محمد اليوبي.. طبيب أوبئة مغربي صنع منه كورونا نجما فغيبته وزارة الصحة

الرباط ــ الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بوجه بسيط وملامح مألوفة، بزغ نجم الدكتور محمد اليوبي، مدير مديرية الأوبئة والأمراض المعدية بوزارة الصحة المغربية، خلال أزمة كورونا التي أتت زحفا من أقصى القارة الآسيوية لتسجل أول إصابة في المغرب في 2 مارس/ آذار 2020.

منذ الأيام الأولى لانتشار الفيروس، أصبح محمد اليوبي نجم الشاشة بامتياز، فألغى كل الوجوه السينمائية ووصلات الإعلانات التقليدية، والمسلسلات اليومية وأصبح لقاء السادسة مساء، موعد ينتظره المغاربة لتتبع الحالة الوبائية لانتشار كورونا في المغرب.

موعد مع نجم

يوميا، يطل اليوبي على المغاربة في السادسة مساء عبر القناة التلفزيونية المغربية، ليعلن الحصيلة اليومية لفيروس كورونا، حتى أصبح اسمه مقرونا بالأرقام والإحصائيات.

يضبط اليوبي المعلومات التي يقدمها، فنادرا ما ينقل عن الورقة التي وضعت أمامه وسجلت عليها جميع المعلومات المراد تبليغها للرأي العام.

وعلى عكس السياسيين الذين يطلون على المغاربة ببدلات رسمية وربطة عنق أنيقة، اختار اليوبي لنفسه شكلا بسيطا سرع من وتيرة دخوله جميع البيوت فأصبح "ابن الشعب".

نهج اليوبي طريقة السهل الممتنع، فاختار الابتعاد عن لغة الخشب السياسية، يتحدث بلغة عربية مبسطة ومفهومة بعيدة عن اللغة الفرنسية التي ألف السياسيون الحديث بها، ما جعل لغة الأرقام يستوعبها المتعلم والأمي.

ثقة نفس كبيرة يتحدث بها اليوبي، أرقام أعدها بدقة ويحفظها عن ظهر قلب، يعطي من خلالها صورة متكاملة عن وضع الوباء في المغرب يوميا.

الصحفيون أيضا أصبحوا يترقبون طلة اليوبي على الشاشة يوميا، باعتبار أن مؤتمره الصحفي هو المصدر الرسمي للأرقام المعلن عنها حول انتشار كورونا في المغرب، بالإضافة إلى ذلك فإنه يحرص كل مرة على الرد على بعض الأسئلة التي يتم تداولها بين الصحفيين، حيث يتم تحويلها إلى وزارة الصحة قصد الرد عليها.

وإلى جانب المؤتمر الصحفي اليومي لوزارة الصحة تناط بمحمد اليوبي مدير مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض، مهمات جسيمة داخل الوزارة، منها القيام بمراقبة انتشار الأوبئة بين السكان، وتقييم الخصائص الوبائية للسكان، والقيام بجميع أعمال البحث والدراسة في مجال علم الأوبئة، وتخطيط وإنجاز برامج محاربة الأمراض.

أيضا يسهر اليوبي وسط الوزارة على برمجة وإنجاز الأعمال الرامية إلى حماية الوسط البيئي ودعم إنجاز برامج محاربة الأمراض بتدخلات وقائية، والقيام بمراقبة جودة المختبرات البيولوجية التابعة لوزارة الصحة العمومية وتحديد المعايير التقنية لتسييرها.

أيضا يوكل إليه مهمة النهوض والمساهمة في مراقبة تطبيق الأنظمة المتعلقة بالوقاية من الأشعة والمشاركة في حراسة وتتبع ومراقبة المنشآت التي تستخدم الإشعاعات الأيونية وكذا مراقبة النشاط الإشعاعي للبيئة.

غياب اضطراري

بعد مرور شهرين ونصف على بداية الوباء في المغرب، غاب محمد اليوبي عن الشاشة، ليظهر بدلا منه شخصيات أخرى بالتبادل من داخل المديرية في وزارة الصحة، الأمر الذي دفع المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي للمبادرة بالسؤال "أين غاب اليوبي؟".

سؤال تم طرحه بشكل كبير، وسرعان ما أجابت عنه الأخبار القادمة من وراء أسوار وزارة الصحة في العاصمة الرباط، فمدير مديرية الأوبئة قدم استقالته بعد خلاف تحول إلى نقاش حاد مع وزير الصحة خالد آيت طالب.

وفي حين أكدت مصادر من داخل الوزارة أن مدير مديرية الأوبئة قدم فعلا الاستقالة، لكنها رفضت، قالت مصادر أخرى مطلعة: إن اليوبي طالب بعطلة أسبوع بعد شهرين من العمل الشاق باعتباره لعب دورا محوريا في أزمة كورونا، لكن طب إجازته قوبل بالرفض من قبل الوزير.

ورجحت وسائل إعلام مغربية أسباب استقالة الرجل الثالث في هرم وزارة الصحة إلى المداخلات التي وجهت لوزير الصحة تحت قبة البرلمان بعدما طلبت إحدى البرلمانيات من الوزير التواصل مع المغاربة الذين لا يعرفونه ويعتبرون أن محمد اليوبي هو المسؤول الأول عن القطاع الصحي في البلاد.

وزارة الصحة حاولت أن تبعد الخلاف القائم بين الوزير واليوبي عن وسائل الإعلام، في الوقت الذي خرج فيه مستشار داخل الوزارة يدعى حفيظ الزهري المحسوب على "الأصالة والمعاصرة" المعروف بعدائه للعدالة والتنمية، ليؤكد في تدوينة على صفحته على "فيسبوك" أن الأمور ليست على ما لا يرام، خصوصا أن الصراع القطبي دخل على الخط، بعدما راج عن اليوبي انتماؤه لحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي.

عبارات الثناء على محمد اليوبي مدير مديرية الأوبئة والأمراض المعدية بوزارة الصحة لا تنقطع في تعليقات البث المباشر الذي يصاحب المؤتمر الصحفي اليومي، فرواد مواقع التواصل الاجتماعي يطالبون بعودة اليوبي، ويستفسرون عن أسباب غيابه المفاجئ.

حقيقة الاستقالة

وفي تصريح صحفي لموقع "اليوم 24" نشرته يوم 4 يونيو/حزيران 2020، خرج اليوبي ليكشف عن حقيقة استقالته من المنصب وخلفيات الموضوع، لينهي الجدل، مؤكدا أنه تراجع عنها بالنهاية حتى لا يتم التشويش على عمل الوزارة، خصوصا وأننا "بصدد الخروج من الأزمة".

ونفى المتحدث أن تكون بينه وبين وزير الصحة أية خلافات، مضيفا: "علاقتي به طيبة"، لكنه أفاد بأنه كان يتجه للاستقالة، بسبب خلافات مع مساعدين لوزير الصحة.

كما نفى اليوبي أن يكون له خلاف مع الكاتب العام (نائب الوزير)، أو أن يكون قد سعى لتولي المنصب، مسجلا أنه لم يقدم أصلا أي ترشيح لتولي هذه المسؤولية، ولم يعبر عن رغبته في المنصب.

من جهة أخرى، نفى اليوبي، أن يكون له أي انتماء حزبي، أو أية علاقة بحزب العدالة والتنمية، أو العدل والإحسان أو أي من الحركات التي تم ذكرها في وسائل إعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، مؤكدا أنه لا يمارس أي نشاط حزبي وليس متعاطفا مع أي من المكونات السياسية.

كما عبر اليوبي في الوقت ذاته، عن استغرابه لرغبة البعض في تحويل القضية إلى قضية سياسية، و"جعل الانتماء إلى الأحزاب كأنه جريمة"، مؤكدا بأن من يفعلون ذلك يسيؤون للبلاد كلها ولديمقراطيتها ويضربون في ثوابثتها.

من الطرب إلى الطب

ولد محمد اليوبي منتصف ستينيات القرن الماضي في مدينة فاس، العاصمة الروحية للمغرب، وسط عائلة إدريسية (سليلة مولاي إدريس الأول) فنية بسيطة وفي نفس الوقت محافظة.

والده هو الحاج عبد المالك اليوبي، أحد أكبر شعراء فن الملحون، ورث عنه حب الفن، فأصبحت هوايته الأولى قبل أن يختطفه عالم الطب في غير المجال نهائيا.

درس محمد اليوبي كلا من السلك الابتدائي والإعدادي والثانوي بمسقط رأسه فاس، في سنة 1983 عندما حصل على شهادة الثانوية العامة في العلوم التجريبية بثانوية "مولاي رشيد" بنفس المدينة، انتقل إلى العاصمة الرباط حيث تابع دراسته في كلية الطب والصيدلة ومنها تخرج سنة 1990 طبيبا عاما.

اشتغل اليوبي أول مرة في مدينة بني ملال (الوسط الغربي للمملكة) كطبيب رئيسي في عدد من المراكز القروية، بعدها تقلد منصب مهمة رئيس المرصد الجهوي للترقب الوبائي بجهة تادلة أزيلال لمدة سنتين، ثم قرر إكمال دراسته في علم الوبائيات وعلوم الصحة.

عاد اليوبي إلى مدينة الرباط حيث اشتغل كطبيب إطار بمديرية الأوبئة في مصلحة الترصد الوبائي لمدة سنتين قبل أن يصبح رئيسا للمصلحة، نظرا لقلة التخصص في مجاله في تسعينيات القرن الماضي، قبل أن تحدث في كليات الطب والصيدلة شعبة جديدة وهي تكوين الوبائيات بالمدرسة الوطنية للصحة العمومية.

كان محمد اليوبي أحد المؤسسين لشعبة دراسة علم الأوبئة بالمدرسة الوطنية للصحة العمومية، والتي أحدثت بشراكة مع مركز محاربة الأمراض بالولايات المتحدة الأميركية، كما أنه كان من الأوائل الذين تخرجوا منها  بعد تسجيله في أول دفعة.

أيضا، تقلد اليوبي مناصب أخرى داخل مديرية الأوبئة بوزارة الصحة، كمهمة مدير بالنيابة للمعهد الوطني للصحة، ثم رئيسا لقسم الأمراض السارية بالمديرية، وفي سبتمبر/ أيلول 2018، تم تعيينه رسميا مديرا لمديرية الأوبئة والأمراض المعدية بوزارة الصحة.