الخيار الثالث الذي سقط سهوا

أحمد اليعربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

إن المتابع للتقارير التي تصدرها مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية والتصاريح التوضيحية التي تقدمها الحكومات حيالها، لاسيما إذا كان التقرير بتخفيض التصنيف الإئتماني للدولة، يتبدى له الأمر كما لو كنا أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما؛ فإما أن تستجيب الدولة لتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمقرضين الخارجيين بشأن الانفاق العام، حتى وإن كان على حساب بنود إنفاق مهمة كالتعليم والصحة، أو أن يستمر الوضع المالي والتصنيف الإئتماني للدولة في الانخفاض (مثال لبنان).

وذلك دون ملاحظة أن هذا الوضع تسبب به إغفال أو فشل في تحقيق الخيار الأساسي، الذي سنطلق عليه تجوزاً الخيار الثالث، وهو قيام الدولة بدورها الأساس في دفع نمو الاقتصاد وتنويعه، والوصول به إلى درجة جيدة من الاستقرار بعدم الاعتماد على إيرادات النفط بشكل شبه كامل، ورفع وتعزيز الإيرادات من القطاعات غير النفطية، وتحقيق بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية. ومن باب أولى تجنب القروض الخارجية إلا في الحالات التي يكون فيها الاقتصاد منتجا ويتمتع بمعدلات نمو عالية توازي الدين وتسبقه.

في 5 مارس/ آذار الجاري خفضت مؤسسة (Moody’s investors Service) التصنيف الإئتماني لسلطنة عمان من Baa3 سلبي إلى Ba1 سلبي، وبعد 7 أيام، وتأثراً بتخفيض تصنيف الدولة، خفضت ذات المؤسسة تصنيف 8 شركات عمانية. وكانت مؤسسة (Fitch) قد خفضت التصنيف الائتماني في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2018 من BBB- إلى BB+ مع نظرة مستقرة، وقد سبقت مؤسسة (Standard and Poor’s) في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 إلى تخفيض التصنيف الائتماني الخاص بالسلطنة من BB+ إلى BB مع نظرة مستقرة.

وقد أخذ هذا التصنيف في الاعتبار الصعوبات المالية التي تواجهها الدولة بسبب انخفاض قيمة النفط، ونظرا لاعتماد الميزانية بشكل جوهري على الإيرادات المتحصلة من النفط، كان يُتوقع من الحكومة القيام بسلسلة الإجراءات لتخفيض الميزانية، وإقرار حزمة من "الإصلاحات الضريبية" بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية. ونظراً لأن الحكومة لم تستطع القيام بتخفيضات فعلية على الميزانية (يجب ملاحظة أن الانفاق زاد بمعدل 6% عند المقارنة بين عام 2018 وعام 2019)، فإن هذا الأمر يجعلها تعتمد بشكل أكبر على الاقتراض الخارجي لسد العجز  الحاصل في الميزانية. 

والنقطة الأخطر في كل هذا، هو أن هذا التخفيض في التصنيف الائتماني من قبل مؤسسات التصنيف الأشهر سيؤدي بشكل مباشر إلى رفع تكلفة الدين الخارجي، وما يضاعف خطورة هذا الأمر هو تزايد نسبة الاعتماد على الدين الخارجي في تغطية العجز، ففي عام 2018 كانت النسبة 69% في حين ارتفعت النسبة في ميزانية 2019 لتصل 86%.

إن عدم إقدام الحكومة على اتخاذ تدابير وإجراءات حازمة بشأن خفض الميزانية وإقرار ضرائب جديدة بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية هو أمر مفهوم، فالهدف الأساس هو المحافظة على الوضع المعيشي للمواطنين ومحاولة احتواء التأثيرات التي تطال وستطال المواطن جراء الوضع الاقتصادي، لاسيما وأن المواطنين تأثروا بشكل مباشر من جراء رفع الدعم الحكومي عن المنتجات النفطية، ومن تقلص الفرص الوظيفية في سوق العمل. وبالتالي فإن فرض ضرائب جديدة سيؤدي بدون شك إلى تطورات وتغيرات، قصيرة وطويلة المدى، على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. 

ولا يفترض بالضرورة أن تكون هذه التغيرات لصالح الحكومة، ومن الملاحظ أن السلطنة قامت بإقرار قانون الضريبة الانتقائية بتاريخ 15 مارس/ آذار 2019 أي بعد تخفيض تصنيف السلطنة من قبل مؤسسة مووديز، والذي يفرض ضريبة على بعض السلع الضارة مثل الكحول ولحم الخنزير والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة ومنتجات التبغ، والتي تصل في بعض السلع إلى 100%.

وفيما يتعلق بضريبة القيمة المضافة، فإنه على الرغم من أن الاتفاقية الموحدة لقانون ضريبة القيمة المضافة لدول الخليج كانت قد اعتُمدت بشكل مبكر، إلا أن دول الخليج ترددت في تطبيقها بشكل فعلي، وعلى الرغم من أنه كان متوقعا أن تقر عمان هذه الضريبة وتبدأ بتنفيذها في يناير/ كانون الثاني 2018 إلا أنها قررت تأجيل فرضها، ولا يتوقع أن يتم إقرارها فعلاً خلال عام 2019 إلا إذا عجلت تنفيذها بهدف تحسين التصنيف الائتماني للدولة.

وبحسب تقديرات مؤسسة مووديز، فإن الإيرادات التي يمكن أن يحققها تطبيق كلٍ من ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية معاً تتراوح في حدود 1.3% و1.7% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وهو أمر جيد في حال استمر العجز في الإنخفاض (2017: 3.8 مليار – 2018: 2.9 مليار – 2019: 2.8 مليار)، إلا أنه سيكون رقماً متواضعاً في حال ارتفع العجز في السنوات القادمة.

وحيال إعلان مووديز عن تخفيض التصنيف الإئتماني للسلطنة، جاء رد الحكومة في شقين؛ الأول واقعي عملي، يؤكد على ضرورة رفع التصنيف، ذلك لأن انخفاض التصنيف له كلفته. أما الثاني فهو تبريري ومفاده أن "مؤسسات التصنيف العالمية تركز في تقييمها بشكل أساسي على المؤشرات المالية والمركز المالي للدولة والمتمثل في الإيرادات والإنفاق والعجز وقدرة الدولة على تمويل هذا العجز وتأثير ذلك على احتياطاتها المالية، ولا تأخذ في الاعتبار بعض الأبعاد التنموية والاجتماعية، لاسيما وأنّ السلطنة تتبع نهج التدرج في معالجة الأوضاع المالية ومواجهة التحديات التي سببها انخفاض أسعار النفط".

ويحسب للحكومة تمسكها بمستحقات "الأبعاد الإجتماعية والتنموية" وعدم اعتماد إجراءات حادة لمواجهة الوضع الإقتصادي، لما لهذه الخطوة من أثر على معيشة المواطنين أولاً، وللارتدادات السياسية التي من الممكن أن تعقبه ثانياً، على أن هذا الأمر لا يجب أن يلفت أنظارنا عن أصل المشكلة، عن ما أسميناه الخيار الثالث تجوزاً، وهو تحقيق متطلبات التنمية والرفاه والاستقرار والنمو الاقتصادي بعيداً عن الاعتماد شبه الكلي على إيرادات النفط وزيادة مستويات التنويع الاقتصادي.

إن الصدمات التي تواجهنا على المستوى الاقتصادي دائماً تنبهنا إلى أننا لم نغادر المربع الأول، وأننا مازلنا نردد ذات الأشياء التي لطالما تم ترديدها في العقود الماضية عن تنويع مصادر الدخل و و و، وإن تعجب فالعجب أن كل تلك الدعوات الطموحة لم تتحقق بشكل فعلي وكبير حتى هذا اليوم في بلد خامل سياسياً، بمعنى أن الحكومة تتمتع بدرجات تركيز أكبر في تنفيذ خططها ومشاريعها بعيدا عن التدافعات السياسية، لاسيما في بلد مستقر أمنياً وتعداده السكاني قليل نسبياً.