شريان مصر.. كيف تأثرت قناة السويس بتفشي فيروس كورونا؟

محمود سامي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دفعت تداعيات تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19) الاقتصادية، شركات شحن كبرى إلى تغيير مسار سفنها وحاوياتها من قناة السويس المصرية إلى طريق رأس الرجاء الصالح؛ تقليلا للنفقات بعد تأثر سوق النفط عالميا في الأشهر الأخيرة.

جاء القرار الذي اتخذته تحالفات عالمية ذات ثقل دولي، رغم كون طريق رأس الرجاء الصالح، أطول مسارا من قناة السويس بنحو 3 آلاف ميل بحري، إلا أن رحلته أقل سعرا عن المرور بالممر الملاحي المصري.

وتُستخدم قناة السويس فى نقل 7% من تجارة العالم المنقولة بحرا، و35 % ينقل من وإلى موانىء البحر الأحمر والخليج العربى، بينما 20% يتم عبر موانىء الهند وجنوب شرق آسيا، و39% ينقل من وإلى منطقة الشرق الأقصى، وفق تقارير.

فيما تمثل إيرادات قناة السويس أهمية قصوى لدى مصر، حيث تتسم بالاستقرار النسبي، بعكس موارد أخرى أكثر تقلبا، مثل السياحة التي يتكرر تعرضها لفترات تراجع، وساعد على ذلك كونها ممرا مائيا عالميا.

وفي 2015، أنفقت مصر 8.5 مليارات دولار لتوسعة مجرى القناة؛ ما يؤدي لعملها في الاتجاهين، وخفض مدة الانتظار التي يتسبب بها اكتظاظ الممر الملاحي للقناة، دون أن يحدث ذلك اختراقا للأهداف التي كانت مرجوة.

الاستغناء عن القناة

توفر قناة السويس، وهي ممر مائي اصطناعي (شمال شرقي مصر) بطول 193 كم يربط البحر الأحمر بالمتوسط، ما يتراوح بين خمسة إلى 15 يوما في المتوسط، من وقت الرحلة عبر الطرق الأخرى.

أما رأس الرجاء الصالح فهو طريق بحري، يربط بين آسيا وإفريقيا عبر الدوران حول إفريقيا، وكانت تمر به السفن التجارية المتوجهة من وإلى آسيا، قبل حفر ممر قناة السويس.

وأوائل مايو/ أيار 2020، أعلن تحالف 2M تحويل مسار سفن تابعة له إلى رأس الرجاء الصالح عوضا عن قناة السويس للمرور بين آسيا وأوروبا.

ويتكون التحالف من "ميرسك" و"إم إس سي"، وهما أكبر خطين ملاحيين في العالم، وجاءت خطوته بعد قرابة شهر من خطوة مماثلة أقدم عليها خط "CMA- CGM" الفرنسي مطلع أبريل/ نيسان 2020.

وتهدف الخطوط الثلاثة من وراء خطوة تحويل المسار إلى خفض تكاليف التشغيل؛ إذ إن انخفاض أسعار البترول جعل تكلفة الإبحار عبر الدوران حول إفريقيا أقل من تكلفة العبور في القناة، حيث تتكلف الرحلة الأطول حوالي 200 ألف دولار، مقابل حوالي 400 ألف دولار كرسوم للعبور في القناة.

وفيما تمثل الخطوط الثلاثة أكثر من 26.5% من إجمالى حجم التجارة العالمية، وفق تقارير، فإن تباطؤ الطلب العالمي وزيادة مساحات الفراغات في السفن، جعل مسألة الوقت الأطول تلي التكلفة في الأهمية.

وفي 12 مايو/ أيار، عزا جورج صفوت، المتحدث باسم هيئة قناة السويس، في تصريحات صحفية ما قامت به التحالفات الملاحية، إلى تأثر الاقتصاد العالمي بتداعيات وباء كورونا، وانخفاض سعر برميل البترول.

كما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" آنذاك دراسة أجرتها شركة "ألفالاينر" المتخصصة في الملاحة البحرية وعبور السفن، تشير إلى ارتفاع عدد الحاويات، التي اختارت استخدام طريق رأس الرجاء الصالح وتجاوز قناة السويس، إلى أعلى مستوى تاريخي في وقت السلم، بما في ذلك 20 رحلة على الأقل من وإلى آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية.

وذكرت "بي بي سي" أن بعض السفن اختارت أن تستهلك مزيدا من الوقود الرخيص في رحلات أطول، بدلا من دفع رسوم كبيرة لعبور قناة السويس.

حوافز مصرية

وضمن مساع لتقليل خسائرها، قررت هيئة قناة السويس تطبيق تخفيضات مباشرة لبعض الخطوط الملاحية، بعد متابعة تراجع أسعار النفط وإغلاق العمل ببعض الموانئ، وتراجع أهمية عامل الوقت المستغرق في النقل.

ولتجاوز أزمة هجران التحالفات العالمية للقناة، أعلنت الهيئة خفض رسوم عبور الحاويات القادمة من شمال غرب أوروبا إلى الشرق الأقصى بنسبة 6 ٪.

كما خفضت الرسوم لسفن الحاويات القادمة من موانئ الساحل الشمالي الشرقي الأميركي والمتجهة إلى جنوب آسيا، وذلك بعد قرار الخط الملاحي الفرنسي تحويل مساره إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وفقا للبيانات الصادرة عن الهيئة.

لكن انضمام تحالف "2M"  للتحول عن القناة، دفع هيئتها لزيادة نسبة الخفض، للسفن القادمة من شمال غرب أوروبا إلى 17 ٪، ومن الساحل الشرقي الأميركي إلى ما بين 65 و75 ٪.

وكانت الهيئة قد قررت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 تمديد العمل بالتخفيضات الممنوحة لسفن الحاويات والبضائع الصب الجاف إلى نهاية يونيو/ حزيران 2020. لكن شركات الملاحة ما زالت تطلب نسبا أعلى للخفض.

وليست هذه المرة الأولى، التي تواجه قناة السويس أزمة كهذه، ففي مطلع عام 2016، ذكرت تقارير صحفية أن الأسعار المنخفضة للنفط، في ذلك الوقت، جعلت العشرات من سفن البضائع تتجنب دفع التعريفات المكلفة لقناة السويس، وهو ما دفع إدارة القناة لاتخاذ قرارات بتخفيضات كبيرة آنذاك.

وعادة ما تقلل الحكومة المصرية وهيئة قناة السويس من التأثيرات السلبية المحتملة على القناة سواء كانت بسبب تداعيات فيروس كورونا أو غيرها.

وفي هذا الصدد شددت هيئة قناة السويس، أن تحول التحالفات العالمية عن القناة لن يكون له تأثير ملحوظ على إيراداتها، مشيرة إلى أن إدارة القناة استطاعت توقع ما يحدث منذ بدء أزمة كورونا، وتحاول اجتذاب عملاء جدد.

عوامل وإيرادات

بحسب الخبير الاقتصادي المصري ممدوح الولي، فإنه طالما ظل سعر برميل النفط تحت 54 دولارا فإن خيار رأس الرجاء أفضل من حيث التكلفة.

واستشهد الولي في مقال له، بتوقعات مؤسسات دولية أشارت إلى أن استمرار الأسعار المنخفضة الحالية للنفط حتى الربع الأخير من العام 2020، يعني استمرار هذا التحول نحو طريق رأس الرجاء الصالح.

الأمر يتعلق أكثر بالمدى الزمني للتعافي من آثار كورونا، بحسب الولي، الذي أشار إلى أنه إذا قصر أجل الوباء فهو يعني عودة الحياة الطبيعية والنشاط الاقتصادي للعديد من البلدان الصناعية، مما ينعكس في زيادة الطلب على النفط وزيادة أسعاره، وكذلك تغليب عامل الوقت الذي يحققه المرور عبر القناة.

وتطرق الولي إلى عوامل أخرى كانت مساندة للحركة بالقناة سيقل تأثيرها، منها بدء دول أوبك وحلفائها خفض إنتاج النفط منذ مايو/ أيار 2020 وإعلان السعودية زيادة حجم الخفض الطوعي للإنتاج بنحو مليون برميل يوميا بدءا من يونيو/ حزيران، بخلاف 2.5 مليون برميل هي حصتها من الخفض حسب الاتفاق، وتكرار الإعلان عن الخفض الطوعي للإنتاج من دول أخرى.

ويدور المتوسط السنوي لإيرادات القناة منذ عدة أعوام، بحسب الخبير الاقتصادي المصري حول خمسة مليارات دولار، إلا أن الرقم يزيد وينقص حسب أحوال التجارة العالمية والاقتصاد الدولي.

وتطرق الولي إلى ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، حين تراجعت إيرادات القناة لعامين بعدها، متوقعا تأثرها سلبا بتداعيات كورونا على التجارة الدولية.

وفي أبريل/ نيسان 2020، قالت منظمة التجارة العالمية: إن تقديرات التعافي في 2021، غير مؤكدة، مع اعتماد النتائج إلى حد كبير على مدة تفشي فيروس "كورونا" وفعالية استجابات السياسة العالمية له.

وتوقعت المنظمة في تقرير لها آنذاك، أن تنكمش نسبة نمو التجارة العالمية بين 12.9 ٪ بالنسبة للسيناريو المتفائل، و31.9 ٪ في أسوأ الأحوال، خلال العام الجاري، مدفوعة بالتبعات الاقتصادية، لتفشي فيروس كورونا.

تهديدات أخرى

وفي 8 مايو/ أيار 2020، تقدم النائب البرلماني محمد فؤاد، بطلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء، بشأن بتحويل مسار بعض السفن وتأثيره على حجم إيرادات قناة السويس.

وقال فؤاد: إن قرار تغيير خط السير سيكون له بالغ الأثر على حجم إيرادات قناة السويس والذي سيؤثر بالتبعية على الدخل القومي، وميزانية الدولة.

وطالب البرلماني المصري – طبقا لما تمثله قناة السويس من مصدر هام من مصادر الدخل القومي وأكبر مصدر دخل بالعملة الصعبة للدولة - بضرورة البحث في كيفية جذب هذه الخطوط مرة أخرى وتقديم حوافز تضمن استمرارية عبورها من قناة السويس خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي يشهدها العالم.

ولا تعد تداعيات وباء كورونا الاقتصادية التي دفعت إلى استبدال خطوط ملاحية تهديدا وحيدا على الممر الملاحي المصري، إذ إن دولة بنما عززت عام 2016 منافستها لقناة السويس عبر توسعة قناتها، على أمل تحفيز قطاعها التجاري وانتزاع الزبائن من المجري الملاحي المصري.

وتشكل قناة بنما معبرا إلزاميا لخمسة بالمئة من التجارة البحرية العالمية والدولتان الرئيسيتان اللتان تستخدمانها هما الولايات المتحدة والصين.

كما توجهت الصين، في 2016 نحو استحداث "الممر الشمالي الغربي" المار عبر القطب الشمالي، حيث ستكون الرحلة من ميناء شنغهاي إلى هامبورج في ألمانيا أقصر بنحو 2800 ميل بحري عن الطريق القديم الذي يمر عبر قناة السويس، ما يثير مخاوف على إيرادات القناة المصرية.

وبخلاف المسارات الجديدة لطرق التجارة، هناك دور إماراتي مشبوه في قتل طموحات المصريين بتطوير قناة السويس، حيث تقوم المشروعات العملاقة في جبل علي في الإمارات بخدمة السفن العابرة لقناة السويس، التي تشكل 89% من حجم أعمالها.

ومثلت الإمارات - بجانب السعودية - الداعم الأول لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي منذ انقلاب يوليو/ تموز 2013، في وقت استولت فيه الأولى على نصيب الأسد من الاستثمارات المصرية بعد أن فتح لها السيسي الباب على مصراعيه وشرعن تغلغلها في مفاصل الاقتصاد، وعلى رأسها قناة السويس.