هاجم حفتر وأعلن دعم الوفاق الليبية.. لماذا انتقل الناتو من مربع الضبابية؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أخذت الأحداث في ليبيا منحى متسارعا خلال الأسابيع الماضية، لا فقط على الأرض بعد تمكن قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا من السيطرة على مدن إستراتيجية غربي البلاد، وإنما على مستوى دبلوماسي ومواقف دولية سبق وأن كانت متحفظة.

بعد تضييق الخناق على مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر جنوب العاصمة طرابلس، وفي آخر معقل لهم في الغرب مدينة ترهونة، استعدادا لتحريرها وطرد مليشيات حفتر منها، أبدى حلف "الناتو"، استعداده لدعم الحكومة الليبية برئاسة فائز السراج.

ينس ستولتنبرغ أمين عام "الناتو" اعتبر أنه لا يمكن وضع حكومة السراج، المعترف بها دوليا، والجنرال الانقلابي خليفة حفتر، في كفة واحدة.

المؤكد أن التدخل التركي عسكريا ودبلوماسيا هو ما قلب موازين المعادلة لصالح حكومة الوفاق، في وقت كان فيه حفتر مستقويا بدعم من مصر والإمارات والسعودية بالإضافة إلى دعم فرنسي ظهر في أكثر من مناسبة.

اعتراف جديد

أجرى رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج اتصالا هاتفيا مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبيرغ، أكد فيه الأخير أن الناتو يعتبر حكومة الوفاق السلطة الشرعية الوحيدة في ليبيا. 

وحسب البيان الذي أصدره المكتب الإعلامي لحكومة الوفاق يوم 16 مايو/آيار 2020، أن الاتصال تطرق لآخر مستجدات الوضع في ليبيا وآخر التطورات العسكرية والأمنية، وخطورة الوضع الأمني بسبب العدوان على طرابلس وضواحيها، وتأثير ذلك على استقرار كامل المنطقة، وما قد يسببه من تحفيز لبؤر الإرهاب والفوضى وانتشار السلاح". 

وأكد الأمين العام للناتو، حسب البيان، أن "الحلف يعتبر حكومة الوفاق الوطني هي الحكومة الشرعية ولا يتعامل مع غيرها، قائلا: "استهداف المدنيين والبنى التحتية أمر غير مقبول، ولا يوجد حل عسكري للأزمة الليبية"، فيما شدد على ضرورة الالتزام بمخرجات مؤتمر برلين.

وحسب البيان اتفق الجانبان على "التنسيق والتعاون بين أجهزة الحلف والمؤسسات العسكرية والأمنية في ليبيا وفقا لما تم بحثه في لقاءات سابقة، وبما يساهم في دعم وبناء القدرات العسكرية والأمنية وتدريب الكوادر الليبية والرفع من إمكانياتها، كما تم الاتفاق على تفعيل اللجان المشتركة بين الجانبين". 

سبق وأن صرح أمين عام الناتو في مقابلة أجرتها  معه صحيفة "ريبوبليكا" الإيطالية  يوم 14 مايو/آيار 2020، بأنه لا يمكن وضع حكومة السراج، المعترف بها دوليا، والجنرال الانقلابي خليفة حفتر، في كفة واحدة.

لم يسبق أن صدر عن حلف الناتو موقف بهذا الوضوح من الملف الليبي منذ تدخله عسكريا في 17 آذار/ مارس 2011، عقب اندلاع الثورة الليبية.

الدور التركي

لا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه تركيا في دعم الحكومة الليبية في مواجهة تمرد حفتر المدعوم من الإمارات والسعودية ومصر، هذا الدعم الذي كان له الأثر الإيجابي في قلب معادلة المعارك الدائرة في محيط طرابلس بعد شن حفتر عملية واسعة منذ 4 أبريل/ نيسان 2019 للسيطرة عليها.

هذا الدعم، لم يتوقف في حدود الإمداد العسكري وإرسال الخبراء الأتراك لمشاركة الجيش الليبي في معاركه، بل أضيف له دعم دبلوماسي ظهر أخيرا في موقف حلف الناتو الذي تحظى فيه تركيا بالعضوية. 

في 15 مايو/آيار 2020، بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمين عام حلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ تطورات الوضع في ليبيا.

وأفاد بيان صادر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية بأن ستولتنبرغ أكد أن الناتو يحافظ على موقفه المتوازن حيال ليبيا، وأنه مستعد في ذات الوقت لمساعدة هذا البلد في مسألة بناء المؤسسات الدفاعية والأمنية، بناء على طلب رئيس الوزراء (الليبي) فائز السراج.

وبيّن ستولتنبرغ أن مساعدة الناتو لليبيا ستقدم مع مراعاة الوضع السياسي والظروف الأمنية في البلاد، وبالتنسيق الوثيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وقال الكاتب التركي رشاد أوكر، في مقال على صحيفة "ميلات" التركية: إن الجميع شعر بقوة تركيا في ليبيا، وفي حلف "الناتو"، بفضل جهودها الدبلوماسية والعسكرية في الميدان.

وسبق للدبلوماسية التركية أن تحركت في إطار البحث عن حلول للأزمة في ليبيا مع ضمان مصالح حلفائها في حكومة الوفاق، حيث طالب أردوغان بمشاركة تونس والجزائر وقطر في مؤتمر برلين الذي عقد مطلع 2020.

وبعد فشل جميع الأطراف في برلين من الوصول إلى حلول عملية، عقد في موسكو مباحثات غير مباشرة بين طرفي النزاع في ليبيا، حيث التقى وفد عن حكومة الوفاق وآخر عن قوات حفتر -كل منهما على حدة- مع وزراء خارجية ودفاع روسيا وتركيا يوم 13 يناير/كانون الثاني 2020.

وجاءت هذه الاجتماعات في إطار السعي لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنه الطرفان الليبيان برعاية تركية روسية مشتركة.

يخسر حلفاءه

قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، في حديث لقناة "A Haber" التلفزيونية التركية يوم 16 أيار/مايو 2020، تعليقا على استهداف مليشيات حفتر للمدنيين في طرابلس: "في المرحلة القادمة لا بد من وقف حفتر. كما يجب إيقاف الداعمين له. وعلى الناتو أن يلعب دورا هاما في هذا الصدد".

وقال تشاووش أوغلو: "مصر والإمارات إلى جانب فرنسا تدعم بشكل واضح حفتر. العداء الفرنسي لتركيا زاد بعد عملية نبع السلام في شمال سوريا"، التي تم إطلاقها يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد المسلحين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين.

رغم كل ذلك لا يبدو أن الفرنسيين يتعاملون بنفس اللهجة مع الأتراك فيما يتعلق بالوضع في ليبيا، خاصة بعد الهزائم الأخيرة التي عاشها حفتر غربي البلاد، وكذلك التصدع الموجود في معسكره بعد إعلانه نفسه حاكما على ليبيا.

وزراء خارجية ألمانيا وإيطاليا وفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي أدانوا "بصفة خاصة الهجمات الأخيرة على مركز مدينة طرابلس ومستشفاها المركزي وتزايد عدد الضحايا المدنيين".

كما يبدو أن فرنسا لم تعد قادرة على الدفاع عن مغامرة حفتر أمام تزايد جرائمه، التي لم تسلم منها حتى المستشفيات والمدنيون والبعثات الدبلوماسية، حيث استهدفت مليشياته محيط مقرين دبلوماسيين لدولتين عضوتين في الناتو (تركيا وإيطاليا)، وهو ما يعتبر سابقة خطيرة.

في المقابل، عبرت اليونان عن غضبها من تصريحات الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، واعتبرت أن هذا التصريح يكشف عن وجود مخطط تركي لتوريط الحلف في ليبيا لمساندة المليشيات "الإسلامية" حليفة أنقرة واستهداف الجيش الذي لعب دورا مهما في تحييد الإرهاب في بنغازي ودرنة، حد قولها.

صديقة حفتر

وذكّر المتحدث باسم وزارة الخارجية اليونانية ألكسندروس ينيماتاس "الناتو" بأنه لم يتم اتخاذ مثل هذا القرار من قبل الدول الأعضاء فيه، حيث "يجب أن توافق الدول الأعضاء على قرارات السياسة الخارجية للناتو بالإجماع". وشدد ينيماتاس على أن اعتراف ستولتنبرغ بحكومة السراج "من الواضح أنه لا يعكس مواقف الحلف".

ولا يبدو هذا الموقف مستغربا من اليونان، التي تعتبر الجارة العدو لتركيا منذ عقود طويلة، كما أن الخلافات الأخيرة حول الحدود البحرية في شرق المتوسط أعادت الخلافات بينهما إلى السطح، خاصة بعد إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا نهاية 2019.

أما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية التي تعد القوة المهيمنة داخل حلف الناتو، فإن بداية تغيير موقفها من حفتر، مرتبط أساسا بازدياد النفوذ الروسي في معسكره، عبر مرتزقة شركة فاغنر والأسلحة النوعية التي ظهرت في يد مقاتلي مليشياته.

فالبنتاغون الذي صنف موسكو وبكين كأكبر تهديد للولايات المتحدة، لا يمكن أن يقبل بهيمنة روسيا على بلد يقع في مكان إستراتيجي بالضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، ويمتلك أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا.

في أبريل/نيسان 2020، اتهم مسؤولون في القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، روسيا بإدخال "مجموعة شبه عسكرية إلى ليبيا لدعم حفتر، ولتضع نفسها في الجناح الجنوبي للناتو"، وفق ما أوردت جريدة "واشنطن إكزامينر".

بل ذهب المسؤولون العسكريون بعيدا عندما وصفوا الوجود الروسي في ليبيا، بأنه "أكثر خطورة من التهديد الذي تشكله فلول تنظيم الدولة، العاملة في الجنوب (الليبي)".

وهو ما تجلى في حديث أمين عام حلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرغ مع السراج حيث أعرب عن قلق الحلف من قتال مرتزقة "فاغنر" الروس في صفوف حفتر، مؤكدا على ضرورة تطبيق حظر وصول السلاح برا وجوا وعدم الاكتفاء بتطبيقه بحرا فقط، في إشارة للعملية التي يقودها الاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط "إيريني" والتي أدانتها الحكومة الليبية وتركيا.