن) محتاج هلدم".

وتداول ناشطون مقطع فيديو لإحدى القنوات العراقية، يظهر فيه اللاعب الدولي السابق حسن مولى، بعد تعافيه من الإصابة بالفيروس، يتحدث كيف كانت بلازما الدم سببا في إنقاذ حياته، بعدما تعرض لانتكاسات عدة ووصلت حالته الصحية إلى مرحلة حرجة.

وقال الكابتن حسن مولى: إنه مع 4 مرضى كانوا راقدين في مستشفى البصرة، كلهم تعافوا بنسبة مئة بالمئة، بعدما أعطيت لهم بلازما الدم، حيث غادروا المستشفى وهم بحالة جيدة.

ونشر ناشطون آخرون مبادرات إيجابية لعائلات تعافت من الإصابة بفيروس كورونا، إذ كتب محمد العامري، قائلا: "العائلة المصابة الأولى في منطقة العامرية يلبون نداء الواجب الإنساني ويذهبون للتبرع بدمهم لإنقاذ إخوانهم المصابين المرضى ضمن برنامج العلاج عن طريق استخدام بلازما الدم للمتعافين من مرض كورونا".

العائلة المصابة الأولى في منطقة العامرية يلبون نداء الواجب الإنساني ويذهبون للتبرع بدمهم لإنقاذ إخوانهم المصابين المرضى ضمن برنامج العلاج عن طريق استخدام بلازما الدم للمتشافين من مرض كورونا.

"التجارة الحرام"

وبالتزامن مع الحملة الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، أصدر المجمع الفقهي لأهل السُنة في العراق، فتوى حرم فيها بيع بلازما الدم، وحرمة امتناع المتعافين عن التبرع به للمرضى.

في 6 يونيو/ حزيران 2020، قال المجمع الفقهي (أكبر مرجعية للسنة تتولى إصدار الفتاوى)، في بيان: "التبرع ببلازما الدم من المتعافين من فيروس كورونا، والذي تتركز فيه الأجسام المضادة للفيروس، يندرج ضمن مسألة التبرع بالدم لإنقاذ حياة الآخرين".

وأضاف البيان: "حكمه الشرعي أنه واجب على الكفاية، وإن لم تحصل الكفاية، وجب على جميع المتعافين من المرض التبرع لإنقاذ حياة المصابين".

وتابع البيان: "يحرم الامتناع عن التبرع به، ويأثم الممتنع من غير عذر، لأن التبرع سعي لإنقاذ الأنفس الأخرى وإحيائها، لذا لا يجوز بيع الدم بإجماع العلماء، كذلك لا يجوز بيع بلازما الدم للقاعدة الفقهية (التابع تابع في الحكم)".

وقبل ذلك، أصدر "مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية" أكد فيها أن "تبرع المُتعافين من كورونا بالبلازما واجب، والامتناع عنه بغير عذر لا يجوز شرعا ويأثم المُمتنع".

وأوضح أن "استجابة المُتعافين لهذه الدعوة واجب كفائي إن حصل ببعضهم الكفاية، وبرئت ذمتهم، وإن لم تحصل الكفاية إلا بهم جميعا تعين التبرع بالدم على كل واحد منهم، وصار في حقه واجبا ما لم يمنعه عذر، وإن امتنع الجميع أثم الجميع شرعا؛ وذلك لما في التبرع من سعي في إحياء الأنفس".

وأهاب مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بالمتعافين أن يتنافسوا في أداء هذه الفريضة ونيل أجرها العظيم فقد اختصهم الله سبحانه بفضله وشملهم بلطفه وجزاء الإحسان عند الله إحسان.