قانون صيني جديد.. هل يقضي على الحكم المستقل في هونغ كونغ؟

سليمان حيدر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تتوقف الصين عن محاولة السيطرة الكاملة على هونغ كونغ التي تتمتع بحكم شبه ذاتي منذ استعادتها من بريطانيا في عام 1997، لتعود المظاهرات مرة أخرى إلى المدينة التي تتمتع بحريات غير موجودة في بكين. 

وكانت هونغ كونغ تقع تحت الاستعمار البريطاني حتى عام 1997 وعادت إلى الصين بموجب اتفاقية مبدأها الأساسي "دولة واحدة ونظامان" وتنص على أن حماية بعض الحريات لهونغ كونغ منها حرية التجمع واستقلال القضاء وبعض الحقوق الديمقراطية الأخرى التي لا يمتلكها أي جزء آخر من البر الرئيسي للصين. 

الخطوة الجديدة جاءت من خلال مشروع قانون أمني جديد تبناه بعد ذلك البرلمان الصيني وصوت لصالحه بأغلبية كبيرة في 28 مايو/ أيار 2020، وصفه البعض بأنه قانون مطاط يجرم أفعال الانفصال أو التخريب أو تقويض السلطة المركزية للحكومة واستخدام العنف أو التخويف ضد الأفراد وأنشطة القوات الأجنبية التي تتدخل في هونغ كونغ. 

ومن بين الجوانب التي أثارت قلق المواطنين في هونغ كونغ اقتراح يسمح للصين بأن تنشئ مؤسساتها الخاصة في المدينة، وتكون المسؤولة عن الأمن داخل الإقليم، وأغلب هذه النقاط تتعارض مع المبدأ الأساسي الذي تم على أساسه بعد الاستعمار. 

مظاهرات الإقليم

يأتي مشروع القانون الجديد بعد مظاهرات استمرت عدة شهور بسبب قانون صيني آخر كان يسمح بإرسال المجرمين والمشتبه فيهم أو المتهمين إلى البر الرئيسي للصين واعتبره المتظاهرون أن الهدف منه هو تقويض الحريات في هونغ كونغ.

وأدت المظاهرات التي استمرت منذ منتصف العام 2019 وحتى بداية 2020 إلى إعلان الحكومة سحب مشروع القانون، لكن تأخر الحكومة في اتخاذ القرار أدى إلى رفع سقف مطالب المتظاهرين.

وطالب المتظاهرون بالتحقيق في وحشية الشرطة ضدهم والعفو عن المعتقلين منهم والتراجع عن تصنيفهم على أنهم "مثيرو شغب" بالإضافة إلى تنفيذ اقتراع عام حقيقي لهونغ كونغ. 

كما يعتبر القانون الصيني الجديد ردا على المظاهرات التي لم يوقفها إلا إجراءات مواجهة وباء كورونا، حيث قال وانغ تشين، نائب رئيس اللجنة الدائمة بمجلس الشعب  الصيني: إن الاحتجاجات في هونغ كونغ تحدت الحد الأدنى لمبدأ دولة واحدة ونظامين، مشيرا إلى أنها أضرت بسيادة القانون ومصالح الأمن والتنمية. 

وفي خضم انتشار كورونا الذي كان مصدره الأول مدينة ووهان الصينية، اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بكين بتصدير الوباء وأطلق عليه اسم "الفيروس الصيني"، مما استدعى ردا من الدولة الآسيوية، الأمر الذي يؤشر إلى مزيد من التدهور في العلاقات.

وخلال المظاهرات التي خرجت في 24 و27 مايو/أيار 2020، استخدمت شرطة هونغ كونغ الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المئات من المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع مرتدين ملابس سوداء في مناطق عدة. 

واعتقلت الشرطة ما لا يقل عن 120 شخصا في 24 مايو/أيار بالإضافة إلى ما يقرب من 300 آخرين في مظاهرات 27 من نفس الشهر بتهم التجمع غير القانوني وقالت: إن المتظاهرين رشقوا الشرطة بالحجارة وسائل مجهول ما أدى إلى إصابة أربعة على الأقل من فريق الاتصال الإعلامي بالشرطة. 

من جانبها اعتبرت أحزاب المعارضة في هونغ كونغ أن الخطوة الصينية تظهر السيطرة المباشرة للصين على هونغ كونغ.

وخلال مؤتمر صحفي لأحزاب المعارضة في 22 مايو/أيار، قال النائب السابق المؤيد للديمقراطية تشوك يان: إن الصين تحاول حظر أي منظمة داخل هونغ كونغ تتجرأ على التحدث علنا ضد الحزب الشيوعي، مؤكدا أن ما تفعله بكين تحد للقيم العالمية. 

واتهم يان الرئيس الصيني بأنه مزق الادعاء بدولة واحدة ونظامين الذي عاد بموجبه الإقليم إلى الصين بعد أن كان مستعمرة بريطانية. 

ردود فعل دولية 

لم يختلف موقف حكومة هونغ كونغ الحالي عن ذلك الذي اتخذته من القانون الذي أثار أزمة منتصف 2019، حيث تعبر المواقف عن موالاة الرئيسة التنفيذية للمدينة كاري لام للصين. 

وتعتبر لام وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب أن القانون الصيني سيعاقب أقلية ضئيلة تهدد الأمن القومي مؤكدة وجود صعوبات في سن القوانين في برلمان هونغ كونغ خلال المستقبل القريب، ولذلك فهي ترى أن هناك حاجة ملحة لتمرير القانون من قبل مجلس الشعب الوطني. 

وبالرغم من المظاهرات المستمرة الرافضة للقوانين الصينية التي تسعى من خلالها إلى زيادة السيطرة على الإقليم، عبرت لام في تصريحات لها في 28 مايو/أيار عن اعتقادها بأن معظم الشعب سيدعم القانون الجديد، كما تعهدت في اليوم التالي أمام البرلمان بالتعاون الكامل مع القانون الأمني الجديد. 

ويخشى الناشطون من توقيفهم على خلفية ترديد الهتافات التي رفعوها خلال تظاهرات 2019 ومنها "هونغ كونغ حرة، ثورة عصرنا"، حيث تعتبر هذه الشعارات غير قانونية على أساس التعريف المطاط والواسع للتخريب في هذا القانون.

لكن وزيرة العدل السابقة إلسي ليونغ تقول في تصريحات لوكالة فرانس برس: إن هذا القانون ربما يشمل الأنشطة التي تهدف إلى تقويض الحكومة المحلية في هونغ كونغ.

 وعبرت عن اعتقادها بأن ترديد تلك الشعارات في حد ذاته مهم للغاية، ولكن عندما تقترن الهتافات بسلوكيات أخرى، يكون هذا بمثابة تخريب لحكومة هونغ كونغ.

وأثار القانون الصيني ردود فعل دولية بين مؤيد ومعارض للخطوة الصينية، حيث انتقدها الاتحاد الأوروبي ورأى فيها مسعى صينيا لمزيد من السيطرة على الإقليم وأكد أنها قد تؤثر على العلاقات بين الجانبين، لكن بروكسل استبعدت اتخاذ خطوة تنفيذية ضد بكين التي تعتبرها أكبر شريك تجاري. 

وفي 29 مايو/أيار، أكد مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية جوزيب بوريل أن الصين بهذه الخطوة تقوض مبدأ "بلد واحد ونظامين" والدرجة العالية من الحكم الذاتي لهونغ كونغ.

فيما توقع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في الاجتماع الذي جرى عبر الفيديو كونفرانس، أن حماية حريات وحقوق المواطنين عبر قانونهم الأساسي وأنه لا يمكن تقويض الحكم الذاتي الذي يتمتع به الإقليم. 

كما عبرت بريطانيا والولايات المتحدة عن انزعاجهما وقلقهما بشأن إقرار القانون الصيني في هونغ كونغ، وقالتا في بيان مشترك وزعته البعثة البريطانية في الأمم المتحدة: إن وفدي البلدين أثارا في جلسة مجلس الأمن المغلقة، التطورات الأخيرة المتعلقة بهونغ كونغ.

وأكدت واشنطن ولندن على أن هذا التشريع يعمل على تقليل الحريات التي تعهدت بها الصين كمسألة تتعلق بالقانون الدولي وأنه إذا ما تم تنفيذه سيؤدي إلى تفاقم الانقسامات العميقة القائمة في هونغ كونغ. 

وفي مقابل الانتقادات الأوروبية والأميركية، وقفت كوريا الشمالية في صف بكين وأعلنت تأييدها للقانون، معتبرة أن قضية هونغ كونغ تتعلق بالشأن الداخلي للصين وأنه لا يحق لأي دولة أو قوة القول بغير ذلك. 

عقوبات وتحذيرات 

الولايات المتحدة لم تقف موقف المتفرج أمام القانون الذي تحاول الصين أن تفرضه على مواطني هونغ كونغ وتحدثت منذ بداية الإعلان عنه بلهجة متصاعدة وهددت في الآونة الأخيرة بفرض عقوبات ليست فقط على الصين وإنما أيضا على هونغ كونغ التي توالي حكومتها للنظام الشيوعي الصيني. 

وفي 27 مايو/أيار، أبلغ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الكونغرس أن الإقليم لم يعد يتمتع بهذه الميزة وهو من شأنه أن يعامل على أنه تابع للصين. 

وبعد إعلان بومبيو بيومين جاءت تصريحات أخرى للرئيس دونالد ترامب، كشف فيها عزمه إلغاء بعض الامتيازات المعطاة للإقليم منذ عام 1997 في إطار العلاقة الخاصة التي تربطها بالولايات المتحدة، معتبرا أن الصين لم تحترم الوعد باستقلاليته. 

ووجه ترامب حكومته لبدء عملية إلغاء الإعفاءات والمميزات التي منحت لهونغ كونغ، مؤكدا أن القرار سيؤثر على كل الاتفاقات المبرمة معها بما فيها الاتفاقات التجارية والمالية بالإضافة اتفاق تسليم المطلوبين.

واعتبرت كيلي كرافت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة أن الصين دمرت الحكم الذاتي لهونغ كونغ وأنها لا تفي بالالتزامات إلا إذا كانت مناسبة لها. وقالت في بيان: إن واشنطن تحث مجلس الأمن الدولي على مطالبة بكين بالوفاء بالتزاماتها القانونية تجاه الإقليم. 

وتصاعد التوتر بين بكين والولايات المتحدة على خلفية القانون، واعتبرت الأولى على لسان الناطق باسم الحزب الشيوعي الحاكم تدخل واشنطن لإنهاء بعض الامتيازات التجارية الممنوحة لهونغ كونغ تدخلا في شؤون الصين الداخلية ومحكوم عليه بالفشل. 

وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن الصين هددت برد انتقامي بسبب تحرك الولايات المتحدة نحو إلغاء المزايا التجارية لهونغ كونغ.

وردت صحيفة الشعب اليومية الرسمية الصينية على ترامب قائلة: إن أي تدخل في شؤون هونغ كونغ لن يخيف الشعب الصيني، مشددة على أن كل محاولات إجبار بكين لتقديم تنازلات من خلال الابتزاز أو الإكراه "يمكن أن يكون مجرد أمنية وحلم". 

وقالت الخارجية الصينية في بيان في 27 مايو/أيار: إن هونغ كونغ منطقة إدارية خاصة للصين وأن الأمن القومي يقع على عاتق الحكومة المركزية في بكين، مؤكدة على لسان المتحدث باسم الخارجية أنها ستتخذ كافة التدابير اللازمة ضد التدخلات الأجنبية. 

ومن المقرر أن تنعقد الانتخابات البرلمانية في هونغ كونغ في سبتمبر/أيلول 2020، وإذا ما عززت المعارضة وأنصار الديمقراطية من مقاعدها داخل البرلمان من خلال الانتخابات المقبلة، فذلك قد يؤدي إلى صعوبة تمرير أي قوانين جديدة.