نقل الكباش وامتهن الآثار.. كيف داس السيسي على ميثاق البندقية؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ميثاق البندقية الذي تبنته منظمة اليونسكو، ووقعت عليه مصر عام 1974، ينص على أنه: "لا يمكن فصل المعلم التاريخي عن النسيج الحضاري الذي هو جزء منه، ولا يكون ذلك مقبولا إلا في حالة الضرورة القصوى".

قانونيون وسياسيون مصريون، أكدوا أن نظام عبد الفتاح السيسي الذي يحكم مصر حاليا، خالف الميثاق، وداس عليه، عندما نقل كباش معبد الكرنك من الأقصر (جنوبا) إلى ميدان التحرير بوسط العاصمة القاهرة.

نقل الكباش يمثل حلقة في سلسلة طويلة من العبث الذي يمارسه نظام السيسي بتاريخ وحضارة مصر، مع إهمال تسبب في أضرار بالغة بالمناطق الأثرية التي تعم أرجاء البلاد.

تملك مصر ملايين الآثار من مختلف العصور بداية من الفرعوني إلى البطلمي واليوناني والإسلامي، ولا تتركز هذه الآثار في محافظة بعينها، بل تنتشر في أرجاء ومحيط مصر من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، حيث تتوالى أعمال الكشف المستمرة عن مقابر وآثار جديدة بمناطق مختلفة من البلاد.

نقل الكباش

التماثيل العتيقة التي لها جسد أسد ورأس كبش وتعد من رموز معبد الكرنك بالأقصر، وتزينه منذ آلاف السنين، غادرت مستقرها من صعيد مصر (جنوبا) إلى القاهرة على بعد مئات الأميال.

مطلع مايو/ آيار 2020، أعلنت وزارة السياحة والآثار، الانتهاء من تركيب الكباش الأربعة على قواعد مخصصة لها حول مسلة الملك الفرعوني رمسيس الثاني، والتي نُقلت أيضا من منطقة صان الحجر بمحافظة الشرقية في دلتا النيل، إلى ميدان التحرير بوسط القاهرة. 

جاءت عملية النقل بعد جدال طويل، وفي ديسمبر/ كانون الأول 2019، تقدم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بدعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري لوقف عملية النقل.

وشدد المركز من خلال موقعه الإلكتروني الرسمي على "خطورة ذلك على هذه القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن، نظرا للإخلال  بطبيعة المعلم الأثري الذي سيتم اقتطاع هذه التماثيل منه". 

وكذلك أعلنت مونيكا حنا، رئيسة قسم الآثار في الأكاديمية البحرية بأسوان، أن مصر "أخلت بالاتفاقيات الدولية عندما أقدمت على نقل تلك الكباش".

وأضافت: أن "تلك القطع الأثرية ستنقل من بيئة جافة (الأقصر في جنوب مصر) إلى بيئة عالية الرطوبة (ميدان التحرير بالقاهرة) إضافة إلى تعرضها لنسب عالية من الغازات الضارة مثل أول وثاني أكسيد الكربون".

وأكدت عالمة الآثار المصرية أن ذلك "سيضر بتلك التماثيل المصنوعة من الحجر الرملي مما سيصعب عملية ترميمها. نقل تماثيل الكباش من مكانها سيفقدها قيمتها التاريخية ويحولها إلى حجارة عادية". 

فيما قالت لبنى عبد العزيز أستاذة العمارة بجامعة المنيا، عبر حسابها بفيسبوك: "في رأي المهني كمعمارية وعمرانية إن ده ممكن نسميه تصميم (صينية الميدان) ولكن لا علاقة له من قريب أو بعيد بتصميم الفراغ العمراني الحيوي التاريخي لأهم ميادين مصر وأيقونة ثورات العالم (ميدان التحرير) … فلا هو راعى القيمة الرمزية ولا حتى الوظيفية ولا المقياس الفراغي للميدان.. ولا وجود المبنى التاريخي لأحد أهم متاحف العالم (المتحف المصري)".

ولعل ذلك يعزز من فرضية أبعد من مجرد نقل التماثيل، وهي أن نظام السيسي يسعى إلى تغيير معالم ميدان التحرير بشكل جذري، لانتزاع رمزيته الثورية في نفوس المصريين.

وهو ما أظهرته جليلة القاضي، أستاذة تخطيط المدن، في دراستها عن "ساحات التغيير والغضب" المنشورة بالعدد 11 من مجلة "أمكنة" في يناير/ كانون الثاني 2020.

القاضي قالت عن ثورة 25 يناير 2011: "الاحتفالية توحد خلالها الجيش والشعب وعاشا حالة من التوهج الثوري، قبل أن تنهي منظومة الحكم الجديد دور الميادين كساحات للغضب أو البهجة لعدة عقود، وفي إطار سعي السلطة لتحقيق هذا الغرض تم تغيير الكثير من معالم الميدان".

مشاهد عبثية

في ديسمبر/ كانون الأول 2017، عم الغضب والاستياء، الأوساط العامة في مصر، بعد أن كسر، مجموعة من العمال التابعين للحي، تمثال عبد المنعم رياض في بورسعيد أثناء نقله.

حيث أظهر فيديو تداوله ناشطون على مواقع التواصل، عمالا وهم ينقلون تمثال عبد المنعم رياض باستعمال "البلدوزر" بطريقة عشوائية وغير مهنية، الأمر الذي أدى إلى إتلاف أجزاء منه، وتحطمه. 

ويعتبر المصريون عبد المنعم رياض من أهم العسكريين المصريين والعرب في القرن الـ20، بالنظر إلى المناصب التي شغلها، من بينها رئيس أركان حرب القوات المسلحة، ورئيس هيئة العمليات، قبل أن يستشهد عام 1969 أثناء قيادته لحرب الاستنزاف ضد إسرائيل.

وفي مارس/ آذار 2017، تم اكتشاف تمثال أثري للملك الفرعوني "رمسيس الثاني"، في منطقة المطرية بالقاهرة، وواجهت وزارة الآثار العديد من الانتقادات بسبب طريقة انتشال، وإخراج التمثال الكبير، إذ استخدمت رافعة "ونش" في عملية الانتشال.

الدكتور خالد غريب، أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، أكد وقتها في بعض وسائل الإعلام: أن "ما حدث عند استخراج القطعة الأولى من التمثال التي تمثل التاج وجزءا من الرأس (مهزلة علمية). لقد استُخدمت بالفعل الكراكة والشوكة لاستخراج هذا الجزء، مما كان يمكن أن يتسبب في كسر أو خدش يؤثر على سلامة الأثر". 

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي يوليو/ تموز 2017، كشفت صحيفة الوطن المصرية، عن واقعة أخرى من الإهمال الجسيم، تعرض له هذا التمثال، حيث عرضت صورا لرأس التمثال ملقاة على الأرض، وملفوف بقطعة من القماش، إلى جانب تركه في ساحة حديقة المتحف المصري دون عناية.

وأظهرت الصور، تحطم رأس التمثال الذي تم نقله من المطرية إلى حديقة المتحف المصري بالتحرير، إضافة إلى إلقاء الجزء الآخر من جسم التمثال على أرضية حديقة المتحف عرضة للشمس وعوامل الجو. 

الآثار الإسلامية

في يناير/ كانون الثاني 2019، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، منطقة القاهرة التاريخية ضمن التراث العالمي المعرض للأخطار، وذكرت أنه على مدار 3 سنوات، أرسلت اليونسكو خطابات رسمية لوزارة الخارجية المصرية تهددها فيه أن المنظمة سوف تُخرج منطقتي القاهرة التاريخية من المناطق المسجلة لديها ضمن قائمة مناطق التراث العالمي.

وتعتبر القاهرة التاريخية التي تأسست في القرن العاشر الميلادي، إحدى أقدم المدن الإسلامية بما تحويه من جوامع ومدارس وحمامات وينابيع، وتعد نموذجا متميزا للمعمار الإسلامي، حيث جمعت العديد من الأمثلة المعمارية الفريدة من عصور الأمويين، والطولونيين، والفاطميين، والأيوبيين، والمماليك، والعثمانيين.

وتم إدراج القاهرة على قائمة التراث العالمي عام 1979، بناء على توصية المجلس الدولي للآثار والمواقع.

اليونسكو رصدت المخاطر التي تتعرض لها تلك المنطقة من الإهمال والعشوائية، مع وجود بعض التعديات على هذا الممتلك الثقافي العالمي، حيث تنتشر المتاجر في مناطق الغورية والأزهر والجمالية بمنطقة القاهرة التاريخية، ويستطيع الزائر رصد مخالفات أصحاب المتاجر، وضعف الرقابة الحكومية المحلية عليها.

وتعاني كثير من المباني الأثرية الإسلامية من عدم الاهتمام، والعوامل البيئية المختلفة، بالإضافة إلى الكوارث مثل الحرائق، كالذي حدث في خان الزراكشة التاريخي بشارع الأزهر، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.