مع التعليم عن بعد.. لماذا لم تخفض المدارس الخاصة بالمغرب مصروفاتها؟

مهدي القاسمي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وصل الخلاف بين أصحاب المدارس الخاصة وجمعيات أولياء أمور التلاميذ في المغرب إلى القضاء بعدما رفعت مدرسة خاصة دعوى قضائية ضد بعض الآباء متهمة إياهم بتحريض زملائهم على عدم أداء واجبات أبنائهم مقابل خدمة التعليم عن بعد التي عرف تقييمها اختلافا بين الطرفين.

بدأت القضية بعدما طالبت المدارس من أولياء الأمور دفع المستحقات الشهرية مقابل خدمة التعليم عن بعد منذ توقف الحضور إلى المدارس بسبب تفشي فيروس كورونا.

ومنذ بداية شهر مارس/ آذار 2020، قررت وزارة التربية الوطنية، تعليق الدراسة بكافة المستويات في إطار التدابير الاحترازية للتصدي لتفشي كورونا.

وتختلف درجة الاحتقان والتوتر بين مكونات التعليم الخاص من مؤسسة إلى أخرى، فبعضها وجد سبيلا توافقيا للخروج من عنق الزجاجة بتطبيق قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، لكن مؤسسات أخرى لم تحسن تدبير الأزمة مع أولياء أمور التلاميذ، ومن بينها مدارس خاصة وصلت المفاوضات بين مكوناتها إلى باب مسدود، وتنتظر تحكيم السلطات المختصة.

نفق مسدود

ويتمسك المسؤولون الإداريون في بعض المدارس بأداء الأقساط الشهرية كاملة من قبل أولياء التلاميذ الذين لم يتضرروا سلبا من التبعات الاقتصادية للجائحة، الأمر الذي رفضه أغلب هؤلاء، فتحول محيط المؤسسات التعليمية إلى باحات للاحتجاج بشكل يومي.

الاحتجاجات ضد المدارس الخاصة تعددت أوجهها إذ اضطر عدد من أولياء الأمر إلى تأسيس اتحاد باسم "اتحاد آباء وأولياء تلاميذ مؤسسات التعليم الخاص بالمغرب" على موقع "فيسبوك"، بلغ عدد المشتركين فيه أزيد من  واحد وعشرين ألف مشترك؛ يبحثون فيه عن سبل لحل الأزمة بينهم وبين المدارس الخاصة.

وأوضح حسن محفوظ، المسؤول في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن الخلاف القائم بين أولياء التلاميذ وأرباب المدارس الخاصة يجب أن يحتكم إلى القاعدة القانونية التي تؤكد على (التزام البائع -أي المدرسة الخاصة -بتسليم السلعة والالتزام بضمانه).

والحال هنا أن المدارس الخاصة لم تلتزم بتوفير حصص التعليم الحضوري موضوع العقد بينها وبين أولياء التلاميذ، أثناء الفترة المعنية. أي أن مطالبة مدارس التعليم الخاص بأداء الواجبات الشهرية مقابل حصص التعليم عن بعد ليست ملزمة قانونا لأولياء التلاميذ على اعتبار أن موضوع العقد يهم التعليم الحضوري وليس التعليم عن بعد، وأن الأداء يكون مقابل الخدمة.

فأولياء تلاميذ القطاع الخاص ليسوا مرتبطين بعقد التعليم عن بعد كما جاء في المادتين 18 و 19 من القانون رقم 00.06 بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخاص، كما أن المدارس التي تطالبهم باداء الواجبات الشهرية لا تنتسب إلى "مؤسسات التعليم عن بعد أو بالمراسلة".

وأوضح عضو اللجنة المركزية للتربية على حقوق الإنسان بالجمعية لـ"الاستقلال" أن هناك مدارس قليلة في المغرب استطاعت أن تواكب عملية التعلم عن بعد، في حين أن الأغلبية اعتمدت على تطبيق "واتساب" لإيصال الدروس، وهي ليست وسيلة مناسبة لاكتساب المعارف والمهارات.

واعتبر محفوظ أن عملية التعليم عن بعد ليست ناجعة لأن 90 ٪ من التلاميذ لم يستطيعوا الولوج إلى خدمات هذا النوع من التعليم، خصوصا أن البنية الرقمية في المغرب غير مؤهلة بالشكل الكافي.

كما أن التعليم عن بعد يستلزم توفير مضامين رقمية مختلفة من حيث منهجية التدريس والتكوين وأصول وأساليب التدريس، وكذا الجانب التقني للتعليم عن بعد الذي يشترط توفير كافة المهارات لإنجاحه.

وكشف المتحدث أن 95 ٪ من المدارس الخاصة في المغرب لا تمتلك منصات تعليمية يمكنها أن تستوعب وتتواصل مع التلاميذ، ورغم ذلك فإنها تطالب بالأقساط الشهرية والأكثر من ذلك فهناك مدارس طالبت حتى بمصاريف النقل والغذاء.

وساطة الوزارة

حاولت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، لعب دور الوساطة وتقريب وجهات النظر مع مؤسسات التعليم الخصوصي في هذه الظرفية، من أجل إيجاد الحلول المناسبة والتي تأخذ بعين الاعتبار الوضعية المالية الصعبة لبعض الأسر والمؤسسات.

وعقد وزير التربية الوطنية السعيد أمزازي، لقاءا مع رؤساء الفيدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، والفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، والكونفدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالمغرب، والمجلس الوطني لمنتخبي جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، من أجل البحث عن صيغة توافقية بين الطرفين تكون فيها المصلحة الفضلى للتلاميذ فوق كل اعتبار.

أمزازي وعد أرباب المدارس الخاصة بمنشور على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بأن وزارته ستتدخل لدى السلطات المختصة من أجل تقديم الدعم لمستخدمي القطاع الخاص المتضررين جراء جائحة (كوفيد-19)، ومن ضمنهم المربيات والسائقين والمرافقات والطباخين.

الاثنين فاتح يونيو 2020 - في إطار المقاربة التشاركية التي تعتمدها الوزارة، عقدت اجتماعا مع رؤساء الفيدرالية الوطنية...

Posted by ‎Saaïd Amzazi سعيد أمزازي‎ on Monday, June 1, 2020

ووعد الوزير بعزم وزارته على إشراك الهيئات الممثلة لجمعيات الأمهات والآباء في صياغة النصوص التطبيقية المتعلقة بتنزيل مقتضيات القانون، لا سيما في شقه المتعلق بأدوار هذه الجمعيات والقوانين المنظمة لها.

ووجهت الوزارة تعليماتها إلى مدراء الأكاديميات المحلية للتربية والتكوين والمديرين الإقليمين من أجل القيام بدور الوساطة فيما يخص بعض المشاكل المرتبطة بأداء رسوم التمدرس في ظل تعليق الدروس الحضورية.

أمزازي أعلن أنه سيتدخل لدى وزير الاقتصاد والمالية والإصلاح الإداري، محمد بنشعبون، من أجل تمكين العاملين بقطاع التعليم الخاص من الاستفادة من الدعم المخصص من صندوق مواجهة تداعيات “كوفيد 19” لتعويض إجراء المقاولات المتضررة.

وأكد وزير التربية الوطنية أن الحكومة تدرس حاليا كيفية منح الدعم لمستخدمي المدارس الخاصة وإدماجهم ضمن المستفيدين من تعويضات صندوق “فيروس كورونا".

فراغ قانوني

يعرف النظام الأساسي المنظم للتعليم الخصوصي في المغرب فراغا قانونيا كبيرا، إذ يتحدث القانون رقم 06,00، في أحكامه عن الشروط العامة لالتزامات المستثمر في مجال التربية والتكوين، ومعايير التجهيز والتأطير والبرامج والمناهج المقررة والتدابير الصرفة، ولم يتدخل في مسألة الأداءات الشهرية والسنوية، ما عدا واجبات تمدرس الكتاتيب القرآنية ومدارس التعليم العتيق، التي يجب أن تتلاءم مع الوضعية الاجتماعية للتلميذ.

لكن القانون الإطار رقم 51.17  يتحدث على تحديد رسوم التسجيل والدراسة بموجب (المادة 14)، الذي ما زالت الدولة لم تفرج عنه. 

وفي تسجيل جرى تداوله بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي لمالك إحدى المدارس الخاصة، يفيد بأن تلك "المدارس هي مقاولات الغرض منها ربحي بالدرجة الأولى"، وزاد مالك المؤسسة التعليمية الذي أغضبت كلماته الناشطين: "صلاحيات الوزير محدودة بالقانون الذي يربطنا بالوزارة، ولا يسعه فعل شيء لنا".

الوضع الذي عبّر عنه التسجيل انتقدته الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، قائلة: إن الأمر يتعلق السياسة التعليمية المتبعة من طرف الدولة، التي "لا تولي أهمية لبناء الإنسان".

واعتبرت منيب، أن هناك علاقة جدلية بين تردي التعليم والفشل في التنمية، مشيرة إلى أن التعليم المغربي "يسير بخمْس سرعات"، فيما وصفت مؤسسات التعليم الخصوصي بـ"متاجر الربح السريع، إلا من رحم ربي".

ووجهت انتقادات قوية إلى المستثمرين في التعليم الخصوصي، بعد مطالبتهم الحكومة بالاستفادة من دعم صندوق تدبير جائحة كورونا، قبل أن تردف: "المدارس الحرة ليست أولوية في ظل هذه الجائحة، الأولوية هم الفقراء والفئات الهشة التي يجب دعمها".

وقال حسن محفوظ، العضو بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان لـ"الاستقلال": إن الدولة هي من تحمل على عاتقها مسؤولية ضمان الحق في التعليم لجميع التلاميذ من بينهم من يدرسون بالقطاع الخاص.

وأضاف أن الحق في التعليم يفرض على الدولة 3 التزامات دولية، أولا: الالتزام بالاحترام، ما يعني تجنب أي تدبير يمنع الاستفادة من هذا الحق، ثانيا: الالتزام بالتسهيل ويعني اتخاذها جميع الإجراءات الإيجابية لتمكين التلميذ من حقه في التعليم.

أما الجانب الثالث: فيتعلق بالالتزام بالحماية والذي يفرض على الدولة اتخاذ تدابير لمنع الغير في التدخل بالتمتع في الحق بالتعليم، "ونحن الآن أمام تدبير تقوم به المؤسسات الخاصة لمنع التلاميذ من الاستفادة من حقهم في التعليم من خلال رفضها منح الوثائق المدرسية لأولياء التلاميذ"، وفق تعبيره.

وأشار المتحدث أنه على الدولة أن تحمي حق التلاميذ في إتمام دراستهم، سواء باستثناء واجبات التلاميذ، أو أن تأخذ على عاتقها تعليمهم وحمايتهم من جشع القطاع الخاص، وإرجاع التعليم العمومي للمكانة اللائقة به وسط المجتمع المغربي.