الحراك اللبناني يضغط مجددا على الحكومة.. ما خيارات حسان دياب؟

محمود سامي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع تخفيف الإجراءات الحكومية لمنع انتشار فيروس كورونا في لبنان، تجددت الاحتجاجات الشعبية لتضع حكومة رئيس الوزراء حسان دياب أمام "تحديات" صعبة.

وتحت شعار "الثورة تمر ببعبدا" خرج محتجون لبنانيون، في 31 مايو/أيار 2020، في تظاهرة كبيرة أمام القصر الرئاسي، في أبعد نقطة يصلون إليها منذ انطلاق انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، المنددة بواقع اقتصادي واجتماعي صعب تشهده البلاد، وفق إعلام محلي.

وزاد الفقر وارتفاع التضخم والبطالة، التي فاقمتها إجراءات إغلاق البلاد مع تفشي كورونا من تنامي حالات اليأس في الأوساط الشعبية اللبنانية.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قدر البنك الدولي أن معدلات الفقر في لبنان ستبلغ 50% عام 2020، فيما أدى التضخم إلى ارتفاع شديد في أسعار الاحتياجات الضرورية مثل الغذاء والدواء والخدمات.

يأتي ذلك بينما يواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، دفعت الحكومة إلى مفاوضات رسمية مع صندوق النقد الدولي؛ لمناقشة خطة إنقاذ وطلب مساعدات بقيمة تقارب 10 مليارات دولار.

ومن المتوقع أن تنطوي أي خطة إنقاذ على إصلاحات اقتصادية مؤلمة، في بلد مبني على نظام سياسي طائفي، ومن المرجح أن تواجه مثل هذه الخطة مقاومة شديدة من الأحزاب اللبنانية، وفق مراقبين.

ويشهد لبنان، منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، احتجاجات شعبية غير مسبوقة ترفع مطالب سياسية واقتصادية، وأجبر المتظاهرون بعد 12 يوما من الاحتجاجات، حكومة سعد الحريري على الاستقالة، وحلت محلها حكومة دياب، في 11 شباط/ فبراير 2020.

وثمة خوف من أن الاضطرابات الشعبية قد تنهي الاستقرار النسبي الذي يشهده لبنان منذ نهاية حربه الأهلية قبل 30 عاما.

وتنديدا بالواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب، تجددت المظاهرات الأخيرة، في عدة مناطق لبنانية، تركزت قبالة مجلس النواب وسط العاصمة بيروت، وفي مفترقات الطرق المؤدية إلى القصر الجمهوري في بعبدا، وأمام منزل وزيرة الدفاع زينة عكر.

ووفق وسائل إعلام محلية، وصل المتظاهرون إلى نقطة على طريق القصر الجمهوري، لم يصلوا إليها سابقا، وعندما منعهم عناصر القوى الأمنية من التقدم أكثر باتجاه القصر، افترشوا الطريق، مع وصول تعزيزات عسكرية إلى المكان، واتخاذ إجراءات أمنية مشددة.

ونقلت الوكالة اللبنانية للأنباء عن المتظاهرين قولهم: إن الحراك يأتي ضمن مسيرات ينفذونها منذ أيام أمام مقار ومنازل المسؤولين، رفضا للواقع الاقتصادي والمعيشي الراهن.

صمود الحكومة

الباحث والإعلامي اللبناني قاسم قصير، عزا عودة الاحتجاجات في بلاده إلى أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، موضحا: "على الصعيد السياسي هناك بعض المجموعات تريد إعادة توجيه الأنظار لسلاح حزب الله، وتحميله مسؤولية الأزمة".

وأضاف قصير لـ"الاستقلال": "يترافق ذلك مع ضغوط إقليمية ودولية ولكن هذه المجموعات محدودة".

وبين أن "هناك مجموعات أخرى تعيش أوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة وهي تنزل إلى الشارع احتجاجا على الوضع الصعب وبسبب أداء الحكومة والجهات الرسمية".

لكنه استدرك بالقول: "حتى الآن التحركات محدودة وهناك دعوة للتحرك يوم السبت المقبل (6 يونيو/حزيران)"، موكدا أن "الحكومة صامدة ومن الصعب إسقاطها حاليا".

أما على صعيد الحوار مع صندوق النقد الدولي، أوضح قصير أنه "مستمر وهناك حوار مكثف وتسعى الحكومة لإنجاح الحوار وإن كانت الصعوبات كثيرة".

وعن تجاوب الصندوق مع الحكومة اللبنانية، ربطه ببعض الجهات الدولية والإقليمية، والتي تريد الاستفادة من ذلك للضغط على الحكومة وحزب الله وحلفائه وتحقيق بعض المطالب السياسية والداخلية، وفق قوله.

وأوضح أنه "من الصعب الحكم على النتائج (مفاوضات النقد الدولي والحكومة) الآن؛ لأننا في بداية المفاوضات واستبعد فشلها كلية".

غياب البديل

متفقا مع الطرح السابق، عزا مهند الحاج، الباحث المقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، الاحتجاجات إلى سببين: الأول له علاقة بالمطالب المعيشية وتردي الوضع الاقتصادي، مشيرا إلى أن الناس في لبنان وصلت مرحلة بات فيها تأمين سلة الغذاء الأساسية صعب وغال.

أما السبب الثاني للاحتجاجات، وفق حديث الحاج لـ"الاستقلال"، فيعود إلى الصراعات المتزايدة بين أقطاب السلطة نفسها، لأن الكعكة التي كانوا يتقاسمونها فيما بينهم تقلص حجمها.

وأضاف: أن "الحصص التي كانوا يوزعونها من قبل كانت أساسية في لُحمة الطبقة السياسية وائتلافها في مراحل مختلفة ومهمة من تاريخ البلاد، أما الآن فلا توجد مصادر دخل أساسية يمكن الاستحواذ عليها".

أما عن إسقاط الحكومة عبر الاحتجاجات الراهنة، بحسب الحاج "فهو أمر سيكون صعب في المرحلة المقبلة لسبب أساسي؛ وهو غياب البديل".

وأوضح أن "هناك توافقا ضمنيا داخل الطبقة السياسية في لبنان على أن حكومة دياب رغم توجيه السهام إليها وانتقاضها على كل مفترق طريق إلا أنها تقوم بما يجب القيام به".

واستشهد في هذا الصدد بذهابها إلى "صندوق النقد الدولي وإجراء إصلاحات يطالب بها المجتمع الدولي والجهات المانحة"، مستدركا بالقول: إن "هذه خطوات لا تحظي بشعبية لدى الناس وبالتالي يتعفف عنها السياسيون ويقولون إنهم لا يوافقون عليها ويلومون الطرف الآخر (الحكومة)".

وعن فرص نجاح حكومة دياب في الحصول على قرض صندوق النقد، قال: إن "ذلك ممكن"، مضيفا: "نسمع عن ضغوضات باتجاه الإسراع في الإصلاح لأجل الحصول على دفعة أولى تمنع البلاد من مزيد من الانهيار بما أن الاحتجاجات ستبدأ قريبا مع تراجع جائحة تفشي كورونا في لبنان".

وحذر من أن ذلك "يعني مزيدا من الفوضى وربما احتجاجات أكبر وضغوط أكبر على قوى الأمن والجيش بما يؤدي إلى زعزعة أمن البلاد"، مشيرا إلى أنه "إذا حدث ذلك أعقتد أن المجتمع الدولي لا يحتاج إلى دولة فاشلة أخرى في المنطقة ولذلك قد يقدم على الإسراع بالإقرار بالمساعدة".

خطة خمسية

وفي 30 أبريل/ نيسان 2020، صادقت الحكومة اللبنانية بالإجماع، على خطة إنقاذ اقتصادي، في خطوة تعول عليها لانتشال البلاد من مستويات تراجع حادة، أفضت إلى عجز عن دفع ديون خارجية.

وقال رئيس الوزراء دياب، في كلمة وجهها إلى اللبنانيين آنذاك: إن "الحكومة تمتلك لأول مرة في تاريخها خطة اقتصادية متكاملة، اليوم أستطيع القول إننا نسير في الطريق الصحيح لإخراج لبنان من أزمته المالية العميقة".

وفي تفاصيل الخطة، كشف دياب على حسابه في تويتر أنها "تنطلق بضرورة البدء فورا بتنفيذ الإصلاحات.. والسعي إلى الحصول على مساعدة مالية من صندوق النقد".

وتستهدف الخطة حسر العجز في الحساب الجاري إلى 5.6 ٪، والحصول على دعم مالي خارجي يفوق 10 مليارات دولار بالإضافة إلى أموال مؤتمر سيدر، والعودة إلى النمو الإيجابي اعتبارا من العام 2022، واعتماد الدعم المباشر وغير المباشر للفئات غير الميسورة وتنفيذ برامج اجتماعية في هذا المجال.

و"سيدر"، هو مؤتمر اقتصادي عُقِدَ في باريس عام 2018، بمشاركة 50 دولة، بهدف دعم اقتصاد لبنان، حيث بلغت القروض المالية الإجمالية المتعهّدة من الدول المانحة قرابة 12 مليار دولار.

كما يهدف البرنامج إلى "العودة إلى الفائض الأولي في المالية العامة في العام 2024، وهيكلة محفظة الدين السيادي وتقليص نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي إلى ما دون 100 بالمئة".

وتهدف أيضا "إلى إعادة هيكلة القطاعين المصرفي والمالي للسماح للاقتصاد بإعادة الانطلاق وتوفير فرص عمل جيدة ومستدامة، وإطلاق قطاعات اقتصادية واعدة جدا تتماشى مع قدرات اللبنانيين العالية".

وفي المالية العامة، ستقوم الحكومة اللبنانية "بالإصلاحات الأساسية، مثل قطاع الكهرباء ونظام نهاية الخدمة وتعويض الصرف والضرائب العادلة والتصاعدية التي لا تصيب العمل والإنتاج".

فيما ستحظى مسألة استعادة الأموال المنهوبة بحيز أساسي من عمل الحكومة للتعويض على اللبنانيين عن الجرائم التي اقترفت بحقهم، بحسب الخطة.

موقف ضعيف

لكن في المقابل، فجر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش، في 27 مايو/ أيار 2020، مفاجأة حول مفاوضات الحكومة وصندوق النقد، إذ فند العوامل التي تضعف موقف بيروت في المفاوضات.

وفي تغريدة له على تويتر، قال كوبيش: إن "الأرقام المختلفة التي قدمتها كل من الحكومة ومصرف لبنان حول الخسائر بالإضافة الى عدم إحراز تقدم في التعيينات القضائية وغيرها من التعيينات والتأخير في إصلاح قطاع الكهرباء كلها عوامل تضعف موقف بيروت في المناقشات مع صندوق النقد الدولي، لا يمكن للبلد أو الشعب تحمل ذلك أكثر".

كما رأى السياسي اللبناني المعارض سمير جعجع، في 29 مايو/أيار، أن الفرصة ضئيلة أمام بلاده للحصول على مساعدات يحتاجها بشدة من صندوق النقد الدولي، في ضوء فشل الحكومة في القيام بإصلاحات يطالب بها المانحون لمعالجة الأزمة المالية، وفق قوله.

ويتزعم جعجع حزب القوات اللبنانية، ثاني أكبر الأحزاب المسيحية في البرلمان، ويعارض جماعة حزب الله الشيعية، المدعومة من إيران، وحليفها المسيحي التيار الوطني الحر الذي ينتمي له الرئيس ميشال عون، وهما يدعمان الحكومة.

وفي 27 مايو/ أيار، أشارت صحيفة "المدن" اللبنانية إلى شروط دولية أساسية لبدء الحديث في حصول بيروت على مساعدات وحجمها، تتمثل في: إصلاح قطاع الكهرباء (المسؤول عن 40% من ديون لبنان وفق تقديرات البنك الدولي عام 2016).

وثانيا: إغلاق المعابر ومراقبتها من جهات دولية موثوقة، على أعتاب تطبيق "قانون قيصر" لمعاقبة النظام السوري، وهو ما يرفضه "حزب الله" اللبناني الذي يتمسك بالمعابر.

إضافة إلى "تحرير سعر صرف الليرة"، والذي تعتبره الجهات الدولية تقنيينا، لا سيما إخراج ألوف الموظفين من الإدارات الرسمية، ما يؤدي إلى أزمة معيشية وتعثر الحكومة أكثر فأكثر، وفق مراقبين.

وشددت الصحيفة اللبنانية أن إسقاط الحكومات في بلادها، غالبا ما يكون ثمرة عوامل متداخلة، إقليمية ودولية ومحلية، مشيرة إلى أن هذه اللحظة لم تحن بعد؛ لكن الأكيد أن الحكومة ستكون أمام مزيد من المشاكل الاقتصادية والسياسية، في ظل التضارب والتنافس المحموم بين مكوناتها.