المناوشات بين السودان وإثيوبيا على الحدود.. ما انعكاساتها على سد النهضة؟

محمود سامي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ألقى الصدام العسكري والتوترات الأمنية المرتبطة بالحدود السودانية الإثيوبية بانعكاساته على أزمات محلية وإقليمية على رأسها مباحثات سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل وتتخوف مصر من تداعياته على حصتها المائية.

الخميس 28 مايو/أيار 2020، اشتبك الجيش السوداني مع نظيره الإثيوبي، على خلفية محاولة مليشيات إثيوبية سحب المياه من نهر عطبرة (أحد روافد نهر النيل)، وزراعة أراض سودانية دون موافقة الخرطوم، وفق تقارير صحفية.

فيما قال الناطق باسم الجيش السوداني، عامر محمد الحسن، في بيان: إن الاشتباكات أسفرت عن مقتل ضابط سوداني وإصابة 6 آخرين، حسب وكالة الأنباء السودانية.

وتجددت التوترات الحدودية بين الجانبين، إثر تصعيد عسكري مماثل قبل أسابيع، حول منطقة "الفشقة" إحدى محليات ولاية القضارف الحدودية (شرق السودان) المتنازع عليها رغم اعتراف أديس أبابا بسودانية المنطقة محل النزاع، واتخاذ البلدين خطوات نحو عملية ترسيم الحدود.

وتأتي تلك المناوشات العسكرية بعد نحو أسبوعين على رفض السودان مقترحا إثيوبيا لتوقيع اتفاق ثنائي بشأن سد النهضة، للالتفاف على مفاوضات الاتفاق الثلاثي برعاية أميركية، وقابله رفض إثيوبي وتحفظ سوداني.

تصعيد متجدد

بدأت التوترات الأمنية المتجددة على الحدود المشتركة، في أعقاب توغل قوة من الجيش الإثيوبي، الثلاثاء 26 مايو/أيار 2020، ومحاصرتها معسكرا للجيش السوداني بمنطقة "القلابات" بولاية القضارف داخل الأراضي السودانية.

وذكر بيان الجيش السوداني أن اجتماعات مشتركة عقدت مع نظيره الإثيوبي، لتجاوز الأمر تم خلالها الاتفاق على سحب القوات الإثيوبية إلى معسكرها

إلا أن قوة من الجيش الإثيوبي عاودت الهجوم والاشتباك مع القوات العسكرية السودانية في تلك المنطقة، وجرى تبادل إطلاق النار، ما أدى إلى مقتل ضابط برتبة نقيب، و6 أفراد من القوة ومدنيين، وفق البيان.

وجاءت تلك التوترات بعد نحو أسبوعين من مباحثات رفيعة جرت بين رئيسي وزراء البلدين لمعالجة قضايا الحدود، على خلفية توتر مماثل في منطقة الفشقة الحدودية.

وآنذاك أجرى وفد سوداني رفيع المستوى، مباحثات في أديس أبابا بشأن قضية الحدود بين البلدين، واتفق الطرفان على مواصلة اجتماعات اللجان السياسية المشتركة

كما سبق أن زار رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، في مطلع أبريل/ نيسان 2020، المنطقة العسكرية بمدينة القلابات، مؤكدا أن القوات المسلحة السودانية جاهزة للتصدي لحماية الحدود، بصفته واجبا مقدسا.

ورقة الحدود

وفي هذا الصدد، قال الباحث السوداني المهتم بالشأن الإفريقي، عباس محمد صالح: "استمرار  التوترات السودانية الإثيوبية، ربما تنعكس على مواقف البلدين داخل مفاوضات سد النهضة، لاسيما مع التغير النسبي والمفاجئ الذي طرأ على موقف السودان مؤخرا بعد رفضه عرضا إثيوبيا لتوقيع اتفاق ثنائي بخصوص مسألة ملء السد".

وأشار صالح في حديث للاستقلال، إلى أن الجانب الإثيوبي قلق من حدوث مثل هذا الاحتمال، موضحا: "إن لم يؤثر على نتائج سد النهضة كما تراها أديس أبابا، قطعا سيضعف موقفها".

وفي 12 مايو/ أيار 2020، رفض السودان مقترحا بتوقيع اتفاق جزئي بينه وبين إثيوبيا، بشأن الملء الأول لسد النهضة الذي تتمسك أديس أبابا بالشروع فيه في يوليو/ تموز 2020، وشدد على أهمية توقيع اتفاق تكون مصر طرفا فيه.

وتتحرك الخرطوم نحو استئناف التفاوض بمرجعية "مسار واشنطن"، التي رفضت أديس أبابا التوقيع عليه في فبراير/ شباط 2020، بعد انخراط الولايات المتحدة كوسيط بجانب البنك الدولي لإيجاد حلول لخلافات الدول الثلاث

تداعيات كارثية

وذهب صالح إلى أن التطورات الأخيرة بين البلدين ستنعكس أيضا على أجواء اجتماع المتابعة المشترك في يونيو/ حزيران 2020، والذي اتفق على عقده البلدان مؤخرا في ختام اجتماعات اللجنة السياسية رفيعة المستوى بشأن الحدود، والذي انعقد في أديس أبابا منتصف مايو/أيار 2020.

وتوقع صالح في هذا الشأن أن "يمارس الجانب السوداني ضغوطا على نظيره الإثيوبي، مستخدما ورقة التوترات الأخيرة على الحدود، بينما سيكون الجانب الإثيوبي أمام خيارات صعبة، خاصة وأنه لا تتوفر له الإرادة السياسية لحسم هذا الملف لاعتبارات تتصل بالتوازنات السياسية المحلية"، وفق قوله.

وأضاف: أن الزخم الذي صاحب التطورات الأخيرة بين السودان وإثيوبيا "يعد أكبر دافع لقادة البلدين حاليا للتفكير جديا في طي هذه الصفحة بشكل نهائي، وإلا ستكون مهددا للعلاقات المتميزة التي تربطهما"، محذرا من أن أي تكرار لمثل هذه الحوادث مستقبليا "سيكون كارثيا في تداعياته ونتائجه"

دور مصري

في المقابل، قال الصحفي الإثيوبي عبد المنعم عبد السلام: "هذه الأحداث تأتي في خضم الحرب الإعلامية والدبلوماسية الإقليمية بين مصر وإثيوبيا ومحاولة كل منهما كسب السودان إلى صفه، ما دفع الإعلام المصري إلى تأجيج تلك الأحداث إعلاميا وتصويرها على أنها بداية لشرارة حرب بين البلدين".

وأضاف لـ"الاستقلال": "لا يوجد خلاف حدودي بين السودان وإثيوبيا، وإنما وقع حدث (التوترات الحدودية) لا يعدو أن يكون تصرف من قبل بعض المليشيات والمتنفذين في المنطقة، وإن كان ذلك له مؤشرات سلبية على قدرة الحكومة الإثيوبية في كبح تلك المليشيات".

وزاد بالقول: "وربما المخابرات المصرية وجدت ضالتها في هذه الأزمة، ومدت تلك العصابات بالمال وربما السلاح ودفعتها للقيام بتلك الاعتداءات على السودان".

وأوضح أن "الهجمات تنظمها عصابات إجرامية وقطاع طرق يسمون محليا بالشفتة، قد يكونون مدعومين من قوات تابعة لإقليم الأمهرة وليس للجيش الفيدرالي"، مشيرا إلى أن "الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا فاقدة للسيطرة في بعض الأقاليم، وهناك تجاذبات سيادية حادة داخلية أثرت على أداء حكومة بآي أحمد في إثيوبيا".

ولم يتسن الحصول على تعقيب من القاهرة، بشأن ما ذكره عبد السلام من اتهامات بضلوعها في تأجيج التوترات الحدودية بين البلدين، وإن كانت السلطات المصرية تؤكد في أكثر من مناسبة على عدم تدخلها في شؤون دول الجوار.

تصعيد سوداني

على خلفية الأحداث الأخيرة، استدعت الخارجية السودانية، في 29 مايو/أيار 2020، القائم بالأعمال الإثيوبي بالخرطوم، احتجاجا على الاعتداءات التي قامت بها مليشيات مسنودة من الجيش الإثيوبي على أراضيها.

وأبلغ الخرطوم، القائم بالأعمال الإثيوبي إدانتها ورفضها للاعتداء الذي يأتي في وقت تستعد فيه الخرطوم لانعقاد الاجتماع الثاني للجنة المشتركة لقضايا الحدود بين البلدين.

الجيش السوداني اتهم، في بيان، نظيره الإثيوبي بإسناد ودعم المليشيات في اعتداءاتها المتكررة على الأراضي والموارد السودانية.

وقال المتحدث باسم الجيش عامر محمد الحسن: إن القوات المسلحة السودانية تمد حبال الصبر لإكمال العملية التفاوضية مع إثيوبيا لوضع حد للعمليات العدائية الإجرامية. وطالبت الحكومة السودانية الجانب الإثيوبي باتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف مثل تلك الاعتداءات.

تهدئة إثيوبية

بدورها، دعت الخارجية الإثيوبية، الأحد، السودان إلى إجراء تحقيق مشترك لاحتواء أزمة التوتر الحدودي التي شهدها البلدان الأيام الماضية.

وحثت أديس أبابا، في بيان السودان على العمل معا من خلال الآليات العسكرية القائمة لمعالجة الظروف المحيطة بالحادث.

كما أعربت عن "خالص تعازيها وتعاطفها مع أسر الضحايا في البلدين، مؤكدة أن الحادث لا يمثل العلاقات القوية والمتينة التي تربط شعبي البلدين".

وشددت على أن "أفضل طريقة لمعالجة مثل هذه الحوادث من خلال المناقشات الدبلوماسية على أساس العلاقات الودية والتعايش السلمي بين البلدين".

وأكدت الخارجية الإثيوبية "أهمية تعزيز الجو الودي الذي يعكس العلاقات الأخوية الطويلة الأمد بين البلدين القائمة على حسن الجوار والتفاهم المتبادل".

جذور النزاع

تعد الحدود المتداخلة والمشتركة بين البلدين، من أطول الحدود في القارة الإفريقية، حيث تقدر بـ727 كلم والأقدم نزاعا، وفق تقارير.

وفي الآونة الأخيرة، يتجدد النزاع حول منطقة الفشقة المتاخمة للحدود المشتركة، وتقع المنطقة بين عوازل طبيعية مائية كالأنهار والمجاري المائية، وتبلغ مساحتها نحو 250 كم مربعا.

وتتمتع المنطقة بمزايا عديدة تجعلها دائما محل أطماع خارجية لا سيما في ظل غياب أمني حدودي لسنوات تعادل ربع قرن، حيث تتميز بالخصوبة وترويها أنهار عذبة، وتتساقط عليها الأمطار في الخريف، وتشتهر بإنتاج الصمغ العربي والقطن والذرة والسمسم إلى جانب الخضروات والفواكه.

وتشهد المنطقة أحداث عنف بين مزارعين من الجانبين خصوصا في موسم المطر، كما أن عصابات "الشفتة" الإثيوبية تنشط في المنطقة، وتستولي على أراضي المزارعين السودانيين بعد طرد السكان منها بقوة السلاح.

وتعود جذور أزمة النزاع الحدودي لعقود بعيدة، فتاريخ الخلاف على الفشقة يرجع للقرن الـ19، والذي كان قد انتهى إلى حل قانوني دبلوماسي بتوقيع معاهدة أديس أبابا في مايو/ أيار 1902 والتي تم بمقتضاها ترسيم الحدود الشرقية للسودان مع إثيوبيا ما أدى إلى حدوث استقرار مؤقت.

وزاد من حدة الأزمة الحدودية، تغاضي الأنظمة المتعاقبة لكلا البلدين بدوافع واعتبارات سياسية، لكن مع وصول المجلس العسكري السوداني لإدارة الفترة الانتقالية، برزت مشكلة الحدود مجددا.

وقبل أسابيع قامت مجموعة من المزارعين الإثيوبيين، بتجاوز حدود بلادهم والدخول إلى الأراضي السودانية والقيام بزراعة المنطقة الحدودية المعروفة بخصوبتها، ليعود الوضع لنقطة الخلاف القديمة.

وينتظر أن ينهي البلدان، النزاع الحدودي بعد أن خطيا خطوات عملية في البدء بعمليات ترسيم الخط الفاصل ووضع العلامات الحدودية، وانسحاب قوات الجانبين، كل إلى حدوده.

ومن المقرر أن تبدأ اللجنة المشتركة في وضع العلامات المحددة للحدود في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بحيث تنتهي من عملها في آذار/مارس 2021.