منصف السلاوي.. مغربي يقود الفريق الأميركي للبحث عن علاج كورونا

مهدي القاسمي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الجمعة 15 مايو/ أيار 2020، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تعيين العالم المغربي اليساري منصف السلاوي على رأس فريق البحث الرسمي في أميركا عرين الرأسمالية للبحث عن لقاح لفيروس كورونا. 

كان الخبر كافيا لانقسام مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب إلى فرق لا تناقش سوى قرار ترامب، بين مفتخر بالمغربي الذي حصل على ثقة أقوى دولة في العالم لتخليص البشرية من الوباء.

وآخرون رأوا أن أصوله مغربية لكنه يحمل الجنسية الأميركية وتلقى تعليمه في الخارج فليس للمغرب فضل فيما هو عليه اليوم، فيما رأى فريق ثالث قال: إن المغرب كان أولى بهذا الابن البار بدلا من أن يهاجر للخارج.

البروفيسور المتخصص في علم المناعة والفيروسات خرج السبت 16 مايو/ أيار 2020، في لقاء مباشر مع القناة المغربية الرسمية لحسم كل هذه النقاشات، متحدثا بالعامية المغربية معتزا بانتمائه ومعلنا أنه مغربي رغم إقامته لمدة 43 سنة في المهجر.

الصحفي والإعلامي المغربي عبدالله الترابي، الذي استضاف العالم المغربي في برنامجه على قناة مغربية قبل أيام قبل تعيينه، قال: "السلاوي لو كان استقر بالمغرب لأصبح في أحسن الأحوال أستاذا جامعيا أو عميدا لكلية، لكن ليس إلى الدرجة العلمية التي وصل إليها الآن".

أفاد الصحفي أن الشركة التي كان يرأس فيها منصف السلاوي فريق باحثين من 15 ألف عالم، كانت تخصص 4 مليارات دولار سنويا للبحث العلمي أي تقريبا 4 أضعاف ما يخصصه المغرب للبحث العلمي في جميع التخصصات ولكل الجامعات والمعاهد.

وزاد الترابي: "اليوم ترامب يضع أمامه جميع إمكانيات الدولة الأميركية والوحدات العلمية والصناعية والجيش فيما سماه الرئيس الأميركي "أكبر عملية منذ الحرب العالمية الثانية". 

وختم الصحفي المغربي حديثه: "نفتخر بمنصف السلاوي كمغربي لأنه ينفع الآن الإنسانية وبلده المغرب أكثر في ظروف وإمكانيات تسمح له بالبحث والابتكار في مناخ علمي حقيقي، أما فيما يخص المغرب فما يقع بأكمله درس لفهم بأن البحث العلمي هو قضية حياة أو موت بالنسبة للشعوب وليس كماليات".

كاين واحد النقاش حول منصف السلاوي و هجرة الأدمغة و أن المغرب كيضيع الكفاءات ديالو. لو افترضنا جدلا بأن منصف السلاوي...

Posted by Tourabi Abdellah on Friday, May 15, 2020

قصة تميز

وضعت مجلة "فورتشن" الأميركية السلاوي على لائحة أكثر 50 شخصية غيرت العالم، حيث شارك العالم المغربي في تطوير واكتشاف العديد من لقاحات أمراض المناعة المتعلقة بالملاريا وعنق الرحم والفيروسات العجلية، بالإضافة إلى 24 لقاحا لفيروسات جد متطورة في ظرف 5 سنوات فقط.

ألف السلاوي 100 ورقة بحثية، وعمل أستاذا في جامعة هارفارد الأميركية، ثم في جامعة تافتس ببوسطن.

ولد منصف السلاوي، الأمازيغي الأصل، سنة 1979 بمدينة أغادير (وسطا) وعاش فيها 17 سنة إلى أن حصل على شهادة الثانوية العامة، ثم غادرها إلى بلجيكا حيث أقام 27 سنة حصل على جنسيتها، وبعد حصوله على دكتوراه في علم الأوبئة سافر إلى أميركا حيث حصل على دكتوراه أخرى من هارفارد، لكنه لا زال محتفظا بجنسيته المغربية.

في 1984 انضم السلاوي إلى "gsk"، رابع أكبر شركة أدوية في العالم، وبعد 4 سنوات انضم إلى فريق باحثين لتطوير لقاح الملاريا، حينها تم تطوير أول لقاح للملاريا في العالم لصالح أطفال إفريقيا، حيث كان يموت من نصف مليون إلى مليون طفل سنويا.

ساهم السلاوي أيضا في تطوير واكتشاف أغلب اللقاحات التي أنتجتها الشركة، التي كانت تنتج نوعين فقط من الدواء، بميزانية 5 مليارات دولار في العام، وبين 2011 و2016 تمكنت الشركة بفضل قيادة منصف السلاوي لفريق الباحثين فيها من اكتشاف وإنتاج 24 دواء بأربعين بالمائة فقط من الميزانية السابقة (أي 3.5 مليارات دولار)، في ظرف 5 سنوات فقط. 

الشركة أنشأت في 2015 أحد مختبراتها في ولاية ماريلاند الأميركية، وأطلقت عليه اسم "مركز السلاوي"، وهو سادس أكبر مختبر للأدوية في العالم. المختبر الذي استخدمت في تبليط أرضيته جذوع أشجار من مدينة أرفود المغربية (جنوبا) تكريما للباحث.

عن إطلاق اسمه على المركز، قال السلاوي: "الأمر مؤثر، لكن النجاح يتقاسمه معي باحثون آخرون، لست وحدي".

في 2017 قرر منصف السلاوي التقاعد لترك المجال أمام الجيل الجديد داخل الشركة، ثم انتقل إلى شركة "جلفاني" المختصة في التكنولوجيا الحيوية والتابعة لشركة جوجل، بجانب رئاسته لأربع شركات أخرى في نفس الاختصاص.

في 13 يناير/ كانون الثاني 2020، تسلمت شركة "موديرنا" التي يرأس السلاوي فريقها البحثي، تاريخ الحمض النووي لفيروس كورونا، وفي 25 مارس/ آذار 2020، تمكن باحثو الشركة من تصميم اللقاح الأولي للفيروس الذي يمكن زراعته في جسم الإنسان.

وفي تصريح له قال البروفيسور: إنهم سيتمكنون من الحصول على النتيجة النهائية في نهاية 2020، مشيرا إلى أن مختبرات أخرى عبر العالم تعمل لإيجاد اللقاح، لكن شركتهم هي الأولى التي دخلت مرحلة التجارب السريرية.

في عرين الرأسمالية

عبّر بعض المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي عن تخوفهم من عمل السلاوي بشكل مباشر مع ترامب المعروف بمزاجيته وتقلباتها، خصوصا وأنه أزاح منذ فترة قصيرة المدير السابق لهيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي، ريك برايت من المنصب نفسه بعد أن انتقد طريقته في التعامل مع الفيروس.

في تصريح لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قال السلاوي:"استدعاني الرئيس (ترامب) قبل تعييني، وسألني إن كان ممكنا الحصول على لقاح بنهاية السنة. وهل هذا هدف معقول. أجبت أنها مدة صعبة لكنها تظل معقولة".

وزاد مؤكدا للصحيفة: "لو لم أكن متأكدا ما كنت قبلت هذا المنصب".

انتمى السلاوي في سنوات شبابه إلى صفوف منظمة "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" ذات التوجه اليساري، وتأثر بفكر منظمة "إلى الأمام" اللينينية الماركسية وسعى من خلال دراسته ومجال عمله إلى التأثير في العالم عبر الأفكار التي تشبع بها. 

صرح السلاوي في مقابلة تلفزيونية خلال برنامج تناول أهم محطات حياته، أن قيمه لم تتغير إلى اليوم. الصحف الأميركية المعارضة لترامب اعتبرت أن الرئيس خلال الجائحة: "عليه أن ينصت لأكثر فئة يكرهها، وهي الخبراء والصحفيون". 

ولعل تعيينه للسلاوي خير شاهد على أن الرئيس ترامب قدم المصلحة على أي انتماءات، إذ يعلم ترامب أن الجائحة تهدد فوزه في الانتخابات المقبلة.

من جهته رأى الصحفي المغربي حكيم عنكر، في تدوينة له أن وجه الغرابة هنا، أن تقدم مؤسسة الرئاسة الأميركية على تعيين، شخص له ماض يساري، على رأس فريق بحث للإنقاذ في زمن وباء كورونا.

قبل أن يتساءل: "هل تخلصت الإدارة الأميركية من عدائها المكين لكل ما هو يساري؟ أم هل غاب عنها هذا التفصيل الصغير من حياة العالم المغربي؟".

وتابع: "لا يغرب عن الذهن، ما خلفته الحملة المكارثية، التي قادها النظام الأميركي في الخمسينيات من ضحايا، بتهمة الشيوعية، وكان حطبها، سياسيون ورجال أعمال وأدباء وكتاب". 

قبل أن يختم تدوينته "في كل الحالات، إنه لمدعاة للفخر أن يقود عقل يساري مغربي، جهود بحث لإنقاذ البشرية، في عرين الرأسمالية المتوحشة!!".

المغرب في القلب

في فيلادلفيا الأميركية، يقيم البروفيسور بالقرب من إحدى غاباتها حيث يمارس كل صباح رياضة الجري، التي يؤكد أنها تصفي ذهنه وتساعده على التفكير. 

يقول السلاوي: إنه مكلف بعدة مهام لكنه يستطيع التركيز على كل واحدة منها. وأشار إلى أنه ينام في وقت مبكر جدا، وبالتالي يصبح يومه أطول ويتمكن من إنجاز الكثير من المهام، حيث يعمل في السنوات الأخيرة من منزله، بعد سنوات طويلة في أكبر مختبرات العالم.

يرجع منصف السلاوي بداية الطريق الذي قاده إلى هنا للصدفة، التي جعلته يدرس البيولوجيا بدل الطب، بعد أن تعذر عليه التسجيل في إحدى الجامعات بفرنسا، ثم السفر إلى أميركا.

يحرص السلاوي في كل زيارة له للمغرب على زيارة مختبرات البحث العلمي، ويشارك في مؤتمرات في المملكة، ويشدد على أنه يرغب في دعم بلده.

تقول شقيقة العالم منصف السلاوي: إنه شخص سخي بالمشاعر ومعطاء حتى وهو بعيد عن الوطن هو دائما موجود بين عائلته، وكأنها ترد على منتقدي البروفيسور لقوله خلال خطابه أمام ترامب: "سنتمكن من إنقاذ بلدنا والعالم"، مدعين أن بلده هو أميركا وليس المغرب.