الاتهام بالخيانة و"الأخونة".. فزاعة إعلام السيسي لترهيب أطباء مصر

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بين عشية وضحاها انقلب إعلام نظام عبدالفتاح السيسي على الأطباء في مصر وبعد أن كان يطلق عليهم الجيش الأبيض تحولوا إلى خونة ومجرمين في حق مصر.

الاتهام بالخيانة والأخونة (مصطلح يطلقه إعلام السيسي على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين) هو أقصر طرق السيسي وحيله لمحاصرة معارضيه ومنتقديه وتشويه صورتهم أمام الرأي العام، فلسفة وإستراتيجية يتبناها نظام السيسي مع أطباء مصر، فكل من يطالب بحقه منهم هو من الإخوان ومن أعداء الوطن.

مع تفشي جائحة فيروس كورونا، وتأزم الوضع على نحو بعيد، إثر إصابة أعضاء الفرق الطبية بالوباء، ووفاة بعضهم أثناء الخدمة أبدى عدد من الأطباء سخطهم على طريقة إدارة المنظومة الصحية في مصر وبعضهم استقال أو هدد بالاستقالة بعد رؤية زملائهم يموتون بالإهمال أمام أعينهم.

يخشى نظام السيسي من السقوط بعد فشله في إدارة أزمة كورونا، وبدا خوفه من تصاعد غضب الأطباء ونجاح دعوات الإضراب أو انتشار حالات الاستقالة الجماعية، بسبب الإهمال ونقص الرعاية فسلط أذرعه الإعلامية لبث الرعب في نفوس الأطباء، واتهام بعضهم بالخيانة وبعضهم الآخر بالأخونة.

نقابة الأطباء حذرت من تزايد وتيرة الغضب بين صفوف الأطباء لعدم توفير الحماية لهم، الأمر الذي أكدت أنه "سيؤثر سلبا على تقديم الرعاية الصحية"، مُحذرة أيضا في الوقت ذاته "من أن المنظومة الصحية قد تنهار تماما، وقد تحدث كارثة صحية تصيب الوطن كله حال استمرار التقاعس والإهمال من جانب وزارة الصحة حيال الطواقم الطبية".

موت الأطباء

فجرت وفاة الطبيب الشاب وليد يحيى عبد العليم (32 سنة)، إثر إصابته بفيروس كورونا، أزمة حادة بين عموم الأطباء، ونقابتهم من جهة، وبين وزارة الصحة من جهة أخرى.

الطبيب الراحل، هو أب لطفل عمره أشهر قليلة، وأغرقت قصته منصات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، بمجرد إعلان وفاته، في أول أيام عيد الفطر، الموافق 24 مايو/ آيار 2020، بعد إخفاق وزارة الصحة في توفير مكان لعلاجه، والتأخر في أخذ عينة PCR منه، لتحديد إصابته مبكرا، على عكس ما حدث مع بعض الفنانين الذين أصيبوا بالفيروس، مثل رجاء الجداوي.

شيع الطبيب وليد يحيى، في جنازة شعبية بمسقط رأسه في قرية كفر نواي بمحافظة الغربية، وأثارت وفاته غضبا عارما بين الأطباء، الذين طالما طالبوا نقابتهم، بتوفير الحماية لهم أثناء عملهم في علاج مرضى كورونا.

وفاة الدكتور وليد دفع أطباء مستشفى المنيرة، حيث كان يعمل، لتقديم استقالات جماعية، الأمر الذي هدد بانهيار المنظومة الصحية في مواجهة الوباء، وهو ما لفتت إليه نقابة الأطباء في بيان "محذرة من تزايد وتيرة الغضب بين صفوف الأطباء".

كلهم إخوان!

بعد تصاعد غضب الأطباء وتقديم بعضهم استقالات جماعية، لجأ نظام السيسي لشماعته المعتادة المستمرة في مواجهة الفئات المعترضة على سياسته، وهي "الأخونة"، فـ "الأطباء إخوان" هي أحدث الاتهامات، وأكثرها إثارة للسخرية الآن في مصر.

صحف السيسي وأذرعه الإعلامية شنوا حملتهم المعتادة والمتوقعة على الأطباء المستقيلين، تارة بتهمة الانتماء لجماعة "الإخوان"، وتارة أخرى بتهمة "الخيانة" والهروب من المسؤولية.

في حلقته على قناة صدى البلد بتاريخ 25 مايو/ آيار 2020، تصدر حملة الهجوم، الإعلامي أحمد موسى موجها اتهامات للأطباء، زملاء الطبيب المتوفى وليد يحيى، بأنهم منتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، ويرفعون "شعار رابعة"، على حد قوله، قائلا: "لماذا لم يتعامل زملاء الطبيب وليد يحيى، مع حالته، ولم ينقذوه أو يقفوا بجواره؟". 

وفي ذلك الإطار شنت وسائل الإعلام الموالية للسلطة، هجوما على الطبيب محمود طارق الذي استقال بعد وفاة زميله وليد يحيى، واتهمته بالانتماء لجماعة الإخوان، مستعينة بصورة نشرها على فيسبوك قالت إنه كان يرفع خلالها علامة رابعة، في إشارة إلى مجزرة رابعة.

الأمر أثار سخرية الطبيب، وبقية زملائه موضحين أن الصورة تعود لحفل انتهاء السنة الرابعة خلال دراستهم بكلية الطب، وأن طارق كان يرفع علامة النصر (رفع إصبعين فقط) وليس الأصابع الأربعة.

وفي عدد جريدة الدستور، التي يترأس مجلس إدارتها الإعلامي محمد الباز، بتاريخ 28 مايو/ آيار 2020، تم وضع صور مجموعة من الأطباء على رأسهم، منى مينا، وكيل نقابة الأطباء، والمنسق العام لحركة أطباء بلا حقوق، بالإضافة إلى سياسيين، وصحفيين، وشخصيات عامة بارزة، وجعلها صورة الغلاف الرئيسية، وكتب عليها بالبنط العريض "كلهم إخوان".

هستيريا التغريدات

ومن وسائل الإعلام، إلى وسائل التواصل الاجتماعي، استمر أنصار النظام المصري، في الهجوم على الأطباء، والسخرية منهم، والحديث عن الاستغناء عنهم، عبر مجموعة من التغريدات، والتدوينات عبر هاشتاجات ممنهجة.

كان من أبرز هذه التدوينات التي انتشرت على نطاق واسع، مواطن دعا إلى الاستغناء عن الأطباء، بأفراد من التمريض، ثم رد على هذه التغريدة، تعليق ساخر من مواطن آخر يتحدث فيه عن عدم الحاجة إلى الأطباء، ويمكن الاستغناء عنهم والحصول على المعلومات الطبية من موقع ويكبيديا، وهو الأمر الذي دفع الموقع المعروف للرد.

شارك موقع "ويكيبيديا" المعروف بتجميع المعلومات على شبكة المعلومات الدولية، هذه التدوينة للمواطن المصري، معلقة: "المعلومات الطبية المُقدمة في ويكيبيديا، في أحسن الأحوال، هي ذات طابع عام ولا يمكن أن تكون بديلا عن المشورة الطبية الاختصاصية على سبيل المثال، طبيب مؤهل، ممرض، صيدلي، مخبري وغيرهم".

واقعة سانوفي

ومع تلك المشاحنات، دخلت على خط الأزمة، الدكتورة نيبال دهبة، المدير الإقليمي لشركة سانوفي للأدوية، عندما تسببت في حالة واسعة من الجدل، إثر هجومها على الأطباء.

بدأت القصة عندما قالت نيبال دهبة، في تغريدة على تويتر: "عمركم سمعتم إن في حد من الجيش تذمر من الاستشهاد أو استقال وقالت مش لاعب أصل في ناس بتموت؟ كل مهنة ولها رسالتها لو أنت مش قدها يبقى لا تصلح لهذه المهنة وأعتقد إن من أسمى المهن هي مجال الصحة وحقيقي الآن هم سلاح الشعب ضد كورونا، فيعني إيه معترضين!".

تغريدة نيبال أثارت غضب الأطباء، مما جعلهم يدشنون حملات مقاطعة لمنتجات شركة سانوفي، عبر هاشتاجات "#مقاطعة_سانوفي ، #متضامن_مع_أطباء_مصر، #boycottSanofi".

وفي سياق متصل، تضامن الصيادلة مع الأطباء، حيث نشروا بدائل لأدوية سانوفي.

وبدورها ردت شركة "سانوفي مصر" على حملات مقاطعة منتجاتها، قائلة: "كانت هناك ردود فعل كثيرة في وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية نتيجة تغريدة على الحساب الخاص لموظف بالشركة، نحن نأسف لما حدث، ونود التأكيد والتوضيح  أن ما تم تداوله لا يعكس رؤية سانوفي ولا يمثل رأي الشركة كشريك رئيسي في الرعاية الصحية يسعى دائما لخدمة المريض المصري".

ومع انتشار مقاطع قديمة لـ نيبال دهبة، تبين أنها من مؤيدي السيسي، وأنها من الذين روجوا في وسائل الإعلام للتهوين من شأن فيروس كورونا.

النقابة تحذر

تلك التداعيات دفعت نقابة الأطباء، في 25 مايو/ آيار 2020، إلى إصدار بيان حمّلت خلاله، وزارة الصحة المسؤولية الكاملة عن زيادة وفيات وإصابات الأطباء بالفيروس.

واتهم البيان وزارة الصحة بـ"التقاعس عن أداء واجبها في حماية الأطباء، والتعنت في عدم إجراء المسحات (فحص كورونا) للمخالطين بالمصابين".

كما هددت النقابة بـ"اتخاذ جميع الإجراءات القانونية والنقابية لحماية أرواح أعضائها، وملاحقة جميع المتورطين عن هذا التقصير الذي يصل لدرجة جريمة القتل بالترك (الامتناع)"، وفق البيان.

وفي تصريحات إعلامية قال الأمين العام لنقابة الأطباء المصرية، إيهاب الطاهر: إنهم "يحاربون في معركة فيروس كورونا بدون سلاح، مطالبا وزارة الصحة بحماية أبنائها الأطباء الجنود في المعركة، وتوفير وسائل الوقاية الكاملة والعلاج، لأنه لا يجوز أن يشارك جندي في حرب بدون سلاح، كما أنه لا يجوز ترك المصابين منهم في أرض المعركة بزعم أنهم يؤدون واجبهم".

اعتقالات تعسفية

لم يتوقف الأمر عند اتهامات الأطباء بالأخونة، والإهمال في حقهم، بعدم تلقي العلاج والرعاية، ففي 26 مايو/ آيار 2020، اعتقلت الأجهزة الأمنية الباحث السياسي عبده فايد، من مسكنه بمنطقة الهرم بمحافظة الجيزة، وتم اقتياده وإخفاؤه قسريا في جهة غير معلومة.

السبب الرئيسي للاعتقال هو أنه كتب 4 بوستات ونشرها على صفحته بفيسبوك، منتقدا أداء النظام في إدارة أزمة كورونا، وفشل المنظومة الصحية.

مما دونه الباحث "حادثة الطبيب وليد مفجعة جدا، لكنها تؤكد على الشيء اللي ناس كثيرة مُصرة تتجاهله.. مصر مش بلد المصريين.. مصر بلد فئة صغيرة، هي السلطة ومحاسيبها من الجيش والشرطة والقضاء والإعلام الأمني ورجال الأعمال وموظفي الخدمات الأجنبية وطواقم المطربين والممثلين العاملين في شركة تديرها أجهزة سيادية". 

مضيفا: "الدكتور وليد مات، ودكاترة آخرون هيموتوا، وإن نجوا من فيروس كورونا، لن يفلتوا من سياط السب والضرب من المواطنين، بحجة التقصير.. وهذا الوضع ليس له نهاية". 

واختتم عبده فايد، قبل اعتقاله بساعات، تدويناته، بذلك التعليق: "الموضع مهم، ويتجاوز الأطباء بمراحل، ويتعلق بنا، بموقعنا من خريطة النظام العسكري، والأطباء هنا نموذج فحسب، العينة المدني، الذي سيتعرض للتنكيل، إذا ما وضع يوما في صفوف المواجهة، والدفاع عنهم، لهو دفاع عنا أكثر من أي شيء آخر.. كل الأمنيات للجميع بالسلامة". 

الباحث فايد لم يكن وحده من طالته الاعتقالات التعسفية، بل طالت الأطباء أنفسهم، ففي 10 أبريل/ نيسان 2020، اقتحمت الشرطة شقة في محافظة القليوبية شمالي القاهرة، وألقت القبض على طبيب العيون هاني بكر.

وقالت محاميته عائشة نبيل في تصريحات لوكالة رويترز: "السبب في القبض عليه هو ما نشره على فيسبوك في 4 أبريل/ نيسان 2020، عندما انتقد النظام، لإرسال كمامات طبية إلى الصين وإيطاليا في الوقت الذي لم يستطع فيه الحصول على كمامات لممارسة عمله".

الوكالة أضافت: "هاني واحد من 3 أطباء على الأقل ألقي القبض عليهم خلال أزمة فيروس كورونا، ويقول المحامون إن الاتهامات الموجهة لهم هي نشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والانضمام لتنظيم إرهابي، والأخيرة تهمة كثيرا ما تستخدم في القضايا السياسية".

وأكد المحامون أن "السلطات اعتقلتهم بعد أن رفعوا أصواتهم اعتراضا على نقص وسائل الحماية أو الدعوة إلى تطبيق تدابير أفضل للسيطرة على العدوى".

وقال جمال عيد مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان: "السلطات ألقت القبض على ما لا يقل عن 500 شخص من بينهم ناشطون ومحامون و11 صحفيا، السلطات لا تريد أن ينقل أحد أي تقارير غير البيانات الرسمية"، فيما يتعلق بأزمة كورونا.

تفرد بالفشل

أحد الأطباء المصريين قال "للاستقلال" متحفظا على ذكر اسمه: "ما يواجهه الأطباء في مصر كارثة بكل المقاييس، فالأطباء هم خط الدفاع الأول ضد فيروس كورونا، ومن الطبيعي أن يتم تأمينهم بأقصى درجات الرعاية، ويتم عمل مسحات PCR، بشكل دوري لأولئك الذين يعملون في مستشفيات العزل، وفي جميع المستشفيات التي يوجد فيها مرضى كورونا".

وأضاف الطبيب المصري: "هذه الأمور تحدث بشكل بديهي في كل دول العالم، لكن هناك خلل في أداء وزارة الصحة، وتسبب ذلك في تفاقم الأوضاع بشكل سيئ، وسقوط الأطباء ما بين مصاب وشهيد، في وقت الحاجة المسيسة إلى جهودهم".

وذكر: "أما بخصوص الإساءة للأطباء واتهامهم بالأخونة، وتسيس مطالبتهم بحقوقهم، فهذا أمر متفرد في مصر، ولا يوجد مثله في سائر أنحاء العالم، فهل من الطبيعي أن يتم التنمر على الأطباء واستعداؤهم في الأوقات الطبيعية، فضلا عن الطوارئ، وفي وقت يقومون فيه بالتضحية بأنفسهم، والعمل بشكل مجهد ومستمر، حتى أن أحد الأطباء فقد بصره أثناء عمله في مواجهة كورونا، ولا يوجد تعليق على ما يجري بحق الأطباء، إلا أنه تفرد بالفشل، وسيكتب في صفحات سوداء من التاريخ".