بعد 17 عاما.. هل انتهت سيطرة الأحزاب الشيعية على الحكم بالعراق؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 وإسقاط نظام حزب البعث بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين الذي حكم البلاد 35 عاما، تصدرت الأحزاب الشيعية لقيادة المرحلة الجديدة بدعم كبيرة من الولايات المتحدة، طيلة السنوات الـ17 الماضية.

وبتولي مصطفى الكاظمي (53 عاما) رئاسة الحكومة الجديدة، يصل لأول مرة إلى السلطة رجل يحمل الفكر العلماني الليبرالي، فهل رفعت الولايات المتحدة يدها عن الأحزاب الشيعية بعد سنوات طويلة من حكم العراق، أم أن غيابها سيكون وقتيا؟

رجالات السلطة

منذ عام 2005 بدأت الأحزاب الشيعية فعليا في تولي السلطة بعد أول انتخابات برلمانية، حيث تشكلت الحكومة الانتقالية برئاسة إبراهيم الجعفري أمين عام حزب الدعوة الإسلامية، والتي استمرت لمدة عام واحد فقط، مهدت لانتخابات وحكومة جديدة.

وفي عام 2006 تولى رئاسة الحكومة نوري المالكي، الذي انتخب في وقتها أمينا عاما لحزب الدعوة ذاته الذي غادره الجعفري مع انتهاء مدة حكمه، حيث استمر المالكي في السلطة لولايتين متتاليتين، انتهت عام 2014.

المالكي حظي بدعم كبير من الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، إذ وصفه في وقتها خلال مؤتمر صحفي مشترك عقد في العاصمة الأردنية عمّان عام 2006 بأنه "الرجل القوي والمناسب للعراق".

وبعد انتهاء حقبة المالكي، تولى رئيس الهيئة السياسية في حزب الدعوة حيدر العبادي رئاسة الحكومة لدورة انتخابية واحدة من 2014 وحتى 2018، لم يستطع البقاء لولاية أخرى رغم محاولاته الكثيرة ودعم واشنطن لذلك.

وفي عام 2018 توصلت القوى السياسية الشيعية إلى اختيار القيادي السابق في "المجلس الإسلامي العراقي"، عادل عبد المهدي للمنصب ذاته، والذي انتهى به المطاف إلى تقديم استقالته بعد نحو عامين من ولايته تحت ضغط المظاهرات الشعبية التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

4 شخصيات حكمت العراق عقب الاطاحة بنظام صدام حسين، كلها من التيار الشيعي، بدعم ومباركة من الولايات المتحدة، مسخرة إمكانياتها العسكرية والسياسية والمالية لإنجاح التجربة الديمقراطية الجديدة.

دعم لا محدود

قدمت الولايات المتحدة دعما غير محدود للأحزاب الشيعية منذ توليها للسلطة في العراق، وحسب السياسي علي بن الحسين فإنه "بضغط من ثورة أكتوبر/ تشرين الأول 2019 أجبرت الطبقة السياسية على تسمية مصطفى الكاظمي رئيسا للحكومة، وبذلك ظهر تغيير على فكر الطبقة الحاكمة".

وأضاف خلال مقابلة تلفزيونية في 15 مايو/ أيار 2020: "البعض يقول إن الولايات المتحدة والغرب أزاحوا الإسلام السياسي (الشيعي) من السلطة، لكن ما حصل العكس فهم من دافع عنهم لمدة 17 عاما، فقد زجت واشطن بـ 150 ألف جندي بالعراق وقاتلوا نظام البعث وتنظيم القاعدة لتثبيت حكم هذه الأحزاب".

وأوضح رئيس الحركة الملكية الدستورية العراقية أن "من أقرب حلفاء الولايات المتحدة كانوا نوري المالكي وحيدر العبادي وهما من قيادات حزب الدعوة، وحتى في عهد عادل عبد المهدي هم دافعوا عن نظام حكم أحزاب الإسلام السياسي الشيعي، وقدموا ضحايا 50 ألف جندي، وتريليون دولار من أجل إبقائهم في السلطة".

وبخصوص دعم الولايات المتحدة لشخصية من خارج الأحزاب الشيعية، رأى علي بن الحسين أن "الولايات المتحدة وصلت إلى قناعة بأن هذه الأحزاب (الشيعية) لا تستطيع السيطرة في الوقت الحاضر على الأمور، وليسوا بالمستوى المطلوب لضمان سيادة واستقلال العراق".

الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، قال في تصريحات صحفية سابقة: "الأحزاب السياسية الشيعية بدأت تعيد مواقفها لا على مستوى الأولويات بل على مستوى الخنادق. كانوا يناورون بين خندقين، إيراني ظاهريا وأميركي في الخفاء. الآن بدؤوا بالعلن مع إيران".

وأضاف: "لا يستطيعون إلا العيش في منطقة المقاومة والثورة، وهذا انتحار. بدؤوا يذهبون إلى المنطقة الخشنة وهذا ليس من صالحهم". ونتيجة لذلك، برأيه، "ستدعم أميركا الشيعة العروبيين والعلمانيين في مواجهة الشيعة الإسلاميين".

حديث الهاشمي الذي كان في يناير/ كانون الثاني 2020، أي سبق تعيين الكاظمي رئيسا للحكومة بأربعة أشهر، ربما يؤكد أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل تحويل بوصلة الدعم السياسي لقوى وشخصيات من خارج الأحزاب الشيعية.

فشل التجربة

وفي تقييم لتجربة الحكم التي تولتها الأحزاب السياسية الشيعية، وفيما إذا كانت قادرة الحكم بالفكر الذي تحمله والعودة إلى رأس السلطة مجددا؟ وجوابا على ذلك يرى الكاتب العراقي إياد العنبر أن "مشكلة أيديولوجيات الإسلام السياسي الشيعي في العراق، بقيت تدعو إلى إقامة نظام حكم إسلامي، ولم تكن قادرة على التعاطي مع واقع التغيير السياسي بعد 2003".

وأضاف العنبر: أنها "أثبتت عجزها عن التصالح مع واقع الدولة بما تحمله من مفاهيم واقعية كمفهوم مجرد ومجموعة من الممارسات. إذ يبدو أن الغلبة أصبحت لواقعية العمل السلطوي، وما تفرضه من براغماتية، باتت ضرورة تفرضها الرغبة بالوصول أو البقاء في الحكم، حتى وإن كان على حساب التخلي عن الأفكار والطروحات التي تأسست عليها تيارات الإسلام السياسي الشيعي بالعراق".

ولفت الكاتب خلال مقال نشره بموقع "الحرة" في 30 أبريل/ نيسان 2020، إلى أنه "في العراق وبعد تجربة 17 عاما لا نزال ننتظر مفكرين يستثمرون مواقف التصالح مع الواقع السياسي ويساهمون ببناء نظرية سياسية تعالج الأزمات السياسية بالبلد".

وحسب العنبر، فإنه "حتى الآن، لم تحدث مراجعة فكرية عند أحزاب الإسلام السياسي الشيعي في العراق، ما يعني وجود أزمة تجديد بالفكر. إذ لا توجد طروحات يمكن أن تقدم أي نموذج للحكم، يقوم على أسس ومباني فكرية تتلاءم مع ما تسوقه في خطاباتها السياسية التي تتحدث فيها عن الديمقراطية والاحتكام إلى الدستور، ويبدو أن تلك المشكلة مركبة".

كوادر هشة

أما الكاتب اللبناني المهتم بالشأن العراقي مصطفى فحص، فأشار إلى أن الأميركيين أعلنوا عبر قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس (مطلع يناير/ كانون الأول 2020) بداية نهاية نظام ما بعد التاسع من نيسان/ أبريل 2003.

ورأى فحص في تصريحات صحفية في 7 يناير/ كانون الأول 2020 أن "تجربة دعم الإسلام السياسي الشيعي في العراق فشلت، بعد فشل الرهان على النخب الشيعية المتمثلة بحزب الدعوة والمجلس الأعلى الإسلامي".

وتابع: "إضافة إلى النخب الشيعية، فإن البرجوازيتين المدنية والدينية فشلتا أيضا وأخفقتا في بلورة تيار سياسي اجتماعي عقلاني، إذ فشلتا في تطوير عملهما السياسي ووقعتا في أسر انتماءاتهما العقائدية وتحولتا من أحزاب سياسية دينية إلى جماعات مسلحة تسيطر على العملية السياسية وتخضع لهيمنة طهران وأولوياتها على حساب الهوية الوطنية العراقية".

من جهته، رأى الباحث السياسي علي زغير أن "فشل حركات الإسلام السياسي الشيعية، خاصة في بلده العراق حيث يعايشها عن قرب، يرجع إلى أسباب وعوامل بنيوية أكثر منها تآمرية".

وقال زغير خلال تصريحات صحفية في ديسمبر/ كانون الثاني 2019، إنه "يمكن حصر أهم الأسباب البنيوية بأن معظم حركات الإسلام السياسي الشيعي، غلّبت جانب الهوية الدينية على الجانب الوطني، ما أظهرها في عيون المواطنين بمنظر المعادي للنزعة الوطنية العراقية".

وأردف: "كوادر هذه الحركات هي من النوع الذي يعلي من شأن المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة، لذلك عملت من خلال استحواذ أفرادها على المراكز الحساسة في الدولة على استنزاف الثروات لصالح جيوبها الخاصة، ما ساعدها في تكوين ثروات كبيرة جدا تُقدر بمليارات الدولارات".

وأشار زغير إلى أنه "لم يكن لدى هذه الحركات أي مشروع سياسي واضح ومحدد المعالم، كل ما فعلته هو الدخول مع الأحزاب الكردية في صفقة سياسية أُبرمت تحت عنوان المحاصصة الطائفية والتي عملت على تعميق جذور الفساد والضعف المؤسساتي يوما بعد آخر". 

وحسب رأيه، فإن معظم هذه الحركات "تفتقد للثقافة السياسية الحديثة، إذ إن معظم فكرها السياسي يقوم على نظريات ومقولات جامدة لا تنسجم والمتغيرات المتسارعة للحياة المعاصرة، وخصوصا حياة فئة الشباب وهم الأكثرية من بين سكان العراق".