قوات "حفظ السلام" الصينية.. هذا هو الهدف الحقيقي من وجودها بإفريقيا

عبدالقادر محمد علي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أصبح انتشار قوات حفظ السلام الصينية، أحد الملامح الهامة للحضور العسكري الصيني في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، فبكين الآن ثاني أكبر ممول لقوات السلام الأممية، كما أنها تقدم أكبر عدد من العناصر البشرية قياسا ببقية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.

وينبع الاهتمام الصيني من تعهد الرئيس شي جين بينغ عام 2015 بتقديم 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية على مدى خمس سنوات لدعم الاتحاد الإفريقي لإقرار الأمن في القارة، تحت أهداف تتعلق بحفظ السلام وتصفية النزاعات ودعم المجتمعات المتضررة.

لكن يرى مراقبون أن ثمة غايات إستراتيجية أخرى تتعلق بمصالح الدولة الآسيوية في القارة السمراء، فقد شهد العقد الماضي نموا ملحوظا لدور الصين في المجالات الأمنية والعسكرية في إفريقيا من خلال مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري ونشر عمليات حفظ السلام في القارة.

ووفقا للباحث النيجيري المتخصص في العلاقات الصينية الإفريقية أوفيغو ايغوغو فإن السلام مطلب حاسم لإفريقيا لمواصلة التطور، والصين مساهم رئيسي فيه هناك كدولة مشاركة بقوات في عمليات الأمم المتحدة.

وأضاف ايغوغو لـ"الاستقلال": "تلعب الصين دورا في حفظ السلام بطريقة تخفف من المخاطر على المصالح الاقتصادية والمالية في إفريقيا. بدون السلام والاستقرار لا يمكن أن يكون هناك نشاط اقتصادي كاف لتحقق الاستثمارات والعوائد المتوقعة منها".

وتواجه القارة السمراء تحديات أمنية تعيد طرح مسائل الاستقرار السياسي والأمني باستمرار، على خلفية الحروب الأهلية، وازدياد نشاطات الجماعات الإرهابية في بعض مناطقها، وما يترتب على ذلك كله من تداعيات تتعلق بالنازحين واللاجئين، فضلا عن المخاطر الناتجة عن ظاهرة القرصنة في البحر الأحمر.

مكاسب سياسية 

تقع المشاركة الأمنية والعسكرية الصينية ضمن إستراتيجية تصوغ أسس العلاقة مع الدول الإفريقية والأهداف المأمولة منها، في مقدمتها الترويج لصورة الصين كقوة مسؤولة في المجتمع الدولي تعمل على صناعة السلام خارج أراضيها.  

ويندرج ضمن المستوى السياسي حشد الدعم للموقف الصيني من تايوان، التي تعتبرها بكين إقليما متمردا، وقد فقدت العاصمة تايبيه نتيجة ذلك كل حلفائها في القارة الإفريقية بعد أن كانت تتمتع بعلاقات مع عدد كبير من دولها.

بالإضافة إلى ذلك تهدف بكين إلى حشد الدعم للمواقف الصينية في المحافل الدولية، ويكفي للتدليل على ذلك أن الدول الإفريقية تشكل ثلث الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وفقا لورقة بحثية لمركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية عام 2019، تمنح البعثات العسكرية الخارجية الفرصة للجيش الصيني لإجراء مناورات وتدريبات بالذخيرة الحية في بيئات مختلفة.

فعلى سبيل المثال، أجرى جيش التحرير الشعبي عام 2018 تدريبات في الكاميرون والغابون وغانا ونيجيريا، في حين عملت وحداته الطبية مع نظيراتها في إثيوبيا وسيراليون والسودان وزامبيا لتطوير قدراتها على رعاية الضحايا في ظروف القتال.

ويمثل الاستقرار أولوية لدوران عجلة التنمية التي تقوم فيها الصين، حيث كانت عام 2018 الشريك التجاري الأكبر لإفريقيا لتسع سنوات متتالية. 

ويساهم الانخراط الصيني العسكري في الحفاظ على الأمن بمستويين: إنجاز الاستقرار في مناطق النزاعات بما يخدم توسع الاستثمارات الصينية لاعتماد بكين على مشاريع طويلة المدى للإنجاز وتحصيل العائدات. والمستوى الثاني هو الحفاظ على دعم استقرار مناطق مضطربة تحتوي على موارد طبيعية هامة للعملاق الصيني.

ولم يقتصر الوجود الصيني على القوات البرية، فقد شاركت قواتها البحرية في دوريات مكافحة القرصنة الدولية في خليج عدن وغينيا، وهو ما يمنح الصين مساحة أكبر لدعم قوات حفظ السلام والعمليات الأمنية الصعبة.

وقد كانت القدرات البحرية للصين حاسمة في إجلاء أكثر من 35000 مواطن صيني من العنف المتصاعد في ليبيا في عام 2011 وأكثر من 200 في اليمن في عام 2015. 

ويقدر أن نحو مليون صيني يعيشون ويعملون في إفريقيا، ويواجه هؤلاء حوادث عنف وأضرارا في الممتلكات، كما حدث في يوغندا وغانا وليسوتو ومدغشقر وجنوب إفريقيا وجنوب السودان والسودان وزامبيا.

وفي هذا الإطار نشر جيش التحرير الشعبي الصيني في مالي مجموعة المعارك السادسة التي تتكون من القوات النظامية والخاصة ضمن عملية حفظ السلام التي تقودها الأمم المتحدة في مالي (MINUSMA) ، لحماية الموظفين الصينيين والأجانب في البعثة وتأمين البنية التحتية الحيوية.

قوة ناعمة

أكدت بكين رغبتها في تدريب عناصر جيش وشرطة من دول إفريقية متنوعة، وتخطط الصين وفقا لورقة ورقة سياسة إفريقيا 2015 لاستضافة الآلاف من هؤلاء. 

ويندرج هذا النوع من التدريب ضمن ما يسمى بالقوة الناعمة ويوفر فرصا لتجنيد قادة عسكريين مستقبليين أو صناعة حلفاء مستقبليين داخل تلك المؤسسات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن النهج الصيني للإدارة العسكرية والسيطرة أمر جوهري في هذا التدريب، وهو ما يعني بالضرورة الترويج للنموذج الصيني في علاقة الجيش بالدولة والحزب الحاكم.

كما توفر هذه التدريبات الفرصة لتسويق السلاح الصيني في إفريقيا. فوفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أصبحت الصين أكبر مورد للأسلحة لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث مثلت 27 ٪ من واردات المنطقة بين عامي 2013 و2017، بزيادة 55 ٪ عن الفترة 2008-2012.

تمثل إفريقيا عقدة إستراتيجية في الجزء البحري من إستراتيجية "مبادرة الحزام والطريق"، التي تربط الصين بشرق إفريقيا وجنوب شرق آسيا والخليج العربي وأوروبا، وامتدت مؤخرا إلى غرب القارة الإفريقية وجنوبها. 

ويقدر البنك الدولي أن الروابط الاستثمارية بين الصين و65 دولة وقعت على هذه المبادرة تمثل 30 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و75 ٪ من احتياطيات الطاقة المعروفة.  

وترى بكين أن نجاح هذه المبادرة لا يمكن تحقيقه دون تعميق روابطها مع الممرات التجارية على طول الحزام والطريق، ويندرج ضمن هذه الإستراتيجية تعاون الصين البحري المتنامي مع إفريقيا من خلال بناء الموانئ والبنية التحتية ودوريات مكافحة القرصنة.

كما تعمل الشركات الصينية على بناء خطوط سكك حديدية لربط مالي غير الساحلية بالموانئ في داكار والسنغال وكوناكري بغينيا. 

يمر أجزاء من البنية التحتية للمشروع عبر المناطق المتضررة من الجماعات المتطرفة العنيفة في شمال مالي، مما يثير مخاوف بشأن سلامة الآلاف من عمال السكك الحديدية الصيني.

وكان هذا هو المحرك الرئيسي لقرار بكين بالمشاركة في البعثة الأممية المتكاملة، كما دفعت مخاوف مماثلة بكين إلى تدريب قوة أمن محلية لحماية السكك الحديدية الجديدة عالية السرعة التي تبلغ تكلفتها 4 مليارات دولار في مومباسا - نيروبي في كينيا، وهو ما يعني انخراط الشرطة الشعبية الصينية في مهمات خارج البلاد.

الانخراط الذكي  

في خطاب الرئيس شي جين بينغ أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2015، تعهد بتقديم 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية على مدى خمس سنوات لدعم هيكل السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي من خلال مبادرات مثل القوة الاحتياطية التابعة للقارة السمراء، والقدرة الإفريقية للاستجابة الفورية للأزمات.

عززت قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي عام 2015 هذا الالتزام، وتعهد الرئيس في خطابه في قمة منتدى التعاون في بكين عام 2018 بتوجيه بعض من هذا التمويل إلى صندوق السلام والأمن الصيني الإفريقي، والمساعدة العسكرية و50 برنامجا في القانون والنظام، وحفظ السلام، ومكافحة القرصنة ومكافحة الإرهاب.

ويرى الباحث السياسي الجنوب سوداني ماد غبريال أن بكين تدرك أهمية انخراطها الذكي في القارة، ليس بالشكل التقليدي، بل عبر وسائل وآليات أخرى تدعم توجهها، لذلك فهي تدمج في سياساتها تجاه القارة ما بين القوة الناعمة والقوة الصلبة.

ويستطرد غبريال لـ"الاستقلال" قائلا: "تأتي تطورات الوجود الصيني في القارة، سواء اقتصاديا أو سياسيا أو عسكريا، في اتجاه تدعيم وجودها والمحافظة على ما استثمرته في القارة على مدار أكثر من عقدين". 

ووفقا لغبريال فإن الوجود الصيني في إفريقيا يحمل وجوها متضادة؛ فبينما تشارك في قوات حفظ السلام وتنشئ مشاريع بنى تحتية ضخمة في إفريقيا، فإنها لا تدخر جهدا في النأي بنفسها عما يحدث في القارة من استبداد وفساد في سبيل استمرار مصالحها.

وأضاف: "هي بذلك لا تختلف، من وجهة نظري، عن غيرها من الدول الغربية، لأن دعم الأنظمة السلطوية في القارة يقوض ما تقوم به الصين من مشاريع تساهم في دعم نهضة الدول الإفريقية".