تجنبوا اللقاح خوفا من كورونا.. كيف يهدد مرض الحصبة ملايين الأطفال؟

12

طباعة

مشاركة

فيروس كورونا قد يكون هو المشكل الصحي الأعقد الذي يواجهه المجال الطبي في الفترة الحالية، لكنه ليس الأخطر. فمن أخطر التهديدات التي يواجهها العالم في المستقبل القريب، والتي تأثرت بتفشي كوفيد 19، هي تطعيمات الأطفال. 

دق المتخصصون ناقوس الخطر وعبروا عن تخوفاتهم من أن أكثر من 117 مليون طفل في 37 دولة قد يفوتهم أخذ لقاح الحصبة بسبب الحجر المنزلي الذي يفرضه الفيروس، أو بسبب التخوفات من الذهاب إلى المستشفيات في هذه المرحلة الحرجة.

مصدر قلق

أطباء الأطفال في الولايات المتحدة أبلغوا عن انخفاض عدد توافد الأطفال على المراكز الصحية للاستفادة من اللقاحات. وفي الأسبوع الثاني من أبريل/ نيسان 2020، انخفض عدد لقاحات (الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية) الممنوحة للأطفال بنسبة 40٪ مقارنة بثاني أسبوع في فبراير/ شباط 2020، عندما لم يكن كوفيد 19 منتشرا على نطاق واسع.

مدير الجناح الاستشاري في مستشفى بولاية فيرمونت الأميركية، تشيب هارت قال: إن هذه الأرقام لا تقيس عدد الأطفال المتأخرين عن جرعتهم الأولى، بل إنها تعتبر مؤشرا على خطر حقيقي. 

ويعد تخطي لقاح الحصبة مصدر قلق خاص لأن المرض شديد العدوى عاد في السنوات الأخيرة. وتقول مراكز مكافحة الأمراض والوقاية: إن حالات الحصبة وصلت إلى أعلى مستوى لها خلال 27 عاما.

أخطر من كورونا

كثير من الآباء يتساءلون عما إذا كان بإمكانهم تأجيل تلقيح أطفالهم خلال تفشي الفيروس. الدكتورة كلير مكارثي، طبيبة رعاية أولية في مستشفى بوسطن للأطفال تقول: "بالنظر إلى أن كوفيد 19 لا يبدو أنه يؤثر على الأطفال بشكل سيئ مثل البالغين، فإن العديد من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات يمكن أن تكون أكثر خطورة على الأطفال من كورونا".

وأضافت أنها تأمل أن يكون الانخفاض في معدلات التطعيم مؤقتا. وتابعت: "من المهم أيضا أن تتذكر أنه ليس فقط اللقاحات التي لا ينبغي تخطيها".

وقالت مكارثي: "نحن قلقون بشأن الأطفال المصابين بأمراض أو إصابات أو حالات صحية مزمنة، الذين يحتاجون إلى رعاية طبية لكنهم لا يحصلون عليها لأن أسرهم لا تريد المخاطرة بالذهاب إلى المستشفى".

الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال أكدت في توجيه لها أن رعاية الأطفال بشكل جيد كلما أمكن ذلك واجب كل أسرة، مع تشجيع الأطباء على إعطاء الأولوية لرعاية الأطفال حديثي الولادة حتى عمر سنتين.

وشددت الأكاديمية على أهمية الالتزام بجداول اللقاحات لأن العديد من اللقاحات تتطلب سلسلة من الجرعات من أجل حماية الطفل بشكل نهائي من مرض معين.

بعض المتخصصين شجعوا الآباء على الاتصال بمكتب طبيب الأطفال لمعرفة أفضل الخطوات التي يجب اتخاذها. وحذروا من امتلاء أقسام الطوارئ بالأطفال المصابين بالتهاب الدماغ الحاد بسبب الحصبة.

تفشي الأوبئة

يشعر العديد من الآباء بالتردد في اصطحاب أطفالهم إلى المراكز الطبية في الوقت الحالي، خوفا عليهم من أي اتصال بحاملي فيروس كورونا، في ظل التوصيات بضرورة أخذ مسافة اجتماعية كأمر حاسم للحفاظ على صحة الجميع وأمنهم.

وقالت الدكتورة بريا سوني، أخصائية الأمراض المعدية لدى الأطفال: "نفهم أن العائلات تريد البقاء في المنزل لمنع انتشار كوفيد 19، لكن لا تزال التطعيمات تعتبر ضرورية للغاية". 

وأكدت على أنه من المهم حضور أي فحوصات تشمل التطعيمات الروتينية، والجدول الزمني الذي تم الاتفاق عليه من قبل الطبيب الذي يعرف جيدا مدى أهمية هذه المواعيد، مع الإشارة إلى أنه شيء لا يمكن العبث به.

عند الخروج بجدول التطعيمات الموصى به، يقوم خبراء الصحة بوزن مزيج معقد من العوامل، بما في ذلك الاستجابة المناعية وقابلية الإصابة بمرض معين بالإضافة إلى توقيت الجرعات الأخرى. لذلك لا يجب تأجيل موعد التطعيم لمدة شهر أو شهرين دون إذن الطبيب، بحسب المتخصصين.

وقالت الدكتورة سالي جوزا، رئيسة الجمعية الأميركية لمكافحة الإيدز، في بيان: "لقد غاب الكثير والكثير من الأطفال عن تلقي تطعيمات مهمة لحمايتهم من أمراض مثل الحصبة والتهاب السحايا والسعال الديكي".

وأضافت: "كطبيبة أطفال، هذا أمر مثير للقلق بشكل لا يصدق. أتذكر علاج الأطفال الذين يعانون من هذه الأمراض في الثمانينيات من القرن الماضي، ولا نريد العودة إلى الوقت الذي كان فيه على الآباء القلق من أن رضيعهم قد يموت بسبب التهاب السحايا - خاصة عندما يكون لدينا لقاح لمنعه".

متابعة عن بعد

قام مقدمو الرعاية الصحية بإجراء الكثير من التغييرات في كيفية ممارستهم لمحاولة الحد من انتشار كوفيد. وأكد أطباء الأطفال أنهم حريصون بشكل خاص على جدولة الفحوصات وزيارات الأطفال المرضى في أوقات مختلفة من اليوم لتجنب خطر تعرض الطفل للفيروس في قاعة الانتظار.

تقوم العديد من المراكز الطبية والعيادات بتقسيم موظفيها، لذلك يتعامل البعض مع الفحوصات فقط، بينما يرى البعض الآخر المرضى. ويحد أطباء الأطفال من عدد الآباء الذين يمكنهم حضور الزيارة ويطلبون من الجميع ارتداء كمامات.

من جهتهم أكد مجموعة من أطباء الأطفال أنه إذا لم يتعلق الأمر بشيء مستعجل فإنهم مستعدون لإجراء الفحص "أون لاين" ووصف العلاج المناسب حتى لا تزدحم قاعات الانتظار.

لا ينفي المتخصصون في مجال الصحة أنه مصدر قلق كبير اصطحاب الأطفال إلى المستشفيات. لكنهم شددوا على أن تأخير التطعيمات قد يخلق مشكلة صحية عامة أخرى تصعب إدارتها.

إجراءات احتياطية

في الولايات المتحدة، بعض المراكز أغلقت ولم تتم جدولة زيارات للأطفال في بداية الأزمة. لكن مكاتب أطباء الأطفال قامت منذ ذلك الحين بتجهيزات مهمة لتقليل خطر الإصابة بالفيروس.

يريد الأطباء من الآباء أن يعرفوا أنهم قاموا بتجهيزات مهمة في مكاتبهم لتقليل خطر الإصابة بالفيروس. وشملت الاحتياطات الجديدة في كل مستشفيات الولايات المتحدة ما يلي:

  • جدولة زيارات جيدة في الصباح والزيارات المرضية في فترة ما بعد الظهر حتى يتمكن الأطفال الأصحاء من الحضور بأمان خلال الساعات الأولى بعد تنظيف شامل للمكتب ليلا.
  • تقسيم مناطق العيادة بحيث يتم علاج المرضى في جزء مختلف عن القادمين من أجل التطعيمات.
  • مطالبة الناس بالاتصال والانتظار في سياراتهم عند وصولهم حتى يتمكن مساعد الطبيب من اصطحابهم مباشرة إلى غرفة الفحص عندما تكون جاهزة، وبالتالي تجنب غرفة الانتظار.
  • أوقات ومواعيد متفرقة حتى لا يتم تجميع الأشخاص معا.
  • لجأت بعض المراكز الطبية إلى جعل غرفة التطعيمات منفصلة.

وفق الأطباء، فإن انخفاض التطعيم الروتيني خلال جائحة كوفيد 19 مقلق للغاية لمقدمي الرعاية الصحية الذين يخشون أن تظهر الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات مرة أخرى بينما نحارب كورونا.

وتخوف الأطباء من أنه بعد 6 أشهر أو سنة من الآن، قد نرى تفشي مرض الحصبة. وحتى قبل الانخفاض الحالي في التطعيمات، كان هذا مصدر قلق.

في عام 2019، واجهت الولايات المتحدة عودة ظهور الحصبة، وهو أعلى معدل سنوي للعدوى منذ أوائل التسعينيات. ويبدو أن الأزمة ستصبح أكثر وضوحا عندما تفتح المدارس ويختلط الأطفال مع بعضهم البعض مرة أخرى.