عمائم مسيّرة.. كيف حول مختار جمعة "الأوقاف المصرية" لوزارة بوليسية؟

حسن عفيفي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

شهد اليوم الأول من عيد الفطر المبارك واقعتين في مصر، كان طرفها الأبرز وزارة الأوقاف، حيث انتشر على الشبكة الاجتماعية مقاطع فيديو تظهر هروب شيخ بالزي الأزهري من قبضة الأمن، أما الواقعة الثانية فكانت إقامة صلاة العيد بأعداد غفيرة في إحدى مدن محافظة الجيزة.

السجال احتدم مؤخرا على منصات التواصل الاجتماعي خاصة بعد تصريح لمسؤول بوزارة الأوقاف المصرية عن وجود فريق رصد ومراقبة سلوك الأئمة إلكترونيا داخل الوزارة، وعن فصل من يسيء إلى مؤسسات الدولة عبر تلك الوسائل.

وهذا الأمر أثار تساؤلات عن المعركة التي تشنها الوزارة على منصات التواصل الاجتماعي وروادها، وإلى أي حد وصل تغول الأجهزة الأمنية داخل الوزارة المعنية بضبط الخطاب الديني وتوعية المسلمين في مصر.

انتهاكات بقوة القانون

تصريحات جابر طايع رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف على القناة الأولى المصرية، بأن الوزارة تعمل على متابعة عامليها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الدور المنوط بالأجهزة الأمنية، جاءت تعليقا على واقعة إلغاء الأوقاف تصريح أحد الأئمة.

وألغي تصريح الخطابة الخاص بعضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر علي الأزهري، بدعوى مخالفة تعليمات الوزارة، والإفتاء في منشور على فيسبوك بجواز إقامة صلاة الجمعة بالبيوت بدلا عن المساجد. 

جامعة الأزهر بدورها أحالت الدكتور الأزهري للتحقيق بدعوى إهانة مؤسسات الدولة عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وخلال مداخلته مع القناة المصرية أعلن طايع عن إلغاء تصريح خطابة إمام مكفوف بمحافظة الإسكندرية، وإحالته إلى النيابة العامة، لنشره أفكارا عبر وسائل التواصل فيها تجاوزات، من بينها إهانة مؤسسات الدولة، ومهاجمة الحكومة، وفق قوله.

وفي مايو/أيار 2020، قررت الأوقاف إنهاء عضوية عطا السنباطي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر من عضوية المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، بسبب منشورات منسوبة إليه على موقع فيسبوك تعود للعام 2014، قال السنباطي لاحقا: إنها لا تعبر عن رأيه وأن صفحته جرى اختراقها.

المستشار السابق لوزير الأوقاف الشيخ سلامة عبد القوي يرى أن إحكام السلطة قبضتها على المؤسسات الدينية في مصر يعود لعهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر. 

ويؤكد لـ"الاستقلال" أن وزارة الأوقاف معروفة بتاريخها كذراع للعسكر، وهو ما تعزز بعد الانقلاب (بقيادة رئيس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي)، حيث اتخذت طابعا أمنيا عسكريا لا دينيا شرعيا.

وكانت وزارة الأوقاف أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عن فصل 10 من الأئمة بالوزارة بدعوى ميولهم الفكرية، وانتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين، وهي "التهمة" التي يصعب إثباتها.

 جزء من كل

الخبير القانوني د. مختار العشري يرى أن مصر وإن كانت تعيش حالة ضمنية من تعطيل الدستور والقانون وتُحكم بقانون الغاب ولا تحتكم لأي أعراف دستورية أو قوانين حاكمة، إلا أن السلطة تجد ملاذا في تفعيل قانون الطوارئ والذي جرى تمديده للمرة الرابعة عشر، حيث "تتعامل الحكومة مع المواطنين باعتبارهم مجموعة من المجندين يساسون بأحكام عسكرية".

ويقول العشري لـ"الاستقلال": إن الوضع القانوني والدستوري في مصر تحت حكم السيسي هو أسوأ بمراحل من حقبة حسني مبارك وجمال عبد الناصر.

كما يعتبر أن فصل الموظف لنشره آراء سياسية أو التعبير عن انتمائه مخالف للقانون، مبينا أن "ما يحدث في وزارة الأوقاف هو جزء من حالة عامة تعيشها سائر الوزارات والقطاعات، حيث يفصل معلمون وأطباء وتصادر أموال المواطنين لا لشيء سوى انتمائهم السياسي".

وكان الدكتور طارق شوقي وزير التعليم العالي في مصر أعلن في أكتوبر/تشرين الأول 2019 عن فصل 1070 معلما من الوزارة بسبب انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين.

وفي محاولة لإضفاء صبغة قانونية على إجراءات الحكومة، يرى العشري أن الحكومة أقرت قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (جرائم الإنترنت) بهدف التسلط على رقاب المواطنين.

ففي أغسطس/آب 2018، أقر السيسي قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وتزامن ذلك مع حملة اعتقالات طالت صحفيين وكتاب رأي وهو ما أثار ردود فعل غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي.

القانون يحتوي على 29 عقوبة قد تصل للسجن خمس سنوات وغرامات مالية تتخطى مليون دولار أميركي، كما تشمل إلغاء الخصوصية والمنع من السفر.

تنص المادة 39 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، على العزل المؤقت أو الفصل للموظف الذي يقع تحت طائلة القانون، وهو ما جرى تطبيقه للمرة الأولى في يناير/كانون الثاني 2020، حيث فُصل محام بالبنك المركزي بسبب منشور على فيسبوك، وهو ما اعتُبر مخالفا للقانون ومنتهكا لخصوصية زملائه.

ويرى مدافعون عن القانون المثير للجدل، أنه يحد من الجرائم المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والجرائم الإلكترونية التي تهدد الأمن والسلام في البلاد. 

هذا على الرغم من احتواء القانون على 45 مادة، ما يضع الكثير من القيود على استخدام الإنترنت، كما يسمح القانون في مادته السابعة بحظر المواقع الإلكترونية بمجرد الإخطار. وبلغ عدد المواقع الإلكترونية المحظورة في مصر بحسب هيومن رايتس ووتش أكثر من 600 موقع.

من يتحكم بالوزارة؟

"لمن المنابر اليوم" دراسة للمبادرة المصرية للحقوق والحريات رصدت إشراف الأجهزة الأمنية بشكل كامل على عمليات التعيين داخل وزارة الأوقاف، كما تستمر الرقابة الأمنية بعد التعيين، حيث يعود لها قرار الترقيات والمكافآت، وتستند تلك الأجهزة في ذلك على تحقيقات مع الأئمة وتحريات الأمن الوطني المعروف سابقا باسم جهاز أمن الدولة.

المستشار السابق لوزير الأوقاف الشيخ سلامة عبد القوي الذي يقول إنه عانى من قرار الاستبعاد بسبب التحريات الأمنية، يرى أن المسؤول الفعلي عن إدارة الوزارة هم مجموعة من اللواءات السابقين، يقودهم رئيس قطاع مكتب الوزير وهو لواء سابق يملي على الوزير جميع قراراته.

ولا يتم تمرير أي قرار بالوزارة بدون علم ذلك الرجل، كما تُوكل إليه مسؤولية التواصل مع المؤسسات الخارجية من رئاسة وزراء ورئاسة جمهورية، ما يعزز من سلطته داخل الوزارة ويجعله يديرها بشكل فعلي، بحسب ما تحدث عبد القوي لـ"الاستقلال".

كما يقيم ضباط من الأمن الوطني والمخابرات بشكل دائم داخل الوزارة، والحديث لعبد القوي، ما يمكن الأجهزة الأمنية من الاطلاع على تفاصيل العمل والتحكم في كل القرارات الصادرة من الوزارة.

ويرى مراقبون أن تعيين مختار جمعة وزيرا للأوقاف، شكل نجاحا للعسكر في إحكام سيطرته على المنابر ومن يعتليها.

وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: إنه ومنذ تعيين جمعة في حكومة الببلاوي، فقد تم استخدام الحد الأقصى من الأدوات السلطوية وعودة الأساليب المتبعة قبل ثورة يناير 2011، كما جرى بسط السيطرة الأمنية بشكل كامل على إدارة المساجد، واستمرت تلك الحملة الأمنية في الحكومات اللاحقة في عهد السيسي.

الشيخ سلامة عبد القوي يرى أن تاريخ جمعة متسق مع الدور الذي يلعبه حاليا، حيث تدرج من مسؤول التواصل مع الجهات الأمنية بالجمعية الشرعية، قبل أن يتم الإطاحة به ضمن حركة الإقالات إبان ثورة يناير.

ثم أسند إليه شيخ الأزهر منصبا في مكتبه الفني، وإبان فترة الرئيس الراحل محمد مرسي كان مسؤولا عن التواصل بين مؤسستي الأزهر والأوقاف. ويرى سلامة أن تلك الفترة بدأت تبرز ملامح شخصية مختار جمعة التي أهلته لتولي وزارة تحت حكم عسكري.

السيطرة على المؤسسة الدينية، لم تكن وليدة الوقت الراهن، حيث بدأت مع نشأة الجمهورية، وقرار الرئيس الراحل عبد الناصر تأميم الأوقاف، بهدف السيطرة على مقدراتها، وهو ما تجلى في ضم الوزارة في عهده لميزانية الدولة. 

كما هدفت تحركات الحكام المتعاقبين في مصر للسيطرة على تلك المؤسسة، تحت مبررات عدة منها تجديد الخطاب الديني.