خدعوك فقالوا تحميك من الفيروس.. هذه مواد مغشوشة تقتل مثل كورونا

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"من لم يمت بكورونا مات بأدوات مواجهته"، شعار رفعه تجار الكوارث والأزمات في كل زمان ومكان، كانت جائحة الفيروس فرصة مثالية للتربح ومضاعفة المكاسب، من قبل بعض التجار عبر إنتاج وتصنيع مواد تعقيم وتطهير مغشوشة.

البعض اعتمد على تلك المواد المغشوشة للوقاية من الإصابة بالفيروس، واكتشفوا في نهاية الأمر أنهم عاشوا حالة أمان زائف، وأنهم كانوا معرضين لخطر الإصابة بالفيروس، كما لو أنهم لم يستخدموا أي أدوات تعقيم.

بعضهم فقد حياته، وآخرون أصيبوا بالفيروس، رغم حذرهم الشديد والتزامهم الدقيق بتعليمات الوقاية، وكان السبب اعتمادهم على أدوات تعقيم مغشوشة أنتجها تجار أو أفراد استغلوا الأزمة وتاجروا بأرواح البشر.

غياب الرقابة

في البلدان التي تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي كاليمن وسوريا، وإلى حد ما في مصر ولبنان والعراق، وغيرها من البلدان التي تعيش وضعا مشابها، تغيب أنظمة الرقابة، وتتراجع كفاءة أجهزة الضبط والمحاسبة، ما يوفر بيئة مناسبة للاحتيال وإنتاج أدوات تعقيم مغشوشة وتسويقها على نطاق واسع، متسببة بمقتل وإصابة آلاف المواطنين.

مئات الحملات في المدن العربية تنفذها بين الحين والآخر الأجهزة الحكومية، وإدارات الجمارك، ووزارات الصحة، وتكشف عن حجم ذلك التزوير.

في مدينتي بيروت وصيدا اللبنانيتين، ضبطت السلطات الأمنية في منتصف مارس/آذار ومطلع أبريل/نيسان 2020، مواد أولية وأكياسا فارغة وملصقات لعلامات تجارية عالمية تعود لمعمل يصنع المعقمات المزيفة.

وفي الدار البيضاء في المغرب، اعتقلت المصالح الولائية للشرطة القضائية بسيدي البرنوصي بالدار البيضاء في منتصف أبريل/نيسان 2020، 5 أشخاص يمتلكون معملا سريا لإعداد وتحضير مواد تعقيم وتطهير مزيفة.

ولم تستطع الكثير من الحملات إيقاف إنتاج تلك المواد، وذلك لافتقار السلطات الحكومية في الدول العربية إلى منظومة عمل متكاملة وتنسيق متكامل بين الأجهزة الرقابية وأجهزة الضبط وأجهزة فحص المواصفات والجودة.

ومع أن التجار يعمدون إلى بيع المنتجات المزورة بسعر أقل من المنتج الأصلي في العادة، لكن ذلك لم يعد معمولا به حاليا، فالمنتج المقلد يماثل سعر الأصلي، وذلك لشح السوق من مواد التعقيم.

أطنان مغشوشة

الأسواق المصرية هي الأخرى شهدت مواد تعقيم مغشوشة، ففي مطلع أبريل/نيسان 2020، شهدت رواجا، في ظل عدم قدرة المواطنين على التفريق بين المواد الأصلية والمواد المغشوشة.

مباحث التموين في محافظة الإسكندرية (شمالا)، شنت حملة أسفرت عن ضبط معقمات مغشوشة بمنطقة برج العرب، بلغت 25 طنا و740 كيلو جراما.

في حين تم كشف أحد المصانع الذي ينتج مطهرات ومعقمات مغشوشة في مركز أبو المطامير بمحافظة البحيرة (شمالا)، وتم ضبط 3 أطنان و500 كليو جرام من المطهرات وأدوات التعقيم، توزعت على نحو 300 عبوة ديتول، سعة لترين ونصف، بالإضافة إلى 300 عبوة منظف، سعة 5 لترات، فضلا عن عن 100 عبوة كلور، سعة 4 لترات.

وحسب تصريحات صحفية، أوضح  محمد إسماعيل، رئيس شعبة المستلزمات الطبية باتحاد الغرف التجارية في القاهرة، أن تداول كحول الميثانول غزا الأسواق على أنه كحول إيثيلى. وهو أمر خطير، لأنه الميثانول شديد السمية والخطورة، ويمكن أن يتسبب بالعمى، حد قوله.

مواد عطرية

وفي الأسواق السعودية انتشر جل معقم لليدين يحمل اسم Alfa Instant Hand يستخدم مواد مغشوشة من كحول الميثانول الذي يستخدم لأغراض صناعية وليست طبية.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية (واس)، تحذيرا من الهيئة العامة للغذاء والدواء بالمملكة، من اقتناء ذلك المنتج، كونه يتسبب بمخاطر صحية للمستهلك.

كما حذرت الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية من 5 منتجات جل معقمة لليدين مغشوشة، بسبب احتواء غالبيتها على نسبة عالية من الكحول الميثيلي (ميثانول) إضافة إلى كميات أقل من الحدود المسموح بها من المادتين الكحوليتين المعقمتين الكحول الإيثيلي (إيثانول) والكحول الإيزوبروبيلي (إيزوبروبانول).

ونصت الهيئة على أن المنتجات هي جل "جنفكس"، وجل "جواهر"، و معقم "Lucky Fair" بالإضافة إلى معقم  "Areej Hand Gel Anti Bacterial" وكذلك جل اليدين "Hibiclens Hand Sanitizer Gel".

اللافت في الأمر أن ذلك المنتج المغشوش غزا الأسواق اليمنية، بعد تصديره من أراضي المملكة السعودية، عبر ملصق يحمل هذا الاسم وملصق آخر لنفس المنتج يحمل اسم Shield، وهو الأمر الذي دفع مصادر طبية يمنية إلى التحذير من استخدامه.

الإمارات لم تسلم من تلك الظاهرة، حيث ضبطت دائرة التنمية الاقتصادية في الشارقة كمية من المعقمات المغشوشة، في عدد من منافذ البيع، تحمل العلامة التجارية (أير فريشينر)، وقالت الدائرة: إنه تبين أن هذه المعقمات ليست إلا مواد عطرية.

غزة المحاصرة بالاحتلال وكورونا شهدت هي الأخرى انتشارا لمواد التعقيم المغشوشة، وحسب مصادر صحفية، فإن دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني بغزة حررت في الفترة الأخيرة 15 محضر ضبط لمصنعين ومروجين لمواد تعقيم اتضح أنها مغشوشة.

قاتل جديد

عاصم حسني وهو مواطن يمني، تحدث لـ"الاستقلال" قائلا: "عزمت على شراء كمية من الحقائب التي تحوي مجموعة من المطهرات والمعقمات بمختلف أنواعها، وذلك لتوزيعها على أفراد أسرتي وبعض أقاربي".

ويستدرك: "بعثت قبل الشراء، بعينة واحدة إلى هيئة المواصفات في مدينة صنعاء للتأكد من مطابقتها للمواصفات، فجاءني تقرير من الهيئة بأنها مقلدة وغير أصلية، وتفتقد للمواصفات".

يقول الدكتور الصيدلاني أحمد علي مصلح، وهو أيضا طبيب متخصص في الترصد الوبائي: "صانع المنتجات المزيفة ليس إلا قاتلا، يمارس الاحتيال في ظرف بالغ الحساسية والنتيجة أرواح تزهق وتموت، بسبب طمعه وجشعه".

ويتابع لـ"الاستقلال": "نحذر دائما من استخدام مواد مغشوشة عبر نشر مواد توعوية، لكن الموضوع صعب للغاية، فالمواطن البسيط غير قادر على التفريق بين المنتج الأصلي والمزيف، وآلية التحقق بالنسبة للكثيرين ليست سهلة ولا متاحة".

وعن كيفية التفريق بين المنتجين الأصلي والمقلد، يقول مصلح: "يمكن التفريق نوعا ما عبر نوع العلبة أو الملصقات التي على المنتج المقلد، فعادة ما تكون مهترئة أو قابلة للتهالك بسرعة، كما أن الكتابة التي عليها قابلة للمحو بسهولة، لكن ذلك أيضا غير حاسم في التمييز، إذ إن المقلد أحيانا يشبه الأصلي إلى حد كبير".

بئر السلم

تتراوح منتجات التعقيم المزيفة بين منتجات هي عبارة عن أصباغ، ومواد ملونة لا علاقة لها بالتعقيم، وأخرى فعاليتها ضعيفة بسبب تخفيف المواد من أجل زيادة التكسب ومضاعفة الربح.

يقول أكرم منصور مدير مركز المعلومات في هيئة المواصفات والمقاييس وضبط الجودة في مدينة صنعاء: "ازدهرت تجارة مواد التعقيم المزيفة، خلال الأزمة الصحية الحالية، وانتشرت بشكل غير مسبوق، ورأى بعض التجار أنها فرصة لا تعوض للكسب ومضاعفة الأرباح".

يضيف منصور لـ"الاستقلال": "ينتج التجار تلك المواد في معامل منزلية، ثم يوزعونها على المدن والقرى، بشكل واسع. هؤلاء يزورون تاريخ الإنشاء ومكانه".

على سبيل المثال يكتب هؤلاء على المنتج أنه تركي، في حين أن المنتج مصنع في مكان أسفل إحدى العمارات القديمة، "قمنا بضبط كميات من المنتجات المزورة التي كتب عليها صناعة تركية وهي مصنعة في أحد أزقة صنعاء"، وفق منصور.

ويتابع: "ننفذ حملات باستمرار، وعلى سبيل المثال قمنا في منتصف أبريل/نيسان 2020، بضبط 16 منتجا من مواد التنظيف والتعقيم مزورة ومخالفة للمواصفات المعتمدة، والحملات وفرق التفتيش مستمرة".

تضر الجلد

وحسب مدير مركز المعلومات، فإن "ضرر تلك المواد لا يقتصر على أنه يعطي أمانا زائفا للمستهلكين، بل يصل لحد الإضرار بالجلد والبشرة، فتلك المواد في الغالب تكون ضارة أو منتهية، لتضاعف من مشاكل المستهلك".

وعن النصائح لتجنب الوقوع في فخ المنتجات المغشوشة، يقول منصور: "توصياتي على مستويين، الأول للتجار والثاني للمستهلكين، فبالنسبة للتجار وأصحاب الصيدليات يجب أن يحرصوا قدر الإمكان على الشراء من وكلاء معتمدين لهذه المواد، لهم تاريخ تجاري طويل، وسمعة جيدة، وليس وكلاء جدد".

ويفضل بالنسبة لهؤلاء التجار أن يتأكدوا أن هذه المنتجات مصرح لها من قبل هيئة المواصفات والمقاييس، أو يعملوا على فحص المنتج في هيئة المواصفات والمقاييس وضبط الجودة، للتأكد من مطابقته للمواصفات.

أما بالنسبة للمستهلك، فيجب عليه الشراء من صيدليات سمعتها جيدة، أو من ماركات كبيرة، وذلك لتجنب الوقوع في الفخ قدر الإمكان، وفي حال تسبب ذلك المنتج للمستهلك بأي تحسس للجلد أو بأي حكة، وبدا الأمر غير اعتيادي، فليترك استخدام هذا المنتج فورا.

كمامات الموت

"الكمامات"، هي الأخرى شهدت حالات غش حيث تسابق على إنتاجها الكثيرون، غير مكترثين بالحد الأدنى من معايير الجودة الواجب توافرها في هذه الأقنعة، ولا عابئين بالمصير الذي قد يلقاه مرتدوها، والذي قد يفضي إلى الموت.

ولأن مستوى الوعي منخفض لدى معظم المستهلكين، فقد استغل التجار هذه المسألة وأنتجوا وسوقوا كمامات تمنحهم أمانا زائفا، وحماية غير فعالة من الفيروس.

حدث هذا في عدة بلدان عربية من بينها اليمن، وعلاوة على بيعهم كمامات تفتقد للحد الأدنى من معايير الجودة، فإنهم يبيعونها بأسعار مبالغ فيها، مستغلين مخاوف الناس وقلقهم من تفشي الوباء، حيث وصلت قيمة الكمامة في المدن الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن إلى نحو 10 أضعاف، من غير أي تدخل للسلطات هناك.

وفي الوقت الذي يفترض أن يدفع تفشي الوباء الناس للتعاون فإن الأمر عند هؤلاء أصبح فرصة للاحتيال، ليس فقط في إنتاج مواد مزيفة تقتل البشر، بل أيضا باستغلال قلقهم ومضاعفة الأعباء عليهم بدفع مبالغ خيالية مقابل بضائع زائفة.