مجلة فرنسية: كيف دمر ابن سلمان مستقبل بلاده بسياسات متهورة؟

12

طباعة

مشاركة

أنهت أزمة فيروس كورونا التاجي والانخفاض في أسعار النفط، الأحلام الفرعونية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومن أهمها مدينة نيوم المستقبلية، قطب التكنولوجيا في وسط الصحراء، والتي ستحتوي على الروبوتات والسيارات الطائرة والطائرات بدون طيار.

تحت هذه الكلمات شكك الكاتب أرمين أريفي في مقال له بمجلة "لوبان" الفرنسة في إمكانية تحقيق هذا الحلم الضخم الواقع في شمال غرب المملكة العربية السعودية، وهي مدينة بحجم بلجيكا، على مساحة 25000 كلم، وذلك بالاعتماد على استثمار أجنبي بقيمة 500 مليار دولار.

وأوضح أريفي أن هذا مشروع نيوم الأبرز في رؤية 2030، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل في البلاد لإخراجها من الاعتماد على النفط، يتكون من اثنتي عشرة مدينة، ويفترض أن يحل محل وادي السليكون (في كاليفورنيا)، ويجب أن يرى النور عام 2025.

وأشار إلى أنه من خلال الاستفادة من قوانين أقل صرامة، مما هو عليه الحال في باقي المملكة – كعدم فرض الحجاب والتصريح بتناول الكحول - يأمل ولي العهد الشاب في جذب "أعظم المواهب في العالم"، لجعل نيوم قطبا جديدا للتكنولوجيا.

وكشف ابن سلمان البالغ من العمر 35 عاما عن المشروع خلال لقاء مع 3500 من رجال الأعمال من جميع أنحاء العالم في أكتوبر/ تشرين أول 2017.

وقتها، أخرج من ثوبه الأبيض التقليدي، هاتفا محمولا من الجيل الأول بالإضافة إلى أحدث هاتف ذكي حديث، وقال بالعربية: "الفرق بين ما نعيشه اليوم وما نطمح إليه في مشروع نيوم، كالفرق بين هذين الهاتفين". 

ونقل الكاتب عن أحد هؤلاء رجال الأعمال الغربيين قوله ساخرا: "لقد كان حلما جميلا"، فبعد ما يقرب من ثلاث سنوات، لم تظهر المدينة المستقبلية بعد، والوقت ينفد، بينما طالب محمد بن سلمان بإنجاز الإنشاءات الأولى في أقل من عامين. 

سياسات متهورة

ولفت إلى أنه من أجل "نيوم" تعمل السلطات على تفريغ قرية الخريبة من سكانها وإعادة توطين أكثر من 20 ألف بدوي، لكن يرفض البعض مغادرة أرض أجدادهم، ومن بينهم الناشط عبد الرحيم الحويطي، أحد أبناء قبيلة الحويطات، حيث قال هذا الرجل في 12 أبريل/ نيسان 2020: "يتم طرد الناس من منازلهم". 

وأضاف عبد الرحيم في فيديو سجله من على سطح منزله: بينما أحاطت شرطة النخبة بالمكان "لن أتفاجأ إذا جاؤوا إلى منزلي وقتلوني"، ليقتل بالفعل بعدها، ويصبح "شهيد" نيوم، ويرتبط اسمه إلى الأبد باسم المدينة التي حلم بها ولي العهد.

وعرض أريفي مواقف لولي العهد السعودي عديم الخبرة، كما يقول، الذي سخرت له كل موارد الدولة، لكنها أدت إلى إبعاد المستثمرين بسبب طموحه المفرط المقترن بالوحشية الجامحة، حيث ورط ابن سلمان، وهو أيضا وزير الدفاع، بلاده في حرب لا نهاية لها في اليمن، أسفرت عن واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم. 

كما أنه لم يتردد في احتجاز رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري كرهينة، مما تسبب في اتحاد نادر في بلد الأَرز، إضافة إلى اعتقال العشرات من رجال الأعمال وأفراد العائلة المالكة في فندق ريتز كارلتون بالرياض، ما أدى إلى إبعاد المستثمرين السعوديين، مرورا بفرض حصار بري وبحري وجوي على قطر، دفعها إلى أحضان تركيا وإيران، وفق الصحيفة.

ورأى كاتب المقال أنه قد تتم إضافة نيوم قريبا إلى قائمة الإخفاقات الطويلة لمحمد بن سلمان، فمليارات الاستثمارات المأمولة لم تأت بعد، وهو ما أجبر الدولة السعودية على اللجوء لصندوقها السيادي القوي لتمويل المراحل الأولى من المشروع. 

ويؤكد أن اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي كان يتعاون مع صحيفة واشنطن بوست الأميركية، وكذلك الاعتقالات الجماعية التي أمر بها ولي العهد وطالت الأسرة الحاكمة، أصابت المستثمرين بالخوف. 

ويقول رجل الأعمال المذكور آنفا: "الغربيون لن يستثمرون الآن أموالا في نيوم"، وبدون أموال أجنبية، فإن أحلام ابن سلمان قد تتحول إلى كابوس، كما أن برنامجه الإصلاحي الطموح، وهو حجر الزاوية لقوته المطلقة، سيتم إرجاؤه إلى أجل غير مسمى.

ويؤكد أريفي أنه "في البداية، كان الغرب يحلم بثورة في شبه الجزيرة العربية من خلال هذا الأمير الشاب، عندما تولى والده العرش في يناير/ كانون ثاني 2015".

ويتابع: "هو الابن المفضل للملك، لم يدرس في الخارج، ولا يجيد اللغة الإنجليزية، وحاصل فقط على ليسانس في الشريعة الإسلامية من جامعة الملك فيصل بالرياض، لكنه مثل الكثير من الشباب السعودي (70 ٪ من السكان تحت سن 30)، متحمس للتكنولوجيات الجديدة".

وبحسب دبلوماسي قريب منه "سرعان ما فهم ابن سلمان أهمية صورة الدولة في عالم معولم"، كان يعلم أن شبه الجزيرة العربية تعاني من صورة كارثية في الخارج، خاصة وأن الدولة كانت آخر من يمنع النساء من قيادة السيارة.

وأوضح أنه مع انهيار أسعار النفط ووصول سعر البرميل إلى 35 دولارا، حيث توفر عائدات النفط أكثر من 70 ٪ من ميزانية الدولة، "فهم محمد بن سلمان ووالده أن الأسعار لن تعود إلى مستواها السابق، ولم يكن لديهم خيار سوى تغيير النموذج الاقتصادي والاجتماعي للبلاد". 

ومحاطا بجيش من المستشارين السعوديين والأجانب، كان يجلس ابن سلمان، أحيانا ستة عشر ساعة في اليوم، في قصر اليمامة الضخم، المقر الرسمي للملك في الرياض، من أجل مهمته الجديدة: إطلاق رؤية 2030، التي جرى الكشف عنها في أبريل/ نيسان 2016.

يقول جوزيف ويستفال، سفير الولايات المتحدة السابق في الرياض، الذي رافق الأمير في تنفيذ إصلاحاته: "هذه خطة ناجحة للغاية يمكن أن تعمل بشكل جيد، ولها أهداف واضحة لتحقيقها". 

ومن خلال نهاية الدعم الحكومي للغاز والبنزين والكهرباء، وإنشاء ضريبة القيمة المضافة والاكتتاب العام لنسبة صغيرة من أسهم أرامكو السعودية، شركة النفط الوطنية، كانت تعتمد هذه "الثورة التاتشرية" (نسبة إلى الثورة الاقتصادية التي أحدثتها رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر) بشكل أساسي على زيادة مشاركة القطاع الخاص. 

وبحسب الدبلوماسي "فضل محمد بن سلمان الاقتراب من الشركات الأميركية بدلا من التعامل مع مجتمع الأعمال في المملكة، لكن المشكلة التي تقلق الجميع هي تهوره، فعندما تكون لديه فكرة، يُقدم عليها ويفعل ما يحلو له، دون التفكير في العواقب" 

إصلاحات مصطنعة

من جهته، رحب الشباب السعودي بإصلاحات ولي العهد بأذرع مفتوحة، لأنه من أجل الجهود المالية المطلوبة، وافق محمد بن سلمان على إجراء إصلاحات، منها منح النساء الحق في قيادة السيارة، وتخفيف القانون الجنائي، وإضعاف دور الشرطة الدينية. 

ويقول الكاتب: "بينما كان يصفق الغرب، أخفت هذه الإصلاحات في الواقع قمعا شرسا، طالت الصحفيين والناقدين وكذلك ناشطي حقوق الإنسان".

فمن بين عشرات الناشطين الذين ما زالوا في السجن، لجين الهذلول، المدافعة البارزة عن حقوق المرأة، والتي قالت شقيقتها لينا: "الغرض من هذه الاعتقالات هو إخبار الناس أن التغيير يجب أن يأتي من فوق، وليس من الأسفل".

وفي ظل هذه الصعاب، ظهر فيروس كورونا ليطيح بطموحات الأمير، وفي غضون أيام قليلة، حطم الانخفاض غير المسبوق في أسعار النفط، جراء كوفيد-19، حسابات الملكية البترولية، وبالفعل تعاني ميزانية الدولة حاليا من عجز قدره 9 مليارات دولار في عام 2020، قد يصل إلى 112 مليار دولار بحلول نهاية العام.

وفي 11 مايو/ أيار 2020، أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان رسميا، عن "إلغاء أو تأجيل" بعض مشاريع رؤية 2030، وهذا ليس كل شيء.

فمن أجل تعويض الانخفاض في عائدات النفط، ضاعفت المملكة ضريبة القيمة المضافة، التي تم فرضها في عام 2018، وألغت البدل الشهري البالغ 250 يورو المخصص لموظفي الخدمة المدنية.

وبحسب خبراء، الاقتصاد المتوقع البالغ 24 مليار دولار غير كاف لوقف انخفاض أسعار النفط، وسيتعين على الدولة اقتراض 60 مليار دولار لتعويض عجزها.

وقال دبلوماسي غربي مطلع على الوضع في السعودية: "إن شعبية محمد بن سلمان مرتبطة بوعوده بمستقبل أفضل للشباب"، موضحا أنه في الوقت الحاضر، لن يخرج السكان إلى الشوارع، لكن إذا استمرت الأزمة، فقد يجد ولي العهد نفسه في مشكلة، خاصة أنه أصبح له العديد من الأعداء في مجتمع رجال الأعمال وداخل العائلة المالكة. 

ويوضح أرمين أريفي أنه إذا كان ولي العهد غير مسؤول عن انهيار الطلب على النفط بسبب الوباء، فإنه كان وراء الهبوط القاسي لأسعار الخام في مارس/ آذار 2020.

فبناء على أوامره، فتحت المملكة العربية السعودية أبواب التصدير وأغرقت السوق بسبب نزاعها مع روسيا، التي رفضت خفض إنتاجها، والحفاظ على حصتها في السوق. 

ومن خلال التصرف بهذه الطريقة، عجل ابن سلمان بهبوط الأسعار،  وإذا جعل الأمير فلاديمير بوتين يرضخ بعد شهر، فالأسعار لم تعد إلى المستوى الذي كانت عليه في العام الماضي، يقول الدبلوماسي الغربي.

وبشكل غير مباشر، هز الوريث، الذي لا يمكن التنبؤ بقراراته، حليفه الأميركي، من خلال خنق عدد كبير من منتجي الغاز والنفط الصخري - الداعمين الأساسيين لدونالد ترامب للانتخابات الرئاسية المقبلة - التي تتطلب تكاليف استخراجها المرتفعة، سعرا مرتفعا للبرميل. 

ورأى السيناتور ألاسكا دان سوليفان أن "القرارات التي اتخذتها السعودية تسببت في دمار سوق الطاقة مع فقدان آلاف وظائف للعمال الأميركيين، والعديد من الشركات المستقلة التي أجبرت على إغلاق متاجرها".

وكدليل على استيائه، قدم الجمهوري المنتخب في مجلس الشيوخ، مشروع قانون لسحب القوات الأميركية المسلحة من السعودية، ووضع حد لاتفاقية كوينسي - النفط مقابل الأمن - التي يلتزم بها البلدان لمدة خمسة وسبعين عاما.

ويبين كاتب المقال، أن دونالد ترامب، الذي ظل يدافع دائما عن أعمال ولي العهد، نفد صبره، وفي 2 أبريل/ نيسان، هدد بسحب قوات بلاده من شبه الجزيرة العربية إذا لم تخفض المملكة إنتاجها النفطي. 

ويقول مسؤول خليجي: "الأميركيون كانوا غاضبين للغاية"، ما جعل محمد بن سلمان يمتثل للأمر، ومع استمرار انخفاض الأسعار، ينفذ ترامب تهديده.

ويوم7 مايو/أيار، وفي ذروة التوتر والمنافسة الإقليمية بين الرياض وإيران، سحبت الولايات المتحدة بطاريتي باتريوت مضادة للصواريخ من السعودية. 

وقال السفير جوزيف ويستفال: إن "الرئيس ترامب لم يؤيد قط بقاء القوات الأميركية في الشرق الأوسط".

من جهتها أعربت الرياض، عن أسفها لـ"الإشارة السيئة" المرسلة إلى إيران، لكن الرسالة وصلت، فبعد أربعة أيام، خفضت السعودية إنتاجها اليومي بمقدار مليون برميل إضافية. 

وخلص الكاتب إلى أن الأمير المتهور رأى بالفعل أن أحلامه تتداعى، ولم يعد الأمر يتعلق بالحامي الأميركي العظيم، فمحمد بن سلمان قطع الفرع الذي كان يجلس عليه.