إعلام مضلل و"صحة" تائهة.. كيف ساق نظام السيسي المصريين لمقبرة كورونا؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يتكشف يوميا، مدى عجز النظام المصري في مواجهة فيروس كورونا الذي يهدد حياة الملايين، حتى دفعت المنظومة الصحية بقيادة وزارة الصحة، والإعلامية الممثلة في "أبواق السلطة"، الناس إلى مصارعهم، من خلال خلق روايات وتقارير تهون من خطورة الوباء، وتضلل المواطنين بشأن العلاج.

ولا توجد خطة واضحة في مصر لتعبئة المستشفيات وتجهزيها، وحماية الطواقم الطبية، وتوعية المواطنين بقواعد التباعد الاجتماعي، ومع مرور الوقت، أصبح الوضع في غاية الصعوبة، وبدأت الإصابات في الانتشار على نحو غير مسبوق، وحصد الموت أرواح عشرات المواطنين.

الشلولو والكرومونيوم

بدلا من الوقوف على حلول عملية، وتوعية المواطن المصري بكيفية أخذ احتياطاته اللازمة لإنقاذ نفسه ومجتمعه من جائحة كورونا، عملت الآلة الإعلامية على تصدير أفكار، وروايات وصفت بـ "المدلسة".

ومن المشاهد التي انتشرت بقوة، ترويج الدكتور مجدي نزيه، رئيس وحدة التثقيف الغذائي بالمعهد القومي للتغذية، لعلاج الفيروس عبر وجبة طعام مصرية متوارثة من آلاف السنين، تعرف بـ"الشلولو"، وهي عبارة عن ملوخية جافة عليها الكثير من البصل والثوم.

وقال في مقابلة على برنامج "باب الخلق"، للإعلامي المصري محمود سعد: إنها "من أكفأ مقومات مناعة الجسم، وتكافح الفيروسات، ومضادة للكورونا"، وبمجرد انتشار الفيديو، تصدر اسم "الشلولو"، قائمة الأكثر بحثا في مصر. 

واستمر الترويج لتلك الحالة، خلال تصريحات مماثلة للمذيع المصري مفيد فوزي، بشأن فيروس كورونا، وقد أثارت موجة من السخرية على منصات التواصل بعد حديثه عن "التوابل" في مواجهة الفيروس المستجد.

وقد حل فوزي ضيفا على أحد برامج فضائية "النهار" المصرية الخاصة، وتطرق إلى الحديث عن عدم انتشار الوباء في الهند، وقال: "الشعب الوحيد الذي لم تزره كورونا، غير مصر طبعا، هو الشعب الهندي، بسبب مادة (الكرومنيوم)، وهي عبارة عن توابل تباع عند العطار، وتوضع في الطعام وتستطيع أن تتصادم مع الفيروس وتقضي عليه".

ليرد عليه المذيع بطريقة ساخرة: "كيلو الكرومنيوم سيصبح بعد ذلك بألف جنيه".

وكذلك انتشر مقطع آخر على نفس النسق، يظهر فيه الدكتور مجدي بدران، استشاري الأطفال بكلية الطب في جامعة عين شمس، يقول فيه: إن الأميركيين اتصلوا به يسألونه ماذا سيفعلون بفيروس كورونا، فأخبرهم أن "يأكلوا فول على الطريقة المصرية"، وذكر أن "المصري هو أول طبيب فرعوني في العالم".

وحدد الطبيب بدقة الطريقة المصرية لأكل الفول، وهي "تغمس الفول في الماء، وطهيه على النار، وإضافة فيتامين سي له، ألا وهو الليمون". وأضاف بدران أن الفول لن يكون مصدرا للوقاية من الفيروسات فقط، بل هو سبب "خفة دم" المصريين "بفضل التريبتوفان (الحمض الأميني) الموجود فيه". 

تلك المنهجية المتبعة على شاشات الفضائيات المصرية، لا شك أنها ساهمت في تضليل غالبية الوعي المجتمعي، ووجهت الجماهير إلى الطريق الخاطئ في مواجهة الأزمة. 

التهوين والتضليل

لم يقف الأمر عند الترويج لشائعات العلاج، بل جرى اعتماد مبدأ التهوين والسخرية من وباء كورونا، في تعامل إعلام النظام المصري الموجه بشكل كامل من الأذرع الأمنية والاستخباراتية في الدولة، لتصبح آفة التضليل مركبة، ومخلفة أثرا سلبيا شديدا، خفف من اتخاذ المواطن المصري التدابير اللازمة.

ففي 29 فبراير/ شباط 2020، قال الإعلامي عمرو أديب: "إحنا مش بدعة بين الدول، ليه محسسني إننا البلد التي لم يظهر بها الكورونا، وهتفضل طاهرة.. لو جت مصر أهلا وسهلا، المهم نكون جاهزين، وفي دول كبرى عندها مشاكل، والمفروض نحمد ربنا اننا معندناش حاجة". 

وأضاف ساخرا: "إحنا بنجلد نفسنا.. ويوم ما تيجي الكورونا، يبقى أهلا بالمعارك.. إحنا المصريين يا كورونا، إحنا عو يا كورونا ومش بنخاف". 

أما الإعلامي جابر القرموطي، الذي اشتهر بحلقاته الساخرة، ففاجأ في 9 مارس/ آذار 2020، المشاهدين عندما استضاف شخصية تخيلية لفيروس كورونا، في برنامجه "الكلام على إيه"، المذاع عبر قناة الحياة الفضائية.

وعلى الهواء مباشرة، أجرى حوارا ساخرا، مع ما أسماه "كورونا" وقال: إنه "لا يخوف أحدا وهذه إشاعات على الشبكات الاجتماعية فقط"، وأن المصريين يبالغون في القلق بشأنه، وأنه يرى أن مصر في كفة، وباقي العالم في كفة أخرى.

فيما مارس الإعلامي المقرب من النظام أحمد موسى، روايته الإعلامية على طريقته الخاصة، بترك ما يحدث في مصر من تطورات، ومكايدة تركيا.

فعند بداية انتشار الجائحة في فبراير/ شباط 2020، قال موسى في حلقة من برنامجه "على مسؤوليتي" بقناة صدى البلد: إنه "يوجد خبر مهم لا بد أن نتحدث عنه، وهو وجود عشرات الحالات من المصابين بكورونا في تركيا".

وتابع: "تركيا بلد هتبقى موبوءة، والرعب يجتاحها، وأصبحت البلاد تعاني من أردوغان والإرهاب وكورونا.. وستكون تركيا رقم 2 في العالم كمصدر للوباء بعد الصين". 

وبينما كان المذيع أحمد موسى وهو يقول هذه الكلمات، ويشن هجومه الحاد على تركيا، كان النظام الصحي في أنقرة يعمل على قدم وساق في تجهيز المستشفيات، وتوعية المواطنين، وتهيئة البلاد لاستقبال الوباء، ما قلل من حجم الخسائر المتوقعة، وذلك على عكس إجراءات وزارة الصحة المصرية، التي قللت من شأن الجائحة.

منظومة مهترئة 

في مطلع مارس/ آذار 2020، ورغم الشواهد القوية التي كانت تؤكد وجود حالات إصابة بكورونا في مصر، رفضت وزارة الصحة الاعتراف بواقع الأمر، وقالت وزيرة الصحة هالة زايد، في تصريحات لها حينئذ: "فيروس كورونا غالبا سيأتي إلى مصر وإذا جاء فإن 82% من المصابين لا يحتاجون إلى مستشفى أو علاج، هيقعد في البيت شوية وهيخف".

وأردفت: أن "15% من المصابين فقط سيحتاجون الذهاب إلى المستشفى"، مؤكدة على استعداد الوزارة بشكل تام.

وكانت زايد قد أثارت اللغط في 3 فبراير/ شباط 2020، عندما انتشرت صورة لها، أثناء تفقدها لإجراءات الوقاية من فيروس كورونا القادم من الصين.

وبسخرية شديدة على مواقع التواصل، تم تداول المشاهد أثناء استقبالها الطائرة المقرر وصولها من ووهان الصينية، وتقل المصريين العائدين.

وظهرت الوزير مع الفريق المصاحب لها في مطار العلمين، وهم يرتدون ملابس الحجر الصحي، فيما كان لافتا الطريقة غير الصحيحة التي تستخدمها الوزيرة في ارتداء "الكمامة" والتي تنم عن جهل كبير بطبيعة الفيروس وطريقة انتقال العدوى.

وفي مارس/ آذار 2020، على الرغم من تفشي كورونا، وتهديده لمصر، توجهت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد إلى بكين حاملة معها "هدية"، كرسالة تضامن مع الشعب الصيني في مواجهة كورونا، في مشاهد وصفت من وسائل الإعلام المعارضة، ومواقع التواصل الاجتماعي بالعبثية.

كان ذلك في وقت تفشي الفيروس في مصر، وظهور معاناة الطواقم الطبية والمرضى، حيث أطلقوا المناشدات والتحذيرات إلى الحكومة ووزارة الصحة، لسد الاحتياجات الأساسية من المستلزمات الطبية، وحمايتهم من الفيروس، في ظل حالة تخبط عشوائية تعرض حياتهم للخطر، وتقلل من فرص نجاتهم من العدوى بكورونا أمام موجة الوباء المتوقعة.

وسقط نتيجة ذلك الإهمال عشرات الأطباء، وحملت نقابتهم، وزارة الصحة المسؤولية الكاملة عن ازدياد حالات الإصابة والوفيات بين الأطباء نتيجة تقاعسها وإهمالها في حمايتهم، وقالت: إنها ستتخذ جميع الإجراءات القانونية والنقابية لحماية أرواح أعضائها، وستلاحق جميع المتورطين عن هذا التقصير الذي يصل لدرجة جريمة القتل بالترك.

معطيات قاتلة 

التهوين والتضليل الذي اعتمدته وزارة الصحة المصرية في التعامل مع وباء كورونا، استمر عبر مكتب منظمة الصحة العالمية في القاهرة، وهو ما رصدته "الاستقلال" في تقرير سابق لها.

وورد في التقرير أنه في 19 فبراير/ شباط 2020، أعلن الدكتور جون جبور، مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في مصر، أن وزارة الصحة المصرية، أبلغت المنظمة بوجود حالة كورونا فور الاشتباه بها، نافيا إخفاء السلطات أي معلومات.

وشدد جبور على أن جميع الشائعات الخاصة بكورونا في مصر غير صحيحة، وأن وزارة الصحة التزمت بالإعلان عن الحالة فور التأكد من إيجابية التحاليل.

ورغم الوقائع والأدلة التي كشفت كذب وزيف بيانات مكتب "الصحة العالمية" في مصر، إلا أن المنظمة استمرت في إشادتها بجهود السلطات المصرية.

وفي لقاء خاص على قناة صدى البلد، مع الإعلامي أحمد موسى، في 24 مارس/ آذار 2020، قال جبور: "مصر من أول الدول التي طبقت نظام الترصد في الشرق الأوسط، وتم تقييمه من خبراء منظمة الصحة العالمية بجيد جدا".

تلك الإشادات، والتقييمات الجزافية من قبل المنظمة، ضللت الرأي العام، وأعطت المواطن المصري شعورا زائفا بالطمأنينة، وعدم الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي، الذي كان مطبقا في معظم دول العالم التي تعرضت للوباء.

وهذا الأمر تسبب في وصول مصر حاليا إلى مراحل شديدة، وسقوط مئات الضحايا بالفيروس، غير حالات تسجل وفاتها نتيجة "الالتهاب الرئوي"، دون وجود رقيب أو آلية لمحاسبة المقصرين، أو خلق نظام صحي يحمي 100 مليون مصري، أصبحوا عرضة لخطر الإصابة بكورونا.