كورونا ليس الأول.. هكذا تحول المصريون إلى "فئران تجارب" لشركات الأدوية

محمود سامي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

جدد تفشي فيروس كورونا في مصر، الحديث عن مخاوف تحول بعض المصريين إلى "فئران تجارب" لشركات الدواء العالمية والمحلية، عبر تقنين التجارب السريرية.

ولا يوجد تشريع يقنن الأبحاث الإكلينيكية أو ما يعرف بالتجارب السريرية في مصر، غير أن السلطات شرعت مع اجتياح كورونا للعالم، في إجراء تلك التجارب.

وفي ظل غياب قانون من شأنه حماية حقوق المرضى والمتطوعين، فإن مصر اعتمدت فقط على موافقة لجان أخلاقيات حكومية بالمستشفيات في إحياء تلك التجارب، التي دعا رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى دعمها فيما يتعلق بمواجهة الفيروس.

وغالبا ما تكون المشاركة في التجارب السريرية في مصر، فرصة وحيدة أمام نسبة كبيرة من السكان الذين يفتقدون التأمين الصحي، لتلقي العلاج، وفق تقارير طبية دولية.

ومؤخرا، صرح صلاح حسب الله، المتحدث باسم مجلس النواب، أن قانون التجارب السريرية سيخرج إلى النور قبل سبتمبر/أيلول 2020، رغم ما يثار حوله من جدل في أوساط علمية وطبية بشأن المساس بحرمة الإنسان وحقوقه.

وسبق أن قالت الحكومة المصرية: إن "المصريين لن يكونوا حقل تجارب وفق قانون الأبحاث الإكلينيكية (التجارب السريرية)"، وذلك حين أقر البرلمان مشروع القانون الذي رفض السيسي التصديق عليه في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

وسجلت مصر حتى يوم 20 مايو/أيار 2020، أكثر من 14 ألف حالة إصابة بكورونا، إضافة إلى 680 حالة وفاة.

تجارب مشبوهة

ووفق تقارير محلية، شرعت مستشفيات حكومية بمصر، في الأسابيع الأخيرة، بإجراء تجارب سريرية على مصابين بكورونا، إذ أدخلت الحكومة مزيدا من الأدوية في نطاق تلك التجارب.

وذكرت التقارير أنه لا يوجد علاج مخصص لفيروس كورونا المستجد، وأن ما يتم هو إعادة استخدام وتطوير علاجات كمضاد للفيروسات.

ولا يعد تطبيق التجارب السريرية على المصابين بفيروس كورونا دون وجود قانون يحول بين المصريين واعتبارهم "فئران تجارب"، الأول من نوعه، إذ كشف البرنامج الاستقصائي "ما خفي أعظم" الذي بُث على قناة "الجزيرة"، في 17 مايو/أيار 2020 عن إجراء "تجارب غير أخلاقية" لأدوية على مصريين دون علمهم. 

وأجرى البرنامج لقاء مع إيرين شبير، وهي معدة تقرير عن "التجارب غير الأخلاقية للشركات الدوائية"، والتي قالت: إن "كثيرا من أدوية السرطان جُربت عام 2016 في مصر من دون علم أو موافقة المرضى، الذين خضعوا للعلاج باستخدام عقار تجريبي".

وأشار إلى أن شركة "روش" السويسرية كانت ضالعة في أكثر من 50% من التجارب الجدلية في مصر". وعند سؤال شبير عما إذا كانت شركات الدواء قد حصلت على موافقة السلطات المصرية المسؤولة لإجراء هذه التجارب، أجابت: "نعم من قبل لجان الأخلاقيات".

وسُئلت شبير عما إذا كانت تلك اللجان تعرف أن التجارب غير قانونية وأخلاقية، قالت: "ليست كل لجنة أخلاقية رسمية جيدة، هناك تضارب مصالح". 

من جانبها، رفضت شركة "روش" التعليق أو إجراء أي مقابلة ضمن البرنامج الاستقصائي، لكنها ردّت في إيميل مكتوب عرضته "الجزيرة"، وجاء فيه أن الشركة "ملتزمة بالقوانين واللوائح الدولية فيما يخص التجارب السريرية التي تقوم بها". 

وأكدت الشركة أن جميع الاختبارات والتجارب التي تمت في مصر كانت بموافقة من وزارة الصحة المصرية، دون أن يصدر أي رد مصري حول ما ذكره التحقيق ورد الشركة حول علم السلطات بهذه التجارب.

وتناغمت تجارب سريرية أجرتها شركات دوائية دولية على المرضى المصريين دون علمهم، مع حملات أطلقها النظام المصري كـ"100 مليون صحة" للكشف عن فيروس الكبد الوبائي، وتجربة دواء سوفالدي.

تخوف حقوقي

أمين صندوق نقابة صيادلة مصر السابق أحمد رامي، قال: إن الحكومة المصرية تتعاقد مع شركات الأدوية وتوفر لها المرضى كما لو كانوا فئران تجارب، مقابل امتيازات تحصل عليها الحكومة سواء كانت امتيازات مالية أو في صورة أدوية تتحصل عليها من الشركات.

وأضاف رامي، في حديث لـ"الاستقلال" أنه رغم تداول تمرير قانون التجارب السريرية في مصر، فإن وضعه يختلف تماما عن بقية دول العالم.

وأوضح أن كل دول العالم بها قوانين تنظم التجارب السريرية، وتلزم السلطات أن يكون المريض على معرفة مسبقة بتلك التجارب، إلا أن الأوضاع تجري على خلاف ذلك في مصر.

وعزا ذلك إلى النظرة التي تنظر بها الحكومة إلى المواطن المصري باعتباره بلا قيمة، واعتبار حياته مصدرا للحصول على الامتيازات الاقتصادية من شركات الأدوية.

واتفق الباحث الحقوقي المصري، أحمد العطار، مع تحذيرات رامي، مبديا تخوفه من تداعيات إقرار التجارب السريرية في مصر، وتغول شركات الأدوية العالمية واستغلال المواطن المصري.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال العطار: إن الكثير من دول العالم عملت على تقنين هذه العملية وضبطها لحماية المتطوعين والاستفادة القصوى من إجرائها لصالح البشرية.

واستشهد بقيام 7 دول من أوروبا الغربية المعروفة بنظامها الصحي المتقدم، بالبدء في عملية التجارب السريرية على عدد من متطوعي اختبارات بعض الأدوية لعلاج فيروس كورونا، مشيرا إلى خضوع تلك التجربة قبل بدء تطبيقها على الإنسان للكثير من الأبحاث والتجارب والضمانات التى من شأنها أن تقلل المخاطر المحتملة على حياة المتطوعين.

كما حذر من استغلال المواطن المصري الذي سيكون مستهدفا نظرا لبساطته واحتياجه المادي وجهله بأبسط حقوقه فى المعرفة للقيام بتلك التجارب.

وأضاف أن انتشار وباء كورونا في مصر كشف انهيار منظومة الصحة المصرية وافتقاد جميع المستشفيات إلى الكثير من وسائل الأمان والوقاية، حيث ظهر ذلك جليا من خلال عشرات المناشدات والاستغاثات التى أطلقها المصابون، ولم تجد لها صدى.

واستنكر الباحث الحقوقي، عدم وجود شفافية وأمانة علمية لدى السلطات في تعاملها مع هذا الوباء، مؤكدا أنه رغم أهمية التجارب السريرية لتخفيف آلام المرضى، إلا أن هناك تخوفا من الإهمال والاستخفاف بحياة البشر الذي قد يؤدي إلى فقدان المتطوعين لحياتهم أو زيادة الآلام التي يشعرون بها.

عرقلة وتعطيل

وبحسب المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية (مستقل/ مقره القاهرة)، فإن مشروع قانون التجارب السريرية، انطوى عليه عرقلة للبحث العلمي.

وشدد المركز في تقرير 19 مايو/أيار 2020، على أهمية الحاجة لخلق إطار تشريعي موحد قوي مدعوم بنظام رقابي فعال لإجراء هذه التجارب.

وأشار إلى أن إجمالي عدد التجارب السريرية التي تم إجراؤها عالميا لتقييم تلك العلاجات حوالي 1254 تجربة، أُجري منها 25 في الجامعات والمراكز البحثية المصرية، من أصل 35 تجربة نُفذت في القارة الإفريقية.

وقال المركز: إن مصر لديها الإمكانيات والقدرات العلمية اللازمة للمشاركة في مجال التجارب السريرية العالمية، ولكن تنقصها التشريعات اللازمة لوضعها على خريطة التجارب السريرية الدولية، خاصة أن الدول التي تشارك في تلك التجارب يكون لها الحق في الحصول على الأدوية المعالجة بأسعار أقل من تلك التي لم تشارك بها. 

ومنذ إقراره برلمانيا وتعطيله رئاسيا أواخر 2018، يثار حول قانون التجارب السريرية، جدل في أوساط علمية وطبية بشأن المساس بحرمة وحقوق الإنسان.

وجاء في نص خطاب السيسي للبرلمان بشأن رفض التصديق على القانون أنه "يحظى بدرجة من الأهمية والخطورة في آن واحد، لتعلقه بالحق في الحياة وحرمة جسد الإنسان من جهة، وحرية البحث العلمي من ناحية أخرى".

وأبدى السيسي اعتراضا على 6 مواد بالقانون، أبرزها يتعلق بالرقابة والإشراف على الأبحاث العلمية، وتغليظ المواد العقابية بالقانون.‎

ويشمل القانون "المعطل" 35 مادة، أبرزها عدم إجراء البحث الطبي على مجموعة معينة من البشر أو فئات مستحقة الحماية، إضافة إلى عقوبة السجن (مدة لا تقل عن 10 سنوات) وغرامة مالية تتخطى 50 ألف دولار أميركي، لكل من يجري بحثا طبيا إكلينيكيا دون الحصول على موافقة، ويترتب عليه حدوث عاهة مستديمة أو وفاة.

وينص الدستور المصري في إحدى مواده على أن "لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون، ولا يجوز إجراء أي تجربة طبية أو علمية عليه".