رغم إعلان الطوارئ الصحية بالمغرب.. لماذا لم يتراجع مؤشر كورونا؟

12

طباعة

مشاركة

أعلن رئيس الحكومة في المغرب سعد الدين العثماني تمديد حالة الطوارئ الصحية التي فرضت في البلاد منذ 20 مارس/ آذار 2020، للحد من انتشار فيروس كورونا، 3 أسابيع أخرى، لتستمر حتى 10 حزيران/يونيو 2020 على أن يكون رفعها تدريجيا.

وفي كلمة أمام غرفتي البرلمان في 18 مايو/آيار 2020، قال العثماني: "الوضعية الوبائية مستقرة لكنها لا تزال غير مطمئنة كلية"، مشيرا إلى بروز بؤر إصابات بالفيروس في تجمعات عائلية أو مرافق صناعية أو تجارية.

كان من المفترض أن ينتهي الحجر الصحي في 20 مايو/ أيار 2020، لكن مدير مديرية علم الأوبئة ومكافحة الأمراض بوزارة الصحة محمد اليوبي، أكد أن مؤشر انتشار فيروس "كورونا" (R0) لم يتراجع بعد تحت عتبة 1.

وأوضح المسؤول في 25 مايو/ أيار أن المؤشر يختلف من جهة لأخرى، ففي الوقت الذي نزل فيه تحت عتبة 0,5 ببعض الجهات، ما زال يقارب الـ1 في جهات أخرى.

وقال اليوبي: "ما زلنا نسجل بؤرا وبائية ومن الضروري اتخاذ الحيطة والحذر، خصوصا أن مؤشر انتشار المرض لم ينزل تحت عتبة 1 أو أقل بكثير حتى نتمكن من التحكم أكثر فأكثر من انتشار الوباء".

وزير الصحة خالد آيت الطالب، سبق أن أكد ضرورة استقرار مؤشر سرعة الفيروس (R0) عند أقل من 1، لمدة أسبوعين من أجل رفع الحجر الصحي بالمملكة.

ورغم أن المغرب كان من أوائل الدول التي لجأت إلى خيار إعلان حالة الطوارئ الصحية، قبل أن تضطر الحكومة لتمديدها مرتين، فلماذا لم يتراجع المؤشر؟.

التمديد الثالث

أوضح العثماني أن الحجر الصحي، الذي فرض في 20 آذار/مارس ومدد في مرحلة أولى حتى 20 أيار/مايو، جنب المملكة 6 آلاف إصابة و200 وفاة يوميا. كما مكن من تفادي استنزاف القدرات الاستيعابية للمستشفيات، وتقليص سرعة انتشار الفيروس بنسبة 80 بالمئة.

رئيس الحكومة عبّر عن قلقه من "كثرة بؤر العدوى التي تبرز بين الحين والآخر، وتسجيل بعض أوجه التراخي في احترام الحجر الصحي ما قد يتسبب في انتكاسة لا يمكن تحملها".

وأعلن العثماني أن رفع الحجر سيتم وفق مبدأ التدرج ومراعاة الفوارق في الوضع الوبائي بين الجهات، لافتا في الوقت نفسه إلى "إمكانية التراجع عن رفعه عند بروز أي بؤرة جديدة أو ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس".

وأكد أن الحكومة تعمل على تهيئة شروط إنهاء الحجر الصحي، خاصا بالذكر رفع عدد التحاليل المخبرية للكشف عن الفيروس إلى 10 آلاف يوميا مقابل 8 آلاف حاليا، وضمان "القدرة على تتبع فعال" للمصابين ومخالطيهم باستعمال تطبيق معلوماتي طور لهذا الغرض.

وتحد حالة الطوارئ الصحية في المغرب من حركة المواطنين إلا في حالات معينة بموجب تراخيص تؤخذ من السلطات، وعزز منذ مطلع نيسان/أبريل 2020، بفرض وضع كمامات واقية للمسموح لهم بالخروج، إضافة إلى فرض حظر تجول ليلي طيلة شهر رمضان.

وواجه مخالفو هذه الإجراءات عقوبات بالحبس تتراوح بين شهر و3 أشهر وغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم (نحو 30 إلى 130 دولارا)، أو بإحدى العقوبتين.

وأعلن رئيس الحكومة من جانب آخر طرح مشروع قانون مالية تعديلي و"خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي" وتسريع استئناف نشاطه، لمواجهة أزمة ما بعد كورونا، بدون إعطاء تفاصيل.

واتخذت الحكومة منذ آذار/مارس 2020، عدة مبادرات لدعم الشركات المتضررة من تداعيات الأزمة الصحية، والتي تمثل نسبتها نحو 60 بالمئة من الشركات المغربية، حسب إحصاءات رسمية.

كما صرفت دعما ماليا شهريا لنحو 950 ألف أجير متوقف عن العمل في القطاع المنظم، ونحو 4.3 ملايين أسرة توقف معيلوها عن العمل في القطاع غير المنظم، وذلك بتمويل من صندوق خاص أنشئ لمواجهة الأزمة يقدر رصيده بأكثر من 3 مليارات دولار بفضل العديد من التبرعات.

بؤر صناعية

الدكتور مصطفى كرين، طبيب ورئيس المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية اعتبر أن عدم انخفاض المؤشر هو "كلام نسبي مرتبط أساسا بعدم إجراء ما يكفي من التحليلات".

لكن بالطبع، يستطرد الدكتور في حديثه مع "الاستقلال": "هناك أسباب مرتبطة بعدم احترام التباعد الاجتماعي، والحجر الصحي بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية في غالب الأحيان، ما أدى إلى ظهور بؤر عائلية وبؤر في المعامل والتجمعات البشرية المغلقة مثل السجون والثكنات العسكرية".

وفي تصريح سابق لمدير مديرية علم الأوبئة بوزارة الصحة، محمد اليوبي، تحدث عن اكتشاف عدة بؤر للوباء في أماكن العمل. وساهمت الحالات المسجلة في أماكن العمل، أي خارج المنازل الخاصة، في سرعة انتشار الفيروس، مقارنة مع السرعة التي كان ينتشر بها الفيروس منذ بداية الوباء.

أثار ظهور هذه البؤر للفيروس العديد من التساؤلات بخصوص الرقابة التي تقوم بها السلطات من أجل احترام الإجراءات الاحترازية في أماكن العمل.

في بداية الأمر، عهد بهذه المهمة إلى لجنة مختلطة تتكون من ممثلين عن وزارتي الصناعة والتشغيل. وبعد البدء في تنفيذ الإجراءات التي تفرضها حالة الطوارئ الصحية، تم تعيين ممثلين عن وزارتي الصحة والداخلية ليصبحوا أعضاء في هذه اللجنة.

لم تضطر الشركات الملتزمة بقوانين التباعد الاجتماعي والسلامة  إلى الإغلاق، في حين وضع ظهور بؤر صناعية للفيروس المسؤولين أمام خيارات صعبة قد تقود إلى إيقاف عجلة الاقتصاد.

مؤشرات إيجابية

لم ينف الدكتور كرين أيضا احتمالات وجود أكثر من فصيلة من الفيروس، غير أنه ليست هناك دراسة علمية أو مختبرية للتأكد من هذا الأمر أو نفيه.

البروفيسور مولاي مصطفى الناجي، أخصائي في علوم الفيروسات ومدير مختبر علوم الفيروسات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، قال لـ"الاستقلال": "علينا في البداية الاعتراف بأن المغرب قام بمجهود جبار على مستوى التدابير الاستباقية والقوانين التي أقرها وأعطت أُكلها".

البروفيسور أوضح أن المغرب ليس الوحيد الذي يحارب الفيروس، وبالتالي لا يمكنه أن يصنع الاستثناء، وإذا نظرنا إلى الحالة الوبائية في المغرب، فإن الأمور إيجابية في حين كان يمكن أن تكون كارثية. 

استند الناجي إلى عدد الحالات الذي تجاوز 7 آلاف (خلال أخذ التصريح)، ومؤشر الوفيات الذي يبلغ 2.7 غير المرتفع ومؤشر التعافي الذي وصل 57 بالمائة، وكلها مؤشرات إيجابية بحسب المتحدث.

بالعودة إلى مؤشر الانتشار، يقول أخصائي علم الفيروسات: "المغرب وفي بداية مارس/ آذار 2020، كان عند مؤشر 3، واستمر في النزول حتى وصل عتبة 1، وفي بعض الأحيان يصعد إلى 1.1، لكن المؤشر الجيد هو 0.5".

البروفيسور الناجي وقف أيضا عند البؤر الصناعية والعائلية، معتبرا أنها سبب رئيسي وراء تفشي الفيروس. وتابع المتحدث موضحا: "لولا هذه البؤر لكان الوضع أفضل بكثير".

وشدد الناجي على أن المخرج الوحيد من هذه الأزمة هو لزوم المنازل والالتزام بتدابير الوقاية.

الفحوصات مكلفة

أما عن عدد الفحوصات اليومية التي يقوم بها المغرب، قال مدير مختبر علوم الفيروسات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء: "هناك تقدم ومجهود كبيران، لكن في نفس الوقت لا يمكننا مقارنته بدول أخرى، المغرب إمكانياته محدودة كما أن الفحوصات مكلفة، فكل اختبار يتكلف 500 درهم (50 دولارا)، بالإضافة إلى تكلفة رعاية الحالات الإيجابية". 

ومع ذلك تمكن المغرب، يقول الناجي: من الوصول - خلال الجائحة - "من 3 مراكز لإجراء الفحوصات إلى 12 مركزا وهذا من شأنه أن يرفع من وتيرة الكشف".

ناقش بروفيسور علم الفيروسات إمكانية وجود أكثر من فصيلة لكورونا، وقال لـ"الاستقلال": "عالميا وصلنا إلى 11 نوعا، الوباء في البداية دخل المغرب عن طريق حالات من إيطاليا والصين وفرنسا ودول أخرى، وبالتالي من الطبيعي أن تكون هذه الحالات نشرت أكثر من نوع للفيروس".

فسّر المتخصص أنه "لا يمكن الوصول إلى إجابة قبل استخراج تاريخ الحمض النووي للفيروس في المغرب، الذي يوفر الإمكانات التقنية والمادية لذلك".