مجلة أميركية: العراق أمام فرصة ذهبية لإنهاء سيادة إيران

12

طباعة

مشاركة

تحدثت مجلة أميركية عن المحاولات الفاشلة للإدارات العراقية السابقة من أجل الحد من نفوذ المليشيات المسلحة في البلاد، والتي وعد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء المعين حديثا بالسيطرة عليها.

وأعلن الكاظمي المعين منذ 12 مايو/أيار 2020، في أول تحرك له لضبط الأمور في العراق، عن نيته استعادة السيطرة من يد المليشيات غير الحكومية، مؤكدا في بيان له على خططه لفرض هيبة الدولة. 

وقالت مجلة فورين أفيرز: بالنسبة لمراقبي عراق ما بعد صدام حسين، فإن معنى البيان واضح وهو أن الضرر الذي لحق بمكانة الدولة يأتي في المقام الأول، من الجماعات المسلحة الموالية لإيران، التي تستجيب لقادة الحرس الثوري الإيراني (IRGC)، بدلا من زعيم البلاد.

ومن الواضح للجميع أن المليشيات العراقية المدعومة من إيران مثل كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وكتائب سيد الشهداء، من بين جهات أخرى، تعمل خارج سلطة الدولة العراقية، وفق تقرير المجلة.

وتابع: "إنهم جزء من قوات الحشد الشعبي (PMF)، وهي منظمة عسكرية جامعة تخضع لقيادة عراقية اسميا، ولكنها في الواقع جزء لا يتجزأ من قوى النفوذ الإيراني في جميع أنحاء المنطقة".

وبينت أن حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي من 2014 إلى 2018، سعى إلى وضع المليشيات تحت سيطرة الدولة والحد من طموحاتها، كما طالبها بإخضاع إنفاقها لرقابة الجهاز الإداري للدولة، وفصل أجنحتها العسكرية والسياسية.

لكن في النهاية، تفوق السياسيون المدعومون من إيران على العبادي، وكذلك تغلبوا على بديله، عادل عبد المهدي، الذي أصبح رئيسا للوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وفق التقرير. 

وأردف: "بل إن عبد المهدي زاد ميزانية الحشد بنسبة 20 ٪ في عام 2019، ومكن المليشيات لتوسيع وجودها في المناطق الإستراتيجية، بما في ذلك على طول الحدود العراقية السورية".

وتوحي التطورات الأخيرة في العراق وفي المنطقة الأوسع نطاقا بأن رئيس الوزراء الجديد لديه فرصة أفضل بكثير مما كان لدى أسلافه لكبح نفوذ المليشيات، وهو ما ينوي الكاظمي استغلاله لإنهاء هذا الوضع.

تيار التحول

ويوضح التقرير كيف أن الأوضاع مواتية لتنفيذ خطط الكاظمي لإنهاء الوجود الإيراني، بالقول: "لقد اجتاحت انتفاضة شعبية العراق منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، ثورة لم تنجح حتى حملة قمع وحشية في إخمادها، واستمرت حتى هدأت الشوارع بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد".

ومن أهم ما يميز هذه المظاهرات عن سابقاتها، أن المتظاهرين كان أغلبهم من الشيعة الذين سئموا بشدة من تدخل إيران في بلدهم. ولإظهار الاستياء المرير الذي يشعرون به تجاه طهران، صفع البعض بأحذيتهم صور علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

وتابع: "حتى أن الكثير لم يكلف نفسه عناء تغطية وجوههم، ولم يسلم أيضا اللواء قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني (اغتالته أميركا لاحقا)، من إهانات المتظاهرين".

وأدت هذه المظاهرات إلى استقالة عبد المهدي، وللمرة الأولى منذ الإطاحة بصدام حسين عام 2003، وضع التيار القومي الشيعي المناهض لإيران في قلب المشهد السياسي العراقي، وفق التقرير.

وأردف التقرير: "طالب المتظاهرون بدولة ذات سيادة خالية من التدخل الإيراني، ودعمهم في ذلك علي السيستاني، أعلى سلطة شيعية في البلاد".

ويتولى الكاظمي زمام الأمور مباشرة بعد هذه الأحداث، وبسببها، قد يرى رئيس الوزراء الجديد طريقه واضحا للحد من نفوذ إيران في البلاد.

ويوضح التقرير دور السيستاني المهم، بالقول: "في عام 2014، أصدر فتوى تدعو جميع الرجال القادرين على حمل السلاح للانضمام إلى القتال في صفوف المؤسسات الأمنية للدولة، بعد أن سيطر تنظيم الدولة على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية من حكومة بغداد".

وبدلا من ذلك، انتهزت المليشيات المتحالفة مع إيران الفرصة لإنشاء الحشد الشعبي، وهي منظمة عسكرية موازية بميزانية قدرها 2.16 مليار دولار وعدد 135 ألف مقاتل مسلح، وهم الآن يشكلون العنصر الرئيسي في خطط الحرس الثوري لممارسة نفوذه في العراق وخارجه.

وتابع التقرير: "يسعى السيستاني الآن بنشاط إلى تجريد هذه المليشيات من شرعيتها الدينية".

وتحت إشراف أحد الموثوقين المقربين من رجال الدين، انشقت 4 فصائل شيعية شبه عسكرية تابعة للسيستاني وهي: فرقة عباس، فرقة الإمام علي، لواء علي أكبر، وكتائب أنصار المرجعية، من قوات الحشد الشعبي في أبريل/نيسان 2020، وأعربوا عن نيتهم مساعدة الآخرين على القيام بنفس الشيء. 

وبحسب التقرير، فإنه "من خلال إعطاء الفصائل التابعة له الإشارة للانفصال عن الحشد الشعبي، يسحب السيستاني بشكل فعال تأييده من الفصائل التي لا تزال موالية للحرس الثوري الإيراني".

هذا الأمر يمكن أن يضر بشدة بالشرعية الدينية للفصائل المدعومة من إيران، وهي التي تعاني بالفعل من الغارة الجوية الأميركية التي اغتالت سليماني وأبو مهدي المهندس، زعيم قوات الحشد الشعبي، في أوائل يناير/كانون الثاني 2020، وفق التقرير. 

ولفت إلى أنه كان للزعيمين الكاريزميين دور فعال في تعزيز نفوذ إيران في العراق وتوحيد الفصائل الشيعية في البلاد، وقد تركت خسارتهما فراغا لم يتمكن العميد إسماعيل قاآني، خليفة سليماني، من ملئه.

ونتيجة لذلك، تجد الفصائل العراقية الموالية لإيران نفسها في أضعف موقع لها منذ سنوات، ويأتي ذلك في الوقت المناسب حتى يبدأ رئيس الوزراء الجديد في وضع المليشيات تحت سيطرة الدولة.

وتعتقد المجلة الأميركية أنه يمكن للرئيس برهم صالح أن يكون حليفا قويا للكاظمي في هذا المسعى، فقد كان للأول دور سياسي أكثر فعالية من سابقه فؤاد معصوم.

ولعب صالح دورا كبيرا في اختيار الكاظمي، مثيرا غضب الفصائل الموالية لإيران، في أواخر مارس/آذار، عندما رفض ترشيح مرشحهم لرئاسة الوزراء. وقد قال صالح إنه يفضل الاستقالة على تعيين شخص في المنصب سيرفضه المتظاهرون.

إيران على الحبال

إذا كانت هناك لحظة للعراق للتخلص من النفوذ الإيراني، فقد حان الوقت الآن، ليس فقط لأن الظروف مواتية في العراق ولكن لأنها مواتية أيضا في طهران، وفق التقرير.

وقال: "لقد اتبعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسة الضغط الأقصى ضد إيران التي أثرت على قدرة البلاد على دعم وكلائها الإقليميين".

ووفقا لبريان هوك، الممثل الأميركي الخاص لإيران، اضطرت الجمهورية الإسلامية إلى خفض إنفاقها العسكري في السنوات الأخيرة.

وتابع: "في مارس/آذار 2019، طلب حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، من مؤيديه التبرع بالمال"، مشيرا إلى أن المقاتلين المدعومين من إيران كانوا يفتقرون إلى التمويل. 

وفي فبراير/شباط 2020، ذكر سياسي إيراني رفيع المستوى أن سليماني جاء إليه وهو يتطلع لجمع الأموال لوكلاء الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وفق التقرير. وأضاف: أن "وكلاء إيران في سوريا ليسوا على المحك ماليا فقط؛ بل هم أيضا تحت ضغط عسكري من إسرائيل".

وقد صرح جادي أيزنكوت، رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، في يناير/كانون الثاني 2019، "لقد ضربنا آلاف الأهداف دون أن نعلن مسؤوليتنا". ومن بين هذه الأهداف المليشيات العراقية التي تنتمي أيضا إلى الحشد الشعبي.

ونقل التقرير عن وزير الجيش نفتالي بينت لوسائل الإعلام الإسرائيلية، في أواخر أبريل/نيسان 2020، قوله: إن بلاده تكثف حملتها ضد طهران في سوريا، وأنه "منذ بداية العام، شنت إسرائيل ما لا يقل عن 11 غارة ضد أهداف تابعة لإيران".

بيد أن توقع زوال النفوذ الإيراني من العراق بين عشية وضحاها سيكون أمرا ساذجا، لكن ترى المجلة أنه "بالتأكيد الظروف التي يبدأ فيها الكاظمي فترة ولايته هي الأفضل في السنوات الأخيرة، والأكثر مواتاه لتقييد يد إيران".

وبين التقرير ما يجب فعله للنجاح في هذا المسعى، بالقول: "يمكن لرئيس الوزراء الجديد أن يبدأ بالحد من توسع الحشد الشعبي، ثم ينبغي أن يقسم الكاظمي المسؤولية بين مختلف القادة عبر التنظيم العسكري".

فعندما كان "المهندس" القائد الوحيد لقوات الحشد الشعبي، كان على اتصال مباشر مع سليماني، الذي مارس سيطرة كبيرة.

وتابع التقرير: "يجب على الكاظمي هيكلة المنظمة بشكل مختلف، بحيث يتم تقاسم القيادة، كما يجب أن يعين بعض القيادات التي تؤمن باستقلال العراق وسيادته، من أجل تحقيق التوازن مع القادة الموالين لإيران".

وفي الوقت نفسه، يجب على الكاظمي أن يطبق مراجعة فعالة لجعل إنفاق قوات الحشد الشعبي أكثر شفافية، ولا بد أن يقيم علاقة جيدة مع الوحدات التي انفصلت عن الحشد وتسهيل انشقاق الآخرين، إذا رفضت المليشيات الموالية لإيران تنفيذ إصلاحاته، وفقا للتقرير.

ورأى أن القوة شبه العسكرية الشيعية التي تعمل تحت سلطة الدولة العراقية ستقدم بديلا عن المليشيات الشيعية المارقة بقيادة إيران، ويختم: "رئيس الوزراء العراقي الجديد لديه زخم وراءه، ويجب أن يشرع في تنفيذ خطته في الحال".