ضابط بالحرس الثوري يترأس البرلمان الإيراني.. ما دلالات الاختيار؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عزز انتخاب رئيس بلدية طهران السابق، محمد باقر قاليباف رئيسا للبرلمان الإيراني، سلطة التيار المحافظ بالبلاد في ظل احتدام التوتر بالمنطقة مع الولايات المتحدة، إضافة إلى أوضاع الأخيرة الداخلية، ولا سيما أزمة كورونا والتدهور الاقتصادي.

وصول شخصية محافظة إلى رئاسة البرلمان، يرجح الكفة السياسية لمصلحة المحافظين الذين يعارضون سياسة الرئيس الحالي حسن روحاني، الأمر الذي أثار جملة تساؤلات بشأن انعكاس ذلك على التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتداعياته على الصراع الأميركي الإيراني.

وفاز قاليباف برئاسة البرلمان الإيراني في 28 مايو/ أيار 2020 بعدما حصل على 230 صوتا من أصوات النواب الحاضرين في اجتماع المجلس، والبالغ عددهم 264 نائبا.

وحسب وكالة "فارس" الإيرانية شبه الرسمية، تنافس على كرسي رئاسة مجلس الشورى (البرلمان)، نائبان آخران هم فريدون عباسي الذي نال 17 صوتا، ومصطفى ميرسليم، ونال 12 صوتا.

كما تم انتخاب النائب أمیر حسین قاضي زادة هاشمي بـ 208 أصوات، وعلي نیكزاد بـ 196 صوتا بصفة النائبين الأول والثاني لرئيس المجلس على التوالي.

"دلالات مهمة"

وصول أحد قادة الحرس الثوري الإيراني السابقين إلى رئاسة البرلمان، له دلالات على المستوى السياسي الداخلي في إيران، والتي تنعكس بالضرورة على ملفاتها الخارجية، وخصوصا في سياساتها بالمنطقة والعلاقة مع واشنطن.

المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني الدكتور علي فضل الله قال عبر تصريح صوتي لـ"بي بي سي" في 28 مايو/ أيار 2020: "وصوله (قاليباف) إلى سدة مجلس الشورى له دلالة مهمة على تماسك القيادة في إيران، وهذا يعني أنها أصبحت أكثر قدرة على اتخاذ قرارات قوية وجريئة".

ورأى أستاذ القانون الدولي والعلوم السياسية في تحليله أن "النقاشات القوية التي تحدث داخل إيران، وتعدد الآراء واختلاف التيارات ستكون أقل تأثيرا هذه المرة في تأخير صدور بعض القرارات".

وبعدما أصبح محمد باقر قاليباف أحد أهم أضلاع مثلث نظام الحكم في إيران، يقول الدكتور علي فضل الله: إنه "يمكن القول إن إيران اليوم على المستوى السياسي أصبحت أكثر تماسكا".

من جهته، رأى الكاتب محمد علوش خلال مقال بموقع "النشرة" في 30 مايو/ أيار 2020، أن وصول قاليباف، إلى رأس ​مجلس الشورى​ الإسلامي له دلالات على المرحلة الحالية، التي تدخلها ​إيران​، خصوصا في ظل التغييرات على المستوى القيادي".

ولفت إلى أن ترؤس عمدة طهران السابق للبرلمان أظهر اتفاقا بين جميع القوى الأصولية في البلاد وأبرزها فريق الرئيس الأسبق ​محمود أحمدي نجاد​ وفريق ​الحرس الثوري الإيراني​.

ونوه علوش إلى أن ذلك يدل على أن "الصراع في الحياة السياسية الداخلية الإيرانية عاد للانقسام بين الإصلاحيين والمتشددين، مع انخفاض أسهم الرئيس روحاني بعد خيبات ​الاتفاق النووي الإيراني​، مع تنبؤات بقدرة عمدة طهران السابق على الحفاظ على النظام الإداري والعملي للبلاد من الانهيار".

وأكد أن وصول هذه الشخصية إلى مركز رئاسة مجلس الشورى، له تداعيات على الداخل الإيراني والخارج، خصوصا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العلاقة مع ​واشنطن​. لأن قاليباف يعرف بإحداثه ضجيجا سياسيا بين الحين والآخر.

اختبار للرئاسة

ترجيح كفة المحافظين في البرلمان الذي عززه صعود يأتي قبل عام واحد من انتهاء ولاية حسن روحاني المحسوب على الإصلاحيين، إذ إن الانتخابات الرئاسية من المقرر أن تجري في عام 2021.

المحلل السياسي حسن فحص رأى خلال مقال نشره موقع "المدن" اللبناني في 31 مايو/ أيار 2020، أن "انسحاب جماعة أحمدي نجاد من السباق على رئاسة البرلمان يمكن وصفه بأنه استطلاع المواقع لمعرفة الجهة الأكثر تأثيرا في تحديد مسارات السلطة بالنظام الإيراني في السنة المقبلة موعد استعادة السيطرة على موقع رئاسة الجمهورية".

وأضاف: "أنه يشكل اختبار نوايا بين هذا الجناح وقطبي النظام (المرشد ومؤسسة الحرس) ومدى استعدادهما لعودة ممثل عن هذا الجناح إلى موقع السلطة التنفيذية، إن كان عبر مرشح يدفع به لينافس على هذا الموقع".

ورأى فحص أن "تمرير رئاسة قاليباف والانسحاب التكتيكي لجماعة أحمدي نجاد جاء بناء على اعتبارات عديدة، لعل أبرزها أن الأجواء داخل تيار السلطة في النظام ليست مناسبة بالمستوى المطلوب بحيث تسمح له أن يدخل في مواجهة مفتوحة مع منافسيه، قد تكون نتيجتها عكسية أو سلبية في مسار عودته إلى الحياة السياسية، فضلا عن أن التخلي عن رئاسة البرلمان في هذه المرحلة تسمح له بالتخلص من أشد المنافسين الذي يحظى بتأييد المرشد".

وتوقع أن "يتحول البرلمان الجديد الى ساحة صراع داخل أجنحة التيار المحافظ لإثبات قدرة كل منها في السيطرة على اللجان النيابية وتوظيفها لتأطير جهودهم السياسية والإدارية والشعبية استعدادا لمعركة رئاسة الجمهورية التي اقتربت (أبريل/ نيسان 2021)".

ولفت فحص أن ذلك الصراع "قد يعطي الرئيس حسن روحاني هامشا لتمرير السنة الأخيرة من رئاسته بأقل قدر من المعارك التي لن يتوقف التيار المحافظ عن إشعالها بوجهه على خلفية اعتراضاتهم على أداء حكومته في التعامل مع الملفات الاقتصادية والسياسية خصوصا العقوبات الأميركية وتداعيات الاتفاق النووي".

"اضطراب أكثر"

انتخاب رئيس من التيار المحافظ المحسوب على المرشد الإيراني علي خامنئي، أثار تساؤلات عن انعكاسه على الصراع المتصاعد بين طهران وواشنطن، والذي بلغ ذروته بمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني بغارة أميركية في بغداد مطلع يناير/ كانون الثاني 2020.

وربما تجيب عن هذا التساؤل، تصريحات قاليباف في كلمته الأولى بعد تسلمه منصبه، وقال: إن البرلمان الجديد الذي أفرزته الانتخابات التشريعية التي جرت في شباط/فبراير 2020 "يعتبر أن التفاوض مع أميركا كمحور للاستكبار أمر لا فائدة منه بل كله أضرار".

وتابع في خطابه الذي بثه التلفزيون في 31 مايو/أيار 2020: "تعاملنا مع أميركا الإرهابية يتضمن إكمال سلسلة الانتقام لدم الشهيد سليماني (...) وسيستكمل بطرد الجيش الأميركي الإرهابي من المنطقة تماما".

وذكر رئيس مجلس الشورى (البرلمان) في كلمته أكثر من مرة اسم الجنرال قاسم سليماني، مسؤول العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، الذي قتل في هجوم جوي أميركي.

وخلال مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 25 فبراير/ شباط 2020، قال محمد آية الله طبار أستاذ العلوم السياسية بجامعة تكساس: إن "الانتخابات في إيران أصبحت مؤشرا ثابتا للعلاقة بين الدولة والمجتمع، فمشاركة نسبة قليلة في انتخابات عام 2004 البرلمانية، كانت مؤشرا على خيبة أمل بعد فشل حركة الإصلاح التي بدأت في الانتخابات الرئاسية عام 1997 لحماية الحقوق المدنية، التي قادت إلى انتخاب أحمدي نجاد رئيسا عام 2005".

وأشار إلى أن "نسبة المشاركة العالية في عام 2016 في الانتخابات البرلمانية كانت تأكيدا على شعبية الرئيس حسن روحاني، والاتفاقية النووية التي وقعها مع أميركا وغيرها من القوى العالمية، وأدى ذلك إلى توقع فوزه بأغلبية ساحقة في الانتخابات الرئاسية في العام الذي يليه".

وأكد الكاتب أن "فوز المحافظين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة يشير إلى أن الإيرانيين محبطون من السياسة الانتخابية التي لا تحقق شيئا، وتمهد الطريق أمام صعود رئيس متشدد في الانتخابات الرئاسية عام 2021، إن استمرت اللامبالاة الشعبية، وغياب الضغط الشعبي ومساومات النخبة سيحدد تعيين مرشد قد يكون أكثر تشددا من المرشد الحالي آية الله خامنئي".

وختم طبار مقاله بالقول: "الانتخابات في الماضي حددت الأرضية للتبادل الثقافي والمفاوضات الدبلوماسية والاتفاقية النووية بين إيران وأميركا، وبعد الأعداد القليلة التي شاركت في الانتخابات الأخيرة وفوز المحافظين، قد نكون نسير نحو مرحلة أكثر اضطرابا بين البلدين".

خلفية عسكرية

محمد باقر قاليباف من مواليد 23 أغسطس/آب 1961 (58 عاما) في مدينة طرقبة بمحافظة مشهد، ويقول البعض: إنه من أصول كردية، وآخرون يؤكدون أنه من أصول أوزبكية. متزوج منذ عام 1982، وله ولدان إلياس وإسحاق، وبنت واحدة تدعى مريم.

يعرف رئيس البرلمان الحالي الذي جاء بعد سلفه علي لاريجاني (محافظ معتدل) بقربه الشديد من علي خامنئي المرشد الإيراني، وينتمي إلى ذات "التيار المتشدد"، كما ويرتبط بعلاقة مصاهرة معه، فخامنئي زوج خالة قاليباف.

وهو سياسي وعسكري سابق حاصل على درجة الدكتوراه في الجغرافيا السياسية من جامعة تربية مدرس الإيرانية، وهو أيضا طيار، يعتمد عليه في الطيران ببعض طائرات "إيرباص" بعد دورة تدريبية تلقاها في فرنسا.

شغل قاليباف مناصب عسكرية عدة منذ سقوط نظام الشاه في إيران، ووصول رجال الدين إلى السلطة، شارك في الحرب الإيرانية العراقية عام 1980. وأصبح قائدا لقوات "الإمام رضا" في عام 1982، وكان القائد الأعلى لقوات "نصر" في الفترة من 1983 إلى 1984.

بعد انتهاء الحرب، أصبح قائدا لمقر خاتم الأنبياء للإعمار في 1994، وهي شركة هندسية تابعة للحرس الثوري الإيراني. وتم تعيينه قائدا للقوات الجوية للحرس الثوري في عام 1996.

وبعد 4 سنوات، أصبح رئيسا لقوات الشرطة الإيرانية عام 2000 حتى عام 2005. كما تم تعيينه ممثلا للرئيس السابق محمد خاتمي خلال حملة لمكافحة التهريب في عام 2002. وشغل قاليباف منصب عمدة طهران من عام 2005 وحتى 2017، وهو أيضا أستاذ في جامعة طهران.

وتطال قاليباف اتهامات بالتحريض على قمع الاحتجاجات الطلابية المعروفة بـ"الحرم الجامعي" عام 1999، إذ كان قائدا للقوة الجوية بالحرس الثوري وأحد الموقعين على رسالة وجهها 24 قائدا بالحرس الثوري إلى الرئيس خاتمي تهدد بالتدخل المباشر إذا لم يقمع الاحتجاجات.

اتهامات بالفساد

ترشح قاليباف في الانتخابات الرئاسية 2013، وخسر أمام روحاني، وحل في المرتبة الثانية بحصوله على 6.077.292 من الأصوات. كما كان مرشحا في انتخابات الرئاسة عامي 2005 و2017.

ويرتبط اسم قاليباف بقضايا فساد كبرى تعود إلى ما قبل 15 عاما، وكانت تدور حول العلاقات ما بين فريق حملته الانتخابية في انتخابات عام 2005 الرئاسية، وعصابة كبيرة تعمل في المخدرات وتهريب الوقود.

وقيل آنذاك: إن صفقة عُقدت، ساعد قاليباف بموجبها في إطلاق سراح المهربين من السجن، مقابل دعم مالي لحملته الانتخابية. وبقيت القضية طي الكتمان حتى افتضح أمرها عام 2013، عندما تحدث عنها حسن روحاني الذي كان منافسا له بالانتخابات آنذاك.

وقال روحاني حينها: إن القضية ستتم مراجعتها من قبل المجلس الأعلى للأمن القومي، لكنه لم يسمح بخروج تفاصيلها أمام العلن.

وفي قضية أخرى كان قاليباف متورطا فيها مع زملائه، تتعلق بإعطاء "ممتلكات بأسعار فلكية" لمدرائه وأصدقائه، لم يقتصر الأمر على عدم استدعائه إلى المحكمة، بل تم اعتقال الصحفي يسار سلطاني الذي كشف عن القضية.

كما يذكر اسم قاليباف في قضية فساد مالي كبيرة ببنك "شهر" وبنك "سرمايه"، اللذين كانا يعملان تحت إشراف بلدية طهران، ولم يتعرض قاليباف لأي مساءلة قضائية آنذاك.